الزواج بالأجنبيات |
(نسمع صوت راديو تذيع منه الكاتبة الأديبة ((سوزي)) وعصام يصغي بدقة إلى الحديث وهي تقول): |
سوزي: ورست سفينة الظلام في ميناء الليل وأسدلت أشرعتها على شاطىء الغرام وانتظمت صفوف وهتفت قلوب وطفحت بالبشر وجوه وارتسمت خيوط داكنة على بعض الوجوه… |
كمال: السلام عليكم… |
(عصام لا يرد التحية بل يشير بيده إلى كمال أن أسكت وأجلس.. تستمر سوزي في حديثها): |
سوزي: وتاهت في الجو ابتسامات كما تاهت قوافل النجوم في قيافي الفضاء وشقت سكون الليل أنات وآهات وتمتعات وقبلات.. وخرجت ((ندى)) يلفها الظلام بردائه… |
عصام: أسكت يا جاهل ألا تعرفها… |
كمال: شكراً يا عصام يا فهيم.. قل من هي التي استولت على مشاعرك وكل جانحة فيك… |
عصام: إنها ((سوزي)) الكاتبة الأديبة المعروفة… |
كمال: لا أعرفها مع الأسف لأني غير مولع بالاستماع إلى الإذاعة… ليس لدي وقت كافٍ لذلك… |
عصام: أنت تضيع كثيراً من عمرك يا كمال ففي بعض الأحاديث الإذاعية متعة روحية لا تعدلها متعة.. |
كمال: وفي طليعة هذه الأحاديث حديث ((سوزي)) أليس كذلك… |
عصام: أجل يا كمال أجل… إنها في القمة من أديبات هذا البلد… |
كمال: وفي القمة من الجمال والكمال… |
عصام: أجل يا كمال ولكن… |
كمال: ولكن ماذا… |
عصام: ولكني أراك تحاول أن تغلف عبارتك بمعنى في نفسك… |
كمال: (بابتسامة خبيثة): أي معنى.. هل هو المعنى الذي يقولون عنه أنه في بطن الشاعر.. |
عصام: لا أدري بل ربما هو ذلك… |
كمال: نعم يا عصام إن هذا ما أعنيه… |
عصام: هل في إعجابي بالكاتبة الأديبة ((سوزي)) ما يعيب… |
كمال: لا ولكنه تجاوز حد الإعحاب حتى أن الألسن بدأت تلوكه… |
عصام: ولكنك كنت قبل هنيهة تقول أنك لا تعرف ((سوزي))… |
كمال: هل يخفى القمر وسوزي أشهر من نار على علم… |
عصام: إذن كنت وراء معرفة ما بقلبي نحو ((سوزي))… |
كمال: أجل يا عصام أجل.. |
عصام: أليس السعيد من تكون ((سوزي)) من نصيبه… |
كمال: ولم لا تتقدم لخطبتها وعائلتك صنو لعائلتها ومؤهلاتك لا تقل عن مؤهلاتها… |
عصام: الزواج قسمة ونصيب.. وأنت يا كمال ألم تفكر في اختيار شريكة حياتك بعد… |
كمال: إنني أفكر في بضاعة أجنبية لا بضاعة بلدي… |
عصام: بئس تكفيرك.. إنك ستندم لو أقدمت على ذلك… |
كمال: لا تصدر حكمك سلفاً يا عصام سنرى من الذي سيضحك أخيراً.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حاملة تنبعث من مسجل سيارة سوزي وهي تنتزه مع أخيها فؤاد.. نسمع صوت سوزي تقول): |
سوزي: لمن هذه البناية الأبهة على الزاوية الاستراتيجية يا فتحي… |
فتحي: للتاجر عبد الصمد.. |
سوزي: لقد أحسن الاختيار حين بنى في هذه البقعة الجميلة.. |
فتحي: نسيت يا سوزي شيئاً مهماً في هذه العمارة… |
سوزي: ما هو يا أخي… |
فتحي: التصاميم الهندسية… أو المهندس بالأحرى… |
سوزي: صحيح.. أخذتنا روعة البناء فنسينا نسأل من صنع هذه الروعة هو من.. لا شك أنه مهندس.. فن بارع… |
فتحي: المهندس عصام… |
سوزي: عصام.. لعلي أول مرة أسمع بهذا الاسم… |
فتحي: إنه من أصدقائي ومن المعجبين ببرامجك الإذاعية.. |
سوزي: ولكني لم أرد في دارنا بل لم أسمعك قط تذكر اسمه.. |
