دفع الزكاة |
صبحي: ما هذا الضجيج الذي أسمع والموسيقى الصاخبة التي تصدح والأنوار الكاشفة التي حولّت الليل نهاراً.. |
عزمي: إنها لأبي شادي يا سيدي.. |
صبحي: أبو شادي يا عزمي.. |
عزمي: نعم يا أخي ألا تعرفه… |
صبحي: كيف لا.. أعرفه جد المعرفة ولكن.. |
عزمي: ولكن ماذا… |
صبحي: إنني أجهل مصدر الثراء الذي هبط عليه.. |
عزمي: لقد قام بأعمال وصفقات تجارية جنى من ورائها هذه الثروة الطائلة التي تجلت آثارها في حفل العرس الذي يقيمه هذه الليلة لولده شادي… |
صبحي: ولكن أمارات الإسراف ظاهرة عليه.. |
عزمي: الجود من الموجود يا أستاذ صبحي.. |
صبحي: ولكنه إسراف.. والله لا يحب المسرفين.. ألا يذكر أبو شادي كيف كان وكيف أصبح.. |
عزمي: نحن هنا في هذا البلد لا نعرف أبا شادي إلا منذ فترة قريبة حين فاء إلينا ومعه ثروته الطائلة فاستبشرنا بسكناه خيراً.. قل لي.. |
صبحي: تفضل يا عزمي.. |
عزمي: كيف كانت حال أبي شادي المادية قبل أن ينزح إلى بلادنا.. |
صبحي: كان في حالة فقر مدقع.. يعيش على الصدقات.. |
عزمي: وكيف وصل إلى هذا الثراء.. |
صبحي: سبحان العاطي يا عزمي:
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ… |
عزمي: سبحانه… |
صبحي: أنا أعرف أن أبا شادي حين بلغت به سوء الحال إلى جد الاستجداء ترك بلده وسافر إلى بلد آخر… وانقطع خبره عنا.. |
عزمي: إذن فمعرفتك الليلة بحال أبي شادي وتراثه الفاحش كان مفاجأة لك.. |
صبحي: أجل.. مفاجأة وأية مفاجأة… |
عزمي: ومفاجآت لعلّها تبلغ قمتها حين تعلم… |
صبحي: أعلم ماذا… |
عزمي: تعلم أن أبا شادي يحتفل بعرس ابنه على ابنة أغنى تاجر في بلدنا.. |
صبحي: هنالك مثل عند أهل الشام يا عزمي… |
عزمي: ما هو يا أستاذ صبحي… |
صبحي: المال يجر المال والقمل يجر الصيبان… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت تغريد تقول): |
تغريد: كيف كان عرس دار أبي شادي يا لمياء… |
لمياء: إنه يذكرنا بأعراس ألف ليلة وليلة… |
تغريد: لقد أنفق فيه أبو شادي بإسراف بلغ حد الجنون.. |
لمياء: إنه غنى حرب ما يقولون… |
تغريد: ولكن… |
لمياء: ولكن ماذا… |
تغريد: ما رأيك في العروس… |
لمياء: إذا قلت بصراحة يا تغريد فقد تغضبك صراحتي.. |
تغريد: لماذا… |
لمياء: لأنك من أقارب العروس.. |
تغريد: قولي لا عليك… |
لمياء: العروس وحشة.. وحشة أما العريس فبدر التمام كما يقول المثل أليس كذلك… |
تغريد: يظهر أن شادي قبل الزواج بها نزولاً عند رغبة أبيه.. |
لمياء: وأبو شادي لم رمى بابنه القمر هذه الرمية السوداء.. |
تغريد: ربما.. |
لمياء: ربما ماذا.. |
تغريد: طمعاً في مال أبيها.. |
لمياء: المثل يقول يا تغريد.. |
تغريد: ماذا يقول… |
لمياء: يا واخد القرد على ماله يروح المال ويبقى القرد على حاله… |
تغريد: آه مسكين شادي.. إنني أرثى له… |
لمياء: أنت وحدك يا تغريد بل قولي كل بنات البلد.. |
تغريد: الشيء الذي أكاد أجن منه في هذا العرس هو.. |
لمياء: هو ماذا… |
