الحلقة ـ 2 ـ |
رويفع: يوم أعز الله فيه الإسلام وأهل الإسلام.. فقد قضى الله فيه على عادة بشعة فرحم بذلك أرواحاً كانت تذهب ضحايا الشرك والكفر والإلحاد.. |
رباح: وهكذا أجرى النيل امتثالاً لأمر الواحد القهار وليس لعيني العروس التي كانت تزف إليه قبيل وفائه.. |
رويفع: هيا بنا.. |
جابر: إلى اين يا رويفع.. |
رويفع: أنسيتما؟ |
رباح: ربما.. |
فما سمي الإنسان إلا لنسيه |
ولا القلب إلا أنه يتقلب |
|
رويفع: التجهز لفتح برقة وطرابلس الغرب.. تحت لواء عمرو بن العاص.. |
جابر: يا إلهي وما أنسانيه إلا الشيطان.. |
رباح: بل كبر السن يا جابر.. |
جابر: وأنت يا رباح ما الذي أنساك؟ |
رباح: فرحتي الغامرة بانتصار الإسلام في هذا اليوم الخالد.. |
رويفع: اللَّهم ثبتنا على الإيمان.. وكبرنا في طاعتك يا أرحم الراحمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت سلمى تقول): |
سلمى: وهاهي أمنيتك تتحقق يا هند فترين مصر التي كنت تحلمين بها وترين رويفع قلبك والنور الذي تبصر به عيناك.. |
هند: الحمد لله يا سلمى على ذلك.. الحمد لله.. وأنت ألا تحمدين الله سبحانك وتعالى وقد أنعم عليك بزيارة مصر ورؤية (ياسر) في خير صحة وعافية.. |
سلمى: كيف لا يا هند وكل شيء فيه يسبح بحمد الله وشكره على آلائه ونعمه التي لا تحصى.. |
هند: كيف رأيت مصر يا سلمى.. |
سلمى: أجمل مما كنت أتصور وأتخيل يا هند.. وأنت.. |
هند: إنك تعبرين يا أختاه بما يخالج نفسي.. ولكن.. |
سلمى: ولكن ما أكثر ولكن عندك.. |
هند: أترانا سننعم بنوع من الاستقرار بجانب أزواجنا.. |
سلمى: إذا كنا حقاً نرغب في الاستقرار بجانب أزواجنا فعلينا.. |
هند: علينا ماذا؟ |
سلمى: أن نجاهد كما يجاهدون.. |
هند: ولكني لا أعرف استعمال أي نوع من السلاح.. |
سلمى: أمن الضروري أن يكون جهادك بالسيف والرمح والسهم.. |
هند: إذن كيف؟ |
سلمى: نسعف الجرحى ونداوي المرضى.. ونسقي المجاهدين.. |
هند: يا لغبائي.. كيف فاتني ذلك.. |
سلمى: جلَّ من لا ينسى يا هند.. |
هند: صحيح.. جلَّ من لا ينسى ولكن.. |
سلمى: ولكن ماذا؟ |
هند: كيف نضمن موافقة أزواجنا؟ |
سلمى: أما أنا فموقنة أن زوجي ياسر سيوافق على اشتراكي معه في أي ميدان يذهب إليه.. |
هند: وأما أنا فأخشى.. |
سلمى: تخشين ماذا؟ |
هند: ألا يوافق رويفع.. |
سلمى: لماذا؟ |
هند: ربما لأنه يخشى علي أن أصاب في إحدى المعارك.. |
سلمى: أيخشى عليك من الاستشهاد في سبيل إعلاء كلمة الله وهو يقاتل في سبيلها.. وأي منا لا يحب الاستشهاد في سبيل الله.. |
هند: لعلّي واهمة يا سلمى ومع ذلك فسأفاتحه فربما وافق إذا ما علم أن ياسر زوجك قد وافق على اشتراكك معه.. |
سلمى: ثقي أن زوجك رويفع سيرحب بذلك.. |
هند: كيف وصلت إلى هذا الاستنتاج؟ |
سلمى: إن عمرو بن العاص قد أخذ موافقة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على فتح برقة وطرابلس الغرب. وهذا يعني.. |
