الحلقة ـ 5 ـ |
مالك: صدق الله العظيم.. |
(يدخل عبد الرحمن وهو يقول): |
عبد الرحمن: السلام عليكما.. |
عمير ومالك: وعليك السلام يا عبد الرحمن؟ |
مالك: تعال أقبلك يا بطل.. تعال.. |
عبد الرحمن: بل البطل أنت يا خالي فقد مهدت للنصر باستدراجك العدو للدخول في المعركة.. |
مالك: الولد سر أبيه يا عمير.. |
عمير: وخاله أيضاً فالحديث الشريف يقول بما معناه تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس وقد أحسنت الاختيار فكانت هذه البذرة الصالحة والحمد لله.. |
مالك: الحمد لله.. قل لي يا عبد الرحمن كيف كانت معركتكم؟ |
عبد الرحمن: كانت قاسية يا عماه فقد كان المد شديداً وكنا ندخل في قنوات وجداول لا أثر للنور فيها.. بالإضافة إلى ما كنا نصادف من قاذورات وأوساخ وأوحال.. |
عمير: ولكنها كانت تجربة مفيدة لك يا بني؟ |
عبد الرحمن: بلى يا أبتاه وقد خرجت بحصيلة طيبة من التجارب التي يندر الحصول عليها.. |
مالك: وماذا عن صحبك؟ |
عبد الرحمن: الغواصون كانوا يعرفون طريقهم فلم يجدوا صعوبة كبيرة.. أما أنا ومعي نفر من الفتيان فقد واجهنا متاعب التجربة الجديدة.. |
عمير: لقد كنت أخشى أن يكون العدو قد حشد على جوانب تلك القنوات والجداول حراساً أشداء.. |
عبد الرحمن: لم نجد والحمد لله أحداً على جوانب القنوات والجداول ولكننا وجدنا الحراس في أماكن أخرى فكانت مفاجأة لهم أن يرونا على تلك الحال المرعبة وكأننا أشباح خرجت إليهم.. |
مالك: وهكذا أذهلتهم المفاجأة فالقوا بسلاحهم ولكن كيف بدلتم ملابسكم فيما بعد؟ |
عبد الرحمن: لم نبدلها إلا بعدما احتلينا أسوار المدينة وهللنا وكبرنا ثم تناولنا بعد ذلك في تغيير ملابسنا.. |
مالك: ألم تبتل ملابسكم وأنتم تخوضون تلك القنوات والجداول؟ |
عبد الرحمن: كانت الملابس معبأة في أكياس محكمة من الجلد ومشدودة على ظهورنا فلم يصلها شيء من الماء.. |
مالك: وماذا بعد مدينة قرقيساء يا عمير.. |
عمير: نقوم بتطهير حصون الفرات من الحاميات الرومية حتى نصل بلدة عانات حيث ننتظر أوامر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.. |
مالك: والآن.. |
عمير: فليذهب كل منا إلى مكانه لنأخذ قسطاً من الراحة والاستجمام بعد ذلك الجهاد العنيف.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنه تقول): |
مزنه: كيف وجدت مدينة قرقيساء يا أماه.. |
نائلة: جميلة يا بنيتي ومياهها غزيرة ومناظرها خلابة.. |
مزنه: أليست أجمل من مدينة رأس عين؟ |
نائلة: إن لم يكن في مدينة رأس العين أحد غيرك يا مزنه لكفاها أن تكون أجمل وأحسن مدينة في الجزيرة فكيف وفيها ما فيها من عيون وزروع وقصور ومنتزهات وآثار.. إنها أبدع من قرقيساء أقولها من دون مجاملة لك.. |
مزنه: شكراً لك يا أماه.. شكراً.. |
نائلة: يظهر أنك تعرفين مدينة قرقيساء من قبل يا مزنه.. |
مزنه: بلى.. بلى.. كنت أزورها مع والدي.. فأمي من أهل هذه المدينة.. |
نائلة: إذن فأهل قرقيساء أخوالك؟ |
مزنه: أجل.. أجل.. ولعلّك رأيت ترحيبهم بي ولا سيما خالتي ((فتانه)) التي هي بمثابة أمي التي احتسبتها منذ عشر سنوات.. |
