الحلقة ـ 11 ـ |
ملكشاه: ليت الشاعر جرير بيننا الآن.. |
بركوزار: ماذا عسى أن يقول.. |
ملكشاه: |
كتب القتل والقتال علينا |
وعلى الغانيات جر الذيول |
|
(يضحكون وتقول خاتون): |
خاتون: إن جريراً يا مولاي قد تجنى على المرآة المسلمة بوصفها أنها خلقت لجر الذيول والتاريخ حافل بسيدات امتشقن الحسام في سبيل إعلاء كلمة الله.. |
بركوزار: يظهر يا مولاي أن جريراً هذا جاهل بالتاريخ.. فلم يقرأ موقف أم أيمن وأم سلمى يوم أحد وحنين وخولة بنت الأزور في معارك فلسطين وأم حرام التي ركبت البحر واستشهدت في سبيل إعلاء كلمة الله.. وغيرهن.. |
خاتون: والعصر الأموي الذي عاش فيه جرير يحفل بأسماء سيدات مسلمات لعبن دوراً كبيراً في الفتوحات الإسلامية في شمالي افريقيا.. |
ملكشاه: إنني مسرور جداً أن يكشف لي بيت الشاعر جرير عن بيوت من العلم والأدب والمعرفة ما كنت سأهتدي إليها لولا قول جرير.. |
بركوزار: يا مولاي.. |
ملكشاه: قولي يا بركوزار.. |
بركوزار: هل لنا بعد شمولك إيانا بهذا الإطراء والمديح أن نطمع في مزيد من المعرفة عن مهمة وفد قيصر الروم.. |
ملكشاه: بشرط.. |
بركوزار: ما هو يا مولاي..؟ |
خاتون: وأنا أقول مع بركوزار ما هو يا مولاي..؟ |
ملكشاه: الكتمان.. |
خاتون: هل نقسم لك على ذلك..؟ |
ملكشاه: وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ تكفيني كلمة الوعد. |
خاتون وبركوزار: نعدك يا مولاي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى الرحيل نسمع بعدها صوت انوشتكين يقول): |
انوشتكين: ما أصعب الفراق يا نظام الملك.. أرأيت آلامه في وجه تتش خاقان الترك وهو يودعنا ولا يستطيع حبس دموعه.. |
نظام الملك: ونحن يا أنوشتكين لم نتمالك دموعنا فأسبلناها ونحن نودعه.. إنه نعم الأخ المسلم الغيور على دينه الصادق الوفي.. |
انوشتكين: حتى السلطان ملكشاه وإن كان أكثرنا تجلداً إلا أن محياه كان يلتهب بحرقة الفراق.. |
نظام الملك: لعمري كانت فترة من أجمل فترات العمر تلك التي قضيناها بين الترك والتركمان.. |
انوشتكين: لقد بادلونا حباً بحب ووداً بود من دون مجاملة أو رياء.. |
نظام الملك: ذلك لأنهم اعتنقوا الإسلام بصدق وإخلاص واقتناع فطهر قلوبهم ونفوسهم من أدران الخبث والوباء وارتفع بهم إلى القمة من مكارم الأخلاق.. |
انوشتكين: لقد أحببت هؤلاء القوم حباً لا أستطيع وصفه.. |
نظام الملك: إنهم أهلك يا انوشتكين فأبآؤك جاؤوا إلى بغداد من هذه الجهات.. |
انوشتكين: ولا شك أن هذا هو ما يشدني إليهم بصورة خاصة.. |
نظام الملك: والمعاملة الحسنة والترحيب الأخوي كل أولئك من العوامل التي حبَّبتْ هؤلاء القوم إليك وإلينا.. |
انوشتكين: فإنني يا نظام الملك من شدة آلام الفراق أن أقول لك.. |
نظام املك: قل يا أخي قل.. |
انوشتكين: عندما كان خاقان الترك يودعني همس في أذني قائلاً.. |
نظام الملك: ماذا قال..؟ |
انوشتكين: أرجو تذكير نظام الملك بوعد السلطان ملكشاه فإنني أخشى أن ينسانا في زحمة الأعمال والمسؤوليات الملقاة على عاتقه.. |
نظام الملك: ثق أن أول عمل أفعله بعد عودتي إلى بغداد سالماً بإذن الله هو تنفيذ ما أمر به السلطان ملكشاه.. ومع ذلك.. |
انوشتكين: ومع ذلك ماذا؟ |
نظام الملك: لا تنسى أن تذكرني فإنها وصية الرجل الطيب خاقان الترك لك.. |
انوشتكين: سافعل إن شاء الله.. إن شاء الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت بركوزار تقول): |
