شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
زوجة أب
سعاد: لا يعرف (سالم) أمه بل لا يذكر صورتها..
عزة: كيف يا سعاد هل كان سالم صغيراً إلى هذا الحد
سعاد: أجل يا عزة أجل.. ماتت أمه ولم يبلغ الثالثة من العمر على أثر حمى نفاس أصيبت بها عقب ولادتها لأخته.
عزة: وأخته إذن كانت صغيرة جداً.
سعاد: نعم.
عزة: مسكين سالم مسكين. لا يذكر أي شيء من لمحات أمه أو قسماتها أو لونها.
سعاد: لا.. لقد حمله هو وأخته أحد أقاربهما يوم وفاة أمهما إلى سطح أحد البيوت المجاورة وتركهما هناك يخطان على ترابه مصيرهما المجهول.
عزة: إذن، فالغمامة التي تظلل محيا سالم في بعض الأحايين إنما هي انعكاس هذا الماضي الأليم.
سعاد: بكل تأكيد. والشيء الأفظع.
عزة: ما هو؟
سعاد: والد سالم تزوج بعد ثلاثة أشهر في حفل بهيج.
عزة: بعد ثلاثة أشهر. يا لفظاعة الرجال! ما أشدّ نسيانهم لزوجاتهم.
سعاد: لو كان الأمر بالعكس وتزوجت أم سالم لنهش الناس لحمها وأكلوا عظمها.
عزة: أجل يا سعاد دائماً، المرأة هي الحيطة المايلة أو الجانب الضعيف.
سعاد: والشيء المبكي المضحك في زواج والد سالم أن سالم حين رأى زوجة أبيه أو خالته في ثياب العرس صار يقول لوالده.
عزة: يقول ماذا..؟
سعاد: خليها كده يا بابا..
عزة: وانخرط من كانوا يعرفون والدة سالم في البكاء.
سعاد: أجل يا عزة، وكاد العرس ينقلب إلى مأتم ولكن الله سلم.
عزة: يلوح لي أن خالة سالم أو زوجة أبيه قد أحسنت معاملة سالم ولن تكون من النوع الذي قال فيه المثل ((مرت الأب ما تنحب)).
سعاد: في الحقيقة كانت تعامل سالم وأخته كما لو كانا ولديها.
عزة: شيء غريب! لعلي أسمع لأول مرة بهذه النموذج من زوجات الآباء.
سعاد: الله تعالى رحم سالم وأخته بهذه الخالة ولكن.
عزة: ولكن ماذا..؟
سعاد: والدة زوجة الأب كانت قاسية وشديدة على سالم وأخته. وخاصة عندما رزقت ابنتها ولداً.
عزة: إذن، فقد تذوق سالم وأخته طعم اليتم.
سعاد: أجل وبفظاعة من والدة زوجة الأب. ولكن هذا العذاب لم يدم طويلاً.
عزة: كيف..؟
سعاد: وقعت والدة زوجة الأب من أعلى الدرج فما وصلت إلى نهايتها حتى انكسرت سلسلة ظهرها فشلّت فماتت.
عزة: لا شماتة في الموت. يرحمها الله.
سعاد: ونعم سالم وأخته بحنان زوجة الأب في الوقت الذي حرما فيه حنان والدهما.
عزة: كيف؟
سعاد: كان والدهما في وظيفة مرموقة تتطلب لقاءات وسفرات، ولذلك كان من النادر أن يلتقي باليتيمين.
عزة: أنا لا أعذر الآباء أصحاب الوظائف العالية على حرمانهم أطفالهم حنانهم وأولادهم عنايتهم ورعايتهم.
سعاد: أنت على حق يا عزة، ولكن هذا ما جرى بالنسبة لسالم. ولذلك إذا رأيته حزيناً الآن على مرض زوجة أبيه فذلك لأنه يحبها كأمه.
عزة: إنها بمعاملتها الحسنة له أصبحت أماً له لا ينقصها سوى أشهر الحمل.
