الحلقة ـ 1 ـ |
(موسيقى خفيفة تتخللها همسات وأصوات تعلو وتنخفض مما يدل على اجتماع نسمع بعده صوت هذال يقول). |
هذال: يا بني أنصار لعلَّكم سمعتم بالدين الجديد الذي جاء به محمد القرشي.. |
أصوات: بلى.. بلى.. |
هذال: وقد جاءكم أيضاً أن وفود القبائل تزحف أفواجاً أفواجاً إلى يثرب لتدخل في هذا الدين.. |
أصوات: بلى.. بلى.. |
هذال: فما رأيكم في الدخول فيما تدخل فيه هذه القبائل.. وأبو عمرو يرى في هذا الدين الخير والنفع لقومنا.. |
أصوات: إذا كان هذا رأي أبي عمرو فنحن معه.. |
هذال: إنه دين يدعو إلى الهدى والرشاد، إلى المحبة والإخاء.. والمساواة بين جموع من دخلوا فيه لا فرق بين غنيهم وفقيرهم وأميرهم وحقيرهم إنه دين يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر.. |
أصوات: هيا بنا نذهب مع أبي عمرو إلى يثرب.. |
هذال: سينتخب أبو عمرو من بيننا وفداً يصاحبه إلى يثرب.. |
أصوات: إنه لها.. إنه لها.. |
(موسيقى تختلط برغاء الإبل وصهيل الخيل وأصوات مبهمه وضجيج مما يدل على زجاج نسمع بعده صوت رباح يقول): |
رباح: ما رأيت مثل هذا الحشد الكبير بيثرب هذا العام يا صفوان.. |
صفوان: إنه عام الوفود.. |
رباح: فقد شرح الله صدورهم وقلوبهم للإسلام فهرعوا للدخول فيه.. |
صفوان: لقد امتلأت منازل المدينة وأزقتها وحواريها بجموع الوافدين من كل حدب ينسلون.. |
صوت صادر من مكان بعيد:
إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً. صدق الله العظيم (سورة النصر: 1 - 3) . |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنة تقول): |
مزنه: ما بك يا صفية - أراك تلهثين وكأنك قادمة من مكان بعيد.. |
صفية: أنت تعرفين أين أسكن يا مزنه.. |
مزنه: بلى.. بلى.. أنك تقطنين قريباً من دارنا فماذا أصابك..؟ |
صفية: جموع الوافدين.. غيرت اتجاه سيري إليك عدة مرات وأنا أشق طريقي إلى منزلك فكم صدمني جمل ولكزني حمار بالإضافة إلى كلام الناس، إلى أين يا أمة الله في هذه الزحمة.. |
مزنه: لقد جئت في الوقت المناسب يا صفية.. |
صفية: ماذا عندك؟ |
مزنه: لقد جاء والدي صفوان هنا قبل قدومك ليخبرني أن بعض الوفود سينزلون عندنا.. |
صفية: وأين هذا الوفد؟ |
مزنه: لقد ذهبوا مع والدي للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وللدخول في الإسلام.. |
صفية: وأنا جئت إليك لأطلب منك إعارتي بعض الوسائد والمفارش لضيوفنا من تميم، وأراني سأعود بخفى حنين أو بدون خف.. |
مزنه: لا عليك يا صفية.. فحاجتك مقضية بإذن الله وسأرسلها مع أخوتي حين يحضرون والآن خذي راحتك فآثار التعب بادية على محياك.. |
صفية: لا عدمتك يا مزنه.. بورك فيك.. |
مزنه: نسأل الله أن يديم علينا نعمة الإسلام فقد أعزنا الله به فارتفع بنا من مهاوي الذل والعبودية إلى قمة المجد والكرامة.. |
صفية: صدقت يا مزنه.. هل تحلم المدينة بهذه المكانة وبهذا السؤدد لولا الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم.. |
مزنه: أجل.. وإني لأدعو الله أن يمتد بي العمر فأرى شمس هذا الدين تضيء العالمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عامر يقول): |
عامر: هل تجلى لكم يا قوم صدق ما كان يحدثنا أبو عمرو عن هذا النبي الكريم ونحن في طريقنا إليه.. |
أحدهم: إنه لم يقل إلا قطرة من بحر إذ أنه من المستحيل أن يحيط المرء بشمائله عليه الصلاة والسلام.. |
عامر: صدقت.. إننا في كل لقاء به نستكشف جوانب مشرقة تبهر الأبصار وتأخذ بمجامع القلوب.. |
أحدهم: قل لي يا عامر.. |
عامر: ماذا؟ |