بركوزار: أرأيت يا خاتون الاستقبالات الرائعة التي يقابل بها السلطان ملكشاه في كل مكان.. إنها تعبير عما تكنه له هذه الشعوب من المحبة والولاء.. |
خاتون: أرجو أن يكون تعبيراً صادقاً يا ابنة العم فالخوف يتملكني من هذه الاستقبالات.. |
بركوزار: كيف ولماذا؟.. |
خاتون: أخشى أن يندس أحد الباطنية بين المستقبلين.. |
بركوزار: ولكن عناية الله تحوطه ثم هنالك سيل من الحرس ويقوده زوجي انوشتكين.. |
خاتون: ولكن الباطنية يعرفون كيف يتسللون ويلبسون لكل جريمة لباسها. |
بركوزار: هذا صحيح.. ولكن هذه الشعوب تكره الباطنية وتحاربها حرباً لا هوادة فيها فقد ذاقت من ويلاتها الشيء الكثير.. |
خاتون: هذه الكراهية تطمئني بعض الشيء غير أني ما أزال أتوجس بل أحسب حساباً كبيراً لمكائد الفاطميين.. |
بركوزار: سلطان الفاطميين لا يمتد إلى هذه الجهات.. نعم أنا معك إن بها أوكاراً للباطنية والفِرَقة المنحرفة ولكن الله لهم بالمرصاد.. |
خاتون: الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ميشو الرومي يقول): |
ميشو: مشاهد رائعة من الاستقبال والحفاوة بالسلطان ملكشاه طوال الطريق إلى بغداد.. |
انوشتكين: إنها تظاهرات الفرحة والمحبة والولاء للسلطان ملكشاه يا ميشو.. |
ميشو: ما كنا نتصور أن تكون للسلطان ملكشاه هذه الشعبية في مملكته المتعددة الأمم والأجناس.. |
انوشتكين: ولكن السلطان ملكشاه عدل فملك قلوب هذه الأمم المتعددة.. |
ميشو: صدقت فالعدل أساس الملك.. |
انوشتكين: لعلّكم لم تندموا على عودتكم في ركاب السلطان ملكشاه.. |
ميشو: كنا في الحقيقة سنندم لو لم تتح لنا هذه الفرصة الذهبية التي سنظل نتحدث عنها ما حيينا.. |
انوشتكين: لقد أحب السلطان حين طلب إليكم مصاحبته في عودته أن تطلعوا عن كثب على بلاده ومدى رقيها وازدهارها.. |
ميشو: وتعلق شعوبها بشخصه المحبوب.. لعمري أنها مشاهد مؤثرة سوف ننقلها إلى مولاي القيصر.. |
انوشتكين: وستزداد المشاهد روعة كلما اقتربنا من بغداد.. |
ميشو: متى ينتظر أن نصل إلى بغداد.. |
انوشتكين: كان يجب أن نكون في بغداد قبل أيام وكأن الاستقبالات التي يقابل بها السلطان ملكشاه سوف تعيق وصوله اياماً أكثر من المقرر.. |
ميشو: لو الأمر بيدنا كنا تمنينا أن تطول أيام الرحلة حتى نستمتع بهذه المناظر الخلابة.. |
انوشتكين: على كل حال ما تزال أمامنا مراحل ومراحل سوف نقطعها قبل أن نصل إلى بغداد.. |
ميشو: إذن فسنستمتع بمزيد من المناظر والمشاهد الجميلة الباهرة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت بركوزار تقول): |
بركوزار: غريب وعجيب يا خاتون.. |
خاتون: ما هو يا بركوزار؟ |
بركوزار: وفاء قيصر الروم.. |
خاتون: إنه يرد جميل السلطان إلى أرسلان والد السلطان ملكشاه من جهة ومن جهة أخرى.. |
بركوزار: من جهة أخرى ماذا؟ |
خاتون: يريد مساندة السلطان ملكشاه هذا الزحف الصليبي الذي يتهدد بلاده قبل بلادنا.. |
بركوزار:ولكن التجمع الصليبي كما جاء في رسالة قيصر الروم يستهدف تخليص بيت المقدس من أيدي - السلاجقة.. لأنهم يدعون أن المسلمين يسيئون معاملة الحجاج المسيحيين.. |
خاتون: هذا ما ذكرته الرسالة.. وهو افتراء وكذب محض ولكن.. |
بركوزار: ولكن ماذا؟ |
خاتون: الغريب والعجيب في رسالة القيصر أنه أخبر ملكشاه بعزم أربان الثاني بابا المسيحيين السفر إلى فرنسا وإنجلترا لتأليب ملوكها ضد المسلمين.. |
بركوزار: على كل حال عمل من قيصر الروم يشكر عليه ولكن.. |
خاتون: ولكن ماذا يا بركوزار؟ |
بركوزار: أتظنين هجوم الصليبيين على بلاد المسلمين قريب الوقوع.. |