فتحي: لعلَّه لم تكن هنالك مناسبة بل ربما تكونين خارج البيت عندما كان يأتي لزيارتنا.. وعلى فكرة فهو مقل في زياراته.. |
سوزي: ضروري لأن أعماله الهندسية تعيقه عن الزيارات.. هذه التصاميم الرائعة تحتاج إلى نسخة من الوقت والتفكير الهادىء… |
فتحي: إن لعصام فيلا أبدع صنعها فأشادها على ربوة تطل على البحر ونسقها تنسيقاً رائعاً بحيث أصبحت مصدر الإلهام لروائعه الفنية… |
سوزي: أله عائلة… |
فتحي: لا يا سوزي… إنه وحيد لا أب ولا أم ولا أخ ولا أخت… |
سوزي: حسناً إنه وحيد.. مسكين ولكن… |
فتحي: ولكن ماذا.. |
سوزي: لو فرضنا أن عصاماً كان له أهل وأقارب.. فالفنانون يعشقون الوحدة لأنهم يرون فيها مصدر إلهام لفتهم ومعيناً لا ينضب لأفكارهم وخيالاتهم… |
فتحي: صحيح.. ولكن المهندس عصام يختلف عن الآخرين إنه يحب الناس وله نشاط ملحوظ في الجمعيات الثقافية والخيرية… |
سوزي: أكثر الله من أمثاله بين شبابنا المثقفين العاملين… |
فتحي: سأنزل هنا يا سوزي… |
سوزي: خيراً إن شاء الله… |
فتحي: تذكرت أني على موعد مع المهندس عصام.. |
سوزي: أهذه فيلته التي كنت تحدثني عنها.. حقيقة إنها رائعة في منتهى الجمال ربنا يهنيه مع السلامة.. |
فتحي: مع السلامة.. لا تنتظريني على العشاء لأني مدعو عند المهندس عصام على العشاء مع بعض الأصدقاء… |
عصام: أما تزال مصراً على رأيك يا كمال.. |
كمال: لقد أزمعت وأجمعت يا عصام… |
عصام: ليتك تعيد النظر في قرارك.. فبنات بلدك أحق بك من الأجنبيات ولا سيما وقد أصبحن على جانب كبير من الثثقيف والتهيب… |
كمال: لا أريد أن تتكرر مأساة والدتي مع أبي… |
عصام: ولكن فتياتنا اليوم يختلفن عن فتيات الأمس فالتعليم صقلهن وهذبهن وعرفهن بقيمتهن في المجتمع… |
كمال: رواسب الماضي عقدة لا يمكن أن تزول بين يوم وليلة… |
عصام: أرجو ألا تحرق سفن العودة يا كمال… |
كمال: قلت لك مراراً إني لا أحب الخبز البلدي لقد استمرأت الخبز الأجنبي… |
عصام: ما كلنا عشنا في الخارج ودرسنا هناك وعدنا وليس أحب إلينا من الخبز البلدي والمدمس والمقلية والبامية والملوخية… |
كمال: المسألة مسألة ذوق وأنا ذوقي هكذا… |
عصام: أنت مندفع يا كمال والمندفع لا يرى أبعاد ما هو أمامه… |
كمال: هذا مصير المندفع ولكني مقدر وحاسب لكل شيء حسابه… |
عصام: إذن فأنت مصمم يا كمال… |
كمال: أجل يا عصام… |
عصام: ومتى سيكون السفر… |
كمال: الاثنين القادم… |
عصام: أرجو لك السلامة في الذهاب والإياب… |
كمال: شكراً يا عصام… شكراً… |
(يسمعان صوت (الديكتفون) فيرد عصام قائلاً).. |
عصام: من.. فتحي.. يا مرحبا.. يا مرحبا.. أدخل.. الطريق مفتوح.. عندي كمال… |
كمال: فتحي أخ سوزي.. |
عصام: بلى يا كمال.. |
كمال: أراك دخلت في الغموق… |
عصام: لأني أحب بلدي… |
(يدخل فتحي وهو يقول): |
فتحي: مساء الخير يا جماعة… |
عصام: مساء الخير يا فتحي.. يا مرحبا.. |
كمال: أهلاً يا فتحي.. زمان ما تقابلنا… |
فتحي: أجل يا كمال.. رب صدفة خير من ميعاد.. عصام كله خير وبركة.. منزله العامر مجمع الأحبة.. |
عصام: شكراً يا فتحي… |
فتحي: أنا كنت أفتكر كمال سافر للخارج يا عصام لأنه كان يتحدث دائماً عن سفره هذا كلما ضمنا مجلس… |
