شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
التدخين
وحيد: حرام عليك يا وجدي.. هل تعجبك هذه الحال؟ أمسرور ومبتهج من هذه الموسيقى النشاز التي يصعدها صدرك وحلقك؟
وجدي: لا أستطيع ترك هذه العادة…
وحيد: ولكنها عادة مضرة.. تطلع في المرآة إلى وجهك المحتقن وعينيك المتورمتين..
وجدي: أهي عادة تعودنا عليها يا وحيد.. ومن شب على شيء شاب عليه..
وحيد: إنها عادة ستقودك إلى الهاوية يجب أن تقلع عنها..
وجدي: الإقلاع صعب..
وحيد: قوة الإرادة تذلل المصاعب..
وجدي: التخفيف ممكن.. أما الترك بتاتاً فمستحيل..
وحيد: لا مستحيل في قاموس العزيمة والتصميم.. أعقل وتوكل على الله…
وجدي: يا وحيد يا صديقي، قلت لك إني سأقلل من كمية التدخين التي أدخنها يومياً.
وحيد: ألم تقرأ عن مضار التدخين في الجرائد والمجلات وتسمع في الإذاعات وتشاهد في التلفزيون؟!
وجدي: ولكن الطب لم يثبت بعد مضار التدخين…
وحيد: أتريد شاهداً أكثر وأكبر على ضرره من هذه الخرخشة التي يئن بها صدرك وكأنها حشرجة الموت..
وجدي: هذا السعال من الزكام الذي أصيب به وليس من التدخين…
وحيد: عجيب أمرك يا وجدي! أنت عنيد وصلب في عنادك..
وجدي: لو جربت لذة التدخين لوجدت أنك لن تطيق معه صبراً..
وحيد: الحمد لله الذي وقاني شره.. اهنأ أنت بلذة التدخين وترقب يوماً تندم فيه حين لا ينفع الندم..
وجدي: أنا أندم؟! إنك تهول الأمور يا صديقي..
وحيد: المثل يقول: قلبي على حبيبي انفطر وقلب حبيبي من حجر.. أستودعك الله..
وجدي: مع السلامة.. مع السلامة…
ضحى: ما هذا الذي أرى يا سوسن؟..
سوسن: سيجارة يا ضحى..
ضحى: سيجارة! أخشى أن يعقبها مستلزماتها..
سوسن: أعوذ بالله يا أختاه.. السيجارة وبس…
ضحى: تباً لها من عادة، لقد ابتلي بها صغارنا أيضاً، فالولد الذي لم يبلغ العاشرة يدخن والفتاة مثله..
سوسن: إنها موضة كأيّ موضة أخرى…
ضحى: الموضة تتغير يا سوسن ولكن التدخين عادة إذا تأصلت يصبح من الصعب جداً التخلص منها…
سوسن: لو جربت مرة تدخين سيجارة واحدة لأدركت لذة التدخين وما يشعر به المدخن من راحة وانشراح..
ضحى: راحة وانشراح ينفثان سموماً قاتلة في جسمك!..
سوسن: سموم! أية سموم؟ لم أسمع بأحد مات من التدخين…
ضحى: يظهر أنك لا تقرئين الصحف يا سوسن…
سوسن: كيف وحب القراءة يجري في دمي؟ ولعلّ أسباب تعلقي بالتدخين هو من وراء ميلي للقراءة والكتابة. فإنها تساعدني على التفكير…
ضحى: وأنا مثلك أقرأ وأكتب ولكني لله الحمد لم أتعود التدخين.. المهم..
سوسن: المهم ماذا؟
ضحى: المهم أنك تقرئين بنهم، ويلوح أنك لم تقرئي ما يقوله الأطباء العالميون عن مضار التدخين وإنه يسبب الإصابة بمرض السرطان…
سوسن: هذه آراء.. وهنالك آراء أخرى تقول لا علاقة للتدخين بالسرطان..
ضحى: لا تغالطي يا سوسن بل قولي..
سوسن: أقول ماذا؟
ضحى: قولي إن خطيبك وجدي مدمن على التدخين وأنت تقلدينه..
سوسن: وقولي أنت يا ضحى..
ضحى: أقول ماذا؟
سوسن: قولي إن خطيبك وحيد يقوم بحملة واسعة في الأندية والصحف ضد عادة التدخين والمدخنين وأنت تقومين بمثل ما يقوم اقتداء به…
ضحى: إنها قدوة حسنة والاقتداء بالشيء الحسن فضيلة.