خاتون: لا أظن.. |
بركوزار: لماذا؟ |
خاتون: ذلك لأن المسلمين بل قولي السلاجقة المسلمون في عنفوان قوتهم ووحدتهم.. والهجوم متوقع.. |
بركوزار: متوقع متى؟.. |
خاتون: عندما لا سمح الله يضعف السلاجقة وينقسمون على أنفسهم أما إذا ظلوا متماسكين متحدين - فهجوم الصليبيين فاشل لا محالة.. |
بركوزار: أرى يا ابنة العم.. |
خاتون: ترين ماذا؟ |
بركوزار: أن يقوم السلطان ملكشاه بمشاورات واتصالات لبذر بذور الخلف بين الصليبيين ولا شك أنه سيجد بينهم من يستطيع إغراءه بالمال ليقوم بذلك.. |
خاتون: ربما فكر السلطان ملكشاه في هذا الأمر.. من يدري؟ |
بركوزار: في الحقيقة هذا التجمع الصليبي يقلقني كثيراً ذلك لأني أرى أبعاد خطره على العالم الإسلامي.. |
خاتون: اللَّهم فرق شملهم واصرف عنا كيدهم برحمتك يا أرحم الراحمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت نظام الملك يقول): |
نظام الملك: كيف حال رسل قيصر الروم يا انوشتكين؟ |
انوشتكين: إنهم مسرورون بهذه الصحبة ومفتونون بمشاهد الاستقبالات الباهرة التي يقابل بها السلطان ملكشاه.. |
نظام الملك: لا شك أنها تركت انطباعات قوية في نفوسهم.. |
انوشتكين: أجل يا نظام الملك.. إنهم يقولون ما كنا ننتظر أن نرى مثل ذلك.. |
نظام الملك: إذن فهي فرصة ذهبية لهم.. |
انوشتكين: بكل تأكيد.. بكل تأكيد.. وقد أخبروني أنهم سوف ينقلون ما شاهدوه إلى قيصر الروم.. |
نظام الملك: عسى أن يصدقوا فيما ينقلون.. |
انوشتكين: حماسهم يدل على مبلغ تأثرهم بما شاهدوا.. |
نظام الملك: علينا ألا ننخدع من أعدائنا بمثل هذه المظاهر يا انوشتكين فقد علمتنا الأيام أن نكون جد حذرين.. |
انوشتكين: هذا صحيح ولكن.. |
نظام الملك: ولكن ماذا؟ |
انوشتكين: ميشو رئيس وفد القيصر.. |
نظام الملك: ماذا عنه.. |
انوشتكين: إن عنده ميولاً إسلامية وأنه واسع الاطلاع.. |
نظام الملك: هذا ما يخيف يا انوشتكين.. |
انوشتكين: كيف..؟ |
نظام الملك: ميوله الإسلامية وإطلاعه الواسع يدلان على أنه من كبار رجال القيصر وقد أرسله لينقل إليه أوضاع السلطان ملكشاه وأوضاع رعاياه المسلمين.. ثم.. |
انوشتكين: ثم ماذا؟ |
نظام الملك: ميوله الإسلامية هي الطعم الذي يضعه الصياد الماهر لاصطياد السمكة.. |
انوشتكين: وأنا السمكة أليس كذلك؟.. |
نظام الملك: لا أظنك من الغفلة بحيث تبتلع السنَّارة.. |
انوشتكين: صدق من سماك بالوزير الحكيم.. |
نظام الملك: إنها التجارب يا انوشتكين هي التي تصقل الإنسان.. وتجعله يحسب لكل خطوة يخطوها حسابها.. |
انوشتكين: ما رأيك يا نظام الملك..؟ |
نظام الملك: في أي شيء..؟ |
انوشتكين: سأقوم بهذه التجربة.. |
نظام الملك: ما هي..؟ |
انوشتكين: سألفق أشياء ضد السلطان ملكشاه عند لقائي لميشو رئيس وفد القيصر وعندها سأتبين مدى دهائه وخبثه.. |
نظام الملك: أفعل وكن حذراً فهؤلاء الناس لهم ذكاء خارق وفطنة عجيبة.. |
انوشتكين: سأتقيد بما تقول.. |
نظام الملك: حظ سعيد يا انوشتكين.. |
انوشتكين: شكراً يا نظام الملك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت ملكشاه يقول): |
ملكشاه: خاتون ترك أين أنت..؟ |
خاتون: هنا يا مولاي.. |
ملكشاه: أأنت وحدك؟ |
خاتون: لم أكن وحدي.. |
ملكشاه: مع من.. |
خاتون: مع الكتاب.. وخير جليس في الأنام كتاب.. |
ملكشاه: افرم خاتون افرم.. |
خاتون: مولاي السلطان.. |
ملكشاه: نعم يا خاتون.. |
خاتون: أرى نظام الملك يستعجل الخطو في طريقه إليك.. |
ملكشاه: خيراً إن شاء الله. |
|