الحلقة - 23 - |
فارعة: لقد صدق حدسي في هذا السلطان يا مزينة. إنه مجاهد في الطليعة من المجاهدين في سبيل الله.. ولكنه مغامر.. |
مزينة: لا يا فارعة إنها مبادرة طيبة يستهل بها عهده.. |
فارعة: ألا ترين أنه تعجل الزحف. قبل أن نوطد أقدامنا في الأراضي التي احتليناها من أرض العدو والتي لا تزال له فيها جيوب لم نحطمها بعد. |
مزينة: لعلَّ السلطان بهذه الحركة يقضي على الجيوب ويمشي قدماً في الفخ إلى الأمام. |
فارعة: ولكني أخشى من أعوان الأعداء المنبثين في هذه الأراضي. |
مزينة: تخشين ماذا؟ |
فارعة: أخشى أن يندس بين صفوفنا الزاحفة من يغتال السلطان إبراهيم. |
مزينة: ولكن قواتنا - فيما علمت - قد طهَّرت الأراضي التي احتلتها من قوات العدو وهي بسبيل القضاء على ما تبقى له من جيوب فيها. |
فارعة: أليس من الأفضل أن نمشي على أرض صلبة يا مزينة. |
مزينة: بلى.. بلى.. يا أختاه.. ولكن السلطان إبراهيم لم يقدم على ما أقدم إلا بعد أن استشار سليمان وعثمان والشيخ سالم. |
فارعة: وكلهم مع الأسف مندفعون. لقد فقدنا بموت الأمير (همامي) حنكة الشيخ وحكمتهم وأصالة رأيهم وسعة تجاربهم ومع ذلك. |
مزينة: ومع ذلك ماذا؟ |
فارعة: فالخيرة ما أختاره الله سبحانه وتعالى. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت قيصوم يقول): |
قيصوم: سيدي الإمبراطور؟ |
الإمبراطور: ما وراءك أيها القائد؟ |
قيصوم: المسلمون؟ |
الإمبراطور: ماذا دهاهم أيها القائد؟ |
قيصوم: بدأ جيشهم التوغل في أراضي الإمبراطورة.. |
الإمبراطورة: يجب صدهم مهما يكن الثمن. |
قيصوم: ولكن ما لدي من قوات لا تستطيع الوقوف في وجه القوات الإسلامية الزاحفة. |
الإمبراطور: والقبائل التي أغريناها ودفعنا الأموال الطائلة لها ألا يمكنك الاستفادة منها. |
قيصوم: بالحكمة مولاي وصائب رأيه. |
الإمبراطور: قل. ألا يمكن الاستفادة منها.. |
قيصوم: كل الاستفادة يا سيدي.. |
الإمبراطور: كيف؟ |
قيصوم: نوعز إليها بمهاجمة خطوط المسلمين الخلفية وتدمير مواصلاتهم ونهب تموينهم وخلق نوع من الفوضى والذعر في القرى والأراضي التي احتلوها. |
الإمبراطور: وتنتظر مني ماذا؟ |
قيصوم: انتظر الموافقة.. |
الإمبراطور: أقدم ولا تخف ثم.. |
قيصوم: ثم ماذا يا مولاي.. |
الإمبراطور: ثم بما لديك من قوات بحرب عصابات لا حرب مواجهة وفوق ذلك يجب. |
قيصوم: يجب ماذا؟ |
الإمبراطور: يجب اغتيال السلطان إبراهيم وأركان قيادته. وتخريب أسطوله إذا أمكن. |
قيصوم: قد نستطيع اغتيال السلطان إبراهيم وبعض قواده ولكن الأسطول لا يمكننا الدنو منه فقائده أبرع قائد أخرجته الصومال. |
الإمبراطور: نترك أمره إلى قائد أسطول البرتغال. الذي لا أدري ماذا فعلت بشأن الاتصال به. |
قيصوم: أرسلت من يستكشف الطريق إليه مع الرسالة التي أمرت بها يا مولاي. |
الإمبراطور: وذلك كم يستغرق من الوقت؟ |
قيصوم: ذلك يعتمد على سهولة الطريق من وعورته. |
الإمبراطور: كيف؟ |
قيصوم: حامل رسالة مولاي سيمر بأراضي وبلدان كثيرة. |
الإمبراطور: لِمَ لَم ترسله بالبحر. |
قيصوم: خشيت أن يقع في أيدي المسلمين فبحر القلزم أصبح بحيرة إسلامية يا مولاي وتفتيش السفن فيه يجري على قدم وساق. |
الإمبراطور: حسناً. فلننتظر ما يأتي به رجلنا. والآن ما عليك إلا تنفيذ ما أمرتك به. وعسى أن يكون اغتيال السلطان إبراهيم هدية منك لي في عيد الميلاد القادم. |
