الحلقة ـ 5 ـ |
ثيودور: ورسالة أيضاً.. |
جرجير: أين هي؟ |
ثيودور: ها هي يا سيدي.. |
جرجير: فضها واقرأها.. |
ثيودور: (يقرأ.. نص الرسالة).. |
((من عبد الله بن أبي سرح والي مصر إلى جرجير ملك الروم.. سلام على من تبع الهدى.. أما بعد: فإني أخيرك بين ثلاث: الإسلام أو الجزية أو الحرب.. |
جرجير: أيهددني والي مصر.. أين رسوله.. |
ثيودور: على الباب.. |
جرجير: قل له: لولا أن الرسل لا تقتل لقتلته.. فليبلغ من أرسله أن الحرب بيننا وسيجعل من هذه الصحاري مقابر له ولجيشه.. هيا أذهب وبلغه.. |
ثيودور: بالأمر يا سيدي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت جابر يقول): |
جابر: وأخيراً وصلت الحملة يا رباح سالمة.. |
رباح: لقد تقبّل الله دعاءنا فالحمد لله.. |
جابر: يقولون إن طريقهم كانت سهلة وإنهم لم يصادفوا شيئاً من الزوابع والعواصف.. كالتي كانت لدينا.. |
رباح: لقد كتب الله لهم السلامة فعسى أن يكتب لهم النصر فالأخبار تتواتر عن حشود هائلة للعدو تقدر بمائة وعشرين ألف مقاتل.. |
جابر: يعني واحد لعشرة.. |
رباح: وهذا هو السبب في رد (جرجير) ملك الروم بلهجة قاسية على رسالة ابن أبي سرح مهدداً بأنه سيدفننا في صحاري إفريقية.. |
جابر: إنه مغرور وسيقتله غروره.. |
رباح: كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة: 249).. |
جابر: صدق الله العظيم.. ومتى ينتظر أن يبدأ القتال؟ |
رباح: ذلك علمه عند ربي ثم عند عبد الله بن أبي سرح.. |
جابر: ورويفع ألا تعتقد أنه يعرف التوقيت الصحيح لبدء المعركة.. |
رباح: ليس ذلك ببعيد فقد أصبح رويفع من قوادنا المجربين المعروفين بأصالة الرأي وصحة التقدير والحذر واليقظة.. |
جابر: أترى ابن أبي سرح سيسند إليه دوراً هاماً في المعركة المرتقبة.. |
رباح: يقيني أن أبي سرح لن يغفل عن مواهب ((رويفع)) وسوف ينتفع بخبرته الحربية.. |
جابر: ولكن جيش ابن أبي سرح يحفل بالذوائب من قريش والأنصار وبالخبرات من القادة من المحاربين.. |
رباح: غير أنه تنقصهم خبرة ((رويفع)) بإفريقية.. وهذا لا يعني انتقاص مواهب القادمين ثم لا تنسى أن المعارك تصنع المواهب وتأتي بالعجائب.. |
جابر: صدقت وستتكشف الأيام المقبلة عن بطولات ومثلات من أشخاص لم نكن نحسب أنهم يفعلون.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت سلمى تقول): |
سلمى: كيف أنت اليوم يا هند.. لعلّك أحسن من أمس.. |
سلمى: لقد كنت مكدورة حتى خشيت أن يكون ذلك بداية حمى.. |
هند: إنه الإرهاق يا سلمى ولا سيما يوم العاصفة العاتية صحيح أننا لم نتأذ منها كما تأذى سوانا غير أننا كنا نعيش على أعصابنا بالنسبة لإخواننا الذين كانوا في أتونها.. |
سلمى: وزاد في ألمك أن العاصفة لم تقعد ((رويفع)) عن أداء واجبه كمسؤول عن حامية طرابلس. |
هند: بلى.. بلى.. يا سلمى.. لقد راعني مرآه حين زارنا متفقداً وهو أشعث الرأس مغير الوجه فزادني غماً على غمي.. |