كمال: وقد عزمت على السفر يوم الاثنين القادم… |
عصام: إن شاء الله… |
فتحي: بالسلامة يا كمال وأرجو لك التوفيق في عروس على ذوقك الرفيع… |
كمال: شكراً يا فتحي وإني أتمنى لك ولعصام كل توفيق في مشاريعكما المستقبلية… |
(يدق جرس الديكتافون فيجيب عصام قائلاً).. |
عصام: ها يا عم عثمان.. العشاء جاهز.. عملت الطبق اللي يحبو فتحي.. |
(ثم يلتفت إلى فتحي وكمال فيقول): |
هيا بنا فالعم عثمان الحاكم بأمره ينتظرنا في غرفة الطعام… |
كمال: ونستمتع بالطبق المفضل للأخ فتحي وما أظل أذكره في رحلتي القادمة… |
فتحي: أرجو أن يعجبك يا كمال فأنت ذواقة في كل شيء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سوزي تقول): |
سوزي: ما هي أخبار قريبك يا نسرين… |
نسرين: أتعنين كمال… |
سوزي: أجل…. |
نسرين: تزوج بالرغم من ثورة العائلة عليه… |
سوزي: وبأجنبية.. |
نسرين: مع الأسف يا سوزي… |
سوزي: أترى من تزوجها في جمالك وكمالك يا نسرين… |
نسرين: من يدري يا سوزي… |
سوزي: لأوربي إن قلامة ظفر من بنات بلدي بألوف من الأجنبيات المائعات الخليعات الماجنات.. وسيندم كمال على فعلته حين لا ينفع الندم… |
نسرين: الغريب يا سوزي أن كمال لم يتعظ بمن سبقوه من شباب هذا البلد وتزوجوا بالأجنبيات.. |
سوزي: لعلي لا أغضبك إذا ما قلت أن قريبك كمال مصاب بمرض الغرور… |
نسرين: أغضب لماذا وأنت تقولين الحق وتقررين الواقع… |
سوزي: على كل حال ستكشف له الأيام الواقع المرير.. |
نسرين: صدقت.. ما لنا ولكمال.. ذنبه على جنبه المهم فلنفكر في أمرنا… |
سوزي: صحيح.. لقد نسيت ذلك في غمرة الحديث عن زواج كمال… |
نسرين: هل انتهيت من جهازك… |
سوزي: نسرين.. أنا لا أريد طنطنات وفخفخات الأعراس والإسراف والتبذير الذي يصاحبها أريده عرساً بسيطاً يلتئم فيه شمل العائلتين عائلتي وعائلة عصام… |
نسرين: وهذا رأي يا سوزي بالنسبة لزواجي من أخيك فتحي.. |
سوزي: إذن اتفقنا… |
نسرين: يجب أن يكون عرسنا نموذجاً لأعراس هذا البلد من حيث مظهره الديني والاجتماعي في غير إسراف ولا تقتير وخير الأمور الوسط… |
سوزي: كنت أخشى أن تطلبي أن يقام عرسك في أحد الفنادق أو في قصور بعض الأغنياء… |
نسرين: (ضاحكة) سامحك الله يا سوزي.. أبعد هذا التثقيف الذي حصلت عليه أفكر في مثل هذه السخافات غني أفكر في الزوج الكفء التقي الصالح فقط لا غير وقد توفر والحمد لله في أخيك… |
سوزي: شكراً يا نسرين إني أهنيء نفسي وأخي بك… |
نسرين: وإني أهنيء نفسي وقريبي المهندس عصام بك فأنت قدوة حسنة لفتيات هذا الجيل… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عصام يقول): |
عصام: تعال يا فتحي تعال.. لقد هاتفتك مراراً فلم أجدك حتى ولا سوزي… |
فتحي: كنت أتابع معاملة في دائرة الجمارك وسوزي كانت تحاضر في كلية البنات.. ها ما الخير.. خيراً إن شاء الله… |
عصام: كمال يا فتحي كمال… |
فتحي: ما حدث له… ما جرى… |
عصام: تزوج كمال من الأجنبية التي تعرف عليها أيام كان يدرس هناك… |
فتحي: ها… وبعد… |
عصام: وبعد الزواج تكشفت له على حقيقتها…. |
فتحي: كيف… ما اكتشفت… |