هند: يعني ماذا؟ |
سلمى: يعني فتح جبهة جديدة في بلاد جديدة يقولون عنها إنها واسعة شاسعة ولذلك فحاجة الجيش ستكون ماسة إلى مسعفات وممرضات.. |
هند: أعندك يا سلمى إلمام بالإسعاف والتمريض؟ |
سلمى: لا ولكني عند ما يوافق زوجي سيأخذونني إلى الأماكن التي يتدرب فيها النساء على ذلك.. |
هند: أهنالك أماكن خاصة للتدريب؟ |
سلمى: بلى.. بلى.. |
هند: إذن هيا بنا كل إلى زوجه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية تختلط بصهيل الخيل ووقع حوافرها وصليل السيوف وقعقعة السلاح نسمع بعدها صوت رباح يقول): |
رباح: جابر! جابر! |
جابر: ما بك يا رباح.. |
رباح: أأنا في اليقظة أم في المنام؟ |
جابر: بل في اليقظة وها أنت على ظهر جوادك أما تسمع وقع حوافره ولكن لم كل هذا؟ |
رباح: يخيل إلي يا جابر.. |
جابر: يخيل إليك ماذا؟ |
رباح: إننا في صحاري نجد ورمال الدهناء.. |
جابر: الحق معك يا رباح فطبيعة هذه البلاد من حيث الفيافي والصحاري تذكرنا ببلادنا.. |
رباح: أتراها صحاري وفيافي لا أول ولا آخر لها؟ |
جابر: لكل شيء آخر وهذا أول طريقنا إلى إفريقية.. |
رباح: أطريقنا إلى برقة وطرابلس الغرب ستكون كلها صحاري ورمال.. |
جابر: لا.. سنصل عما قريب إلى منطقة بها جبال وأشجار ومياه يطلقون عليها الجبل الأخضر. |
رباح: الجبل الأخضر.. |
جابر: نعم للخضرة والمياه والأشجار به.. |
رباح: وسكان هذه المناطق.. |
جابر: هم من البربر وهم سكانها الأصليون.. |
رباح: وما هي ديانتهم؟ |
جابر: أكثرهم وثنيون وقليل منهم نصارى.. |
رباح: إنك يا جابر على علم بالبلاد التي تدخلها الآن فمن أين لك ذلك؟ |
جابر: من رويفع؟ |
رباح: ورويفع من أين حصل على كل ذلك.. |
جابر: إنه منذ كنا بالشام - وكما تعرف - لا يذهب إلى مكان قبل أن يجمع معلومات عنه.. |
رباح: تعني أنه لا يضع قدمه إلا على أرض ثابتة.. |
جابر: أما أنت وأنا فكما تطوح بنا الرياح.. |
رباح: قل لي أين رويفع الآن.. هل هو في القلب مع عمرو بن العاص أو في الميمنة أو الميسرة. |
جابر: لا أدري ولكني أرجح أنه في الساقة.. |
رباح: كيف رجحت ذلك.. |
جابر: لأني أعلم أن زوجه هند مع الممرضات في الساقة وهو حريص على الاطمئنان عليها.. |
رباح: أهو كَلِف بها إلى هذا الحد؟ |
جابر: ربما وربما لأن زوجه تدخل لأول مرة في تجربة كهذه فهو يريد أن يشجعها ويشعرها بأنه معها في كل مكان.. |
رباح: خيركم خيركم لأهله.. صدق الرسول العظيم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت رويفع يقول): |
رويفع: كيف أنت ومن معك يا هند.. |
هند: بخير يا رويفع.. |
رويفع: وسلمي أين هي؟ |
هند: إنها هناك تسعف أحد الجنود وقد كنت أساعدها فلما رأتك قادماً إلينا طلبت إلى أن ألاقيك.. |
رويفع: كيف وجدت التجربة الجديدة؟ |
هند: حتى الآن لم أدخل في دور التجربة لأن المعركة لما تبدأ بعد.. |
