البادىء أظلم |
ويقرع عمرو بن أمية الضمري باب دار سلمة فيرد هذا على الطارق قائلاً: |
ـ من بالباب؟ |
ـ عمرو بن أمية.. افتح.. |
ويدخل عمرو ويرحب به سلمة قائلاً: |
ـ يا مرحباً بك ولو أنك جئت في وقت القيلولة وأنت تعلم حبي للراحة في مثل هذه الساعة.. هل من جديد؟ |
ـ بلى يا سلمة.. جئتك بما تريد.. |
ـ وأي شيء كنت أريده يا عمرو.. إن الأشياء التي أريدها كثيرة أرجو أن يكون هذا في طليعتها.. |
ـ بلى.. إنه في طليعتها.. |
ـ إذن فهو أمر يتعلق بأبي سفيان ولعمري أنها منية ما بعدها منية.. |
ـ لعلَّك فهمت أنه أذن لنا باغتيال أبي سفيان رداً على فعلته الشَّنعاء.. لا.. يا سلمة.. |
ـ إذن ما هو؟ |
ـ هو القيام بأية أعمال في مكة في عقر دار أبي سفيان يقصد إفهامه أن رسول الله صلى عليه وسلم قادر - إن شاء - أن يرد له الصاع صاعين والكيل كيلين هذا من جهة ومن جهة أخرى إشاعة الخوف والبلبلة بين سكان مكة لكي يعرفوا أن يد محمد بوسعها أن تصل إلى أي مكان.. وقد أمرني رسول الله أن أقوم بهذه المهمة. فهل أنت مستعد لمرافقتي يا سلمة؟ |
ـ إنني دائماً مستعد للعمل في سبيل الله.. |
ـ ما رأيك أن نلتقي بعد صلاة العشاء في داري لرسم الخطة التي سنسير عليها لتنفيذ هذه المهمة.. |
ـ حسناً.. وسأكون عندك بإذن الله.. |
ـ بإذن الله.. |
(حديث ذو شجون) |
وكان صفوان يسمر عند أبي سفيان أكثر الليالي وخاصة بعد حادثة محاولة اغتيال محمد صلى الله عليه وسلم. |
وفي إحدى الأمسيات جاء صفوان إليه فوجده ساهماً مطرقاً كان همساً ركبه فسأله ضاحكاً: |
ـ ألعلَّك تفكر في اغتيال جديد يا أبا سفيان؟ |
وتنفرج أسارير وجه أبي سفيان فيقول: |
ـ لو أضمن نجاح الاغتيال ما تأخرت ساعة واحدة.. |
ـ إذن فأنت على وشك تدبر مؤامرة جديدة لمحمد.. |
ـ وهل يشغلني شيء غير محمد يا صفوان.. إن زعامة قريش مهددة بوجود محمد.. |
ـ ألا ترى مصانعة محمد يا أبا سفيان خيراً لقريش من مجابهته.. |
ـ وبعد حادث الاغتيال يا صفوان! |
ـ إنني وإن كنت من ألد أعداء محمد.. إلاَّ أنني أرى أن محمداً شفيق رحيم، ودود غير حقود.. حتى على أعدائه.. وحادث العير التي أرجعها لنا يوم أغار عليها زيد بن حارثة بوادي العيص شاهد قريب على ما أقول.. |
ـ أجل يا أبا خلف أجل.. ذلك لأن محمداً لم يصادر الفضة الكثيرة التي كانت لك على ظهور تلك العير.. |
ثم يرفع عقيرته صارخاً: |
ـ واللات والعزى لولا أن أبا العاص لم يكن زوج زينب بنت محمد ولو لم تكن خديجة بنت خويلد خالته ما فرحت بقيراط واحد من فضتك.. |
ـ ولكن أبا العاص أسلم وكان بإمكانه أن يغنم العير بما فيها بعد إسلامه وكان بإمكان محمد أن يحلل لأبي العاص فعلته ثم أنسيت أنت بالذات يا أبا سفيان؟ |
ـ نسيت ماذا يا صفوان؟ |
ـ نسيت حادث ثمامة بن أثال الحنفي حين منع عن قريش حنطة اليمامة فكتبت تستجير محمداً وتناشده باسم الرحم أن يكتب لثمامة وقد فعل وجاءتنا الحنطة بعد أن كدنا نهلك جوعاً. |
ـ بلى يا صفوان بلى.. تلك منَّة لمحمد لا أنساها أبداً، ولكن النزاع بيننا وبين محمد نزاع على مصير فإما أن يطيح بنا أو نطيح به.. |
ـ صدقت يا أبا سفيان صدقت.. لن يهدأ أحدنا حتى يقضي على الآخر.. |
ـ أتظن محمداً لن يرد على محاولتنا اغتياله بمحاولة مماثلة بل ربما تكون أفظع.. |
ـ أن يفعل فلن يلام فقد يادأناه والبادىء أظلم.. |
(عمرو وسلمة في مكة) |
ويصل عمرو وسلمة إلى مكة. وما أن يرى سلمة الكعبة حتى يقول: |
ـ ما رأيك يا عمرو لو أننا طفنا بالبيت وصلينا ركعتين.. |
