عظمة الحب |
(صوت نائي خفيف يعقبه صوت حلمي يقول): |
حلمي: ومضى (جواد) ينفض عنه غبار الأيام.. ويزيح عن صدره ستار الظلام.. |
وصفي: بعد أن طحنته السنون وأناخ الزمان عليه بكلكله… |
حلمى: ولكنه عاد يا وصفي… |
وصفي: أجل يا حلمي فعسى أن يكون العود أحمد.. كما يقولون… |
حلمي: لا يدري بذلك أحد إلا عالم الغيب والشهادة… |
وصفي: ذهلت عندما سمعت عودة (جواد) من مسراه الطويل في طريق الضلال… |
حلمي: كلنا في الحقيقة أذهلنا وأدهشنا النبأ… |
وصفي: إنني كلما تذكرت ما كان عليه (جواد) ازداد عجبي بهذه العودة المفاجئة… ألا ترى أنها تخفي وراءها سراً… |
حلمي: كيف يا وصفي… |
وصفي: المثل الفرنسي يقول: ((فتش عن المرأة))… |
حلمي: لم لا تقول أراد الله له الهداية… |
وصفي: وجعل المرأة وسيلة لهذه الهداية… |
حلمي: قد يكون صواباً ما تقوله ولكن ابن (جواد) الآن… |
وصفي: لا أدري بالضبط.. ولكن أين يكون.. أما في دار والدته أو في أحد المساجد… |
حلمي: حكمتك يا رب.. (جواد) الذي كان يسخر من المصلين يصبح في الصف الأول من المسلمين… |
وصفي:
فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ (سورة الأنعام آية 125). |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى ناعمة نسمع بعدها صوت (ليلى) تقول): |
ليلى: لا حديث للناس يا منى إلا عن عودة (جواد) إلى جادة الصواب بعد تلك الليلة الصاخبة المعربدة والغريب… |
منى: الغريب ماذا يا ليلى… |
ليلى: الناس فجأتهم العودة فكانوا بين مصدق ومكذب.. ولا شك أنك أعلمنا بالحقيقة لقرابتك من (منى)… |
منى: أولاً: هل أنت من المصدقين أو المكذبين… |
ليلى: تقصدين المصدقين أو المكذبين للخبر… |
منى: عفوك أجل.. أقصد الخبر… |
ليلى: أقول لك الحق إنني مترددة.. ولذلك جاءت زيارتك في وقتها عسى أنك تزيلي هذه الحيرة من نفسي… |
منى: صدقي يا ليلى أنه عاد والحمد لله إلى جادة الهدى… |
ليلى: يا إلهي.. لولا أنك قريبته ولولا ثقتي فيك ما صدقتك.. |
منى: شكراً على هذه الثقة… |
ليلى: ولكن… |
منى: ولكن ماذا… |
ليلى: لا بد لهذه التفسير من أسباب ودوافع… |
منى: قدرة الله ومشيئته هما الأسباب والدوافع… |
ليلى: هذا صحيح يا منى غير أني أعلم… |
منى: تعلمين ماذا يا ليلى.. |
ليلى: أعلم وأرجو ألا أحرجك… |
منى: قولي فنحن أخوات… |
ليلى: وأعز.. أنت… |
منى: أنا ماذا… |
ليلى: ألا تزالين مقيمة على عطفك علي ((جواد))… |
منى: إنه قريبي ولا أكرهه.. |
ليلى: هذا مفهوم ولكنك كنت تعزين (سالم) وتميلين إليه وكان الميل من جهة واحدة… |
منى: كيف حكمة على ذلك… |
ليلى: بالحديث المتواتر عنه بين الناس ولذلك تساءلت… |
منى: إذا كنت تحبين لله يا ليلى فماذا يهمك أن كان هنالك رد أم لا.. |
ليلى: إذن فأنت ما تزالين على عهدك… |
منى: وهل في ذل ما يعيب.. |
ليلى: لا ولكنني أحمي ولا أدري ما هو الدافع إلى هذا الحمى… |
منى: أي حمى… |
ليلى: أحس أنك وراء هذا التفسير الذي جرى لـ ((جواد)) لأنك أحببته لله فجازاك الله على إخلاصك بأن هدى من أحببت ((منى))… |
منى: يا سلام يا ليلى لك تعابير رائعة في بعض الأحايين.. |
ليلى: ولم لا تقولي في كل الأحايين.. |
منى: أخشى أن أثير غرورك… |
ليلى: شكراً يا عزيزتي شكراً.. قولي لي من غير لف أو دوران… |
منى: أقول ماذا… |
ليلى: أليست صادقة في إحساسي… |
منى: إلى درجة ما… |
