الحلقة - 8 - |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بنواح وعويل راحيل وراشيل تقول): |
راشيل: تجلدي يا راحيل.. فمصابنا واحد أنت فقدت حزقيال وأنا عزرا. |
راحيل: ولكن زوجي حزقيال راح ضحية إغراء زوجك عزرا. |
راشيل: ألا تفخرين بأن زوجك ذهب في ساحة الشرف. مكللاً بأكاليل المجد والفخار.. |
راحيل: أي مجد وفخار لقد كان زوجي مغفلاً حين أطاع زوجك وتدخل فيما لا يعنيه.. |
راشيل: كيف لا يعنيه الأمر وهو حياة أو موت بالنسبة لليهود.. |
راحيل: وهل تعرض المسلمون لكم بأي أذى. هل طلبوا من اليهود الدخول في الإسلام بالقوة؟ ألم نعامل من المسلمين أحسن من معاملة الرومان الذين هدموا معابدنا وقتلوا رجالنا وسبوا بناتنا.. |
راشيل: ولكن المسلمين طردونا من الجزيرة.. |
راحيل: طردونا لأننا اشتركنا بالفعل في مؤامرات ضد الإسلام والمسلمين أو كنا المحرضين عليها. |
راشيل: أراك تدافعين عن الإسلام والمسلمين وكأن المسلمين لم يقتلوا زوجك. |
راحيل: إن زوجي قتله تحريض زوجك وإغراؤه له.. |
راشيل: ألم يغسل هلاك زوجي ما بقلبك من حقد عليه؟ |
راحيل: مستحيل يا راشيل. مستحيل أنسى ما فعله عزرا بزوجي. لقد ترملت للمرة الثانية. |
راشيل: هيا يا راحيل فمن تبقى من اليهود عازمون على الفرار إلى الجنوب. إلى أماكن لن تصل إليها أقدام المسلمين. |
راحيل: كفاني فراراً وتشريداً. أريد أن استقر وأتمتع بنعمة الاستقرار. |
راشيل: ولكن المكان الذي سنذهب إليه ستجدين فيه الاستقرار الذي تنشدينه. |
راحيل: لا يا راشيل لا. جيوش المسلمين ستصل إلى الأماكن التي ستذهبون إليها وستفكرين في فرار جديد.. |
راشيل: مستحيل.. مستحيل.. |
راحيل: تعصبك اليهودي الذميم يصور لك ذلك. الإسلام سينتشر ولن يقف في طريقه شيء. تعالى معي.. |
راشيل: إلى أين يا راحيل؟ |
راحيل: إلى حيث النعيم المقيم. |
راشيل: أين؟ إنك تتكلمين بالألغاز والأحاجي. |
راحيل: حقدك على المسلمين هو الذي أوحى إليك أنني أتكلم بالألغاز والأحاجي. |
راشيل: أتريدين السكنى في بلاد المسلمين إذن..؟ |
راحيل: بلى يا راشيل بلى فهنالك نعمة الاستقرار والطمأنينة. |
راشيل: وتدخلين في الإسلام.. |
راحيل: ولم لا فلست أول يهودية ولا آخر من سيدخل فيه.. |
راشيل: أما أنا.. |
راحيل: أما أنت ماذا يا راشيل.. |
راشيل: أما أنا فسأظل أحارب هذا الدين إلى يوم الدين.. |
راحيل: إذهبي فأنت ممن لعنهم أنبياء بني إسرائيل وقضوا عليهم بالتشرد إلى يوم الدين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت البطريرك كرياكوس يقول): |
كرياكوس: كارثة ما بعدها كارثة أيها القس مرقص.. |
مرقص: بلى يا جناب البطريق. وأي كارثة.. أخشى ألا تقوم لنا بعدها قائمة في تلك البلاد.. |
كرياكوس: كان الأسقف انتياخوس متحمساً إلى درجة التهور الذي كلفه حياته. |
مرقص: حقاً لقد فقدنا شخصية لا تعوض. |
كرياكوس: أجل.. أجل.. |
مرقص: وما هي خطط جنابك للمستقبل..؟ |