عصام: اكتشفت أنها مدمنة على الخمر والميسر… |
فتحي: أعوذ بالله.. أعوذ بالله… |
عصام: وإنها كانت تستقبل أصدقاء وصديقات أثناء غيابه عن البيت… |
فتحي: ألم يزجرها ويمنعها… |
عصام: عندما منعها عن كل ذلك قالت له… |
فتحي: قالت له ماذا…. |
عصام: عاجبك الحال عاجبك مش عاجبك الطريق اللي جابك يوديك… |
فتحي: يا لها من بذيئة… |
عصام: وحاول كمال إصلاحها بالتي هي أحسن لأنه كان مولعاً بها إلى حد الجنون ولكنها أبت وأصرت على رأيها… |
فتحي: يا له من جزاء قاسٍ لكمال… |
عصام: وأخيراً طلب منها السفر معه إلى بلده فأجابت أنها ستلحق بعد أن تصفي علاقاتها مع بعض الأصدقاء والصديقات… |
فتحي: يا إلهي.. يا لمتانة أعصاب كمال.. وقوة صبره… |
عصام: وأخيراً نفد صبر كمال فتركها وذهب إلى بلد آخر وابرق إلى أنه قادم في التاريخ الذي حدده في رسالته لي…. |
فتحي: خيراً فعل.. ومتى سيأتي… |
عصام: المنتظر اليوم بعد الظهر لأن رسالته التي ذكر فيها كل هذه التفاصيل وصلتني هذا الصباح… |
فتحي: سأكون معك في استقباله… |
(يقرع جرس التليفون فيمسك عصام بالسمَّاعة ويقول): |
عصام: هلو.. من.. نسرين.. تريدين فتحي.. عندك شخص عزيز على يريد أن يحدثني مكالمة هامة.. من كمال.. حمداً لله على السلامة متى وصلت… |
كمال: جئت في طائرة غير التي أخبرتك عنها… |
عصام: والعروس معك… |
كمال: لقد عدت وحدي وعقلي وصوابي معي.. أعندك كنافة بلدي فأنا أحب بلدي… والله أحب بلدي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت وحيد يقول): |
وحيد: حمداً لله على سلامة الوصول يا مجدي… |
مجدي: الله يسلمك… |
وحيد: متى عدت؟ |
مجدي: قبل يومين… |
وحيد: قبل يومين.. ولم تتصل بي ولو بالتليفون.. الحق عليَّ أقول أنا كمان كان لازم اقرأ الجرائد… |
مجدي: لست من تنشر أخبار تحركاتهم على صفحات الجرائد… |
وحيد: صحيح ولكن يمكن تكون نشرته إحدى الصحف التي تعتني بأسماء المسافرين والمغادرين والعائدين… |
مجدي: اطمئن يا وحيد فأنا لست في العبر ولا في النفير… |
وحيد: أنت في القلوب… |
مجدي: شكراً… |
وحيد: حسناً… بشرني هل وفقت في المهمة التي ذهبت من أجلها مع أختك… |
مجدي: بالعكس يا وحيد لقد طردنا كاظم أخ زوجها وأنكر أي دين لأخيه زوج أختي عليه… |
وحيد: يا إلهي.. شيء عجيب يطرد أرملة أخيه وأخيها وبنت أخيه… |
مجدي: هذا الذي وقع بالضبط يا وحيد… |
وحيد:
|
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة |
على النفس من وقع الحسام المهند |
|
مجدي: صدق الشاعر العربي طرفة بن العبد.. ليس هنالك أقسى من ظلم الأقارب… |
وحيد: إنه قذر جبان يطرد أرملة مهيضة الجناح.. مكسورة الخاطر كانت تحت أخيه ففرق الموت بينهما يجب أن نقيم الدعوى عليه يا مجدي.. |
مجدي: ولكن ليس لدى أختي وثائق بهذا الدين… |
وحيد: أقم الدعوى فإن أنكر أطلب منه اليمين.. فالبينة على من ادعى. واليمين على من أنكر. |
مجدي: إنه لا يتورع عن خلف اليمين… |
وحيد: (مدهشاً) يحلف اليمين وهو كاذب هذا ليس بإنسان… |
مجدي: ولذلك فسأشكوه إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور… |