تغريد: لم يجمع أبو شادي كل هذه الثروة الطائلة.. |
لمياء: إنه كالحية.. كما تقول الأساطير - يحرس الكنز لكي يتمتع به أولاده من بعده.. |
تغريد: ولكنه ثراء زائل.. |
لمياء: كيف يا تغريد.. |
تغريد: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( المؤمنون آية: 1- 4). |
لمياء: صدق الله العظيم… لعلي أسمع لأول مرة أن أبا شادي لا يدفع زكاة عن ثروته الطويلة العربية… قولي… |
تغريد: تفضلي… |
لمياء: لم قبل خالك أن يزوج ابنته إلى ابن رجل لا يزكي أمواله… |
تغريد: يقولون أن ابنه شادي جبل من طينة غير طينة أبيه… |
لمياء: المثل يقول يا تغريد… |
تغريد: ماذا يقول… |
لمياء: ابن البط عوام… والولد سر أبيه… |
تغريد: والمثل أيضاً يقول يا لمياء… |
لمياء: ماذا يقول… |
تغريد: الورد يخلف شوك شوك والشوك يخلف ورد.. وقد يكون شادي وردة خلفها ذلك الشوك… |
لمياء: كلنا نتمنى لابنة خالك مستقبلاً باهراً وحياة زوجية سعيدة… |
تغريد: شكراً يا أختاه… |
لمياء: ولكن… |
تغريد: ولكن ماذا… |
لمياء: سؤال يا تغريد أرجوك أن تسمحي عن تطفلي فيه.. غير أن دالتي عليك والمحبة المكنية التي تربطني بك تغفر لي هذا التطفل… |
تغريد: قولي لا عليك… |
لمياء: الشائعات كانت تتحدث عن حب عاصف بينك وبين شادي.. فكيف اقدم خالك على ذلك وهو ربما يعلم شيئاً من هذا الحب.. |
تغريد: الطمع والأنانية مع الأسف يا لمياء… |
لمياء: وشادي كيف هو الآخر ضحى بحبه لك على مذبح المادة… |
تغريد: شادي كان مضطراً للنزول على رغبة أبيه بعد أن هدده بحرمانه من ثروته إذا رفض وقد سألني رأي فشجعته على النزول على حكم والده.. |
لمياء: إذن فأنت ضحية الخال والحب الأول.. |
تغريد: والأخير يا لمياء… |
لمياء: أنا آسف يا تغريد إذ نكأت جراحاتك وقد كانت ربما في طريق الاندمال… |
تغريد: إما أن تندمل جراحي فذلك مستحيل ولكني سأتذرع بالصبر حتى يقضي الله أمره كان مفعولاً. |
لمياء: ربنا معك يا أختاه.. أنا أستأذن وإلى اللقاء… |
تغريد: إلى اللقاء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي شادي يقول): |
أبو شادي: يا مرحبا يا أستاذ صبحي يا مرحبا… |
صبحي: شكراً يا أبا شادي شكراً… |
أبو شادي: أنا أشكر للأستاذ عزمي الذي أتاح لي فرصة الاجتماع بأستاذ لا أنسى فضله… |
صبحي: العفو يا أبا شادي فأنت تستحق كل عناية واهتمام.. |
عزمي: في الحقيقة يا أستاذ صبحي.. كل من يعرف أبا شادي يعجب به… |
أبو شادي: هذا من كمالك يا سيدي عزمي… |
صبحي: أين ابنك يا شادي… |
أبو شادي: قادم في الحال لتقبيل يديك.. |
صبحي: أريد أن أراه فحين تركت بلدنا كان شادي طفلاً… |
أبو شادي: بلى… بلى… |
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما |
يظنان كل الظن ألا تلاقيا |
|
صبحي: الحمد لله الذي جمعنا على أسر حال وأنعم بال… |
أبو شادي: أرجو أن يطول مقامك بيننا يا أستاذ صبحي.. |
صبحي: لا أظن يا أبا شادي… |
أبو شادي: لماذا… |
صبحي: لأن عندي ارتباطات في بلدي لا أستطيع التحلل منها… |