سلمى: في ميادين القتال يجب أن تضع الواحدة منا عواطفها وتحبسها في قمقم وتتفرغ للمهمة الملقاة على عاتقها فصاحب صنعتين كذاب.. وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. |
هند: تقولين حقاً وصدقاً يا أختاه ولكني خلقت متقدة بهذا الشكل الفظيع.. |
سلمى: سوف تخمد المعارك القادمة براكين عواطفك الثائرة.. |
هند: أرجو من الله.. غير أني.. |
سلمى: غير أنك ماذا يا هند.. |
هند: متخوفة على مركز ((رويفع)) بين القادة القادمين في حملة ابن أبي سرح. هل يبقونه على حاله أو يولون غيره مكانه.. |
سلمى: لا أرى بين القادمين من هو في كفاءة ومقدرة (رويفع) يا هند.. فقد تمرس قتال الروم في هذه الأحوال.. ثم.. |
عند: ثم ماذا؟ |
سلمى: لا تنسى أن رويفع من بني النجار أخوال الرسول صلَّى الله عليه وسلم وبهذا يكون زوجك قد جمع بين الحسنيين شرف النسب وشرف الخبرة في ميادين الطعن والنزال.. |
هند: على كل حال ((رويفع)) كما تعرفين عزوف عن المظاهر والأبهة والفخفخة ولا يهمه مركزه كقائد ميدان أن يقدر ما يهمه أن من سيخلفه هو بحق أفضل منه وأعرف.. |
سلمى: مادام هذا منطق زوجك فلا مجال إذن لكل مخاوفك.. فأرجوك يا أختاه طرد كل هذه الهواجس والأوهام وتركيز تفكيرك في المعركة القادمة التي ينتظر أن تكون حامية الوطيس. |
هند: لا شك.. لا شك.. فقد حشد الروم لها كل إمكاناتهم والمسلمون كذلك وسأعمل بنصيحتك يا أختاه.. سأعمل بها.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت ((رويفع)) يقول): |
رويفع: أين عبد الله بن الزبير يا بن خديج فإني لا أراه بين القادمين.. |
معاوية: تأخر في مصر عند والده ولكنه سيلحق بالحملة قريباً.. |
رويفع: سيأتي وحده أم على رأس مدد من المسلمين.. |
معاوية: يلوح لي أنه سيأتي على رأس مدد من المسلمين كما أخبرني ابن أبي سرح.. |
رويفع: فكرة صائبة أن يأتينا مدد والمعركة قائمة فإن ذلك سيوهن من عزم الروم وتصميمهم على الصمود.. |
معاوية: بلى يا رويفع بلى.. قل لي.. |
رويفع: تفضل.. |
معاوية: هل جاءت عيونك بأخبار جديدة عن جرجير ملك الروم واستعداداته؟ |
رويفع: بلى.. وقد نقلتها إلى ابن أبي سرح يطلعك وبقية القواد عليها في اجتماع هذا المساء.. |
معاوية: وعلى ضوئها سيقرر ابن أبي سرح متى يبدأ الهجوم.. |
رويفع: أرجو أن تكون المعلومات التي وافتني بها عيوننا دقيقة وصحيحة.. |
معاوية: أيخامرك شك فيها.. |
رويفع: لا.. ولكني دائماً - كما تعرف - في جانب الحذر والحيطة.. |
معاوية: تلك هي أخلاق القائد الماهر.. |
رويفع: شكراً يا بن خديج على إطرائك الذي تغمرني به في كل حين.. |
معاوية: لم أقل إلا حقاً.. |
رويفع: الشيء الذي كنت أنتظره هو.. |
معاوية: هو ماذا؟ |
رويفع: أن تواكب حملة ابن ابي سرح قوة بحرية.. |
معاوية: قوتنا البحرية يا رويفع ناشئة وإمكاناتها ضعيفة بالنسبة لإمكانات الروم ثم.. |
رويفع: ثم ماذا؟ |
معاوية: ينقصها البحريون المسلمون المتمرسون قتال البحر.. لقد وجهت نفس السؤال إلى ابن أبي سرح فكان جوابه كما قلت لك.. |