وحيد: أجل.. أجل يا مجدي وأنه نعم الولي ونعم النصير… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت كمال يقول): |
كمال: أنا عرفت كل شيء يا بابا… |
سامية: أي شيء يا كمال؟ |
كمال: ما فعله عمي كاظم معك ومع خالي مجدي… |
سامية: ليس بغريب ما صدر من عمك يا بني فلطالما حذرك والدك يرحمه الله منه فكان يقول الله بالمرصاد للظالمين… |
كمال: نعم.. الله للظالمين بالمرصاد.. ماما… |
سامية: نعم يا ولدي… |
كمال: أشوف… |
سامية: تشوف ماذا؟ |
كمال: أقطع دراستي الجامعية وأشتغل من أجل إعانتنا وتعليم أختي فقد علمت من خالي بما فعله عمي معك ومعه.. وقد أصبحت الأرض فراشنا والسماء غطاءنا… |
سامية: الذي خلقنا لن ينسانا.. ورحمته وسعت كل شيء.. وما من دابة على الأرض إلا على الله رزقها… |
كمال: هذا ما أعتقده كالأيمان ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (سورة الملك: 15).. فمن سيسعى إذا واصلت دراستي الجامعية.. |
سامية: أنا يا ولدي… |
كمال: (مدهشاً) أنت.. أنت.. |
سامية: نعم أنا.. هل نسيت… |
كمال: نسيت ماذا؟ |
سامية: نسيت إنني أحمل دبلوماً في الخياطة والتطريز… |
كمال: هذا.. تذكرت ولكن… |
سامية: ولكن ماذا؟ |
كمال: أين مشغل الخياطة الذي سوف تتشغلين فيه.. أو أين الإمكانات التي تمكنك من فتح مشغل لحسابك؟ |
سامية: صديقتي حرم الدكتور شوقي عرضت علي أكثر من مرة الاشتراك معها في الشغل فكان والدك يرحمه الله يمنعني من ذلك.. |
كمال: حسناً.. هل ما يزال عرض حرم الدكتور شوقي قائماً… |
سامية: أجل يا ولدي وقد فاتحتني في الأمر بعد أسبوع على وفاة والدك.. |
كمال: هل الأجر الذي ستعطيك إياه حرم الدكتور شوقي مجزياً… |
سامية: عيشة الكفاف غير أني أطمع في أن يتحسن الأجر عندما ترى مبلغ إلمامي ومعرفتي بعملي. وكلها سنتان وتتخرج في كلية الطب وعندها تقول لأيام البؤس وداعاً وإلى الأبد إن شاء الله. |
كمال: إن شاء الله يا والدتي سوف أكرس كل وقتي لدراستي والله ولي التوفيق.. |
سامية: الله ولي التوفيق.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت نسرين تقول): |
نسرين: بابا…. |
كاظم: نعم يا روح بابا… |
نسرين: صار لي أسبوع زمان وأنا زعلانة منك… |
كاظم: أسبوع بحاله وأنت زعلانة مني.. ليش يا عيون بابا ليش.. هل عملت شيئاً أساء إليك؟ |
نسرين: نعم؟ |
كاظم: ما هو؟ |
نسرين: أتذكر يا أبي؟ |
كاظم: أذكر ماذا ورأسي يكاد يتفطر من كثرة المشاغل.. قولي ما هو الشيء الذي أزعلك مني.. |
نسرين: المرأة التي طردتها هي وابنتها والرجل الذي جاء معهما.. لقد شاهدتها تخرج وهي تمسح دموعها بيد وتدعو لا شك عليك باليد الأخرى… |
كاظم: إنها امرأة غجرية جاءت تدعي أنَّ لزوجها علي ديناً… |
نسرين: ومن هو زوجها يا أبي… |
كاظم: أخي مصطفى الذي مات قبل شهرين… |
نسرين: إذن فهي زوجة عمي أخوك وتلك ابنتها… أليست هي مثلي ابنتك وخاصة بعد أن فقدت أباها وتطردها يا أبي.. في الوقت الذي هما بأشد الحاجة إلى حنانك ولطفك وشفقتك… |
كاظم: إنها كانت سبب الخلاف والجفوة بيني وبين أخي… |
نسرين: ولكن عمي مات وترك ابنة يتيمة وزوجة مكسورة الخاطر مهيضة الجناح.. أنا صحيح لا أعرف عمي هذا لأني قضيت عمري كله في الخارج لكن… |