رويفع: ولكنك مقبلة عليها فجر غد بإذن الله.. |
هند: فجر الغد يا رويفع..؟ |
رويفع: أجل.. أجل.. ما بك؟ أراك اضطربت.. |
هند: لا.. ولكن لكل شيء جديد هزة.. |
رويفع: أرجو أن تكون هزة الشجاعة يا هند.. |
هند: وهل يخامرك شك في شجاعتي؟ |
رويفع: لا.. ولكن كما قلت لكل تجربة هزة.. |
هند: آه يا رويفع؟ |
رويفع: ولم تتأوهين يا هند؟ |
هند: ليتني حذقت الطعن ورمى السهام.. |
رويفع: أيام الجهاد طويلة يا هند.. ونحن الآن في بداية طريقها الطويل وستتعلمين وسوف تصبحين - من يدري - من أحذق الراميات والطاعنات.. |
هند: الطاعنات بالرماح وليس في السن أليس كذلك..؟ |
رويفع: كم أنا مسرور بهذه العبارة يا هند.. لأنها تدل على أن هزة التجربة الجديدة قد زالت وإلى غير رجعة.. والآن.. |
هند: والآن ماذا؟ |
رويفع: أتركك لتساعدي سلمى في مهمتها وأذهب أنا لتلقي تعليمات عمرو بن العاص عن معركة الغد.. |
هند: إلى اللقاء على ساحة الشرف والكرامة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت رباح يقول): |
رباح: كيف وجدت معركة (برقه) يا جابر؟ |
جابر: أتعدها معركة..؟ |
رباح: لا.. يا جابر لأنها ما كادت تنشب حتى طلب أهلها الصلح.. |
جابر: إذن فقد كانت فسحة لنا.. |
رباح: وأي فسحة.. لقد استمتعنا بمناظر الجبل الأخضر الخلابة ومياهه العذبة وأشجاره الباسقة.. ولا أدري.. |
جابر: ولا تدري ماذا؟ |
رباح: هل معركة طرابلس الغرب ستكون مثل معركة برقة؟ التي ارتضى أهلها الصلح ودفع الجزية.. |
جابر: لا أستطيع الجزم ولكن المعلومات التي استقبلتها من رويفع تدل على أن البربر قد استعدوا لها.. |
رباح: أترانا سيدخل في تجارب جديدة من أيام وليالي الحصار كالتي مرت بنا في بلاد الشام.. |
جابر: على كل حال التجارب الجديدة لها لذتها وطعمها ولعلّ تجاربنا في حصار طرابلس الغرب ستختلف عما سبقها من تجارب.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت سلمى تقول): |
سلمى: يمكنك الآن يا هند أن تقولي إنك دخلت في معركة.. |
هند: أية معركة وأنا لم أستقبل جريحاً أو أحمل قرية وأسقي المقاتلين.. |
سلمى: على كل حال كنت في حالة حرب وإن لم تكن هنالك حرب بالمعنى المفهوم من الحرب والقتال.. على كل حال.. |
هند: على كل حال ماذا؟ |
سلمى: ربما تكون معركة طرابلس الغرب أشد من معركة برقة يا هند. فالشائعات تقول إن العدو قد حشد لها كثيراً وأعدَّ نفسه لها إعداداً كبيراً.. |
هند: لا يستبعد يا سلمى فطرابلس الغرب على البحر ولا شك أن الروم قد مدوا البربر فيها بالسلاح والعتاد.. |
سلمى: الشيء الذي أخشاه يا هند هو.. |
هند: هو ماذايا سلمى. |
سلمى: هو أن يقف أهل طرابلس الغرب موقف المدافع.. وعندها نضطر إلى حصارهم ولا يعلم سوى الله كم سيدوم ذلك الحصار.. |
هند: لا شك أنه سيطول لأن طرابلس الغرب مفتوحة من البحر وليس لدينا أسطول نمنع به أي تموين أو عتاد أو سلاح يبعث به الروم إليها.. |