قيصوم: أرجو أن أكون عند حسن الظن يا مولاي ولكن لي رجاء. |
الإمبراطور: ما هو؟ |
قيصوم: أن تذهبوا إلى أماكن بعيدة عن متناول العدو.. |
الإمبراطور: تعني المناطق الجبلية من إمبراطوريتنا قيصوم: بلى يا مولاي بلى.. |
الإمبراطور: سأقبل رجاءك.. والآن سر في مهمتك.. |
قيصوم: بالأمر يا مولاي.. |
* * * |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت سليمان يقول): |
سليمان: إننا نقترب أيها السلطان والأخوة القادة من مناطق وعرة في أرض العدو. |
أصوات: بلى.. بلى.. |
سليمان: وإني أرى قبل الدخول في هذه المناطق أن نستكمل تطهير البلاد التي احتليناها من أراضي العدو.. |
السلطان
إبراهيم: لقد أرسلت بعض السرايا لتطهير الأراضي وللقضاء على جيوب العدو فيها وأرى أن نسير في زحفنا من دون أي توقف يسمح للعدو باسترداد أنفاسه وترميم قواته. |
عثمان: ولكنني أخشى أن يصاب اندفاعنا بنكسة أليمة.. |
السلطان
إبراهيم: أتقول هذا يا عثمان وأنت قائد أسطولنا السند بعد الله لقواتنا الزاحفة. |
عثمان: شكراً أيها السلطان على هذا الإطراء ولكني لا أرى من الصواب زج قواتنا البحرية في معارك خاسرة ثم. |
السلطان
إبراهيم: ثم ماذا؟ |
عثمان: ثم إن دخول قواتكم المناطق الوعرة سيبعدها عن مساندة الأسطول وحمايته. وقد يعرض الأسطول إلى الوقوع في كمين بحري غير منتظر. |
السلطان
إبراهيم: إنك تهول الأمور يا عثمان.. |
سليمان: ما أراه ألا يقول حقاً.. |
السلطان
إبراهيم: ما رأي الشيخ سالم؟ |
الشيخ
سالم: إنني معك أيها السلطان فنحن لم نأت إلى هنا لنخلد للراحة بل أتينا للجهاد في سبيل الله والفرصة مؤاتية لذلك. |
السلطان
إبراهيم: ما رأيكما بعد ما سمعنا.. |
عثمان: إني ما زلت عند رأي ومع ذلك فأنت صاحب الرأي الأول والأخير. |
سليمان: وأنا أؤيد ما يقوله عثمان. ولكن لي اقتراحاً.. |
السلطان
إبراهيم: ما هو؟ |
سليمان: هل تأكدتم من قادة الجيوش أن ما لدينا من قوات كافية للسيطرة على الأماكن التي سنحتلها وتثبيت أقدامها فيها. |
السلطان
إبراهيم: القادة يرون أننا بحاجة إلى قوات إضافية لتثبيت سيطرتنا وتوطيدها فيما سنحتل من أراضي. ولكنهم يقولون إن بالإمكان الزحف والقوات الإضافية تتلاحق فيما بعد. |
عثمان: أترون من الحكمة ألا ندافع بعدما قاله قواد الجيش. |
السلطان
إبراهيم: ولكني والشيخ سالم قد تمرسنا الحروب وخبرناها ورأينا أظن له وزنه. |
عثمان: لقد سبق أن قلت أيها السلطان أنكم صاحب الرأي الأول والأخير ونحن مجندون في خدمة هذا الدين. |
السلطان
إبراهيم: شكراً.. شكراً.. |
سليمان: ولكني لم أكمل اقتراحي بعد أيها السلطان؟ |
السلطان
إبراهيم: تفضل أيها الأمير.. تفضل.. |
سليمان: علمت أنكم تلقيتم من ابنكم أحمد أمير ((العدل)) في غيابكم ما يفيد بأن إمدادات إسلامية في طريقها إلى ((العدل)). |
السلطان
إبراهيم: بلى.. بلى.. وأذكر أني قلت لكم ذلك.. |
سليمان: ألا ترون أنه يحسن انتظار مجيء هذه الإمدادات ومن ثم الزحف بعد أن تكون قد قضينا على الجيوب التي تتناثر في أرجاء الأراضي التي احتليناها. |
السلطان
إبراهيم: ما رأيكم؟ |
الجميع: موافقون.. موافقون.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت فارح يقول): |
فارح: السلام عليكم.. |
الجميع: وعليكم السلام.. |