كاظم: لكن ماذا…؟ |
نسرين: اسمح لي يا أبي أن أقول أنه كان يجب أن نتناسى كل شيء أمام منظر ابنة أخيك اليتيمة… لا تؤاخذني إن تجرأت عليك… |
كاظم: ولكن ما فعلته امرأة أخي قتل كل حنان وشفقة قلبي عليها وعلى ابنة أخي… |
نسرين: هذا صحيح ولكن كان يجب أن تذكر قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (سورة الضحى: 9). |
كاظم: (محتداً): نسرين.. أتريدين أن تلقي علي دروساً ومواعظاً إذا كنت أعطيك الحرية في الكلام فأعلمي أن لكل حرية حدوداً… |
نسرين: حسناً يا أبي.. لن أفاتحك بعد اليوم في هذا الموضوع أو في مثله… |
كاظم: برافو.. برافو.. أتركي هذا الموضوع وفكري أين ستقضين الليلة… |
نسرين: معك أم مع وصيفتي..؟ |
كاظم: مع الوصيفة لأن عندي حفلة ساهرة لا أستطيع أن أعتذر عنها… |
نسرين: إذن فأنا أفضل أن أشهر بالبيت بجانب التلفزيون.. أنتظر عودتك… |
كاظم: لا تنتظريني يا روحي فلربما طالت سهرتي.. |
نسرين: فليكن ما تريد يا أبي… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت وحيد يقول): |
وحيد: ها.. يا مجدي.. تعال يا شيخ… بشرني.. طمني.. كيف الأمور معكم.. |
مجدي: الحمد لله على ما يرام… |
وحيد: الله يبشرك بالخير وكمال ما هي أخباره…؟ |
مجدي: سيحصل إن شاء الله على دبلوم الطب في هذا العام… |
وحيد: وأخته سهام… |
مجدي: نجحت في التوجيهي ودخلت أول سنة جامعة في كلية الآداب.. |
وحيد: أخبار سارة.. أخبار سارة… الحمد لله.. الحمد لله… |
مجدي: ذلك الفضل من الله فله الحمد والشكر أولاً وآخراً… |
وحيد: بالشكر تدوم النعم.. قل لي يا مجدي.. |
مجدي: تفضل يا وحيد… |
وحيد: ما هي أخبار العم كاظم… |
مجدي: تتناثر الإشاعات وتكاد تجمع على أن الشركة التي يشتغل بها غير راضية عنه لأنه لا يواظب على عمله كما أنه أصبح يسيء معاملة الموظفين… |
وحيد: طبعاً يا حبيبي طبعاً كيف يواظب على عمله وهو يسهر طوال الليل على موائد الخمر والميسر. |
مجدي: كذلك سمعت ولكني لم أتأكد بعد أن طلبات ودعاوى تنهال يومياً على مكتب الشركة من الدائنين… |
وحيد: لك يوم يا ظالم.. هذه بداية النهاية اللَّهم لا شماتة… |
مجدي: ومع كل ما فعل معنا كاظم فإنني أشفق على مصير ابنته نسرين فإنها كما تعلم أجنبية وقد ماتت أمها منذ مدة… |
وحيد: الذي خلقها لن ينساها… |
مجدي: ونحن كأقرب الناس إليها سوف لا نبخل عليها بالمساعدة إن اقتضى الحال… |
وحيد: أنت في منتهى الشهامة وكرم الأخلاق يا مجدي ربنا يعطيك قدر نيتك الطيبة.. أستودعك الله وإلى اللقاء.. |
مجدي: وإلى اللقاء… |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت نسرين تقول وقد رأت والدها يدخل وهو في حالة نفسية سيئة).. |
نسرين: ما بك يا أبي.. أتشكو من شيء… |
كاظم: لا شيء.. لا شيء… |
نسرين: ولكنك تبدو في غير عادتك… |
كاظم: (يغضب) أقول لك إنني لا أشكو من شيء.. |
نسرين: ولكني ابنتك ومن حقي أن أعرف ما بك فحالك حالي ومصيرك مصيري… |
كاظم: أوف يا نسرين.. إنك اليوم كثيرة الكلام.. أتركيني وشأني… |
نسرين: كيف يا أبي.. قل لي.. ربنا استطعت مساعدتك… |