كرياكوس: لقد شلت الكارثة تفكيري. وأريد وقتاً طويلاً من الهدوء أفكر فيه فيما يجب.. |
مرقص: والمد الإسلامي؟ |
كرياكوس: لا نستطيع مقاومته إلا بمساندة قوى خارجية.. |
مرقص: أين هي يا جناب البطريق وقد أصبح القلزم بحيرة إسلامية.. |
كرياكوس: إن لم نستطع نحن فقد تستطيع الأجيال التي تخلفنا. |
مرقص: أنت متفائل جداً. |
كرياكوس: هذا سلاح العاجز.. |
مرقص: ولكن المسلمين أسسوا سلطنة في زيلع. وغيروا اسم البلاد التاريخي. |
كرياكوس: غيروا اسم البلاد التاريخي.. ماذا سموها؟ |
مرقص: أسموها ذومال. |
كرياكوس: ذومال. من أين جاؤوا به.. |
مرقص: لا أدري ولكن البلاد غنية بالمواشي والأنعام ولعلّهم اشتقوا هذا الاسم من هذه الثروة الهائلة.. |
كرياكوس: اسم غريب ولكنه في محله والعرب يقدرون الرجل الغني بقدر ما عنده من مواشي وأنعام.. |
مرقص: ولكني سمعت أن المسلمين هناك حزينون جداً.. |
كرياكوس: المسلمين في مدينة زيلع.. |
مرقص: أجل. أجل. |
كرياكوس: ما أسباب حزنهم.؟ |
مرقص: وفاة عقيل بن أبي طالب ابن عم نبيهم محمد. لقد كان الشعلة التي حملت الإسلام إلى بلاد البنط فاستضاءت بها. |
كرياكوس: لا شك أن وفاته خسارة على المسلمين ولكن. |
مرقص: ولكن ماذا؟ |
كرياكوس: ما دام في أيدي المسلمين وفي صدورهم شيء اسمه القرآن وما داموا متمسكين بتعاليمه فثق أن شعلة الإسلام لن تنطفىء إلى يوم القيامة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت المؤذن يؤذن لصلاة الجمعة يعقبها صوت إبراهيم يقول): |
إبراهيم: لعلّ أروع ما خلفه عقيل بن أبي طالب بعد وفاته هو هذا المسجد فقد كان يرحمه الله حريصاً على أن يصلي فيه قبل أن يموت وقد حقق الله تعالى أمنيته.. |
خالد: وعمك السلطان عثمان يرحمه أنسيته يا إبراهيم لقد كان الحركة المستمرة والعقل المدبر الذي أخرج بجهوده هذا المسجد إلى حيز الوجود. |
إبراهيم: لقد فجعنا في ركنين شديدين وسندين قويين. |
خالد: فليرحمهما الله وليبارك لنا فيك يا إبراهيم فأنت خير خلف لخير سلف. |
إبراهيم: العبء ثقيل يا خالد ولا سيما بعد أن توسعت رقعة الإسلام وأصبح اسم الصومال على كل لسان.. |
خالد: ولكنك خير من يحمل الرسالة ويؤدي الأمانة. |
إبراهيم: إنني أخشى يا خالد. أخشى.. |
خالد: تخشى ماذا؟ |
إبراهيم: أخشى ألا أستطيع حمل الأمانة. |
خالد: كيف. وأنت الحاكم الصالح العادل.. |
إبراهيم: إن بوادر الانقسام في الخلافة الإسلامية تخيفني وترغبني وتحرمني لذيذ المقام. |
خالد: لا شك أن الحرب الواقعة بين الأمويين والعباسيين تهدد الوجود الإسلامي أينما كان ولكن الله سبحانه وتعالى قد تكفل بإعزاز دينه. |
إبراهيم: هذا صحيح ولكن إذا تمسك أهل هذا الدين بدينهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم. |
خالد: صلى الله عليه وسلم. |
إبراهيم: وأعداء الإسلام سينتهزون فرصة انقسام المسلمين لينقضوا عليه.. |
خالد: إني مطمئن أن هذا الانقسام لن يدوم طويلاً وأن العباسيين سينتصرون في النهاية ويخلفون الأمويين الذين شاخت دولتهم وشاع فيها الفساد. |