سوسن: أظن أنك تضيعين وقتك يا أختاه في هذا الموضوع.. فلننتقل إلى موضوع آخر. ففي أيامنا هذه حوادث ومواضيع أهم من الحديث عن التدخين وأضراره…
ضحى: الدين النصيحة وقد نصحتك والله يهديني وإياك إلى سواء السبيل..
* * *
المذيع: أغارت طائرات العدو وقد تصدت لها مقاوماتنا الأرضية فردتها على أعقابها وقد قتل من جراء الغارة طفلان وامرأتان وخمسة رجال وبلغ عدد الجرحى عشرين.
وجدي: أتسمع يا وحيد؟
وحيد: نعم يا وجدي وإنها والله أخبار سيئة ومحزنة..
وجدي: ما العمل؟
وحيد: وهل نملك إلا الدعاء؟..
وجدي: الدعاء لا شك أنه ينفع لأن الله تعالى يقول:ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر: 60) ولكن..
وحيد: ولكن ماذا؟
وجدي: ولكن الدعاء يجب أن يكون مقروناً بالعمل..
وحيد: ما نوع العمل مثلاً؟..
وجدي: نتطوع في فرق المجاهدين في سبيل الله..
وحيد: ماذا تقول؟
وجدي: نتطوع في فرق المجاهدين في سبيل الله..
وحيد: أنت تقول هذا؟
وجدي: وهل يضيرك هذا؟
وحيد: لا والله بل يسرني أن أسمع ذلك من وجدي بصورة خاصة..
وجدي: أموافق أنت على الفكرة؟
وحيد: بدون تردد أو قيد وشرط..
وجدي: ومتى تريد أن نلتحق؟
وحيد: خير البر عاجله، والجهاد في سبيل الله أصبح فريضة ضد أعداء الإسلام والمسلمين..
وجدي: هيا بنا.. هيا بنا..
ضحى: توالت غارات الأعداء يا سوسن وارتفع رصيد الضحايا من النساء والأطفال والعجزة، فهل نقبع في دورنا نتسلى بسماع هذه الأخبار؟…
سوسن: ماذا ترين؟
ضحى: قولي أنت ماذا ترين؟
سوسن: يجب أن نساهم في تخفيف ويلات المصابين..
ضحى: كأنك تقرئين ما يجول بفكري ويعتمل بنفسي..
سوسن: ولكن..
ضحى: ولكن ماذا؟
سوسن: كيف السبيل إلى ذلك؟
ضحى: أنت وأنا عندنا خبرة بالتمريض وبالتدبير المنزلي..
سوسن: بلى.. بلى..
ضحى: نلتحق بمستشفيات الهلال الأحمر…
سوسن: فكرة رائعة.. رائعة جداً..
ضحى: لقد نسينا في زحمة فرحتنا بأداء الواجب شيئاً مهماً..
سوسن: ما هو يا ضحى؟
ضحى: والدك ووالدي هل يقبلان؟
سوسن: ونسيت أيضاً؟
ضحى: ما هو؟
سوسن: وجدي ووحيد هل يقبلان؟
ضحى: أما بالنسبة لخطيبي وحيد فأقول إنه سيشجعني على ذلك.. وخاصة بعد أن التحق بفرق المجاهدين في سبيل الله…
سوسن: وأنا أعتقد أن وجدي لن يمانع بعد أن التحق هو الآخر بفرق المجاهدين..
ضحى: إذن، فالأمر معلق الآن بأيدي والدينا…
سوسن: أجل يا أختاه أجل..
ضحى: أرى أن يفاتح كل منا والده..
سوسن: توكلنا على الله..
ضحى: توكلنا على الله..
وحيد: لقد وصلنا..
وجدي: وصلنا أين؟
وحيد: ألا ترى؟
وجدي: لا فعيناي قد غشيتا من لفح الهواء البارد.. وأحس وكأني أريد أن أسعل..
وحيد: رحنا في داهية.. اكتم سعالك وأنفاسك إذا أمكن ريثما أضع العبوة الناسفة تحت محطة توليد كهرباء هذه القرية…
وجدي: افعل أنت وحدك.. أما أنا فلا أستطيع المشاركة من شدة التعب..
وحيد: ابقَ مكانك واحمي انسحابي إذا دعا الأمر..