السلطان
إبراهيم: ما وراءك أيها القائد؟ |
فارح: هاجمت قبائل مجهولة الهوية خطوطنا الخلفية واستولت على المواد التموينية وبعض قوافل العتاد وقتلت عدداً من حراس هذه القوافل. |
السلطان
إبراهيم: ألم تبعثوا بقوات مطاردة.. |
فارح: لا.. لم نتمكن لأن ما لدينا من قوات لا يصح بعثرتها ونحن بسبيل الزحف على مناطق وعرة تستدعي وجود قوات كبيرة.. |
السلطان
إبراهيم: ولكن يجب تأديب هذه القبائل. |
فارح: إذا أوقفتم الزحف فسنقوم بتأديب هذه القبائل.. |
السلطان
إبراهيم: لقد اتفقنا على تأجيل الزحف ريثما تأتينا الإمدادات التي كتب إلى ولدي أحمد من ((العدل)) بأنها في طريقها إليهم.. |
فارح: حسناً أيها السلطان هل اعتبر ما قلتموه أمراً.. |
السلطان
إبراهيم: انتظر حتى آخذ رأي القادة الأمراء.. |
الجميع: موافقون على تأديب هذه القبائل بحزم وقوة. |
* * * |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت فارعة يقول): |
فارعة: وأخيراً نزل السلطان إبراهيم عند رأي زوجك سليمان. ويا له من رأي سديد. |
مزينة: أنسيت رأي عثمان فهو في الحقيقة صاحب الرأي الأول في الأمر.. |
فارعة: لقد علمت أن عثمان عارض الزحف وأنه كاد يصطدم برأي السلطان إبراهيم ولا سيما بعد تأييد الشيخ سالم للسلطان ولكن لباقة سليمان لطفت الجو فهدأت العاصفة في مهدها. |
مزينة: وها هي الأحداث تبرهن على أن رأي عثمان وسليمان هو الأصوب فهجوم القبائل على خطوط تمويننا فتح العيون على الخطر الذي كنا سنتعرض له لو لم نتوقف عن الزحف. |
فارعة: الحمد لله الذي هدى قادتنا إلى حجة الصواب. وأرجو أن يوفقهم إلى تأديب هذه القبائل والبطش بها. |
مزينة: ليت القائد يافع يشترك برجاله مع القائد فارح في هذه الحملة التأديبية. |
فارعة: ولكن قوات يافع مهيأة للزحف في الأماكن الوعرة لسابق خبرتها وتمرسها القتال في الجبال والوديان. |
مزينة: هل ترين أن هجوم هذه القبائل كان بناء على خطة مرسومة ومدبرة من النصارى. |
فارعة: وهل يخامرك شك في ذلك؟ |
مزينة: إذن فهي مقدمة حرب عصابات وأعصاب.. |
فارعة: بكل تأكيد.. |
مزينة: يلوح لي أننا مقدمون على هذا النوع من الحرب.. |
فارعة: أجل بعد أن حطمت قواتنا القوات الرئيسية للنصارى. لجأ العدو إلى هذا النوع من القتال وهو أصعب الأنواع وأشدها خطورة. |
مزينة: كيف؟ |
فارعة: ذلك لأن العدو يعرف مداخل أرضه وخارجها ونحن نجهلها.. |
مزينة: ولكننا نحن أيضاً أهل هذه الجهات ولا نعدم أن نجد أدلاء من أهلها يعينون قواتنا في مهمتها. |
فارعة: المثل يقول. أهل مكة أدرى بشعابها. وأهل هذه المنطقة أدرى ببلادهم منا. |
مزينة: إذن ما العمل؟ |
فارعة: لست عضواً في القيادة.. |
مزينة: ولكننا نتداول الرأي كمشتركات في هذه المعركة المصيرية.. |
فارعة: أرى أولاً وقبل كل شيء أن نثبت أقدامنا على أرض صلبة وذلك لا يكون إلا بتطهير الأراضي التي احتليناها من ذيول الأعداء وأعوانهم وجيوبهم وعيونهم. |
مزينة: وهذا يأخذ وقتاً غير قليل.. |
فارعة: عامل الوقت في صالحنا فنحن بانتظار إمدادات جديدة.. |
مزينة: وعدونا ألا يمكنه أن يحصل على إمدادات.. |
فارعة: من أين وهو محاط بالمسلمين من كل جانب.. |
مزينة: والله ما أدري وقلبي غير مطمئن وإني لأتوقع أحداثاً جسيمة.. |
فارعة: ضعي ثقتك بالله وكلي إليه المصير فهو نعم المولى ونعم النصير. |
|