الحلقة ـ 8 ـ |
أم خالد: أنا انفجعت أمس لما سمعت البكا - وما عرفت مين اللي كان يبكي.. الصوت غريب.. |
أبو خالد: أنا كمان انفجعت لما شفتو يبكي بحرقة راجل في حجم الدّبابة ويبكي زي البزورة.. |
أم خالد: لازم كان مجنون في حبها.. |
أبو خالد: هادا التعليل الوحيد لبكائه المرّ.. |
أم خالد: واليوم يبغي يكمل لك القصة.. |
أبو خالد: ايوا.. |
أم خالد: يا ريت أقدر أستمع للقصة.. |
أبو خالد: بسيطه.. أجلس في الأوضه المطلة على الحديقة وأنت تسمعي كل شيء لأن عم عوض صوتو يلعلع يمكن تقدري تسمعيه وأنت في المطبخ.. |
باصلوح: (ينادي) عوض وصل يا عم.. |
أبو خالد: خليه يخش في الحديقة محل أمبارح.. |
أم خالد: أنا ألقي نظرة على المطبخ وبعدين احتل مكاني في اللُّوج.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها عوض يقول): |
عوض: عمك فوق يا واد.. |
باصلوح: ايوا يا عم.. |
عوض: ها أوع تماوي.. أنا فاطن أنت كنت رايح تقول إيش.. |
باصلوح: كأنك على لساني.. |
عوض: أبغي أقل لعمك يقطع لسانك حتى ما تقول: عم جمعان.. |
باصلوح: خلاص.. أنا تبت.. بس لا تقل لعمي بو خالد.. |
(ينزل أبو خالد فيقول باصلوح): |
عمي نازل..
|
عوض: يا مرحبا.. يا مرحبا بعمك.. |
أبو خالد: أهلاً بالعم عوض.. |
عوض: الله يخليك يا عم بو خالد.. |
أبو خالد: أجلس يا عوض.. أجلس.. أنت قومتك وقعدتك صعبة.. |
عوض: من كثيب الشحم واللحم يا عم.. |
(يضحكان) |
أبو خالد: قل لي.. مستعد تكمل الحكاية ولاّ رايح تفتح مناحة زي أمبارح.. |
عوض: لا يا عم.. سأتجلد.. سأصبر.. |
أبو خالد: هيا قل.. |
عوض: وأقسمت بعد وفاة (رمانة) أن أرتدي السواد حزناً عليها طول عمري.. |
أبو خالد: إذن هادا سِرّ لبسك للسواد.. |
عوض: ايوا يا عم.. |
أبو خالد: والمرحومة رمانة من أي بلد؟ من زنزبار؟ |
عوض: من أم درمان؟ |
أبو خالد: إذن رمانة من السودان.. دحين عرفت.. |
عوض: عرفت إيش يا عم.. |
أبو خالد: باصلوح كان يقول لي أنو دايماً يسمعك تردد شعر عن أم درمان هيا سمعنا.. |
عوض: الفَرْخ باصلوح قالك.. |
أبو خالد: ايوا.. |
عوض:
|
بي بعادنا وحكم الزمان |
طال هجرك يا أم در أمان |
مرّة تحلى ومرّة تمر |
الليالي وطبعاً تمر |
واللَّه فراقك في الجوف جمر |
المسبّل للَّه الأمور |
|
أبو خالد: كلام حلو يا عوض.. |
عوض: زي أهلها الحلوين.. |
أبو خالد: طيب فهمنا لبسك السود.. لكن ايش هوه سر تلهفك على جمع الجرايد والمجلات.. |
عوض: لي أرض في جزيرة (بمبا) جنب جزيرة زنزبار.. |
أبو خالد: ايوا.. |
عوض: وفي الأرض مية شجرة قرنفل.. |
أبو خالد: مية شجرة قرنفل.. أنت من الأغنياء.. |
عوض: وكنت ناوي أبيع الأرض بعدما تجوزت أمي واسافر على (نيروبي).. |
أبو خالد: نيروبي عاصمة كينيا.. |