وجدي: هل انتهيت؟..
وحيد: بلى يا وجدي وكل شيء تم حسب الخطة المرسومة..
وجدي: ياه ياه.. برافو ما أسرعك وأبرعك!
وحيد: هيا بنا نسرع في العودة قبل أن ينفجر اللغم وتتعقبنا سيارات الأعداء وكشافاته وطائراته.. هيا..
وجدي: ولكني مجهد متعب يا وحيد..
وحيد: أتبقى هنا لتقتل أو تقع في جحيم الأسر؟ هيا..
وجدي: ولكني لا أستطيع؟
وحيد: سأساعدك.. هذه نتائج التدخين يا وجدي.. أَحْرَقَ قصبةَ تنفُسك ورئتيك وأهرم شبابك.. هيا. سأحملك..
نسمع وقع أقدام أم وحيد تختلط بموسيقى تصويرية مناسبة يعقبها صوت وجدي يقول:
وجدي: أنا آسف يا وحيد أتعبتك.. سأنزل وأحاول أن أمشي وأتوكأ عليك..
وحيد: حاول وعندما تشعر بالتعب سأحملك ثانية..
وجدي: شكراً..
وحيد: هيا فقد اقتربنا من ضفة الأمان.. شد حيلك..
وجدي: انفجرت العبوة فعسى أن تكون خسائر العدو جسيمة..
وحيد: تحامل على نفسك يا وجدي قبل أن تكتشف دوريات العدو وطائراته مكاننا.. أسرع..
وجدي: لقد نفحني الله تعالى قوة حين سمعت انفجار عبوة اللغم.. وتصورت ما سيتكبده أعداؤنا من ضحايا في الأرواح والممتلكات..
وحيد: فلنختبىء في هذه المغارة..
وجدي: ولكني أخشى أن يكتشف العدو مكاننا من آثار أقدامنا وبواسطة كلاب البوليس..
وحيد: لعلَّ الله يكتب لنا الشهادة في سبيله..
وجدي: أجل.. أجل ولكن..
وحيد: ولكن ماذا؟
وجدي: لا يجب أن نموت إلا وأيدينا على الزناد..
وحيد: تعال.. أُدخل..
وجدي: أُدخل أنت وسأحميك حتى تدخل..
وحيد: بورك فيك..
وجدي: لقد ابتعد أزيز الطائرات وأصوات محركات السيارات.. هلم بنا نتابع سيرنا قبل أن يكتشف أمرنا..
وحيد: أُدخل يا وجدي، فهذا الكهف طويل وله باب من الجهة الأخرى.. تطل على النهر..
وجدي: ولكنهم سيشعرون بنا إذا ما سبحنا في النهر..
وحيد: لعلّنا نجد مخاضة..
وجدي: وإذا لم نجد..
وحيد: لا تعقد الأمور يا وجدي.. هلم بنا قبل أن يفتضح أمرنا..
ضحى: أكنت تحسبين يا سوسن هذا الحساب؟..
سوسن: إنني في حلم يا ضحى..
ضحى: إنها توفيق من الله..
سوسن: وأي توفيق والدانا يقبلان اشتغالنا بالتمريض ويشجعاننا عليه..
ضحى: هل أنت مرتاحة إلى عملك هذا؟
سوسن: كيف لا أرتاح إلى هذا العمل الإنساني الذي أجد فيه لذة ما بعدها لذة..
ضحى: أهي أكثر مذاقاً ونكهة من التدخين..
سوسن: التدخين.. قاتل الله التدخين.. لقد أقلعت عنه إلى الأبد..
وحيد: ها قد وصلنا شاطىء الأمان فالحمد لله.
وجدي: الحمد لله على السلامة والحمد لله على…
وحيد: على ماذا؟
وجدي: على تركي التدخين إلى الأبد..
* * *
(تخطلط بضجيج واصوات تعلو وتنخفض نسمع بعدها صوت سعاد تقول):
سعاد: حرام عليك يا بهيرة!!
بهيرة: ماذا جرى يا سعاد؟
سعاد: أولادك..
بهيرة: ما بهم؟
سعاد: يضربون أولاد عمهم المرحوم ويهينونهم ويعيرونهم بأنهم شؤم على والدهم ولم يتورعوا عن النيل مني أنا.
بهيرة: مش معقول.. أولادي مؤدبين ولا يمكن أن يقوموا بمثل هذه الأعمال.. إنما..
