الحلقة - 1 - |
عقيل: لقد امتدت الفتوحات الإسلامية يا سهيل بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل مذهل لم يسبق له مثيل في تاريخ الفتوحات. وأنت يا مسعود عالم بأخبار الأولين ولا شك أنك توافقني على ذلك. |
سهيل: صدقت يا بن أبي طالب صدقت. لقد قضت جيوش المسلمين على إمبراطورية الروم في سوريا وانتزعت غرب وشمالي إفريقية من الإمبراطورية الرومانية.. |
مسعود: أجل هذا الشمال والغرب أما في الشرق فقد حررت جيوش المسلمين العراق وغزت دولة الأكاسرة في عقر دارها والنصر يواكب مسيرتها. |
عقيل: ولكن الفتوحات الإسلامية أغفلت الأمم التي تعيش على السواحل الشرقية والجنوبية لبحر القلزم فلم تعرها أهمية كالأهمية التي أعارتها للجهات الشمالية والغربية والشرقية من جزيرة العرب. |
سهيل: لا تنسَ يا بن أبي طالب أن في شمال الجزيرة وشرقيها إمبراطوريتين كان وجودهما يتهدد الوجود الإسلامي في الجزيرة هذا بالإضافة إلى أنهما كانتا تحتلان بلاداً عربية هي بلاد الشام والعراق.. |
عقيل: ولكن سكان شرقي بحر القلزم وجنوبه الشرقي هم من العرب الذين هاجروا من اليمن منذ زمن بعيد. |
سهيل: هذا صحيح ولكنهم اصطبغوا بصبغة البلاد التي هاجروا إليها بينما ظل أهل الشام وأهل العراق محافظين على عروبتهم. ثم.. |
عقيل: ثم ماذا يا سهيل؟ |
سهيل: ثم لا تنسَ الحبشة ونجاشيها وما يكنه المسلمون من ود وعرفان للجميل الذي أسداه النجاشي للمسلمين الذين هاجروا إلى بلاده فارين بدينهم من تعذيب كفار قريش وإيذائهم وكيف أن النجاشي آواهم ونصرهم وأكرم وفادتهم ولم يسلمهم حين أوفد القرشيون رسلهم يطالبونه بتسليمهم وكنت في طليعة المهاجرين إلى الحبشة أليس كذلك.. |
عقيل: بلى. ولكن البلاد التي تقع إلى جنوبي الحبشة وشرقيها بلاد جميلة بلاد خيرات وثروات وتجارة واسعة.. |
مسعود: أزرت تلك البلاد يا عقيل بن أبي طالب. |
عقيل: أجل يا مسعود زرتها عندما هاجرت إلى الحبشة مع من هاجر إليها من المسلمين وقد أسلم على يدي بعض من أهلها.. |
سهيل: لقد شوقتني يا بن أبي طالب لزيارة تلك البلاد.. |
مسعود: ما رأيك يا سهيل؟ |
سهيل: قل يا مسعود.. |
مسعود: التجارة تتطلب المغامرة يا سهيل.. |
سهيل: بل قل يا مسعود التجارة نوع من المغامرة.. |
مسعود: وقد ورثنا التجارة عن آبائنا وأجدادنا والمغامرة تجري في عروقنا وفي كل عام نذهب إلى اليمن للمتاجرة فما رأيك لو ذهبنا أبعد من اليمن. |
سهيل: أتعني إلى البلاد التي زارها عقيل بن أبي طالب.. |
مسعود: بلى يا سهيل بلى.. |
عقيل: فكرة سديدة يا سهيل ويا مسعود ولا سيما وهذه البلاد تقع في الجهة الجنوبية المقابلة لليمن ولا يفصل بينهما إلا البحر ولكن. |
سهيل: ولكن ماذا يا عقيل؟ |
عقيل: مغامرة كهذه يجب أن نشجع آخرين على الاشتراك فيها.. |
مسعود: حسناً ولكن لو لم يكتب النجاح لهذه المغامرة نكون جنينا على الآخرين.. |
سهيل: ولم هذا الافتراض يا مسعود..؟ |
مسعود: في التجارة يجب أن تؤخذ الخسارة بعين الاعتبار قبل الربح.. |
