مشيئة الله |
(موسيقى خفيفة يتخللها صوت نادى يعقبه صوت هشام وهو ينشد لنفسه والموسيقى مصاحبة): |
هشام:
|
شَكونا إلى أحبابنا طول ليلنا |
فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا |
وذاك لأن النوم يغشي عيونهم |
سراعاً ويغشي لنا النوم أعينا |
فلو أنهم كانوا يلاقون مثل ما |
نلاقي لكانوا في المضاجع مثلنا |
|
ـ يدخل عصام وهو يقول ساخراً…: |
عصام: يا سلام يا مجنون يا ليلى موديل 74 ما هذا اللهيب الشعري الذي أراك تحترق بناره… |
هشام: عصام.. (يتأفف) أرجوك دعني.. إنها لحظة انسجام.. ساعة تجلي.. |
عصام: تجلي يا مجلي.. |
هشام: مسكين أنت عصام إنني أرثي لك.. |
عصام: أتريد أن تنظم في مرثيَّة كمرثية عائشة التيمورية… |
هشام: ليتني أستطيع قرض الشعر ولكني.. |
عصام: ولكنك ماذا… |
هشام: أتذوقه وأنت مع الأسف لا تتذوقه.. إنك… |
عصام: إني لا أذوق الشعر وإني ماذا أيضاً.. |
هشام: تتذوق الأرقام والخطوط والمساحات… |
عصام: لو كانت لك ملكة الرياضيين لحلقت في سماوات أجمل وأروع من سماوات مجنون ليلى من عمر بن أبي ربيعة.. |
هشام: بدأنا ننشر غسيل بعضنا البعض… |
عصام: واحدة بواحدة والبادىء أظلم… |
هشام: طيب يا عصام المسامح كريم.. |
عصام: وأنت سامحني يا هشام.. |
هشام: سامحتك من كل قلبي… |
عصام: قل لي يا هشام… |
هشام: تفضل… |
عصام: إلى متى تظل هائماً في دنيا الخيال… |
هشام: أهناك أجمل وأمتع منها… |
عصام: بلى… بلى… |
هشام: ما هي… |
عصام: دنيا الكونيات فالله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالتفكير فيها حيث يقول وهو أصدق القائلين… |
هشام: ماذا يقول… |
عصام: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِالَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ صدق الله العظيم (آل عمران آية 190 - 191).. |
هشام: صدق الله العظيم.. إنني مثلك يا عصام دنيا خيالي تشمل السماوات والأرض وما وراءهما ولكن نظرتي تختلف عن نظرتك… |
عصام: لم لا تكون واقعياً يا أخي.. |
هشام: أخشى أن أطير فلا أعود… |
عصام: أنا واثق من أنك ستعود إلى قواعدك سالماً لو حلقت من المطار الصحيح… |
هشام: لا يا أخي… |
عصام: ولم… |
هشام: أخشى أن يصيبني ما أصاب كثيراً من الرياضيين من هلوسة وجنون خلني في ملكوتي يا عصام وأسرح أنت في ملكوتك.. |
عصام: يظهر أنه ليس لديك عمق روحي.. |
هشام: خلني أطفو على السطح لئلا أغرق… |
عصام: ما عهدتك فيك الخوف والوجل… |
هشام: دعني وشأني يا عصام.. أتريد؟ |
عصام: أريد ماذا؟ |
هشام: أن تحشرني في زمرة الفلاسفة فآتوه كما تاهوا أو أضل كما ضلوا وقد أعود بخفي حنين وقد أعود بدون خف أو بعقل خفيف.. دراسة ملكوت السماوات والأرض تحتاج إلى عقلية غير عقليتي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى مناسبة نسمع بعدها صوت ميادة تنشد والموسيقى مصاحبة): |
ميادة:
|
ودّع الصبر محب ودّعك |
ذائع من سره ما استودعك |
يقرع السن على أن لم يكن |
زاد في تلك الخطى إذ شيعك |
أن يطل بعدك ليلى فلكم |
بت أشكو قصر الليل معك |
|
نازك: الله أكبر… ما أروع ما تنشدين يا ميادة وأجمل.. أهو من نظمك أم حفظك… |
ميادة: ومتى عهدتني أقرض الشعر يا نازك… |