سعاد: إنما ماذا؟
بهيرة: إنما أنت..
سعاد: أنا ماذا؟
بهيرة: أنت تريدين زرع العداوة والبغضاء بينهم وبين أبناء عمهم…
سعاد: أنا! أنا سامحك الله يا بهيرة.. ما فائدتي من ذلك؟
بهيرة: أنا داريه.. قولي لحالك.. يمكن عندك مخطط رهيب…
سعاد: وكمان مخطط رهيب.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
بهيرة: نعم أسألي حالك…
سعاد: بهيرة.. اسحبي اتهاماتك.. عيب عليك.. إنني وأولادي ضيوف في دارك وليست هذه معاملة الضيف…
بهيرة: صحيح.. إذا كان الضيف يحترم نفسه…
سعاد: وهل صدر مني ما يسيء إليك.. اتق الله يا بهيرة، واعلمي أنه بالمرصاد لكل ظالم..
بهيرة: أنا ظالمة.. يا سليطة اللسان.. أنا عارفة ألاعيبك… زي المية من تحت الثلج… تحفرين حفرة لي ولكنك ستقعين فيها….
سعاد: أوصل الأمر بك إلى هذا الحد؟..
بهيرة: لقد طفح الكيل ولم يبق في قوس صبري منزع.. أنا صبرت.. لكن..
سعاد: لكن ماذا؟
بهيرة: لكن للصبر حدود.. لقد أصبحت المسألة مسألة حياة أو موت بالنسبة إلي..
سعاد: الله.. الله.. كوني صريحة يا بهيرة وضعي النقط على الحروف..
بهيرة: إنك تتظاهرين بالبراءة.. براءة الذئب من دم ابن يعقوب..
سعاد: براءة إيه.. وذئب إيه.. كوني شجاعة وقولي ما تجدين في نفسك مني..
بهيرة: دورانك ولفك من أجل إيقاع العداوات بيني وبين أبي فؤاد، أتظنيني بلهاء إلى هذا الحد؟..
سعاد: يا إلهي!.. ألا تخشين الله أنا ألف وأدور بينك وبين زوجك يا بهيرة…
بهيرة: نعم.. وقد لاحظت ذلك كما لاحظ هو أيضاً…
سعاد: لاحظ هو أيضاً…
بهيرة: أجل واستحى أن يؤنبك على محاولاتك الدنيئة..
سعاد: بهيرة.. إنك تتهجمين علي وتتهمينني وأنا لا أسمح لك بذلك.. اسمعي..
بهيرة: قولي..
سعاد: هذه الاتهامات الباطلة محاولة منك لإخراجي من هذا البيت.. وللتغطية على أكلكم أموال أولادي اليتامى..
دحمان: ماذا تقولين يا كذابة.. أنا آكل أموال أولاد أخي اليتامى.. قطع لسانك الآن أدركت الآن أدركت لم أولاد أخي يتجافونني…
سعاد: من سوء معاملتك ومعاملة أولادك وزوجتك لهم.. ضرب ومهانة.. ودعاء نازل عليهم مثل زخ المطر…
بهيرة: سمعت يا دحمان.. سمعت بذاءة لسانها ووقاحتها.. لا شك أنك الآن تعذرني عندما كنت أشكوها إليك..
دحمان: بلى.. بلى.. حالك زاد يا سعاد ولازم تخرجي من هذا البيت..
سعاد: مستعدة للخروج.. أعطوني أموال زوجي وأنا أخرج الآن..
دحمان: (محتداً): أموال زوجك.. أين هي؟ زوجك مات مديوناً وأنا دفعت حق كفنه وتجهيزه من حر مالي…
سعاد: اسمح لي أن أقول لك إن هذا غير صحيح..
دحمان: أتكذبينني؟ ما تستحي…
سعاد: أرجوك وازن ألفاظك.. أنا لست جارية عندك…
دحمان: إنك وأولادك تعيشين على إحساني…
سعاد: ليس لك فضل في ذلك، فهؤلاء أولاد أخيك وأنت مجبور على الإنفاق عليهم بعدما ضيعت أموال أبيهم وبددتها.
دحمان: وتتهمينني بأنني أضعت أموال ابيهم وبددتها.. لازم أكسر زمارة حلقك وأقطع لسانك القذر..