نائلة: حقيقة خالتك ((فتانه)) اسم على مسمى.. لقد تقدمت بها السن ومع ذلك فما تزال تحتفي بجمالها الساحر.. |
مزنه: إنها تشبه والدتي كان من يراهما يظن لأول وهلة أنهما توأمتان.. |
نائلة: من هنا كان جمالك الباهر ما شاء الله سبحان من خلق.. |
مزنه: شكراً يا أماه على هذا الإطراء.. |
نائلة: وخالتك ((فتانه)) ألم تستطيعي إقناعها بالدخول في الإسلام.. حرام على هذا الجمال أن يتعرض لنار جهنم.. |
مزنه: كانت مدة اللقاء بسيطة فلم أتمكن من مفاتحتها فعسى أن تأتي ظروف أخرى أوسع.. هذا إذا لم نفاجأ.. |
نائلة: نفاجأ بماذا؟ |
مزنه: برحيل سريع من هنا فعمي عمير قد عودنا على مفاجأته.. |
نائلة: لا أظن يا بنيتي فالجنود بحاجة إلى راحة بعد المعارك التي خاضوها في مدينتي رأس عين وقرقيساء.. |
مزنه: عسى أن يطول مقامنا قليلاً هنا فلعلّي أستطيع إدخال بعض أهلي وأقاربي في هذا الدين الحنيف.. |
نائلة: ليتك تفعلين فتنالي من الله الأجر والمثوبة.. قولي يا مزنه.. |
مزنه: تفضلي يا أماه.. |
نائلة: لقد رأيت مقابلة نساء هذا البلد لنا مقابلة ودية فهل هذا ود صادر من القلب أو هو تظاهر المغلوب للغالب.. |
مزنه: ثقي أنه ود صادر من القلب.. فالمعاملة الحسنة التي لقيها أهل هذه المدينة من المسلمين ولا سيما عدم سبي نسائهم وأولادهم أو نهب أموالهم ومصادرة أراضيهم كل ذلك كان له رد فعل حسن في نفوسهم.. |
نائلة: هذه هي سماحة الإسلام يا بنيتي وهذه هي أسباب سموه على بقية الأديان السماوية الأخرى.. |
مزنه: صدقت فهذا ما سمعتهم يتحدثون به في هذه المدينة.. إنهم يقارنون المعاملة السيئة التي يلقونها من المسلمين ثم.. |
نائلة: ثم ماذا؟ |
مزنه: الروم نصارى مثلهم ومع ذلك فمعاملتهم لهم مثل معاملة العبيد والأرقاء.. استعلاء وكبرياء وتمييز وتعريف بينما في الإسلام الناس سواسية كأسنان المشط.. |
نائلة: بسم الله الرحمن الرحيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.. صدق الله العظيم (الحجرات: 13).. |
مزنه: صدق الله العظيم.. |
(يدخل عبد الرحمن والموسيقى مصاحبة وهو يقول): |
عبد الرحمن: أين كنتما؟ |
نائلة: كنا حيث كنت.. |
عبد الرحمن: بمدينة قرقيساء.. |
مزنه: بلى.. يا عبد الرحمن.. بلى.. |
عبد الرحمن: لعلّك أعجبت بما شاهدت يا أماه.. |
نائلة: كل الإعجاب وقد طافت بي مزنه على معالم المدينة بصحبة خالاتها وبنات خالاتها.. |
عبد الرحمن: إذن فقد شاهدت من المدينة أكثر منا.. |
نائلة: وتعرفت على أقارب مزنه.. |
عبد الرحمن: هؤلاء أقاربك يا مزنه الذين كنت تقولين لي عنهم قبل أن نفتتح قرقيساء وكنت قلقة على مصيرهم.. |
مزنه: أجل.. أجل.. ولا سيما خالتي ((فتانه)).. |
عبد الرحمن: عسى أنهم لم يتضرروا من القتال الذي دارت رحاه.. |
مزنه: لا يخلو الأمر فقد قتل منهم قسم وجرح القسم الآخر ولكن الإصابات بينهم لم تكن على مستوى الفداحة التي كانت بين بقية سكان المدينة.. الآخرين.. |
عبد الرحمن: لو امتدت المعركة لكان ضررهم أكثر.. ولكن الله قدر ولطف.. فانتهت بتلك السرعة المذهلة.. |
مزنه: الفضل لله ثم لأبيك ولك يا بطل.. |