سلمى: يا سلام يا هند.. أراك بدأت تتفهمين سير المعارك.. |
هند: إنني أغترف من معينك يا سلمى.. على كل حال فقد يأتي ما ليس في الحسبان وتنتهي معركة طرابلس الغرب كما انتهت معركة برقه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت معاوية بن خديج السكوني يقول): |
معاوية: لقد طال حصارنا لمدينة طرابلس الغرب يا رويفع.. |
رويفع: أجل يا ابن خديج فقد مضى شهر ونحن نحاصر طرابلس الغرب من هذه الجهة والبربر يدافعون عن مدينتهم بكل شدة وضراوة.. |
معاوية: ما رأيك؟ |
رويفع: في أي شيء.. |
معاوية: لو خرجنا للصيد فقد اشتهيت صيد الغزال.. |
رويفع: وإن لم نجد غزلاناً.. |
معاوية: نصطاد سمكاً من البحر.. |
رويفع: أتريد أن نذهب وحدنا أم نأخذ من يريد من أصحابنا.. |
معاوية: لا بأس.. لا بأس.. |
رويفع: ألا نأخذ معنا بعض النساء لطهو ما سنصطاد.. |
معاوية: إنك تريد ألا تفوت هند أية فسحة.. ولكن هلا دعوت معهما بعض أخواتها لمساعدتها وللتنزه أيضاً معها فساحل البحر جميل.. |
رويفع: سأترك لهند دعوة من تختار من صويحباتها.. |
معاوية: حسناً.. عجل.. |
رويفع: أنا ذاهب.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رباح يقول): |
رباح: ما أروعها فكرة تلك التي جاء بها معاوية بن خديج السكوني.. أنظر ما أجمل طريقنا.. |
جابر: ولكني لا أرى أثراً للغزلان.. |
رباح: لقد هربت منذ وطئت جيوشنا هذه الديار.. |
جابر: سنستعيض عن ذلك بصيد السمك.. أتجيده يا رباح.. |
رباح: وأنىَّ لساكن طيبة أن يعرف صيد الحيتان.. على كل حال سأرمي بصنارتي مع الرامين.. |
(وفجأة يصرخ معاوية بن خديج قائلاً): |
معاوية: يا قوم! أنظروا إن سور مدينة طرابلس الغرب غير متصل بالبحر فمن يبايعني على الموت وندخل المدينة من هذا الجانب المفتوح.. |
اصوات: كلنا نبايعك على الموت سر بنا والله معنا.. |
(نقلة صوتية نسمع بعدها صوت سلمى تقول بين أصوات التهليل والتكبير): |
سلمى: لقد دخلنا معركة لم تكن على البال ولم نحسب لها أي حساب.. أردنا الصيد وأراده الله لنا الحرب.. هيا يا هند فالمعركة تتطلب استعمال السيف والرمح فهل أنت مستعدة.. |
هند: لا عليك فسيفي ها هو بيدي ومعي أيضاً على إحدى الدواب أدواته الإسعاف هيا.. |
سلمى: انظري يا هند ها هو جيش عمرو بن العاص وقد سمع التهليل والتكبير يسرع إلينا.. وها هي طلائع فرسانه تدخل.. |
(أصوات الله أكبر.. الله أكبر.. تختلط بموسيقى نسمع بعدها صوت هند تقول): |
هند: الله أكبر وهذا أول علج من الروم أرديه قتيلاً.. |
سلمى: لا شلت يمينك يا هند.. |
(نسمع قعقعة السلاح وطراء الخيل وسقوط القتلى ثم صوت المنادي يقول): |
المنادي: يا معشر المسلمين أميركم عمرو بن العاص يطلب إليكم الكف عن القتال بعد أن طلب العدو الصلح ورفع راية التسليم.. |
هند: الحمد لله على نصره المبين.. |
سلمى: الحمد لله.. الحمد لله.. |
|