سعاد: احترم نفسك وإلا كلت لك الصاع صاعين…
( ينهال عليها ضرباً وركلاً ولطماً وهو يقول):
دحمان: خذي يا سفيهة.. خذي يا بذيئة.. سأخمد أنفاسك حتى لا تتكلمي مرة ثانية إلى الأبد…
سعاد: (تبكي) تضربني.. وترفسني.. وتركلني.. لأني امرأة ضعيفة.. مقطوعة من شجرة. لو كان لي أهل ما تجرأت علي.. ولكن.. الله عليك.. الله عليك يا ظالم! يا ظالم..
(يدخل ولداها الصغيران سامي وسوسن وهما يبكيان قائلين):
سامي وسوسن: ماما.. ماما..
سامي: حرام عليك يا عمي حرام.. اضربني أنا بدلاً منها.. أنا رجل أتحمل.. هيه ضعيفة..
سوسن: مسكينة ماما يا عمي مسكينة.. أشفق عليها من أجلنا.. ربنا يخليك…
دحمان: لا رحمني الله إن رحمتها أو رحمتكم..
سعاد: لو كنت تعرف الله وتخشاه ما فعلت معي ما فعلت.. الويل لك يا ظالم يا ظالم…
بهيرة: سلمت يداك يا دحمان.. علقة ولا كلب في جامع.. تستاهل…
دحمان: يجب أن أتخلص منها ومن أولادها..
بهيرة: كيف. كيف؟..
دحمان: هذا ما يشغل بالي يا بهيرة…
بهيرة: لماذا لا تطردهم من البيت..؟
دحمان: أخشى من الطفل وأخته إذا ما كبرا…
بهيرة: تخشى ماذا؟…
دحمان: وتتجاهلين أنت وكأنك لا تدرين…
بهيرة: والله ما أدري.. صدقني..
دحمان: وأموال أخي الميت…
بهيرة: ما جرى لها؟…
دحمان: أكلناها بعثرناها شمالاً ويميناً وغداً..
بهيرة: وغداً ماذا؟
دحمان: وغداً يكبر الطفل ويطالبنا بأموال أبيه.. وقد يجوز أن تهرب أمه مع الطفلين وتلجأ إلى القضاء وهنالك الطامة الكبرى..
بهيرة: ما دام الموضوع مخيفاً بهذا الشكل، فلماذا ضربتها حتى كدت تقتلها؟…
دحمان: أنت السبب..
بهيرة: أنا السبب.. أنا السبب..!!
دحمان: أجل أنت رأس البلاء…
بهيرة: وكمان رأس البلاء.. سأقول كما قالت سعاد: الويل لك يا ظالم..
دحمان: الويل لك أنت يا ظالمة، كنت تحرضينني عليها كلما دخلت البيت وكان أولادك أيضاً يحرضونني عليها وعلى أولادها حتى أوغروا صدري ففقدت صبري..
بهيرة: والآن ما العمل؟
دحمان: يجب تدبير نهاية محزنة لسعاد وأولادها.. نهاية لا حياة لهم بعدها…
سعاد: يا إلهي! يا إلهي! ما أفظع ما سمعت! نهاية محزنة لي ولأولادي.. نهاية لا حياة لي ولهم بعدها ما العمل.. يجب أن أبرح هذا البيت حالاً…
سامي: (يصحو) ماما.. ماذا تقولين..؟
سعاد: صه يا سامي صه..
سوسن: ماما.. أتريدين مساعدة؟..
سعاد: أُسكتي.. لا ترفعي صوتك.. سامي قم والبس، وأنت يا سوسن..
سامي: إلى أين يا ماما؟..
سعاد: إلى حيث لا يعلم إلا الله.. هيا البسا بدون حركة..
سامي: حاضر يا ماما..
سوسن: الدنيا ظلام يا ماما…
سعاد: الظلام هنا داخل هذا البيت.. أما خارجه فالحياة والحرية… هيا: بسم الله توكلنا على الله.. ولا حول ولا قوة إلا بالله…
سامي: ماما! لا تخافي.. أنا أصبحت رجلاً أفديك بروحي…
سعاد: بورك فيك (تقولها والعبرات تخنق كلماتها):
سوسن: ماما..
سعاد: ما بك يا روحي؟…
سوسن: تعبت يا ماما.. تعبت…
سامي: أنا أحملك سوسن.. اركبي على ظهري.. أنا أصبحت رجلاً…
سعاد: يا رجل! يا رجل!
