الحلقة - 2 - |
الشماخ: اقتلوهم... اقتلوهم... إنهم لصوص.. قطاع ليل... حسوهم بسيوفكم... |
جراد: التحم القوم في القتال.. هيا إلى حيث كدَّس الفلسطينيون بضائعهم.. هيا يا قراد.. هيا... |
قراد: إنني بجانبك هيا.. فأنت دخيلنا إليها... |
الشيماء: زرود... زرود... |
زرود: إني بجانبك سيدتي... |
الشيماء: أتسمعين! أتحسين؟ |
زرود: أسمع ماذا..؟ أحس ماذا؟ |
الشيماء: تعالي.. تعالي.. أنظري.. وحدقي جيداً.. إني أبصر شبحين في الظلام ينحدران نحو خيام الفلسطينين.. لعلهما من قطاع الليل.. |
زرود: بلى يا سيدي بلى.. إني أراهما من خلال التماع سيفيهما.. ما العمل؟ ورجالنا في المعركة... |
الشيماء: خذي هذا السيف وأنا سآخذ هذا الرمح... |
زرود: حسناً ثم ماذا؟ |
الشيماء: نختبىء خلف أول خيمة من خيام الفلسطينيين... |
زرود: حسناً.. وبعد..؟ |
الشيماء: عندما يبدأ الشبحان في السرقة تعاجلي أحدهما بسيفك واطعن أنا الآخر برمحي... |
زرود: هيا يا سيدتي... هيا فأنا خبيرة بمقاتلة قطاع الليل منذ كنت جارية عند التاجر السبأي... |
الشيماء: هيا... هيا.... |
جراد: لقد وصلنا إلى خيام الفلسطينيين يا قراد.. |
قراد: انظر أنها مكدسة بالبضائع يا جراد... |
جراد: إن رائحة العطور والتوابل تزخم أنفي... |
قراد: هيا نأخذ نصيبنا... يا جراد... هيا... |
جراد: تطلع يا قراد لعل أحداً قادم إلينا... |
قراد: أنهم يصطلون في أتون المعركة... أنهم مشغولون هنا بقتال المغيرين.. يا جراد.. |
جراد: هيا واسرع... هيا... |
الشيماء: زرود عليك بالرجل الواقف منهما فإن عنقه معد لسيفك... |
زرود: وأنت يا سيدتي عليك بالرجل المنحنى على أكوام البضائع فظهره طيب لرمحك... |
جراد: آخ.. يا لها طعنة نجلاء.. قراد.. أين أنت.. يا قراد... |
الشيماء: إليك رأسه على رمحي أيها الوغد... |
جراد: وامصيبتاه!... أتقتلني امرأة.. يا للعار.. يا للشنار... |
الشيماء: أجهزي عليه يا (زرود)... |
زرود: أمرك مولاتي... |
جراد: ويلاه... سيدة... وجارية.. آه.. آه.. (يلفظ أنفاسه).. |
الشيماء: بورك فيك يا (زرود).. قطعت رأسه في لمح البصر... |
زرود: ليس أمضى ولا أقوى من يمينك حين غرزت الرمح في ظهره فخرج من بطنه.. |
الشماخ: بورك فيكم أيها الشجعان... |
صرواح: بورك للقوم في رئيسها وأسيرها المقدام... |
الشماخ: أيها القوم علينا أن نبقى شاكي السلاح حتى يطلع النهار فأننا لا نأمن غدراً جديداً. |
أصوات: ستحسهم سيوفنا... وثقتك بهم رماحنا والبادي أظلم... |
الشماخ: بورك فيكم.. بورك فيكم... |
صرواح: إني أبصر شبحين بجوار خيام الفلسطينيين... |
الشماخ: كيف تسللا إلى هنا يا صرواح.. كيف؟؟ |
صرواح: أنهما مقتولان؟.. |
الشماخ: من قتلهما.. من قتلهما؟.. |
