الحلقة ـ 9 ـ |
رويفع: أي حل يا عماه.. إنها عين الرضا أَنْ نظنَّ أن لديَّ حلاً لهذه المعضلة.. |
معاوية: لقد أحرجتني يا عماه بهذا اليمين.. وسأقول لك ما كنت أحرص على كتمانه حتى تتسع دائرته وترسه قواعده.. |
معاوية: ما هو يا بني ما هو؟ |
رويفع: الحل يا عماه لهذه المعضلة هو الدعوة الإسلامية.. نشر تعاليم الإسلام بين البربر الذين وجدوا في سماحة الإسلام وحسن معاملة أهل الإسلام ما لم يجدوه من الروم.. |
معاوية: زدني إيضاحاً بربك.. |
رويفع: لقد فكرت في الدعوة لدين الله بين البربر منذ وطئت قدماي هذه الديار وقد دخل عدد كبير في الإسلام فصرت أبعث بمن تفقهوا منهم في الدين ليدعوا له بين أهلهم وبين قومهم من البربر.. |
معاوية: وبعد يا رويفع وبعد؟ |
رويفع: وبما أن جل البربر الذين دخلوا في الإسلام يتقنون لغة الروم وكثيرون منهم يعملون معهم من غير أن يعلم الروم بأمرهم فقد أصبحوا عيوناً لنا عليهم وهكذا كانت تصلني أنباء تحركات الروم أولاً فأولاً.. |
معاوية: يا له من حل رائع مستند على أساس قوي سليم بالإسلام ولا شيء غير الإسلام نستطيع تحطيم غارات الروم على شواطئنا المفتوحة.. |
رويفع: إن كل بربري مسلم يا عماه هو عين لنا على الروم وفي نفس الوقت جندي يدافع عن حياتي هذا الدين.. |
معاوية: هذه يدي يا بني تحييك وتهنئك وتعاهدك على العمل في سبيل الدعوة لدين الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت هند تقول): |
هند: كيف أنت اليوم يا أخي؟ |
ياسر: بخير يا أختاه ولله الحمد.. |
هند: هل لي أن أرى جرحك؟ |
ياسر: تفضلي.. تفضلي.. |
هند: ما شاء الله إنه التأم ولم تبق إلا ظلاله وسوف تذهب مع الوقت..فالحمد لله على سلامتك.. |
ياسر: لعمري ما كنت يا هند أحسب أني أعيش حين أصبت وكان دمي ينزف كأفواه القرب.. فالحمد لله.. الحمد لله على نعمة الصحة والعافية.. |
هند: ولا تنسى أن تشكر سلمى بعد شكرك الله فلقد قامت بالسهر على تمريضك وتطبيبك ما لم تقم به أم نحو ولدها.. |
ياسر: صدقت لقد كانت حقاً الزوجة المخلصة الوفية المخلصة العارفة بواجبها نحو ربها وبعلها.. وأنت.. |
هند: أنا ماذا؟ |
ياسر: لا أنسى مشاركتك لسلمى وسهرك معها على تمريضي وتنظيف جرحى والصبر على غلظتي وفظاظتي فقد كنت كما علمت فيما بعد.. |
هند: إنها حالات الحمى التي كانت تنتابك فكنت تهذي وتقوم بحركات عصبية من شدة الحمى.. |
ياسر: إني آسف يا أختاه.. آسف.. |
هند: لا عليك يا أخي فقد تعودنا نحن الممرضات أمثال ذلك من كثيرين من المرضى وجرحى الحروب.. |
(تدخل سلمى وهي تقول): |
سلمى: أنت هنا يا هند.. |
ياسر: نعم هي هنا وقد جاءت تعودني وكشفت على جرحي وقررت أنه التأم تماماً.. |
هند: نعم يا سلمى ومع ذلك أرى أن تقومي أنت بالكشف أيضاً فخبرتك أعظم من خبرتي وتجاربك أكثر من تجاربي.. وأنا تلميذة في مدرستك.. |
سلمى: هذا تواضع منك.. رب تلميذة فاقت أستاذتها.. |
هند: لعلّها تلميذة غيري فأنا لا أعد من الأذكياء.. |
سلمى: أصحيح ما تقوله أختك يا ياسر.. |
ياسر: إنه تواضع العظيمات.. |
هند: يا سلام.. الحكيمات العظيمات خريجات مدارس الهند وفارس.. |
ياسر: ولكن مدرسة الحروب أحسن مكان للتدريب والتمرين وبالتالي التخرج.. |
هند: أرانا قد ألبسنا أنفسنا جلابيب فضفاضة من المعرفة أليس كذلك يا سلمى.. |
سلمى: بلى.. بلى.. إننا ما زلنا في بداية الإلمام بأوليات فن التمريض.. تعال ياسر حتى أكشف عليك نزولاً عند رغبة هند.. |
هند: رأيان خير من واحد وباصرتان تريان أحسن من باصرة واحدة.. |
(تكشف عليه ثم تقول): |
سلمى: الحمد لله.. الحمد لله.. التأم جرحك تماماً كما قالت هند وصار بوسعنا الآن الرحيل.. |
هند: الرحيل.. ما أصعب فراق الأحبة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى القافلة نسمع بعدها صوت رباح يقول): |
رباح: بقيت أيام يا جابر على مبارحتنا لطرابلس الغرب في طريقنا الطويل إلى الإسكندرية.. |
جابر: هكذا حياة الجندي يا رباح كل يوم في الارتحال.. |
رباح: إلى أن يأتي يوم الرحيل الذي لا عودة بعده إلى هذه الدنيا.. |
جابر: اللَّهم اجعله رحيلاً في سبيل إعلاء كلمتك ونصرة دينك.. |
رباح: اللَّهم آمين.. اللَّهم آمين.. |
جابر: كم يعز علي فراق رويفع وابن خديج وإخواننا في ميدان الشرف والكرامة.. |
رباح: فراق رويفع يا جابر أليم.. أليم جداً.. لقد أصبح قطعة مني ولا أدري كيف أستطيع الصبر.. |
جابر: علينا أن نوطّن النفس على مثل هذه الأمور.. |
رباح: ولكني متقد العاطفة مرهف الحس وهذا ما يزيد في همي وغمي.. فلا حول ولا قوة إلى بالله.. اللَّهم صبرني.. اللَّهم صبرني.. |
جابر: عندما تضع في حسبانك أنك ما دمت على قيد الحياة ستلتقي برويفع فثق أنك ملاقيه عاجلاً أم آجلاً.. |
رباح: لقد جئتني برأي سديد وحل سليم.. بورك فيك يا أخي بورك فيك.. |
جابر: والآن.. |
رباح: والآن ماذا؟ |
جابر: ألا ترى من المناسب أن نزور ابن خديج ومن ثم نذهب إلى رويفع.. |
رباح: يعني أننا سنجد رويفع عنده.. |
جابر: زيادة الخير خير يا رباح فسنستقي الأخبار من مصادرها.. |
رباح: وستطلع على ماجد منها وكذلك أخبار الفتوحات الإسلامية الأخرى.. |
جابر: الشيء الذي يحيرني يا رباح هو.. |
رباح: هو ماذا؟ |
جابر: من أين يستقي رويفع أخبار ما يجري سواء في العالم الإسلامي أو غير الإسلامي.. |
رباح: حقيقة شيء يحير ولكن.. |
جابر: ولكن ماذا؟ |
رباح: ألا تعتقد أن صداقاته من البربر المسلمين وبينهم التجار والرواد واصحاب العلاقات معنا ومع الروم.. |
جابر: يا إلهي أظنك وجدت السر.. وجدت السر.. فمن هؤلاء البربر المسلمين ينساب جدول أخباره.. |
رباح: قل لي بربك هل فكر أحد أن قادتنا في مثل ما فكر به رويفع؟ |
جابر: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. رويفع قائد يطمح في مستقبل باهر والعلم والمعرفة هما الوسيلة لبلوغ هذا الهدف.. |
رباح: هلمّ بنا إلى ابن خديج.. |
جابر: هلمّ بنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت معاوية يقول متهللاً): |
معاوية: يا مرحبا ياسر يا مرحبا.. الحمد لله على سلامتك ونجاتك.. |
ياسر: شكراً يا عماه شكراً.. |
معاوية: وتهانينا مجدداً بالنصر الذي توجت به أعمالك في إفريقية.. |
ياسر: لقد قمت بواجبي يا عماه والحمد لله الذي قدرني على أداء الواجب.. |
معاوية: لقد أديته بشكل يرفع الرأس ويعلي الجبين بورك فيك وأكثر من أمثالك بين أبطال المسلمين.. |
ياسر: شكراً.. شكراً.. |
معاوية: ها.. ياسر.. قل لي.. |
ياسر: تفضل يا عماه؟ |
معاوية: هل سمحت الطبيبتان بسفرك؟ |
ياسر: أتعني هند وسلمى يا عماه؟ |
معاوية: وهل هنالك غيرهما؟ |
ياسر: لا.. لقد سمحت لي يا عماه وقالت إن جرحى قد التأم تماماً وإني أستطيع حتى النزول إلى ميدان القتال.. |
معاوية: الحمد لله.. الحمد لله.. إنها بشرى وأية بشرى.. |
ياسر: ولكن متى سيكون السفر.. |
معاوية: بعد ثلاثة أيام بإذن الله.. |
ياسر: بإذن الله.. |
معاوية: وسيكون فراقنا لكم صعباً يا بني غير أننا نتمنى لكم التوفيق في خدمة هذا الدين ونشر لوائه في العالمين.. |
ياسر: إن شاء الله.. استأذنك يا عماه.. |
معاوية: إلى أين؟ |
ياسر: إلى زيارة عبد الله بن ابي سرح.. |
معاوية: أبلغه سلامي.. |
ياسر: سافعل إن شاء الله.. |
(نقلة صوتية وزمنية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها (هند) وهي تبكي وتقول): |
هند: ليتني ما عشت حتى أرى هذا اليوم الذي يستشهد فيه علي بن أبي طالب ويتنازل الحسن ويتولى معاوية بن ابي سفيان الخلافة.. ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.. |
رويفع: هوني عليك يا هند فالدنيا دول.. |
هند: كيف يا رويفع ولما تمضي على وفاة الرسول صلَّى الله عليه وسلم أربعون سنة ينقسم المسلمون على أنفسهم فيتطاحنون ويتقاتلون.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. |
رويفع: هذه أحسن عبارة تقولينها في هذا الموقف يا هند: لا حول ولا قوة إلا بالله.. اللَّهم أجمع شمل المسلمين وثبتهم على الحق برحمتك يا أرحم اراحمين.. |
هند: يا إلهي.. وبهذه السرعة تقود العنعنات والعصبيات الجاهلية.. اللَّهم لا اعتراض على ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضي عليك.. |
رويفع: الابتهال والدعاء هو خير ما تفعلين يا هند.. أكثري من الدعاء.. أكثري من قراءة القرآن الكريم فسوف تجدين فيه العزاء والسلوى والصبر.. |
هند: سأفعل يا رويفع سأفعل.. |
رويفع: ثم يجب أن تطمئني إلى أن وضع المسلمين قد أخذ في التحسن والاستقرار بعد أن استلم معاوية بن أبي سفيان الخلافة.. |
هند: واصبحت دمشق عاصمة الإسلام بعد أن كانت المدينة المنورة هي العاصمة.. |
رويفع: ولكن مقام المدينة المنوّرة محفوظ وقداستها موضع التجلي والاحترام من جميع المسلمين.. وأهلها لهم مكانة خاصة عند بني أمية.. |
هند: وما هي أخبار سلمى وأخي ياسر زوجها؟ |
رويفع: نقلا إلى شمالي العراق.. |
هند: شمالي العراق.. يا لبعد الشقة بيننا وبينهم.. |
رويفع: من يدري فقد يقدر الله لنا الاجتماع بهم.. |
هند: لعلّه من رابع المستحيلات.. والدي معاوية بن خديج المقيم بمصر لا أستطيع زيارته بل قد لا أطمع في رؤيته فكيف بمن هم في العراق.. |
رويفع: الله على كل شيء قدير.. فاصبري فنحن مقبلون على معركة حامية مع الروم.. |
هند: ماذا تقول؟ |
رويفع: كنت أريد أن أخبرك بها ولكني أحجمت حين وجدتك تولولين وتنتحبين.. |
هند: وأين ستكون المعركة.. |
رويفع: فكري واعصري دماغك.. فكري.. |
هند: لقد تبلد تفكيري في زحمة الأحداث.. قل بربك أين؟ |
رويفع: جزيرة (جربة).. التونسية.. |
هند: وبدون أسطول.. |
رويفع: الأسطول في الطريق إلينا.. |
هند: إذن فقد تحقق ما كنت تصبو إليه يا رويفع.. |
رويفع: الحمد لله.. غير أني أبتهل إليه جلت قدرته أن ينصرني على أعدائه الروم فلهم كما تعرفين أسطول قوي هناك.. |
هند: هذا صحيح.. فماذا أنت فاعل؟ |
رويفع: أدعي لي بالتوفيق والنجاح.. وكوني مستعدة للاشتراك في المعركة.. |
هند: ولكنها معركة بحرية ولم أجرب بعد ركوب البحر.. |
رويفع: وأنا مثلك لم أجرب بعد ركوب البحر.. |
هند: إذن فمعك يا أعز إنسان لدي أركب المخاطر والأهوال وأسير بجانبك إلى أقصى المعمورة.. |
رويفع: شكراً.. أيتها الزوجة الوفية الصالحة المخلصة.. هيا خذي في تجهيز أمرك مع أخواتك الممرضات فستكونين أنت المسؤولة الأولى عنهن.. |
هند: ولأول مرة.. |
رويفع: ولأول مرة.. |
هند: اللَّهم اعنا وآتنا النصر الذي وعدتنا أنك لا تخلف الميعاد.. |
(نقلة صوتية وزمنية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مجدي يقول): |
مجدي: وهكذا تحققت أمنية رويفع ففتح جزيرة (جربة) وظهرها من أسطول الروم وعاد إلى برقة مكللاً بأكاليل الظفر والنصر.. |
فريد: رحمك الله يا رويفع وتغمدك بشآبيب مغفرته ورضوانه.. |
|