أحدهم: سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سيسير أبا عمرو لهدم صنم ((الخلصة)). |
عامر: بلى.. بلى.. |
أحدهم: ولكنها مهمة دقيقة وشائكة فصنم ((ذي الخلصة)) له منزلة كبيرة عند مدينة بني أمامة وخشعم وأزد السراة.. |
عامر: لا تخف.. فقوة الإسلام ستحطم الأصنام وستطهر هذه الجزيرة من رجسها وأدرانها ولن يعبد بعد اليوم إلاّ إله واحد لا شريك له.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت صفية تقول): |
صفية: ما بك يا مزنه.. أراك ساهمة واجمة.. كلما حدثتك عن شيء شرد تفكيرك إلى جهة أخرى.. أأطلت حديثي ومقامي.. أم أنك تشكين من علة.. |
مزنه: لا أشكو من علة يا صفية ولا أطلت حديثك ومقامك فمجيئك قد سرّى عني بعض ما أشكو.. |
صفية: وتشكين من أي شيء يا مزنه.. |
مزنه: لا شيء.. لا شيء.. |
صفية: لا شيء.. وأسارير وجهك تكاد تنطق بما يعتلج في نفسك.. ألعلّك.. |
مزنه: ألعلي ماذا؟ |
صفية: ألعلّك وقعت في.. |
مزنه: (مقاطعة) كيف عرفت؟ |
صفية: أمائره لا تخفى على من جربه وذاق لوعته وأشجانه.. |
مزنه: أهذه الأمائر ظاهرة على محياي؟ |
صفية: كل الظهور.. |
مزنه: ولكني لا أراها.. |
صفية: ولكنك تحسين بها، وتحاولين كتمانها غير أن أسارير وجهك وحركاتك وسكناتك تفضح ذلك.. يلوح لي.. |
مزنه: يلوح لك ماذا؟ |
صفية: يلوح لي أنه شيء كبير وأنك غارقة فيه إلى أذنيك وأن هنالك ظروفاً تمنعك من البوح به.. أليس كذلك؟ |
وتحاول مزنه جاهدة أن تكتم ما بنفسها ولكنها لم تستطع فإذا بها تنفجر باكية فتقول لها صفية:
|
ابك.. ابك فالبكاء نفثة المكلوم ومتنفس المحزون والمهموم، ابك ولكن قولي.. |
مزنه: أقول ماذا؟ |
صفية: قولي من الذي أبكاك.. |
مزنه: أعفي يا صفية.. |
صفية: أأقوله أنا يا مزنه؟ |
مزنه: قليه.. |
صفية: إنه يوسف هذه الأمة.. |
مزنه: (مندهشة) تقولين إنه يوسف هذه الأمة.. من أين عرفت ذلك.. |
صفية: من عمر بن الخطاب الذي كان يقول كلما رآه: ((هذا يوسف هذه الأمة)). |
مزنه: صدق عمر بن الخطاب. لقد أوتي جمال يوسف عليه السلام.. |
صفية: ولكن لم تبكين؟ وقد خطبك ولم يبق إلا زفافك إليه.. |
مزنه: أبكي لأني أخشى عليه.. |
صفية: تخشين عليه ماذا.. ها.. ها.. تذكرت.. تخشين عليه أن يستشهد.. |
مزنه: لا يا أختاه فالشهادة هي منتهى أمل كل مسلم.. ولكن.. |
صفية: ولكن ماذا؟ |
مزنه: لا تحرجيني يا صفية.. |
صفية: فهمت.. فهمت إن شاء الله سيعود إليك سالماً غانماً بإذن الله.. |
مزنه: يا رب.. يا رب.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رباح يقول): |
رباح: أرى الفرحة تشيع في محياك يا صفوان.. |
صفوان: ولم لا أفرح وقد عاد يوسف هذه الأمة من حملته سالماً بعد أن هدم صنم (ذي الخلصة) وبيت السدنة وأحرقهما.. |
رباح: من حقك أن تطير فرحاً يا صفوان ولا سيما وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن قضى على الحشود التي تجمعت لصده عن هدم صنم ذي الخلصة. ولكن.. |
صفوان: ولكن ماذا؟ |
رباح: قل لي يا صفوان كيف استطاع صاحبنا أن يهزم تلك الجموع الغفيرة وهو على رأس مائة وخمسين فارساً.. |
صفوان: لقد أوهم أعداءه أنه يريد غزو قوم غيرهم حتى أن من كانوا معه من أصحابه حين رأوه يعدل عن مهاجمة الحشود المجتمعة حول صنم ((ذي الخلصة)) رموه بالجبن والخوف.. |
رباح: ثم ماذا؟ |
صفوان: ولم يجادلهم صاحبنا بل تحمل لومهم وتهمهم وعندما علم من عيونه أن جموع صنم ((ذي الخلصة)) قد تفرقوا.. عطف عليهم بخيله فأخذهم بغتة وهدم الصنم وبيته وأحرقهما.. |
رباح: إذن فالإيمان.. ثم السرية التامة.. ثم المباغتة هي سر نجاح يوسف هذه الأمة فمن هو يا ترى؟ |
|