سعاد: وقد زاد في حنان زوجة الأب على ((سالم)) عقوق ولدها (أكرم) ولذلك فعندما مرضت كانت تطلب أن ترى سالم قبل موتها، فأبرق إليه أبوه بأن يأتي على عجل.
عزة: وولدها (أكرم) ألم تطلبه؟
سعاد: لا. صدقيني.
عزة: وقائع يكاد العقل لا يصدقها.
سعاد: والشيء الغريب أو الأغرب يا عزة هو..
عزة: هو ماذا..
سعاد: هو تحسن صحة زوجة الأب بعد حضور ((سالم)) إنها تتماثل إلى الشفاء بعد أن كاد الأطباء ييأسون من شفائها.
أكرم: ما الذي تقرأ يا سالم؟
سالم: كتاب من الوالدة.
أكرم: ماذا به؟
سالم: أخبار غير سارة.
أكرم: هل عاود المرض والدتي..؟
سالم: لا.
أكرم: إذن ماذا..؟
سالم: أحيل الوالد على المعاش.
أكرم: ارتاح يا شيخ من التعب والشقاء.
سالم: وتعليمك وتعليمي من سيتحملهما؟
أكرم: والدنا.
سالم: ولكنه خرج من الوظيفة كأي موظف شريف.
أكرم: ومعاش التقاعد.
سالم: يكاد بالجهد يكفي لمعيشتهما وتعليم أحدنا.
أكرم: ما العمل؟ ماذا تقترح الوالدة؟
سالم: الوالدة اقترحت أن أكمل أنا دراستي، ومتى تخرجت في كلية الطب سأتولى أنا تعليمك. ما رأيك؟
أكرم: أهذا رأي والدتي؟
سالم: خذ الكتاب واقرأه إذا كنت في شك في ذلك.
أكرم: هل يخامرني شك وأنا أعرف مبلغ محبة والدتي لك؟
سالم: ما رأيك إذن؟
أكرم: رأي والدتي هو رأيي حتى لو لم تقله هي.
سالم: بورك فيك يا أخي. بورك فيك.
سعاد: وهذه صفحة جديدة من صفحات زوجة والد سالم المشرقة.
عزة: ما هي؟
سعاد: معاش التقاعد الذي يتقاضاه والد سالم لا يكفي لتعليم ولديه بالجامعة بالإضافة إلى معيشته.
عزة: مسكين. مسكين.
سعاد: فقررت زوجة والد ((سالم)) أن توقف ابنها أكرم وتمنح الفرصة لأخيه سالم لاستكمال دراسته.
عزة: حقاً إنها تضحية لا تقدر بثمن ولا سيما وأنها تصدر عن زوجة أب.
سعاد: إنها امرأة صالحة ملأ الله قلبها بالإيمان فعرفت معنى قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ. وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (الضحى: 9 - 10).
عزة: لا شك أن الله سبحانه وتعالى سيجزيها الجزاء الأوفى على ما تفعل.
سعاد: سيتخرج ((سالم)) في كلية الطب ويعود لينضر حياتها وحياة أبيه.
عزة: وسيقوم بتعليم أخيه أكرم، الذي ضحت أمه في سبيل تعليمه، أليس كذلك؟
سعاد: أجل يا عزة أجل.
عزة: إنني يا سعاد أزداد كل يوم إعجاباً بزوجة والد سالم.
سعاد: يظهر أن الإعجاب متبادل.
عزة: كيف؟ كيف؟
سعاد: نعم يا عزة، فزوجة والد سالم معجبة بك أيضاً. طالما مدحتك أمامي وأثنت على خُلقك وخَلقك. وتتمنى..
عزة: تتمنى ماذا..؟
سعاد: تتمنى لو يقيض الله لسالم زوجة في مثل خلقك وخلقك.
عزة: ولكن سالم لا بد أنه انتقى له شريكة من الوسط الجامعي الذي يعيش فيه.