سهيل: ولكننا سوف لا نذهب إلى تلك البلاد كتجار بل زائرين مستكشفين فإن وجدناها كما يحدثنا عقيل بن أبي طالب تاجرنا مع أهلها وإلا عدنا من حيث أتينا.. ثم.. |
مسعود: ثم ماذا يا سهيل.. |
سهيل: عندما نذهب إلى تلك البلاد بأعداد وفيرة يمكننا حماية أنفسنا من أي اعتداء. كذلك فهي فرصة لتبليغ رسالة الإسلام والتعرف على إخواننا المسلمين هناك. |
مسعود: اتفقنا وستكون يا عقيل بن أبي طالب قائدنا ورائدنا فأنت أعلم منا بها وبأهلها. |
عقيل: اللَّهم إن كان فيما سنسعى إليه الخير فيسره لنا وإلا فاصرفنا عنه. |
الجميع: اللَّهم آمين.. آمين. |
(نقلة صوتية سريعة نسمع بعدها صوت حسان يدخل وهو يلهث فتسأله أمه ((سمية)) قائلة): |
سمية: ما وراءك يا حسان. أراك تلهث وكأنك جئت إليَّ عدواً. |
حسان: بلى يا أماه بلى.. |
سمية: ما حفزك على ذلك.. لعلّه خير؟ |
حسان: سمعت والدي مسعود وعمي سهيل يتحدثان عن رحلة إلى بلاد بعيدة عجيبة بها ثروات طائلة وخيرات وفيرة. |
سمية: هل سيذهبان للتجارة.. |
حسان: لا يا أماه سيذهبان زائرين مستكشفين فإن وجدوا صالحاً للمتاجرة تاجروا وإلا عادا من حيث جاءا.. |
سمية: إنها مغامرة ولكن. |
حسان: ولكن ماذا.. |
سمية: هل سيذهبان وحدهما أو مع آخرين.. |
حسان: لا يا أماه. سيقود الحملة عقيل بن أبي طالب فقد سبق له أن زار تلك البلاد وعندما هاجر إلى الحبشة مع من هاجر إليها من المسلمين. وسيسعون لإقناع أعداد كبيرة من الأهل والأقارب للاشتراك فيها.. |
سمية: لقد أحسنا صنعا بذلك فرحلة كهذه محفوفة بالمخاطر ووجود أعداد كبيرة فيها يهوّن من خطورتها ويهيء فرص النجاح لها. |
حسان: كم أتمنى أن يصطحبني والدي لأقوم على خدمته وأدافع عنه إن حدث أي اعتداء. |
سمية: وتتركني لمن في غياب أبيك؟ |
حسان: سمعت والدي وعمي يتحدثان عنكن.. |
سمية: عني وعن زوجة عمك.. |
حسان: بلى.. بلى.. وعن نساء الذين سيشتركون معهم في هذه الرحلة. |
سمية: أتراهم سيصطحبوننا معهم؟ إني لا أرى ذلك صواباً يا حسان. |
حسان: ولم يا أماه. |
سمية: النساء حمل ثقيل على الرجال ولا سيما وهي رحلة إلى بلد مجهول سوف لا تخلو من الأخطار والمتاعب. |
حسان: هذا صحيح يا أماه. ولكنه حمل لا مفر من حمله. |
سمية: قد يكون وجود النساء بهذه الرحلة فيه تخفيف أعباء كثيرة عن كاهل الرجال وفيه سكن لهم ولكنه وجود محفوف بالخطر يا بني. |
حسان: إنك تهولين الأمر يا أماه. |
سمية: وإنك تهوّنه يا بني لحاجة في نفسك. |
حسان: (يضحك) إنها رحلة أود ألا أُحرم من الاشتراك فيها.. أماه إن عدم اشتراك النساء فيها يعني حرماني منها لأني طبعاً سأبقى بجانبك في غياب أبي. |
سمية: يا بني: اللَّهم اختر لنا ما فيه الخير. |
حسان: اللَّهم آمين. اللَّهم آمين. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت عائشة تقول): |
عائشة: أراك ساهماً واجماً يا أبتاه وكأن همّاً ركبك. |
عثمان: أجل يا بنيتي وأي هم. |
عائشة: قله يا أبتاه فلعلي أساعدك على التخفف منه. |
عثمان: ليتك تستطيعين يا عائشة.. |
عائشة: ما هو بربك قله لي. |