ليلى: يا سلام على دبلوماسيتك يا منى… |
منى: إنها مستمدة من كياستك ولياقتك… |
ليلى: لا.. لا.. أرانا فتحنا محضر مديح وثناء نكيله لبعضنا البعض.. اسمعي يا منى… |
منى: قولي فكلي أسماع وآذان… |
ليلى: ألا يزال هذا الميل من جهة واحدة… |
منى: ليتني لم أمنحك يا ليلى.. |
ليلى: لماذا يا عزيزتي هل ندمت على ذلك.. |
منى: لو كان من جهة واحدة ما حدثت المفاجأة.. |
(تقهقه ليلى، فتقول هذِّي): |
ولم تضحكين بهذا العنف |
ليلى: والله ما أدري أينا الذكي.. |
منى: أنت.. وإني أسحب تهجمي وأعتذر… |
ليلى: لا تسحبي كلامك ولا تعتذري فليس بيننا حجاب.. وإني لأحمد الله سبحانه وتعالى على استجابته لآمالك وأمانيك… |
منى: الحمد لله.. الحمد لله.. لي رجاء يا ليلى… |
ليلى: قولي يا عزيزتي… |
منى: أن يبقى ما جرى بيننا على الكتمان… |
ليلى: كوني مطمئنة وهذا وعد مني فلن يطلع على ما جرى بيننا أحد حتى زوجي (وصفي)… |
منى: شكراً.. صدقيني حتى أخي حلمي في حيرة من هذا التحول المفاجىء… |
ليلى: ولكنه مفاجأة سارَّة.. أهنئك من كل قلبي عليها وأدعو الله ألا يميتني حتى أرى أحلامك وقد تحققت جميعها… |
منى: شكراً على تمنياتك الطيبة ودعاء لك من القلب بالعمر المديد والصحة والعافية… أستأذنك في الانصراف.. |
ليلى: مع السلامة.. مع السلامة.. وإلى اللقاء… |
منى: إلى اللقاء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت وصفي يقول): |
وصفي: يا مرحبا بك يا (جواد) يا مرحبا.. لقد أسعدتني بهذه الزيارة.. |
جواد: كنت حريصاً يا أخي وصفي على رد الزيارة لولا زحمة العطف الذي غمرني به إخواني والذي تجلى في زيارتهم وفرحتهم بما أنعم الله به علي… |
وصفي: من حق كل أخ أن يفرح ويبتهج بعودتك إلى جادة الهدى.. |
جواد:
الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (الأعراف آية - 43).. |
وصفي: كانت غيبتك طويلة يا جواد حتى أشفق محبوك ألا تعود منها… |
جواد:ولكن الله جلت قدرته خصني برحمته فهيأ لي أسباب العودة إلى حظيرة الهدى والرشاد فالحمد لله على هدايته وجزى الله من كان السبب كل خير… |
وصفي: إنني ومازن نشتف على معرفة سر هذا التطور والتبدل المفاجىء… |
جواد: هذا السر هو بالدرجة الأولى الذي حداني إلى هذه الزيارة.. |
وصفي: قل يا ((جواد)) فمكانتك عندي ما زالت على محلها بالرغم مما قاسيت في سبيلك… |
جواد: جئت ألتمس منك الصفح عما تحملت من أذى مني وفي سبيلي.. |
وصفي: لقد سامحت وصفحت فسروري بعودتك إلى جادة الصواب لا يعدله سرور.. قل يا جواد ولا تخف عني شيئاً… |
جواد: لا أدري كيف ابدأ كلامي فالكلمات تتراقص على شفتي.. |
وصفي: قل فلعليّ أساعدك فأنا ما زلت صديقك الذي تعهده.. لم أتغير ولقد - يعلم الله - شقيت بشقائك وها أنذا أسعد بسعادتك.. |
جواد: أجل إنك الصديق الذي لم يتنكر لي بالرغم مما أسأت… لعلّك أنت و… |
وصفي: وا….. من…. |
جواد: منى…. |
وصفي: منى أخت حلمي… |
جواد: أجل يا وصفي أجل… |
وصفي: كيف.. ما دخلها في الأمر… |
جواد: هذا أمر شرحه يطول.. ولكني ألخصه… |
وصفي: حبذا لو شرحته.. |
جواد: لعلّك تذكر أني ألمحت لك عني حب ((منى)) لي إلى درجة الوله… |
وصفي: أذكر ولا أنسى… |
جواد: ونذكر أيضاً أني كنت لا أميل إليها ولكني لم استطع صدها خشية أن أجرح شعورها لئلاَّ أجرح شعور صديقي وصديقك حلمي.. |