الشيماء: زرود وأنا يا ابتاه.. بصرنا بهما يتسلَّلون إلى خيام الفلسطينيين فعاجلناهم بضربتين قاتلتين... |
الشماخ: لا شلت يداكما... |
أصوات: مرحى... مرحى.. مرحى... |
الشماخ: علينا أن نهنىء أنفسنا للرحيل غداً من هذا المكان... فقد يسمح أقرباء المقتولين فيمن هاجمونا.. وربما ندخل في معركة غير متكافئة... |
صرواح: بالصواب نطقت أيها الأمير... سنأخذ في أهبة الاستعداد للرحيل بعد أن نفرغ من دفن قتلانا.. |
الشماخ: إنهم ضحايا الطريق إلى فلسطين... |
فلسطيني: إننا نجل هذه التضحية ونقدرها حق قدرها أيها الأمير ونتمنى أن نرد هذا الجميل عندما تصلون فلسطين... |
الشماخ: إننا لم نقم إلا بواجبنا نحوك أيها الأخ الفلسطيني فأنت اليوم منا وإلينا وحمايتك حق علينا... |
الفلسطيني: أننا نعتز بهذه الأخوة.. ونشكر للأمير وأفراد عشيرته رعايتهم وحمايتهم لنا... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (زرود) تقول): |
زرود: ستكون مواكب الضحايا طويلة يا مولاتي... |
الشيماء: ما رأيت أبي حزيناً كما رأيته الليلة.. |
زرود: إنه حزين على الضحايا وحزين ربما... |
الشيماء: ربما على ماذا؟ |
زرود: حزين على مغادرته بلاده نحو مصير مجهول.. |
الشيماء: ربما يا (زرود) ربما.. لقد حاولت أن استقرىء ما يعتلج في نفسه ولكني بؤت بالفشل... |
زرود: الأيام كفيلة باندمال الجراح يا سيدتي مهما يكن عمقها وسببها... |
الشيماء: بلى يا زرود بلى ولكن جراح النفس لا تندمل... |
زرود: إني انظر إلى الحياة دائماً بثغر باسم وبال مرتاح.. |
الشيماء: لك الله ما اهنأك يا (زرود) تنامين ملء جفونك لا يعرف الهم إلى قلبك سبيلاً... |
زرود: وعلام يا سيدتي أتعب نفسي بالتبرم مما قسم الرب لي وما كتبه علي. |
الشيماء: صحيح يا (زرود)... صحيح.. ولكن... |
زرود: ولكن ماذا سيدتي... |
الشيماء: سرقنا الحديث يا (زرود) وها هي تباشير الفجر تلوح ونسماته الحلوة تدغدغ وجهينا فهلمي نهجع قليلاً... |
زرود: أجل سيدتي أجل.. لا بد من الراحة ولاسيما ونحن مقدمون على رحيل.. |
صرواح: أراك متعباً أيها الأمير.. كأنك لم تنم بعد ذلك القتال المرير مع قطاع الطريق.... |
الشماخ: عنما عدت من معركة (اللصوص) ورأيت اللصين اللذين قتلا من قبل (الشيماء) و(زرود) تذكرت... |
صرواح: تذكرت ماذا سيدي الأمير... |
الشماخ: تذكرت والدة الشيماء... |
صرواح: وكيف أنها أيها الأمير هاجمت اثنين من قطاع الطرق فقتلت الأول.. |
الشماخ: وقتلها الثاني... |
صرواح: ولكن (الشيماء) لم يصبها مكروه.. وكان على سيدي الأمير أن يحمد الرب على ما قامت به (الشيماء) وعلى نجاتها من خطر محق.. |
الشماخ: بلى.. بلى.. يا صرواح.. ولكنك تعرف مبلغ تعلقي بوالدة الشيماء وحزني الموصول على فقدانها... |