نازك: ربما زارك شيطانه… |
ميادة: أعوذ بالله من شر الشيطان… |
نازك: إذن لمن هذه الأبيات.. |
ميادة: فكري واحزري.. |
نازك: رقتها تدل على أنها لشاعر أندلسي ربما يكون ابن زيدون.. أليس كذلك.. |
ميادة: بلى.. بلى.. لقد عرفته يا أختاه… |
نازك: صدقيني ظننت هذا الشعر لهشام… |
ميادة: ما عرف عن هشام أنه يقول الشعر بل يتذوقه.. |
نازك: ربما هبط عليه شيطانه.. بعد أن.. |
ميادة: بعد أن ماذا.. |
نازك: بعد أن دخلت في حياته امرأة فالمثل الفرنسي يقول: ((فتش عن المرأة)).. |
ميادة: امرأة في حياة هشام… |
نازك: نعم امرأة… |
ميادة: إنني أصدقك يا نازك.. ولكن من هي هذه المرأة.. |
نازك: فكري واحزري… |
ميادة: عدنا للفوازير وحكايات الأطفال.. |
نازك:ولكن اهتمامك بأمر هذه المرأة.. |
ميادة: من قبيل العلم بالشيء ولا الجهل به… |
نازك: (تقهقه) العلم بالشيء وإلا…. |
ميادة: وإلا ماذا؟ |
نازك: أراك غضبت يا ميادة ليتني ما أتيت ما أتيت.. |
ميادة: لا يا نازك… لقد أحسنت صنعاً بما قلت.. ولكن ما أغضبني هو… |
نازك: هو ماذا… |
ميادة: هو أنك فتحت الباب ثم أغلقت فجأة وكأنك ندمت على فتحه أمام إنسانية غير مؤتمنة على أسرارك… |
نازك: عفواً يا ميادة.. عفواً.. أنت خير من بؤتمن على سر ولكني أردت… |
ميادة: أردت ماذا.. عدنا إلى نفس النغمة… |
نازك: لا ولكني أن أستشف أغوار نفسك… |
ميادة: فما ذا وجدت فيها… |
نازك: وجدت ما فيها هو ما في نفس هشام… |
ميادة: أأنا شاعرة مثله… |
نازك: أجل ولكنك شاعرة كتوم.. أما هو فشاعر صداح… |
ميادة: ربما يا أختاه ولكن… |
نازك: ولكن ماذا… |
ميادة: أريد أن أعرف اسم المرأة التي دخلت حياة هشام فخلقت منه شاعراً صداحاً… |
نازك: أنا أعلم أنك على ذكاء واسع فما بال حدة ذكائك قد وهنت… |
ميادة: قولي تبلدت.. قولي خفت.. قولي ما شئت.. المهم أريد أن أعرف من هي تلك المرأة التي خلبت لب هشام… |
نازك: أأقولها بصراحة… |
ميادة: قولي وريحيني فلن أغضب مما سوف تقولين… |
نازك: صدقيني إن ما سأقوله يغضبك… |
ميادة: عدنا للتعمية.. قولي بربك قولي… |
نازك: المرأة… هي… |
ميادة: هي من… |
نازك: أنت ولا أحد غيرك.. فأنت المرأة التي أنطقت هشام بذلك الشعر الرائع البديع… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سمير يقول): |
سمير: كيف أنت يا عصام ودراستك للكونيات… |
عصام: إنني يا سمير كلما تعمقت في دراستي كلما ظهرت عظمة خالق هذا الكون وروعة ما فيه من دقة في تنظيمه.. وجلال في صنعه.. وجمال في تكوينه وإني لأعجب… |
سمير: مِمَّ تعجب… |
عصام: من علماء الكونيات.. كيف لا يدخلون في الإسلام من دون تبشير أو تبليغ… إن كل شيء في هذا الكون قد جاء عنه في الكتاب المجيد، إذ يقول تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (سورة الأنعام: 38)… |
سمير: إنني مطمئن بل واثق يا عصام أن اليوم الذي سيصبح فيه الإسلام دين سكان هذه الأرض آت عما قريب.. |
عصام: أترانا ندركه.. |
سمير: ربما وربما… ولكن… |
عصام: ولكن ماذا… |
سمير: يجب أن تقوم بالدعوة لهذا الدين في كل مكان وكل زمان… |
عصام: أجل… يجب أن يكون المهندس والطبيب والعلماء على اختلاف نوعية تخصصهم دعاة لهذا الدين ينشرون تعاليمه السمحة في أوساطهم وبين ظهرانيهم… |