رويفع: ولكن التجارب هي التي تصنع الرجال.. والقتال في البحر هو الذي سوف يوجد لدينا بحريين أصحاب مواهب وكفايات.. |
معاوية: إن ابن أبي سرح عنده سياسة وحنكة.. |
رويفع: كيف يا بن خديج.. |
معاوية: لا يريد أن تتعرض قواتنا البحرية النامية لأي تضحيات كبيرة في بداية نشأتها مما قد يضطر الخليفة عثمان بن عفان على سحب موافقته على ركوب المسلمين البحر.. |
رويفع: للَّه دره ما أبعد نظره وأوسع اطلاعه.. إنه حقاً كما وصفته ذو حنكة وسياسة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت جرجير ملك الروم يقول): |
جرجير: ما هي آخر الأنباء يا ثيودور؟ |
ثيودور: جيش المسلمين.. |
جرجير: ماذا عنه؟ |
ثيودور: إنه يزحف صوب عاصمتنا ((قرطاجنة)).. |
جرجير: غريب وعجيب أمر هؤلاء المسلمين إنهم لا يهابون الموت إنهم يستهينون بأرواحهم.. ويسترخصونها في ميادين الحرب.. |
ثيودور: ذلك لأنهم يعتقدون أن من يموت منهم في الحرب فهو شهيد والشهيد موعده الجنة كما أخبرهم قرآنهم ونبيهم.. |
جرجير: الآن أدركت السبب.. أدركت السبب.. لولا هذا ما أظن أن قائداً فيه ذرة عقل يجرؤ على مهاجمتنا وهو يعلم أن جيشنا عشرة أضعاف جيشه.. |
ثيودور: بالتضحية وحب الاستشهاد نجح المسلمون وانتصروا في المعارك التي خاضوها ضدنا وضد إمبراطورية الأكاسرة.. |
جرجير: أراك غير متفائل من نتيجة المعركة المنتظرة بيننا وبين المسلمين يا ثيودور.. |
ثيودور: لا يا سيدي ولكن شرحت سر نجاح المسلمين في المعارك التي دخلوا فيها في بلاد الشام وفارس.. |
جرجير: ولكن إفريقية تختلف عن الشام وبلاد فارس فهنالك وجد المسلمون من يساعدهم من إخوانهم العرب الذين كانوا تحت احتلال الروم والفرس.. |
ثيودور: صدقت يا مولاي الوضع هنا يختلف.. فالناس هنا كلهم معنا وليس في هذه الجهات أحد من العرب.. |
جرجير: وهذا ما يطمئنني على سير المعركة المقبلة بيننا وبينهم.. |
أجل يا ثيودور أجل.. سيلقى المسلمون من بلائنا ما تشيب له النواصي والإقدام.. |
ثيودور: بكل تأكيد.. بكل تكيد سيدي المليك.. |
جرجير: متى ترى أن القتال سيبدأ بيننا وبين المسلمين.. |
ثيودور: بمجرد دخولهم أراضينا وأرى.. |
جرجير: ترى ماذا؟ |
ثيودور: أن تكون المعركة في ((عقوبة)).. ألا يرى سيدي هذا الرأي أم يفكر في مكان آخر.. |
جرجير: ((عقوبة)) مكان يستطيع فيه فرساننا ومشاتنا التحكم في سير المعركة ومصيرها.. ولذلك فأنا معك في رأيك.. وأرجو أن تبرهن المعركة صدق رأينا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت جابر يقول): |
جابر: صدقت فراستك يا رباح فقد عهد ابن أبي سرح إلى رويفع بقيادة مقدمة جيشه وبالعسس على الجنود ليلاً.. |
رباح: إنه يستاهل هذا المركز فهو دائماً يقظ وحذر وحاضر البديهة.. |
جابر: ولكنه مركز دقيق وحساس يا رباح وإنني أرجو له التوفيق والنجاح.. |
رباح: يا رب.. يا رب.. |
جابر: وقد أصبح من الصعب علينا الالتقاء برويفع كلما شئنا.. أما اليوم فوقته ثمين ولقاؤه ليس بالهين ولا سيما إذا ما نشبت المعركة صباح الغد.. |
رباح: هل علمت بالخطة التي ستسير عليها معركة الغد يا جابر؟ |
جابر: أنَّى لي أن أعرف وجلَّ ما أعرف أننا في ميمنة جيش المسلمين الزاحف غداً صباحاً إلى قرطاجنة.. |
رباح: قرطاجنة عاصمة ملك الروم يقولون إنها مدينة بناها الفينيقيون وهم أصلاً من جنوب الجزيرة نزحوا إلى لبنان ومن هناك إلى إفريقية حيث أسسوا مدينة قرطاجنة.. |
جابر: وزالت دولتهم على أيدي الرومان.. |
رباح: أجل ولكنهم كما سمعتهم يتحدثون هنا إن الفينيقيين في قرطاجنة على أيام قائدهم ((هانيبال)) كادوا يحتلون روما.. |
جابر: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (آل عمران: 140). |
رباح: صدق الله العظيم.. |
جابر: أترى يعود إلى قرطاجنة سالف عزها ومجدها تحت لواء الإسلام.. |
رباح: ذلك ما نبتهل إلى الله تعالى أن يحققه.. |
جابر: هيا بنا نهجع يا رباح فعما قريب سيمر ((رويفع)) ليعسس ثم إن علينا أن نأخذ قسطاً من الراحة استعداداً لمعركة الغد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت سلمى تقول): |
سلمى: كيف نشاطك واستعدادك يا هند لمعركة الغد.. |
هند: على ما تحبين يا أختاه.. |
سلمى: ما هي تكهناتك عن معركة الغد؟ |
هند: لا أستطيع فأنا لم أتعاطى الكهانة ولا العرافة.. وجلَّ ما أتصوره هو أن معركة الغد سيكون من أعنف المعارك التي شهدناها حتى الآن يا سلمى.. |
سلمى: صدقت يا أختاه.. صدقت ولكني أخشى.. |
هند: تخشين ماذا؟ |
سلمى: أن تكون معركة طويلة الأمد.. |
سلمى: أعني أننا سنضطر إلى حصار العدو من جهة البر بينما البحر مفتوح له وبذلك يتحكم في مصير المعركة.. |
هند: إذا كانت مخاوفك على هذا الأساس فأنت على حق فيها ومن الصعب على قواتنا استدامة الحصار.. |
سلمى: وهذا هو هدف عدونا إذا ما لجأ إلى مثل هذه الحرب فقد يضطرنا إلى رفع الحصار عنه أو مثلاً.. |
هند: أو مثلاً ماذا؟ |
سلمى: كأن يقوم بهجوم مفاجىء علينا بعد أن نكون سئمنا أيام الحصار ولياليها فتقع الهزيمة لا قدر الله.. |
هند: لا قدر الله.. على كل حال.. |
سلمى: على كل حال ماذا؟ |
هند: لا بد وأن قائدنا ومساعديه قد حسبوا لكل هذه الأمور حسابها.. فلماذا نجهد أدمغتنا في أمور ليست من اختصاصنا.. |
سلمى: صدقت فغداً سينجلي الصبح لذي عينين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت معاوية يقول): |
معاوية: رويفع! رويفع! |
رويفع: نعم يا بن خديج.. |
معاوية: هل أنت مستعد لتنشب المعركة.. |
رويفع: بلى.. بلى.. وبإذن الله.. |
معاوية: إذن مر المنادي فليؤذن بالناس.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت المنادي يقول): |
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. إلى الأمام إلى الجهاد في سبيل الله.. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
|