الرجل: ما بك يا هذه..
سعاد: ألا تحمل هذين الطفلين إلى بساتين أبي المكارم..
الرجل: حسناً.. أما أنت فستمشين..
سعاد: باستطاعتي المشي..
الرجل: ولكن ما حملك على الخروج بهذين الطفلين البريئين في الهزيع الأخير من الليل؟..
سعاد: مقدر ومكتوب ولا راد لقضاء الله وقدره..
الرجل: لا حول ولا قوة إلا بالله…
سعاد: أظننا وصلنا بساتين أبي المكارم..
الرجل: بلى يا هذه…
سعاد: أنزل الطفلين..
الرجل: ولكن أين تذهبين بهما.. إنني أخشى عليك ذئاب الليل..
سعاد: ما العمل يا إلهي… ما العمل؟
الرجل: سآخذك إلى دار أبي المكارم فهو شيخ فاضل وداره مفتوحة للجميع…
سعاد: خذني إليه.. جزاك الله كل خير..
دحمان: ها هي السنون تمر تباعاً ولا بصيص من نور أو خبر عن أولاد أخي وأمهم. لقد فتشت وأخبرت الشرطة وأعلنت مكافأة سخية لمن يرشدني عنهم فباءت مساعيّ بالفشل…
بهيرة: لا أظنهم على قيد الحياة حتى الآن…
دحمان: لو فرضنا أنهم ماتوا كانت علمت بهم الشرطة..
بهيرة: لعلَّهم سافروا إلى بلد مجاور لبلادنا..
دحمان: ربما يا بهيرة ربما.. فأمهم قوية ولا يعجزها أن تفعل أي شيء في سبيل حياتهم…
بهيرة: الشيء الذي يحيرني.. كيف هربوا ولم نشعر بهم؟…
دحمان: أخشى أن تكون سعاد قد استرقت السمع فسمعت ما كنا نتحدث به فهربت. المهم يجب أن نعرف هل هم أحياء أو أموات؟….
بهيرة: لا تتعب دماغك فما قدر كائن… هيا بنا إلى دار أبي..
دحمان: اذهبي أنت، أما أنا فسأذهب إلى أحد الملاهي لعلي أنسى ما أنا فيه من هموم…
* * *
أبو المكارم: تهانينا يا بنيّ. لقد تحققت أمنيتك فأصبحت محامياً، فأرجو أن تكرس جهودك لخدمة الحق..
سامي: إن شاء الله، وأول ما سأفعله هو أخذ حقي وحقوق والدتي وأختي من عمي الظالم..
أبو المكارم: عمك.. أخذ جزاءه فقد شلّت امرأته بعد كسر سلسلتها الفقرية.. وهو أعلن إفلاسه، فماذا ستأخذ منه؟…
سامي: السجن حتى يكون له فيه زجر وردع..
أبو المكارم: ولكنه عمك يا بنيّ. قال الله تعالى وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة: 237) صدق الله العظيم..
سامي: ولكنه كاد يقتلنا في تلك الليلة الفظيعة لو لم نلجأ إلى دارك فآويتنا وأكرمتنا وعلمتنا وأحسنت تعليمنا..
أبو المكارم: يا بني، لقد لاقى عمك جزاءه في الدنيا وسيكون عقابه في الآخرة أشد وأعظم، يقول الله تعالى في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا صدق الله العظيم (النساء: 10)
سعاد: سامي استمع لما يقوله الشيخ أبو المكارم فهو اليوم بمثابة أبيك…
سامي: وأعز يا أماه، ولكن جراح عمي ما تزال تنزف…
أبو المكارم: يقول الله في كتابه العزيز: بسم الله الرحمن الرحيم، وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. صدق الله العظيم (الشورى: 40)..
سامي: صدق الله العظيم.. آمنت بقول الله العلي القدير…
أبو المكارم: يا بني.. لقد انتخبني عمك ودائنوه حكماً بينهم وسيعقدون اجتماعهم الليلة في داري..
سامي: في دارك الليلة!..
أبو المكارم: بلى.. وقد طلب عمك مني أن أجد له محامياً يتولى الدفاع عنه وأريدك أنت أن تقوم بهذه المهمة. فماذا تقول؟
سامي: كما تريد يا أبي كما تريد…
أبو المكارم: بورك فيك.. بورك فيك…
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1449  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 64 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.