سمير: حتى هشام يا عصام يجب أن يخضع شعره وأحاسيسه لخدمة الدعوة الإسلامية… قل لي أين تركت هشام… |
عصام: تركته يلهث وراء السراب… |
سمير: علينا أن تنتشله من متاهاته هذه.. |
عصام: لقد نصحته فلم يستمع لنصحيوأخذته العزة بالإثم… |
سمير: ولكنه صاحبك يا عصام وصديقك كما هو صاحبي وصديقي وعلينا أن نضحي في سبيل إنقاذه. |
عصام: ولكنه شوطاً بعيداً لي ظلاله… |
سمير: علينا أن نعود به إلى الصواب إلى النبع الذي لا يظمأ فيه المرء ولا يضحي ولا يجوع ولا يعرق.. |
عصام: صدقت يا سمير… عندي فكرة… |
سمير: ما هي… |
عصام: الاستعانة بميادة فأنت تعرف مكانتها في قلب هشام… |
سمير: رأي سديد.. أترك لي الأمر فسوف أتدبره.. |
عصام: اتفقنا ومتى نرى أن نبدأ.. |
سمير: بعد أن أخذ وعداً من ميادة بالاشتراك في مسيرتنا الخيرة.. |
عصام: إذن أرجو الإسراع في مفاتحتها.. فإلى اللقاء… |
سمير: إلى اللقاء.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت هشام يقول): |
هشام: صباح الخير يا نازك… |
نازك: صباح الخير يا أخي.. أين كنت فلي مدة لم أرك فيها.. |
هشام: عندي لك ما يشفع لي عن تأخري في زيارته… |
نازك: ما هو… |
هشام: ديوان عمر… |
نازك: حتى واحدة.. لا شك أنه خبر شيق ومثير.. |
هشام: أتقبلين معذرتي بعده… |
نازك: كيف لا.. وقد جئتني بهذه الهدية النفيسة… |
هشام: جئتك بكتابين أحدهما لك والآخر… |
نازك: والآخر لمن… |
هشام: أنت تعرفين… |
نازك: لموجية الديوان… |
هشام: ما أحد ذكاءَك… |
نازك: شكراً على هذه الهدية.. وسأعدك بأنني سأسلم هدية ميادة إليها باليد.. |
هشام: ألف شكر والآن أستأذنك… |
نازك: إلى أين… |
هشام: إلى عمي سمير فقد أرسل يستدعيني لزيارته… |
نازك: رافقتك السلامة وأرجو أن يكون في استدعائه خيراً.. |
هشام: إلى اللقاء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سمير يقول): |
سمير: ها ما رأيك يا ابنتي ميادة.. |
ميادة: الرأي رأيك يا عماد وهو رأي سديد لأنه يهدف إلى إعلاء كلمة الله وهو ما نسعى إليه جميعاً… |
سمير: بورك فيك يا ابنتي ولكن.. |
ميادة: ولكن ماذا يا عماد.. |
سمير: لم تجيبيني على سؤالي الآخر… |
ميادة: الإجابة عليه معلقة بقبول الطرف الآخر تسخير قلمه وفكره في سبيل الدعوة لدين الله.. |
سمير: يا إلهي ما أعلم تضحيتك.. إنني أعلم مبلغ ما تكنين لهمام من ود وعطف، ومع ذلك فأنت تضحين بكل ذلك في سبيل الهدف الأسمى… |
ميادة: الحمد لله الذي وفقني إلى هذا القرار الحكيم الذي سوف أكسب به رضاء ربي ثم رضا عمي.. |
سمير: حفظك الله يا بنتي وأبقاك ووفقك لما يحب ويرضى.. |
ميادة: والآن استأذنك يا عمي.. |
سمير: أراك مستعجلة في الخروج… |
ميادة: لقد رأيت هشاماً مقبلاً إليك في صحبة عصام… |
سمير: حسناً.. ألا تنتظرين في الغرفة المجاورة ولتسعى قرار هشام في الأمر.. |
ميادة: حسناً.. |
(يدخل عصام وهشام الذي يقول): |
هشام: سلام عليك يا عماد… |
سمير: وعليك السلام يا هشام.. ها ما وراءك… |
هشام: أأقول يا عصام أم تقول أنت… |
عصام: بل قل أنت.. |
هشام: أشكركما على ما اتفقما عليه يا عماه، والحمد لله والشكر لله تعالى ثم لكما على عودتي إلى طريق الهدى والرشاد. |
|