صرواح: ولكن الآلهة عوضك با (الشيماء) فتاة اكتمل فيها الجمال الخَلْقِ والخُلُقْ... |
الشماخ: أجل.. أجل.. شكراً لك يا اله (هود)... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت المنادي يقول ): |
المنادي: يا قوم.. يا قوم.. أميركم يدعوكم للرحيل.. هيا بنا.. هيا... |
فلسطيني
(1): ها نحن نصل فلسطين حيث الأهل والولد والدار والبلد... |
فلسطيني
(2): نعم.. نعم.. وعلينا أن نحمد الآله الذي سخر لنا هذا الأمير العربي الذي ضحى برجاله في سبيل حمايتنا... |
فلسطيني (1): حمداً لك يا إلهي وشكراً.. ولكن... |
فلسطيني (2): ولكن ماذا...؟ |
فلسطيني (1): ولكن لهذا الأمير جميلاً علينا يجب أن نرده.. |
فلسطيني (2): كيف يا أخي كيف؟؟ |
فلسطيني (1): إن مع الأمير عشيرته التي يربو عددها على خمسمائة شخص ولا بد من مأوى لهم.. |
فلسطيني (2): ولكن أين يا أخي أين؟ إن أراضي فلسطين لها أصحابها ثم أن هذا الأمير يحتاج إلى أراضي واسعة لايوائه وأفراد عشيرته... |
فلسطيني (1): ولكن للأمير ديناً في عنقنا يجب أن نؤديه.. يجب أن نرشده لأننا أصحاب هذه البلاد وأدرى بشعابها... |
فلسطيني (2): ولكني سمعته يتحدث أنه يمت إلى الكنعانيين الذين يحكمون فلسطين وجلّق فلعلهم يتدبرون له مأوى ومنزلاً... |
فلسطيني (1): يقيني أنهم سيرحبون به وسيساعدونه على الاستيطان في هذه الديار.. ولكن.. |
فلسطيني
(2): ولكن ماذا؟.. |
فلسطيني (1): أني أعرف مكاناً طيباً قريباً من قرانا ومزارعنا وأريد أن يكون هذا الأمير الهمام جاراً لنا... |
فلسطيني (2): ولكن أين يقع هذا المكان؟ |
فلسطيني
(1): أتعرف الجبال الشاهقة ذات التلال الجميلة والمناخ الجيد والأودية الخضراء المسرعة حيث كنا نرعى مواشينا بها... |
فلسطيني
(2): بلى يا أخي بلى... ولكن لا ماء في هذه الأمكنة... |
فلسطيني
(1): الأمطار غزيرة وسيحفرون الآبار لجمع المياه فيها فإذا كنت تعرف أرضاً أصلح يا أخي قل لي.. المهم أن يجد هذا الأمير الكريم صدرا رحبة منا ورغبة في المساعدة الصادقة... |
فلسطيني
(2): صدقت يا أخي فحق هذا الأمير علينا كبير ومساعدته محتمة فقد آوانا وآزرنا ونصرنا. والأرض التي ذكرتها جميلة الموقع، جيدة المناخ وليس لها مالك أو صاحب. |
فلسطيني
(1): الجوار يا أخي الجوار.. أننا نريد أناساً نطمئن إليهم ونركن إليهم حين البأساء والضراء.. |
فلسطيني
(2): إذن هيا بنا إليه نرشده إلى هذه الأراضي الخالية ونرجوه أن ينزل بها جاراً عزيزاً علينا يقاسمنا سراؤنا وضراؤنا ويسرنا وعسرنا... |
فلسطيني
(1): هيا بنا إليه.. هيا.. |
الشيماء: أرى المناظر بدأت تختلف.. فالصحراء اختفت، وظهرت الجبال الشاهقة والأودية السحيقة.. |
زرود: والمياه.. أتذكرين النهر الذي عبرناه بالأمس وكاد ماؤه يجرفني لولا فتية من قومنا أسرعوا فانتشلوني. |