عوض: ايوا.. |
أبو خالد: وبعدين؟ |
عوض: عرف جوز أمي.. أتسلط عليّ وصار يضربني حتى أجبرني على الهرب.. |
أبو خالد: لكن ما قلت ليش تجمع الجرايد والمجلات.. |
عوض: أجمع الجرايد والمجلات حتى أشوف إيش سوى الشيوعيين اللي احتلوا بلدي بأرضي.. |
أبو خالد: قول عليها السلام.. الشيوعيون لا بد صادروها وحرقوها زي ما حرقوا كتير من أشجار القرنفل في زنزبار.. |
عوض: ربنا يهلكهم.. ربنا يخرب ديارهم بس.. |
أبو خالد: بس إيش.. |
عوض: يمكن ربنا عمى عيونهم عن أرضي لأني ضعيف.. مسكين.. |
أبو خالد: هدولا زي الجراد يأكلو الأخضر واليابس.. |
عوض: أمري لله يا عم برضو خليني أجمع الجرايد والمجلات.. |
أبو خالد: ليش يا عوض.. |
عوض: الأمل يا عم يمكن أسمع أو اقرأ فيها خبر عن أرضي.. |
أبو خالد: ليش ما تكتب لمعارفك هناك.. |
عوض: معارفي كلهم راحوا في المجزرة اللي عملوها الشيوعيون ويمكن أميّ المسكينة كانت معاهم.. |
أبو خالد: ربنا يعقلك على أرضك.. ويخلص بلدك من ظلم الشيوعيين واحتلالهم.. |
عوض: ربنا يسمع منك.. يا رب.. يا رب.. |
أبو خالد: (ينادي) باصلوح.. |
باصلوح: يا نعم.. يا نعم.. |
أبو خالد: المدفع قرب.. ولا تنسى عمك عوض من الفطور معاك.. |
باصلوح: زين يا عم زين.. |
عوض: كتر خيرك يا بوخالد.. دارك عامرة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها همهمة وغمغمة وأصوات تعلو وتنخفض وصوت أكثر من ولد يقول): |
ولد: برَّاد أبو أربعة.. قهوة استامبولي.. |
ولد: شيشه حُمِّى.. شيشه حَجَرْ.. ثلاجه مويا.. |
ولد: براد أبو ثمانيه.. قهوة مضبوطة.. |
باصلوح: إيش تشرب يا عم.. |
أبو خالد: شاهي.. |
ولد: براد أبو أربعة.. |
باصلوح: تبغي شيشه يا عم.. |
أبو خالد: من أمتي أنا يا واد شفتني أشرب شيشه.. |
باصلوح: قلت يمكن نفسك اشتهت نفس.. |
أبو خالد: القهوة حلوة ونضيفه.. والشيش لياتها مزركشة وجديدة.. |
باصلوح: أنا قلت لك يا عم أبغي أوريك القهوة الجديدة.. |
أبو خالد: صحيح إنها جديدة في كل شيء.. اسمع يا باصلوح.. |
باصلوح: نعم يا عم.. |
أبو خالد: هناك (في) حلقة جالس في وسطها عجوز لحيته بيضاء كأنها (ظبدية) لبن.. وقدامه شيشة ليّها زي قوس قزح.. |
باصلوح: أنا شايفه.. هادا المعلم (دحمان) صاحب القهوة.. |
أبو خالد: طيب والناس متجمعين حواليه ليش؟ |
باصلوح: تبغي تعرف يا عم ليش.. |
أبو خالد: ايوا يا واد.. |
باصلوح: قوم يا عم.. |
أبو خالد: فين يا واد.. |
باصلوح: ننتظم مع المنتظمين في حلقة المعلم (دحمان).. |
أبو خالد: ليش الجميع منصتين وكأن على رؤوسهم الطير.. |
باصلوح: لأن المعلم (دحمان) جهبذ من جهابذة الحارات.. |
أبو خالد: ليش يشد كلماته وعباراته مرة بطريقة (أمريكية) ومرة (يمطها).. |