عثمان: رأيت عدداً غير قليل من نصارى الحبشة يجوبون شوارع مدينتنا.. |
عائشة: وماذا يهمك من أمرهم يا أبتاه. لعلّهم جاؤوا للمتاجرة. |
عثمان: لا يا بنيتي.. |
عائشة: إذن جاؤوا لماذا..؟ |
عثمان: سمعتهم يفتشون عن مساكن لهم.. |
عائشة: أيريدون الإقامة ببلدتنا. |
عثمان: بلى يا عائشة بلى.. |
عائشة: وماذا ترى الهدف من إقامتهم.. |
عثمان: هل هنالك هدف غير التبشير بالدين المسيحي يا عائشة؟ |
عائشة: ولم لا يكون غير ذلك؟ |
عثمان: لقد رأيت أحد القسس معهم يا بنيتي.. ووجوده معهم يكشف سر الإقامة. وهذا سبب غمي وحزني.. |
عائشة: إنك على حق يا أبتاه في تخوفك فالنصارى يملكون المال والمال سلاح ذو حدين.. |
عثمان: أجل يا عائشة أجل.. وإنهم بهذا المال يستطيعون إغراء الناس على الدخول في ملتهم. |
عائشة: ما العمل إذن يا أبي؟ |
عثمان: لا أدري يا بنيتي لا أدري فالمسلمون بهذه البلاد يعدون على الأصابع وخلفاء المسلمين بالشام - مشغولون بحروبهم مع الروم ونحن هنا وكأن مصيرنا لا يعنيهم في شيء. |
عائشة: لا بأس مع الإسلام يا أبتاه. |
عثمان: إنني غير يائس ولكني غير مستبشر بعدما رأيت هذا الزحف المسيحي على بلادنا. |
عائشة: ولكن المسلمين في هذه البلاد على قلتهم مترابطون متمسكون بعقيدتهم ولن تستطيع أموال النصارى إغراءهم. |
عثمان: لست أخشى على المسلمين في هذه البلاد من النصارى. إنما أخشى.. |
عائشة: تخشى ماذا يا أبي.. |
عثمان: أخشى أن يتمكن النصارى من إدخال بعض المشركين من أهل هذه البلاد في ملتهم وبذلك تصبح لهم جذور فيها يصعب اقتلاعها في المستقبل.. |
عائشة: لماذا لا نقاوم التبشير بالتبشير ونقرع الحجة بالحجة. وإنها لعمري فرصة لإظهار مزايا الدين الإسلامي بالنسبة إلى غيره من الأديان. |
عثمان: رأي سديد يا عائشة رأي سديد. |
عائشة: من يدري يا أبتاه فلعلّ الله أرسل هؤلاء النصارى ليكونوا سبباً لإظهار الدين الإسلامي وانتشاره بهذه البلاد. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأمواج البحر وارتطامه بالسفن نسمع بعدها صوت عقيل يقول): |
عقيل: ما كنت أظن أننا نوفق في إقناع هذا العدد الكبير من إخواننا القرشيين على الاشتراك في هذه الرحلة؟ |
سهيل: القرشيون محبون للاستطلاع.. ولاصطياد القرش أينما يكون.. |
عقيل: ولعلّ حبهم للقرش سبب تسميتهم بالقرشيين. ولكن.. |
سهيل: ولكن ماذا يا عقيل.. |
عقيل: ولكن لم نصبغ رحلتنا بالصبغة المادية وننسى الصبغة الروحية لها. ألم يكن تبليغ رسالة الإسلام هدفاً من أهداف هذه الرحلة؟ |
سهيل: بلى يا بن أبي طالب بلى وأنه في رأي هدفنا الأول.. |
عقيل: ثم من يدري لعلّ تلك البلاد تعجبنا فنستوطنها ويهدي الله أهلها للإسلام على أيدينا.. |
مسعود: إن شاء الله.. إن شاء الله.. |
سهيل: قلبي يحدثني يا قوم.. إنه سيكون للإسلام شأو بتلك البلاد.. |
مسعود: وإننا سنكون من السابقين إلى نشره والسابقون هم الفائزون.. |
عقيل: اللَّهم اجعلنا من السابقين إلى الدعوة لدين الهدى والمحبة والسلام.. |
سهيل: اللَّهم آمين. اللَّهم آمين.. |
|