ـ يا سلمة.. إن أهل مكة إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم وأنهم إن رأوني عرفوني فأني أعرف بمكة من الفرس الأبلق.. |
ـ أليس هذا ما تريده يا عمرو.. |
ـ يراني أهل مكة ويتجمعون علي ويفتكون بي وبك.. أهذه هي الخطة التي اتفقنا عليها.. |
ـ صحيح.. نحن اتفقنا على أن تطرق باب أبي سفيان وعندما يفتح الباب ويراك تفهمه أن بوسعك اغتياله لو شئت ولكن.. |
ـ ويقاطعه عمرو قائلاً: |
ـ إفهامه أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم باستطاعتها رد الصاع صاعين والكيل كيلين.. |
ـ نعم هذه هي مهمتنا ولكن متأكداً أن أهل مكة لن يعرفوك وأنت تطوف في هذا الظلام.. |
ـ يا سلمة.. لو عرفوني فستحبط مهمتنا التي قدمنا من أجلها ثم إن طريقة طوافنا وصلاتنا ستفضحنا. |
ـ سنتجنب الأنوار بينما نؤدي طوافنا وصلاتنا.. |
ـ وهل ذلك بالإمكان يا سلمة.. أجّل الطواف لفرصة أخرى مؤاتية.. |
ـ ولكننا نرى البيت ولا نطوف به.. لا.. يا أخي.. سأطوف به وحدي.. |
ويصعد عمرو زفرة غضب وألم ثم يقول.. |
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.. ليكن ما تريد يا سلمة.. |
وفشل مهمتنا ستكون أنت المسؤول عنه.. |
ـ هيا.. يا عمرو.. بسم الله.. وأنو الطواف.. |
ـ انكشاف الموفدين ـ |
وينتهيان من الطواف ويقول سلمة:
|
ـ الحمد لله أدينا الطواف ولم يرنا أحد يا عمرو.. |
ـ ولكن الطريق من هنا إلى دار أبي سفيان محفوف بالمخاطر فمجالس أهل مكة ممتدة على طول هذا الطريق.. |
ـ حاول أن تخفي وجهك يا عمرو بقدر الإمكان.. |
ـ ولكنهم سيعرفوني من مشيتي يا سلمة.. |
ويصدق حدس عمرو وإذ بهما يفاجآن بأحد القرشيين يصرخ: |
ـ يا معشر قريش.. يا معشر قريش.. هذا عمرو بن أمية الضمري والله ما قدم مكة إلاَّ لشر.. هيا أسرعوا للفتك به.. |
ويتطلع عمرو إلى سلمة قائلاً: |
ـ أسمعت يا سلمة.. أما قلت لك.. النجَّاء.. النّجاء.. |
ـ إلى أين يا عمرو.. |
ـ إلى أعلى الجبل.. فإني أعرف مخابىء لا تصل إليها قريش.. |
ويسرع عمرو وسلمة في الهرب والقرشيون خلفهم وأصوات تدحرج الحجارة وهم يهرولون تدل على كثرة عددهم.. ويصل عمرو وصاحبه إلى المخبأ فيقول: |
ـ هذا الكهف هو المكان المطلوب يا سلمة.. لن تهتدي قريش إليه.. سأضلله فابني عليه رُضْماً.. هيا ساعدني في نقل الحجارة فقد يأتي في اثرنا أحد ربما عرف هذا الكهف من قبل.. |
ـ إني أعجب كيف اهتديت إلى هذا الكهف يا عمرو؟ |
ـ إني أعرفه منذ كنت فاتكاً قبل أن يمن الله علي بالإسلام. فقد كنت آوي إليه بعد فعلتي.. أراك متعباً يا سلمة.. |
ـ بلى يا عمرو.. بلى.. ولولا خشية لحاق قريش بنا ما قدرت على الصعود.. إنني لم أر مكاناً بوعورة كهفك هذا فالغنم لن تستطيع صعوده وتسلقه فكيف الإنسان.. |
ـ الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بهذا العقل الذي استطعنا به تسلق هذا الجبل الوعر.. |
ـ أجل يا عمرو.. أجل فلولا العقل ما اهتدينا ولا عرفنا طريقنا إلى هذا الكهف.. |
ها نحن انتهينا من رضم الحجارة فلنختبىء في أقصى الكهف فإني أسمع أصوات المقتفين لآثارنا.. ضع أذنك على الأرض فتسمع كما أسمع.. |
ـ بلى يا عمرو بلى.. ويلوح لي أن عددهم وفير. |
ـ إذا رايناهم اقتربوا من الكهف.. فهل نخرج إليهم وليكن ما يكون. |
ـ الكثرة تغلب الشجاعة يا عمرو.. وأرى أن الرَّضم الذي وضعناه على فم الكهف سيضلّلهم والله سبحانه وتعالى سيمنعنا منهم.. |
ـ ثم يا سلمة ثم فقد انقطع اقتفاء قريش لآثارنا.. |
ـ صدقت يا عمرو صدقت.. فإن لم أعد أسمع ذلك الضجيج.. الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين. |
|