باصلوح: هادي طريقة المعلم (دحمان) في التأثير على مستمعيه.. طريقة (فتوة) الحارات.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أحد الحاضرين في الحلقة يسأل): |
أحدهم: معلم دحمان.. |
دحمان: قول يا والد.. إيش تبغي تسأل.. |
أحدهم: الزير أبو ليلى المهلهل أمّو اسمها إيش.. |
دحمان: ودا سؤال يا حِدِقْ.. |
أحدهم: اسمها إيش؟ |
دحمان: ويبغالو تفكير يا لِِمِِِض.. اسمها ليلى وإمّا تصدق روح أقرأ سيرة المهلهل أخو كليب وأنت تشوف اسم أموّ مكتوب فيها.. |
أصوات: (استحسان) يا سلام.. يا سلام.. يا معلم.. |
أحدهم: وأبو زيد الهلالي فين أقرأ عنّو.. |
دحمان: أنا يا واد ماني عارف إيش يقروكم بالمدارس.. يظهر الأساتذة حقونكم فهمهم على قدهم أقرأ تغريبة بني هلال تلقى فيها أخبار وفروسية أبو زيد الهلالي.. |
أصوات: يا سلام يا معلم.. يا سلام.. |
باصلوح: أما المعلم (دحمان) معلم فهمان ويعرف كيف يتخلص ويتهكم بطريقة تذكرنا بزميله (برنارد شو).. |
أبو خالد: ونت كمان يا واد وصلت (لبرنارد شو) أنت معلم قوم وخذ مكان المعلم (دحمان).. |
باصلوح: بس أنا لسه معلم صغير. لمّا يشيب رأسي وتشيب دقني يمكن أصير معلم قد الدنيا.. |
أبو خالد: أوعى يركبك الغرور يا واد ترى يوديك في داهيه.. |
باصلوح: أبغي أقول يا عم بس ما تزعل علي.. |
أبو خالد: قول وتبحبح الليلة ليلة فرفشة وبحبحة.. |
باصلوح: مديحك ليّ يا عم هوه اللي رايح يوديني في داهيه.. |
أبو خالد: خلاص ماني رايح أمدحك بعد الليلة.. |
أحدهم: معلم دحمان.. |
دحمان: إيشبك يا واد.. إيش كمان عندك.. |
أحدهم: مين من الخلفاء جا جده.. سيدنا عمر وإلاّ سيدنا عثمان.. |
دحمان: أنت يا واد مسحوب من لسانك.. دائماً تجيب أسئلة تفتكر تعجزني بيها.. |
أحدهم: أستغفر الله يا عم.. |
دحمان: سيدنا عثمان بن عفان يا واد يا حدق.. هو الخليفة اللي جاجِدَّه.. |
أصوات: يا سلام يا معلم.. يا سلام.. |
أحدهم: وليش تقول جِدّه مو جُدّه.. |
دحمان: تعرف ليش.. |
أصوات: لا يا معلم.. |
دحمان: جده أصل اسمها جَلْدَهْ ومع مرور الزمان تحرفت وصارت جده.. |
أحدهم: يعني بكسر الجيم.. |
دحمان: ايوا.. |
أحدهم: بس كُتّاب الأيام هادي يا معلم يقولو غير كدا.. |
دحمان: وإيش عرّفهم وإيش فهمهم بهادي الأمور.. هادول يبغالهم سنين وأيام حتى يصلو لهادي المواصيل.. |
أصوات: براوا يا معلم.. براوا يا معلم.. |
دحمان: (معتزاً) دا كلام وعلم سمعناه من جدود الجدود.. هات اجعص واحد إن كان يقدر يقول كلام غير هادا يبقى لك الحق عندي.. |
(وعلت أصوات الاستحسان وطلب الاستزادة من بحر العالم الأوحد.. ويتطلع أبو خالد إلى ساعته فإذا بينه وبين مدفع السحور ربع ساعة فقال): |
أبو خالد: يالله يا باصلوح.. باقي للسحور ربع ساعه يا دوب نوصل للبيت.. |
|