وصفي: وكنت تتهرب وتفلت من حبالها وشراكها… |
جواد: بلى.. بلى.. |
وصفي: وماذا بعد.. |
جواد: حتى أدركت ((منى)) أني لا أحبها وإني كنت أترفق بعواطفها بتهربي منها… |
وصفي: فماذا كان رد الفعل عندها… |
جواد: ظلت ((منى)) على حبها لم تتغير لأنها كانت تحبني لوجه الله.. كانت تحبني طمعاً في أن تعيدني إلى حظيرة الهدى والرشاد… |
وصفي: يا إلهي ما أنبلك ((يا منى))… |
جواد: وضغطت ((منى)) على أعصابها وداست على كرامتها وواصلت سعيها تنقذني من كل ورطة أقه فيها وترشدني بالتي هي أحسن… |
وصفي: لقد اتبعت قوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (النحل آية 125). |
جواد: وتخلى عنّي الناس إلا ((منى))… |
وصفي: حتى أنا يا جواد ابتعدت عنك مكرهاً.. ولكني لم أتنكر بل كنت أتألم لألمك وأنتظر اليوم الذي ترجع فيه إلى صوابك… |
جواد: من حقك يا وصفي فيما فعلت فقد كان سلوكي يشين كل من رافقني وصاحبني… |
وصفي: كانت حالك فظيعة بكل ما في الكلمة من معنى ومبنى.. |
جواد: ومع ذلك فلم تتخل ((منى)) عني وأنا أنتقل من حانة إلى أخرى ومن مائدة خضراء إلى أخرى حتى غرقت في بحر من الديون… |
وصفي: لا حول ولا قوة إلا بالله… |
جواد: وطالبني أصحاب الديون وهددوني بالسجن.. واسودت الدنيا في عيني فهاتفت ((منى)) وإذا بها تأتي على عجل وتتعهد للدائنين بدفع الدين… |
وصفي: يا للتضحية الهائلة… |
جواد: وباعت ((منى)) جميع أملاكها وحليها وسددت ما علي من ديون وهي تبتسم وتقول: |
وصفي: ماذا تقول… |
جواد: هل هناك خدمة أخرى يا أعز إنسان في الوجود.. فقلت لها… |
وصفي: قلت لها ماذا.. |
جواد: قلت لها: خذيني إلى الطريق الذي أحببتني من أجله… |
وصفي: يا إلهي.. وبعد.. |
جواد: وانفجرت تبكي فقلت لها: لم تبكين يا مخلصتي.. فقالت: ابكي من فرحي فقد هجم السرور علي حتى أنه من فرط ما قد سرني أبكاني.. |
وصفي: الله.. الله أكبر.. |
جواد: ثم أخذتني إلى دار والدتي ولسانها لم ينقطع عن حمد الله وشكره طوال الطريق… |
وصفي: يا لها من قصة مثيرة… |
جواد: والآن… |
وصفي: والآن ماذا… |
جواد: أريد أن تكون رسولي إلى حلمي بطلب يد أخته… |
وصفي: مشياً على الرأس لا مشياً على القدم.. سأنطلق الآن إليه.. |
جواد: شكراً يا صديقي.. بحفظ الله وأمانه.. |
وصفي: بحفظ الله وأمانه.. وإلى اللقاء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ليلى تقول): |
ليلى: لقد ضربت مثلاً رائعاً في التضحية يا ((منى)).. وقد جزاك الله على تضحيتك خير الجزاء.. |
منى: الحمد لله على آلائه ونعمه.. |
ليلى: منى أراك مهمومة اليوم في الوقت الذي يجب أن تكوني فيه اسعد الناس.. قولي ما بك… |
منى: لا شيء يا ليلى… |
ليلى: لا شيء ومحياك يكاد ينطق مما يجيش به صدرك.. قولي مم تشكين.. |
منى: من مفاجأة زوجك وصفي… |
ليلى: ألم تكن منتهى أمانيك.. |
منى: لا.. كنت أريد التضحية بدون ثمن… وكنت أرفض طلب زوجك حين طلبني من أخي… |
ليلى: أتريدين أن تترهَّبي.. أو تتزوجي غير (جواد)؟… |
منى: من يدري؟… |
ليلى: من يدري.. ماذا؟.. |
منى: من يدري لعلَّ (جواد) يحب غيري فضحى بمن يحب وفاء لتضحيتي… |
ليلى: إنك تتوهمين يا منى.. |
منى: جواد لم يحب أحد سواك… |
(يدخل جواد وحلمي ووصفي فتقول ليلى): |
ليلى: جواد وحلمي ووصفي.. ما هذه المفاجأة السارة… |
جواد: وليلى ومنى.. الحمد لله الذي جمعنا على أسر حال… |
|