أبو شادي: إذا كانت هذه الارتباطات هي الدافع للعودة فإني أضع نفسي ومالي في سبيل بقائك مدة أطول ظهرانينا… |
صبحي: شكراً على روحك الطيبة يا أبا شادي.. ولكن.. |
أبو شادي: ولكن ماذا… |
صبحي: لعلّك لا تعرف أني مسؤول عن دائرة الدخل والزكاة ببلدي… |
أبو شادي: لعلّي أسمع بذلك لأول مرة لقد أعطى القوس باريها… |
صبحي: شكراً.. قل لي يا أبا شادي… |
أبو شادي: تفضل أستاذ صبحي… |
صبحي: هل يخرج الناس في هذا البلد زكاة أموالهم… |
أبو شادي: من كل بد لأن أكثرية هذا البلد من المسلمين… |
عزمي: أنا أستأذن يا سيد أبو شادي لارتباطاتي بمواعيد مسبقة.. |
صبحي: وأنا كذلك… |
أبو هادي: الأستاذ عزمي معنا كل وقت.. أما الأستاذ صبحي فيزورنا كالغيث في أيام الجدب… |
صبحي: شكراً.. |
أبو شادي: مع السلامة أستاذ عزمي وإلى اللقاء… |
(يدخل شادي فيقول أبوه): |
أبو شادي: تعال يا شادي سلم على عمك الأستاذ صبحي… |
صبحي: ما شاء الله.. ما شاء الله.. أصبحت رجلاً يا شادي… |
شادي: إنني رجل يطلب منك الدعاء والرضاء… |
صبحي: بورك فيك.. ومبارك ما عملت وإن شاء الله بالرفاه والبنين والحياة العائلية السعيدة… |
هادي- الله يبارك فيه يا عمي.. |
صبحي: كنا قبل مجيء شادي نتحدث عن الناس في هذا البلد وهل يخرجون الزكاة عن أموالهم.. |
أبو شادي: سأجيبك على هذا يا استاذ صبحي فقط أسمع لي بأن أكلف شادي بأن يذهب لقضاء مهمة.. |
صبحي: حسناً… |
(بكلمة على انفراد وبعدها يقول شادي): |
شادي: حالاً يا أبي سيكون كل شيء جاهزاً في الوقت المحدد.. |
أبو شادي: بورك فيك… |
شادي: أستأذنك يا عماه… |
صبحي: مع ألف سلامة… |
أبو شادي: أنا تحت تصرفك الآن يا أستاذ صبحي… |
صبحي: يا أبا شادي أنت تعلم ما بيننا.. |
أبو شادي: نعم.. نعم.. |
صبحي: وقد رأيت ما أفاء الله عليك من نعمة ولكن… |
أبو شادي: ولكن ماذا… |
صبحي: علمت أنك لا تخرج الزكاة الشرعية من أموالك… |
أبو شادي: هذا غير صحيح يا أستاذ صبحي.. ولكن.. |
صبحي: ولكن ماذا… |
أبو شادي: أنا أزكي ولله الحمد عن كل شيء من مالي غير أن عندنا ما أزكي لا أتظاهر كما يفعل بعض الأغنياء إذ يجمعون حول مكاتبهم ودورهم عشرات المحتاجين لهذه الزكاة… |
صبحي: إذن تقوم بذلك سراً.. ولا تبقى إلا رضاء ربك… |
أبو شادي: أجل.. وإذا أردت أن تتأكد من ذلك فسأطلبك على قيودي ودفاتري وأسماء الأشخاص والعوائل التي تدفع لهم هذه الزكاة وهذا عدا عن وجوه الصرف الأخرى وقد علمت.. |
صبحي: علمت ماذا… |
أبو شادي: علمت أنهم سعوا عندك ضدي وذكروا لك أني لا أخرج الزكاة عن أموالي… |
صبحي: هذا صحيح يا أبا شادي ولذلك رأيت أن أفاتحك وأنصحك فالدين النصيحة.. |
أبو شادي: أشكرك يا أستاذ صبحي على اهتمامك بالأمر وأعده جميلاً مضافاً إلى جمائلك السابقة… |
صبحي: العفو يا أبا شادي… العفو… |
صوت صادر من مكان بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ صدق الله العظيم (البقرة آية: 277). |
|