إبراهيم: أرجو ألا يطول الانقسام فعيون الأعداء لنا بالمرصاد. |
خالد: لقد وطد الإسلام أركانه بهذه البلاد وسيبقى بإذن الله فيها إلى الأبد فتوكل على الله وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (سورة الطلاق، آية 3). |
(موسيقى نسمع بعدها صوت إبراهيم يقول): |
إبراهيم: أرى حارسين من حراسنا ومعهما امرأة في طريقهما إلينا.. |
خالد: يلوح لي أن المرأة غريبة.. |
إبراهيم: كيف عرفت يا خالد؟ |
خالد: لأن لبس نساء هذا البلد وأزياءهن معروفة ولها طراز خاص.أما لباس هذه المرأة فيخيل إلي أنه لباس امرأة يهودية.. |
إبراهيم: كيف عرفت ذلك؟ |
خالد: كنت أرى اليهود واليهوديات عندما كنت أسافر مع والدي يرحمه الله في تجارة إلى اليمن.. |
إبراهيم: أما أنا فلعلي أبصر هذا الزي لأول مرة.. |
(يدخل الحارس وهو يقول): |
الحارس: هذه المرأة يهودية وقد قبضت عليها دوريات الحدود وهي في طريقها إلى زيلع ولما سئلت أجابت إنها جاءت للدخول في الإسلام. |
إبراهيم: أحقاً ما يقوله الحارس؟ |
راحيل: بلى. أيها الأمير وأسمي راحيل.. |
إبراهيم: أتعرفين ماذا تقولين لتصبحي مسلمة. |
راحيل: أجل أيها الأمير.. |
إبراهيم: قولي إذن.. |
راحيل: أشهد أن لا إله الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. |
خالد: هنيئاً لك يا راحيل.. هل تريدين أن تحتفظي باسمك اليهودي.. |
راحيل: لا: أريد أن أسمى اسماً إسلامياً.. |
إبراهيم: سمها يا خالد وتوكل على الله.. |
خالد: سميتك ريحانة.. |
راحيل: شكراً.. شكراً.. والآن أأصبحت مثلكم ومثل أية سيدة مسلمة.. |
إبراهيم: أجل لقد أصبحت مثلنا لك ما لنا وعليك ما علينا فالمسلمون سواسية كأسنان المشط.. |
ريحانة: يا إلهي.. بكلمة بسيطة أصبحت مثلكم. ما أعظم الإسلام. الحمد لله على نعمة الإسلام. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى وعواء ذئاب وزئير أسود ونمور نسمع بعدها صوت بنيامين يقول): |
بنيامين: ليلنا طويل يا راشيل وقد أضنانا السرى.. |
راشيل: لقد كتب علينا التشريد إلى الأبد.. |
بنيامين: يا له من عذاب. يا له من عذاب مرير.. |
راشيل: عذاب أو شقاء.. هذا نصيبنا وعلينا أن نصبر.. |
بنيامين: يا لأعصابك الحديدية. إنك هائلة. هائلة. أراك تنفردين عن القافلة فأين تقصدين؟ |
راشيل: قضاء حاجة يا بنيامين. |
بنيامين: أأرافقك؟ |
راشيل: لا. شكراً. |
بنيامين: إنك شجاعة.. شجاعة.. |
(تنفرد راشيل لقضاء حاجتها ولم تشعر إلا بنمر كاسر ينقض عليها فتصرخ): |
راشيل: أدركوني. أغيثوني. سباع.. |
بنيامين: أدركوها يا ناس. أغيثوها.. |
أصوات: اذهب أنت وحدك. من قال لها تنفرد عن القافلة. |
راشيل: أدركوني.. افترستني النمور أكلتني السباع.. |
(أصوات لغط وهرج ومرج من أفراد القافلة ولكن لم يجرؤ أحد لأنقاذها فتيأس وتقول وهي تجود بأنفاسها الأخيرة): |
راشيل: لقد وجدت راحيل نعمة الاستقرار في قلوب المسلمين وأنا وجدتها في بطون السباع والنمور. |
|