سعاد: وأنت. ألست مثقفة وعلى خلق كريم.
عزة: هذه عين الرضا يا سعاد..
سعاد: هذه هي الحقيقة.
عزة: أنت يا سعاد أو زوجة والد سالم تتكلمان في موضوع صاحب الكلمة والشأن فيه غائب.
سعاد: ولكن الجانب الهام من الموضوع موجود.
عزة: سالم لا شك أنه في طليعة شباب هذا البلد المثقف والمعروفين بحسن سيرتهم وسلوكهم، ولكن الأمر يخصني وحدي بل يخص والدي وسالم.
سعاد: ربنا يختار ما فيه الخير.
سالم: متى جئت يا أكرم؟
أكرم: هذا الصباح.
سالم: خيراً إن شاء الله.
أكرم: أوفدتني أمي لأحضر حفل تخرجك في كلية الطب.
سالم: كيف هي؟ كيف والدنا؟
أكرم: سرورهما لا يوصف ولا سيما والدتي. وبالطبع أنا.
سالم: الحمد لله يا أخي. فسروري لا حد له إذ وفقني الله لكي أقوم بما لوالدتك من فضل علي بعد الله.
أكرم: أليست والدتك؟
سالم: وأعز يشهد الله يا أكرم.
أكرم: بالرغم من سرورنا جميعاً بنجاحك يا سالم إلا أننا كنا نتمنى لو كانت أختك معنا.
سالم: ما كل ما يتمنى المرء يدركه. وأختي الآن مع زوجها في أمريكا يكملان دراستهما.
أكرم: صحيح. إن شاء الله تحضر حفل تخرجهما أيضاً.
سالم: وأنت يا أكرم يا من ضحيت بنفسك في سبيل إكمالي لتعليمي، أنسيت حقك علينا كلنا؟
أكرم: لقد قمت بواجبي وقد اشتغلت خلال المدة التي كنت تدرس فيها وكان ما أحصل عليه يساعد على عيشتنا عيشة كريمة.
سالم: سأعوضك بإذن الله عما فاتك حتى تحصل على أكبر شهادة في العالم.
أكرم: بورك فيك يا أخي. بورك فيك. متى نعود إلى البلد؟ فوالدتي تنتظر قدومك على أحر من الجمر.
سالم: غداً إن شاء الله.
سعاد: ألا تودين الذهاب يا عزة لتهنئة والدة سالم؟
عزة: تعنين زوجة أبيه.
سعاد: هل بعد ما فعلت تقولين عنها زوجة أبيه؟ إنما فعلته أكثر مما تفعله والدة لولدها.
عزة: صدقت، لقد ضربت مثلاً عالياً في التضحية وفي القدوة الحسنة ولكن.
سعاد: ولكن ماذا؟..
عزة: ألا ترين أن زيارتي لوالدة سالم قد تفسر تفسيراً لا ترضينه لي.
سعاد: اتركينا من تفسيراتك وتخريجاتك فكأنك محام شرعي.
عزة: إنني مترددة يا سعاد.
سعاد: لا أرى ما يدعو إلى التردد يا عزة، فليست هنالك شائعات خطوبة أو تفكير فيها.
عزة: أخشى..
سعاد: تخشين ماذا..؟
عزة: أخشى أن تصرف والدة سالم بعض العبارات التي تلبس زيارتي ثوباً لم تكن لها يد في نسجه.
سعاد: أأقول لك يا عزة. وقد يكون في ما أقول مفاجأة لك.
عزة: قولي.
سعاد: والد سالم خطبك من أبيك لابنه.
عزة: وماذا قال والدي؟
سعاد: وافق وعلق موافقته على قبولك أنت وترك لي جس النبض.
عزة: وسالم صاحب العلاقة.
سعاد: هو الذي طلب من والده أن يخطبك.
عزة: أيعرفني من قبل؟
سعاد: وهل يخفى القمر؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1160  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 65
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج