الحلقة - 8 - |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رفكا تخاطب استير): |
رفكا: وها أنت معنا يا استير تعيشين في هذه الصحاري والفيافي من كان يصدق أن ((استير)) العنيدة الصلبة تنقاد بهذه السهولة.. |
استير: المقسوم هو المقسوم يا رفكا.. على أنني أتساءل في نفس الوقت إلى متى سنبقى تائهين في هذه الصحاري المقفرة.. |
رفكا: ستكون هذه الصحاري مقبرة لجيلنا.. أما الجيل الصاعد من أبنائنا وبناتنا فسيذهبون إلى أرض الميعاد.. |
استير: أي جيل صاعد.. وأي أرض موعودة.. إنك تهرفين.. لقد أصابتك الصحراء بمسها وجنونها.. |
رفكا: ماذا تقولين يا استير.. أأنا مخبولة مجنونة؟ |
أستير: في الواقع لست أنت المخبولة يا رفكا.. وإنما أفكارك وأحلامك هي المخبولة المجنونة.. |
رفكا: كيف يا استير.. كيف.. قولي.. افصحي.. |
استير: رفكا! إنك تعلقين أهمية كبيرة على الجيل الصاعد من بني إسرائيل.. |
رفكا: أجل يا استير.. أجل.. |
استير: أي جيل.. الجيل الذي لا رأي له ولا مبدأ.. الجيل الذي أضله سامري مشعوذ فترك عبادة رب موسى وعبد عجلاً له خوار.. أعلى هذا الجيل تعلقين آمالك العريضة يا (رفكا).. |
رفكا: صحيح ما تقولينه يا استير ولكني لست يائسة مثلك كما أني أريد أن أسألك؟ |
استير: تسأليني عماذا؟ |
رفكا: كيف تعللين هذه الظاهرة التي تمكن بها هذا السامري الدجال من السيطرة على كثير من شبابنا الإسرائيليين وشيبهم؟ |
استير: أمر بسيط يا رفكا.. |
رفكا: أتعدينه أمراً بسيطاً يا استير؟ |
استير: بلى يا رفكا بلى.. |
رفكا: كيف.. قولي.. افصحي.. |
استير: الإسرائيليون الذين خرجوا من مصر إلى سيناء خليط من أجناس متعددة وشعوب مختلطة.. |
رفكا: إننا شعب مختار يا استير.. |
استير: هذه أسطورة يا رفكا.. فالإسرائيليون شعب مؤلف من عدة شعوب جمعتهم الديانة التي جاء بها النبي موسى.. |
رفكا: ولكنك لم تجيبي بعد على سؤالي؟ |
استير: إن بين الشعب الإسرائيلي الخليط جماعة كانوا يعبدون العجل ((إيزيس)).. |
رفكا: وهكذا عاودهم الحنين إلى عبادة العجل عندما شعروا بفراغ ديني لما ذهب النبي موسى لمناجاة ربه.. |
استير: وجاء السامري المشعوذ فصنع لهم عجلاً له خوار فحرك في نفوسهم رواسب من عبادة العجل كانت آثارها باقية.. |
رفكا: ما أروع تحليلك وما أشد وقعه في نفسي.. |
استير: لقد أجبت عن سؤالك يا رفكا ولكنك لما تجيبي بعد عن سؤالي: إلى متى سنظل تائهين في هذه الصحاري والقفار؟ |
رفكا: لن يطول بقاؤنا هنا.. يا استير.. |
استير: إذن أين نحن ذاهبون.. |
رفكا: إلى بلاد الكنعانيين.. |
استير: وهل يعرف قادتنا بلاد الكنعانيين وصلاحها لسكنانا؟ |
رفكا: لا ولكنهم يقولون إنها الأرض التي وعد الله نبيه إبراهيم وذريته من بعده.. |
استير: وهل نحن من نسل إبراهيم يا رفكا.. إن إبراهيم بابلي الأصل ونحن خليط من شعوب وأجناس متعددة.. |
رفكا: ولكننا أصبحنا جميعنا من بني إسرائيل حفيد النبي إبراهيم.. |
استير: استنتاج لا يستند إلى أساس وعناد منك في غير محله.. يا رفكا.. |
رفكا: ولكن قادتنا هكذا يقولون.. |
استير: وهل أرض الكنعانيين خالية من السكان أو لا أهل لها؟ |
رفكا: إنها مأهولة بسكانها الكنعانيين.. |
استير: وهل سيفتحون صدورهم ودورهم للترحيب بنا..؟ |
رفكا: لا ولكنها الأرض التي وعد بها إبراهيم نسله.. |
استير: إصرارك غريب وعجيب يا رفكا.. قولي الحقيقة ولا تدلسي.. |
رفكا: أقول ماذا؟ |
استير: قولي إن بني إسرائيل سيذهبون إلى بلاد الكنعانيين غزاة فاتحين.. شأنهم شأن غيرهم من المعتدين.. |
رفكا: تصوري هذا الواقع كما تشائين يا استير.. إننا ذاهبون إلى أرض الميعاد.. ذاهبون.. |
استير: أجل يا رفكا أجل.. إننا ذاهبون إلى بلاد الكنعانيين غزاة مغتصبين قتلة معتدين نريد أن نخرج أهلها منها ونسكنها بقوة النار والحديد.. |
* * * |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ملك الكنعانيين ((عبد سالم)) يقول): |
عبد
سالم: صرواح! صرواح! |
صرواح: سيدي أنا بين يديك.. |
عبد
سالم: ما هي أخبار القتال الدائر بين الأموريين والمصريين يا صرواح؟ |
صرواح: القتال شديد يا مولاي وكفة المصريين هي الراجحة.. |
عبد
سالم: هل حصنتم حدودنا الشمالية من الأموريين بخيرة الرجال وزودتموها بما يكفيها من السلاح والعتاد؟ |
صرواح: أجل سيدي أجل.. |
عبد
سالم: إنني أخشى أن تلاحق جيوش المصريين فلول الأموريين الذين قد يتسللوا إلى أراضينا وعندها نضطر إلى قتال المصريين.. |
صرواح: إذا اضطررنا فلا مندوحة من القتال.. |
عبد
سالم: لأننا لم نقدم لبني عمنا العون العسكري في قتالهم مع الفراعنة.. |
صرواح: بلى يا مولاي بلى.. ولكننا مشغولون بالعدو الإسرائيلي الذي يريد أن يحتل بلادنا ويطردنا ويشردنا منها.. |
عبد
سالم: إن بني إسرائيل بعد أن منعهم الأدمييون من العبور إلينا عن طريقهم اتجهوا شرقاً إلى الصحراء.. فهل نستطيع أن نمد يد المساعدة إلى إخواننا الأموريين.. يا صرواح.. |
صرواح: هيهات يا مولاي هيهات لقد قضى الفراعنة على جيوش الأموريين ومزقوها شر ممزق.. |
عبد
سالم: واأسفاه!! لقد قضى الفراعنة على حصن قوي من حصوننا التي كنا سنركن إليها في قتالنا مع بني إسرائيل.. |
صرواح: صدقت يا مولاي ولن يستفيد من هذا أحد غير بني إسرائيل.. |
صرواح: صدقت يا مولاي ولن يستفيد من هذا أحد غير بني إسرائيل.. |
عبد
سالم: كيف يا صرواح كيف؟ |
صرواح: إن بني إسرائيل حينما يعلمون بالنكبة التي حطمت جبهتنا الشمالية لا شك أن هذا النبأ سيبعث فيهم الأمل من جديد على مهاجمة بلادنا.. |
عبد
سالم: ولكن الأدوميين والعمونيين سيمنعونهم من العبور.. |
صرواح: ولكن الحدود واسعة شاسعة وسيجد بنو إسرائيل ممراً ينفذون منه إلينا.. |
عبد
سالم: صدقت يا صرواح صدقت.. أضف إلى ذلك أني غير واثق من صمود العمونيين في وجه زحف بني إسرائيل.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت جذعان يقول): |
جذعان: ما أروع موقف بلادكم يا فريوان.. لقد رفعتم رؤوسنا بالعالي أيها الأدوميون.. |
فريوان: لم يكن لنا الخيار.. يا جذعان.. |
جذعان: فاخترتم سبيل الكرامة يا فريوان.. يا ليت البقية يقفون هذا الموقف المشرف. |
فريوان: لا نجاة لنا إلا باتخاذ موقف موحد يسد على بني إسرائيل طريق العبور إلى بلاد الكنعانيين.. |
جذعان: الصحاري واسعة يا فريوان وليست هنالك الجيوش الكافية لمراقبة تحركات الإسرائيليين بعد أن اتجهوا إلى الصحراء.. |
فريوان: صدقت ولكن لا بد مما ليس منه بد.. كل واحد يجب أن يجعل من نفسه رقيباً على هذا العدو اللدود.. |
جذعان: هذا أقل ما يجب يا فريوان ولكن السبل إلى بلاد الكنعانيين متعددة.. ثم عن بني إسرائيل قد يقومون بضرب كل بلد على حدة.. |
فريوان: لقد دعونا إلى توحيد الصفوف ولكن توحيد الجيوش بقيت عقبة ذلك لأن كل حاكم يخشى على نفسه من جيوش الحاكم الآخر يا جذعان.. |
جذعان: وهذا ما يخيفني يا فريوان.. فبنو إسرائيل مندفعين بقوة دين جديدة وعقيدة جديدة والاندفاع الديني تيار يجرف ما أمامه بشدة.. |
فريوان: صدقت يا جذعان صدقت.. لقد بعدنا عن الدين وأتخذ بعضنا بعضاً أرباباً وعدنا إلى عبادة الأصنام بعد أن كان آباؤنا يعبدون إلهاً واحداً.. |
جذعان: لقد أثرت علينا ثقافة الآراميين وعلومهم وديانتهم فاقتبسناها وعبدنا آلهتهم وتركنا ما كان يعبد آباؤنا من قبل.. |
فريوان: لا تقاوم العقيدة إلا بعقيدة.. والعقيدة الصالحة هي التي ستنتصر.. |
جذعان: إذن فلنبتهل إلى إله آبائنا أن يبعث فينا رسولاً يخلصنا مما نحن فيه من زيغ وضلال وفرقة وخلاف وتناحر وتطاحن على السلطان والحكم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت استير تقول): |
استير: أول الغيث قطر يا رفكا.. أرأيت كيف منعنا الآدوميون من المرور من أراضيهم فاضطررنا إلى التشريق نحو البادية وهكذا نخرج من تيه إلى تيه ومن صحراء إلى أخرى.. |
رفكا: لقد قلت إن هذه الصحاري ستكون مقبرة لجيلنا نحن وسيدخل الجيل الصاعد من بني إسرائيل بلاد الكنعانيين.. |
استير: إنك ما زلت تعيشين يا رفكا في أحلام وأوهام.. |
رفكا: إن القلق والخوف الذي يضطرم في نفسك يا استير هو الذي يصور لك أن ما أقوله أوهام أو أضغاث أحلام.. |
استير: صحيح إني قلقة وخائفة لأني كنت أسمع قصصاً مرعبة عن الكنعانيين وأنهم قوم جبارون قساة فتّاكون.. |
رفكا: صدقت يا استير.. الكنعانيون قوم أولو بأس وبطش شديد.. |
استير: ولم نغامر مغامرة غير مضمونة النتائج يا رفكا.. |
رفكا: أيرضيك أن نظل مشردين في متاهات الأرض يا (استير)؟ |
استير: لو لم يتجن آباؤك وآبائي على المصريين أيام احتلال الهكسوس لعشنا معهم بسلام وأمان.. ولكننا أسأنا معاملة هذا الشعب الذي أكرمنا وآوانا وأمعنا في ظلمه فلما تحرر من عبودية الهكسوس كان من حقه أن ينتقم منا.. أليس كذلك.. |
رفكا: هذه طباعنا وهذه أخلاقنا ولا مجال للتغيير.. |
استير: إذن فسنظل مشردين في أرض الله إلى يوم القيامة.. |
رفكا: ولكننا سنحتل أرض الكنعانيين بالنار والحديد كما قلت.. |
استير: كيف وأرض الكنعانيين في الغرب ونحن نسير إلى الشرق.. |
رفكا: إنها خدعة من قادتنا يا مسكينة.. إنهم لا يلبثون أن ينثنوا غرباً.. |
استير: كيف يا رفكا.. كيف.. لا أفهم ما تعنين.. شرق.. غرب أكاد أنا الآن أصاب بالخبل.. |
رفكا: إن قادة بني إسرائيل - حين سمعوا عن تجمعات جيوش العمونيين والمؤابيين والكنعانيين - أدركوا أنه لا قبل لهم بقتالهم فشرقوا إلى الصحراء.. |
استير: ما فعله قادتنا هو الصواب.. |
رفكا: ما فعله قادتنا كان خدعة مدروسة لإيهام هذه القوى المتكتلة ضدنا إننا لن نعبر إلى بلاد الكنعانيين وأننا سنقيم ببادية الصحراء.. |
استير: حسناً وبعد يا رفكا.. |
رفكا: وهكذا ستتفرق هذه القوى المجتمعة.. وعندما تتفرق سيعود بنو إسرائيل من الشرق إلى الغرب وسيدخلون بلاد الكنعانيين من دون مقاومة.. |
رفكا: ماذا علمت يا استير؟ |
استير: علمت أن ليس في الأمر خدعة وإنما خاف قادتنا من الكنعانيين وقالوا للنبي موسى.. |
رفكا: قالوا ماذا؟ |
استير: قالوا: إن في بلاد الكنعانيين قوماً جبارين ولا قبل لنا بقتالهم فإن يخرجوا منها ندخلها وإلا فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.. |
رفكا: لم أسمع بهذا أبداً.. وماذا بعد يا استير؟ |
استير: ثم إن النبي موسى حين وقف على جبل ((نبو)) ورأى جبال الكنعانيين الجرداء وأوديتها السحيقة ولهيب الحرارة المتصاعد منها قال: |
رفكا: قال ماذا يا استير؟ |
استير: قال يا رب أمن أجل هذه البلاد التي لا تساوي شيئاً نحمل المشاق ونقاسي الآلام فأجابه الرب. |
رفكا: أجابه ماذا يا استير؟ |
استير: قد أريتك إياها بعينيك ولكنك إلى هناك لا تعبر وهكذا.. |
رفكا: وهكذا ماذا؟ |
استير: وهكذا قفل موسى راجعاً إلى الصحراء.. وهكذا تبخرت أحلامك وتحطمت آمالك في أرض الميعاد فقد اراحنا الله من الذهاب إلى بلاد الكنعانيين بل ومنعنا منها.. فإلى الصحراء يا رفكا إلى الصحراء.. ففيهما ستكون مقابرنا كما كنت تقولين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عبد سالم ملك الكنعانيين يقول): |
عبد
سالم: ما هي الأخبار عن بني إسرائيل يا صرواح؟ |
صرواح: علمت أنهم بعد أن منعهم الأدوميون من العبور إلينا قفلوا عائدين إلى الصحراء.. |
عبد
سالم: إذن فقد تخلصنا من شرهم يا صرواح.. |
صرواح: إن بني إسرائيل شعب جبل على الغدر والخيانة والمكر والخداع ولا يستبعد أن يكون انسحابهم إلى الصحراء حيلة وخديعة.. |
عبد
سالم: كيف يا صرواح كيف؟ |
صرواح: لعلّ الإسرائيليين حين رأوا تجمعاتنا نحن والعمونيين والآدوميين أدركوا أنهم لا يقدرون على قتالنا فلجأوا إلى هذه المكيدة.. |
عبد
سالم: أية مكيدة يا صرواح.. |
صرواح: عاد الإسرائيليون إلى الصحراء ليوهمونا أنهم قد عدلوا عن الذهاب إلى بلاد الكنعانيين وارتضوا بسكنى الصحراء.. |
عبد
سالم: ثم ماذا يا صرواح؟ |
صرواح: ثم إن تجمعاتنا هذه بالطبع ستتفرق وجذوة الحماس المتقدة فينا ستخمد وعندها سيرجع الإسرائيليون من الشرق إلى الغرب فيجدون الطريق مفتوحاً أمامهم لاكتساح بلادنا.. |
عبد
سالم: لست من رأيك يا صرواح.. إن خطر بني إسرائيل على بلاد الكنعانيين قد زال وانتهى إلى الأبد وستكون الصحاري مقبرة لهم يا صرواح.. |
صرواح: بصفتي قائد جيوشكم المظفرة وبدافع من إخلاصي لعرشكم ولبلادي أرى أن نبقى في حالة استعداد واستنفار لأي غزو غادر من جانب الإسرائيليين.. |
عبد
سالم: نصائحك مشكورة يا صرواح غير أني آمر أن تعود جيوشنا إلى قواعدها.. |
صرواح: مولاي التمس إعفائي من القيادة وسأظل الخادم الأمين المخلص.. |
عبد
سالم: لا.. لن أعفيك.. أنت مجند في خدمتي.. |
صرواح: سمعاً وطاعة يا مولاي.. |
|