الشيماء: بلى (يا زرود) بلى.. لقد أوشكت على الغرق.. |
زرود: ولكن الشقي عمره طويل... ((تضحكان))... |
الشيماء: سمعت من والدي أن النهر الذي عبرناه أمس يصب في بحيرة يقولون إن مكانها كان لقوم (لوط) فلما خسف الله بهم الأرض تجمعت مياه النهر في مكان الخسف وعلى مر الأيام صارت بحيرة.. |
زرود: شيء غريب يا مولاتي تذكرته الآن.. الآن فقط وأنت تقصين علي ما جرى لقوم (لوط).. |
الشيماء: ما هو (يازرود)؟ ما هو؟.. |
زرود: كنت أسمع في مجالس التاجر السبأي الذي كنت جارية عنده أن فلسطين كانت تسمى (أرض الأرجوان) قبل مجيء الفلسطينيين وهي مأخوذة عن اسم أجدادك الكنعانيين لأن (كنعان) معناها الأرجوان.. وهو رمز السلطة والرفعة.. |
الشيماء: هات من طرفك وملحك يا (زرود) هات.. |
زرود: أنا أريد أن أسألك أنت يا سيدتي: هل يلبس أجدادك ملوك فلسطين ثياباً حمراء فاقعة اللون؟ |
الشيماء: نعم.. يا (زرود) نعم.. إنهم يلبسون ثياباً حمراء مصبوغة بالأرجوان كما أنهم يتزينون بزهره.. |
الشماخ: إنما عرضتموه على شيء جميل.. وإذا ظهر لهذه الأراضي أصحاب فسوف نشتريها منهم أو ندع أبناء عمنا ملوك هذه البلاد يتولون إقناعهم.. |
الفلسطيني: نحن متأكدون أنها أراضي.. لا يوجد لها أصحاب أو ملاك.. |
الشماخ: إذن فهي ملك حكام هذه البلاد.. والأمر إذا صح القول هين بالنسبة لنا.. |
صرواح: أرى أيها الأمير أن تبعثني برسالة إلى ملك الكنعانيين بعد وصولنا إلى هذه الأراضي وموافقتك على السكنى بها.. |
الشماخ: نعم الرأي يا صرواح.. |
الفلسطيني: وسأكون رفيقه ودليله أيها الأمير فإن لي في بلاط ملك الكنعانيين أقارب سيسهلون مهمتنا.. |
الشماخ: شكراً لك أيها الأمير الفلسطيني.. شكراً.. |
الفلسطيني (2): العفو أيها الأمير إنما أقوم ببعض دين لك في أعناقنا.. |
الشماخ: لا تقل هذا أيها الأخ فما فعلناه هو واجب والمرء لا يشكر على واجب أداه.. هيا نغذ في سيرنا فقد أضنانا طول السفر ونريد أن نتمتع بنعمة الاستقرار.. |
الشيماء: لقد بدأت أشعر بالارتياح بعد ذلك القلق الذي كان يساورني ويقض مضجعي منذ أن غادرنا موطننا الاصلي.. |
زرود: شكراً لك يا إلهي.. أما أنا يا سيدتي فأكاد أطير من الفرح منذ أشرفنا على بلاد الكنعانيين.. |
الشيماء: ووالدي إني أراه منشرح الصدر بعد أن زايلته تلك الغمة.. |
زرود: يا إلهي اجعلها دار مقام وسلام ومتعة واستقرار.. |
الشيماء: إذا كنا في موطننا الأول لم ننعم بالاستقرار من القحط والجدب، والسلب والنهب، والقر والحر فما أدرى أيكتب لنا الاستقرار في فلسطين وهي كما قلت ممر للغزاة والفاتحين والطامعين.. لا أدري.. لا أدري.. |
زرود: إذن فاسأل الرب معي أن يمنحنا الهدوء والسكينة ونعمة الاستقرار.. ويزيل عنك هذا القلق إلى الأبد.. |
|