عبد الرحمن: إنك تثيرين غروري يا مزنه وأنا أحذر الغرور.. |
نائلة: ولكنها الحقيقة يا بني.. |
عبد الرحمن: حتى أنت يا أماه.. |
نائلة: لقد كنت ومزنه نعيش على أعصابنا ولا سيما وأنت تدخل لأول مرة في معركة من هذا القبيل.. |
عبد الرحمن: ولكن الله سلم.. |
مزنه: ولله الحمد والشكر أولاً وآخراً.. |
(يدخل عمير وهو يقول): |
عمير: السلام عليكم.. |
الجميع: وعليكم السلام.. |
عبد الرحمن: والدي أهلاً ومرحباً بك.. |
مزنه: طاب يومك يا عماه.. |
عمير: كيف أنت يا مزنه لعلّك مسرورة بالأيام التي تقضينها في هذا البلد.. |
مزنه: أجل يا عماه أجل ولا سيما وقد كانت فرصة لي لرؤية إخواني في هذه المدينة.. |
عمير: ولا سيما خالتك ((فتانه)) أليس كذلك يا مزنه؟ |
مزنه: الله أكبر.. كيف عرفت ذلك يا عماه؟ |
عمير: القائد الذي لا يعرف أحوال رعيته يجب أن يتخلى عن مركز القيادة.. |
مزنه: صدقت.. ولعمري لأنت بحق القائد والراعي الصالح ولكن.. |
عمير: ولكن ماذا؟ |
مزنه: كيف وجدت خالتي يا عماه؟ |
نائلة: مزنه.. مزنه.. |
مزنه: نعم يا أماه.. |
نائلة: أراك تلعبين بالنار.. نحن هنا.. نحن هنا.. |
(يضحكون جميعاً بما فيهم عمير الذي يقول): |
عمير: هوني عليك يا نائلة فمنزلتك لا تصل إليها أية امرأة أخرى.. |
مزنه: هل طمأنك هذا الجواب يا أماه.. |
نائلة: إنني دائماً واثقة من عمير ولكن.. |
عمير: ولكن ماذا يا نائلة؟ |
نائلة: سوء الظن من أقوى الفطن.. |
عبد الرحمن: أنت هائلة يا أماه هائلة.. |
مزنه: عماه لقد قطعنا عليك حبل تفكيرك فهل كنت توشك أن تقول شيئاً.. |
عمير: بلى.. بلى.. |
عبد الرحمن: ما هو يا أبتاه.. |
عمير: مزنه.. |
مزنه: نعم يا عماه.. |
عمير: هل أنت على استعداد للقيام بمغامرة جديدة؟ |
(ويذهل الجميع السؤال فيقول عبد الرحمن): |
عبد الرحمن: مغامرة تقوم بها مزنه وحدها يا أبي.. |
عمير: إنني أسأل مزنه لا أنت يا عبد الرحمن.. |
مزنه: بكل تأكيد إذا كنت ترى أنت ذلك وزوجي عبد الرحمن.. |
عمير: بورك فيك.. بورك فيك.. |
مزنه: ولكن ما هي المغامرة وهل سأقوم بها وحدي يا عماه؟ |
عمير: لا.. |
مزنه: من سيكون معي؟ |
عمير: خالتك فتانه يا مزنه.. |
نائلة: ولماذا تزج فتانه في المغامرة يا عمير؟ |
عمير: يظهر أنك يا نائلة ما تزالين في شك من أمري.. أو لعلّك لا تعرفين أن فتانه متزوجة ولها أولاد في عمر مزنه وعبد الرحمن.. |
نائلة: ليس الشك يا عمير هو سبب تساؤلي.. |
عمير: بربك أتقولين ذلك من أعماق قلبك.. |
نائلة: أما وقد أقسمت علي فإن في سؤالي كان من هذا وذاك.. |
(يضحكون): |
عمير: والآن بعد هذا التوضيح.. هل وضعت تساؤلاتك وشكوكك في ماء بارد؟ |
نائلة: بلى.. بلى.. هات ما هي المغامرة.. |
عمير: أأعود فأكرر القول يا مزنه؟ هل أنت مستعدة؟ |
مزنه: من جهتي فأنا مستعدة ما دمت وزوجي موافقين.. ولكني غير متأكدة من جهة خالتي.. |
عمير: خالتك.. |
مزنه: نعم خالتي فتانه.. |
عمير: لقد أخذت موافقتها وموافقة زوجها أيضاً.. قبل أن آتي إليكم.. |
مزنه: الله أكبر.. الله أكبر.. قل يا عماه ما هي المغامرة..؟ قل فكلي آذان صاغية.. |
|