كاظم: (ساخراً) تستطيعين مساعدتي.. ماذا عندك؟ |
نسرين: إذا لم يكن عندي المال فعلى الأقل عندي عقل ولسان… |
كاظم: اللهم طولك يا روح.. إسمعى قولي لعثمان يعمل لي فنجان قهوة مضبوط… |
نسرين: أترك يا أبي.. أترك يا أبي.. سوف أخرج وأتركك وحدك لعلّ الوحدة تريحك… ثم تخرج وتدعو عثمان قائلة): عثمان.. عثمان.. |
عثمان: حاضر.. حالاً… |
نسرين: أسرع بالقهوة لوالدي أما أنا فذاهبة إلى الشرفة فأحضر لي قهوتي هناك… |
عثمان: حاضر.. ست نسرين… |
(وتذهب نسرين صوب الشرفة وما تكاد تجلس على الكرسي حتى تسمع صوت عثمان يصرخ قائلاً): ست نسرين.. ست نسرين.. ألحقيني.. أبوك.. أبوك.. |
(وتهرع نسرين نحوه فتجد أباها صعد على السرير مغمى عليه والزبد يطلع من فيه فتسرع إلى التلفون وتديره وتقول): |
نسرين: هلو.. الإسعاف.. أرجوكم سيارة إسعاف لبيت كاظم شارع توفيق نمرة 10 والدي مغمى عليه وبحالة خطيرة.. قادمون حالاً.. شكراً.. شكراً… |
(وترمي بالسماعة وتلتفت لعثمان تقول: غريبة.. تركته بخير. كيف حدث هذا؟ |
عثمان: لا أدري يا ستي.. لقد دخلت بالقهوة فوجدته على هذه الحال… |
(ونسمع صوت سيارة الإسعاف التي تصل وتنقل المصاب إلى مستشفى الإسعاف): |
كمال: ماما.. ماما.. لا تقلقي علي فقد أنام الليلة بالمستشفى… |
سامية: لماذا؟ |
كمال: عليَّ مناوبة مريض يشتبه أنه مصابٌ بجلطة دموية نقل على أثرها عصر هذا اليوم للمستشفى وكلفت بالسهر عليه… أتدري من هو؟ |
سامية: من هو المسكين عفاه الله وعافانا… |
كمال: عمي كاظم… |
سامية: عمك كاظم… |
كمال: نعم.. وحالته حتى الآن سيئة… |
سامية: لا حول ولا قوة إلا بالله.. هل كانت ابنته نسرين معه… |
كمال: نعم يا ماما وكانت تبكي بكاء يتفطر له الفؤاد… |
سامية: ألا تخبر خالك مجدي… |
كمال: تولى أنت يا ماما ذلك لأني مضطر للعودة للمستشفى حالاً… |
سامية: حسناً.. مع السلامة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مجدي يقول): |
مجدي: إن شاء الله يسلمه يا بنتي شدّي حيلك… |
سامية: غَيَّمة وتزول يا نسرين.. وولدي الدكتور كمال طمني … |
نسرين: شكراً يا خالي وشكراً يا خالتي.. الدكتور كمال ابنك… |
سامية: نعم وهو ابن عمك.. |
نسرين: أين فدوى ابنة عمي… |
سامية: إنها مشغولة بالمذاكرة لأنه عندها امتحانات وقد طمناها هاتفياً عن عمها… |
نسرين: لساني عاجز عن شكركم… |
كجدي: لا شكر على واجب فنحن أهل يا بنتي… |
سامية: والدم عمره ما يصير ميه.. ربنا يطمنا بسلامة والدك… |
نسرين: يا رب.. يا رب… |
(يخرج الدكتور كمال من غرفة المريض وهو يبتسم فتسأله أمه قائلة): |
سامية: كيف عمك يا دكتور… |
كمال: إنه بخير وقد سمح الدكتور المعالج لكم بالدخول عليه كما أن عمي يريد أن يراكم… |
كاظم: هذا جزاء من الله لي على ما فعلته معك يا سامية وأنت يا مجدي… |
مجدي: لقد نسيت كل شيء وكل ما يهمنا الآن هو سلامتك… |
سامية: وقد سامحنا… |
كاظم: (مدهشاً) تسامحينني بعد كل ما أسأت إليك يا لقلبك النبيل… |
(صوت صادر من مكان بعيد).. بسم الله الرحمن الرجيم، وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ صدق الله العظيم.. (الشورى، الآية رقم 40). |
|