الحلقة ـ 4 ـ |
نائلة: وأنا أذهب معكم.. |
مزنه: ذلك لك يا أماه فنحن يسعدنا أن تكوني معنا في كل حين.. |
نائلة: بورك فيك يا بنيتي.. أذهبا على بركة الله فالموضوع موضوع حرب وقتال وأنا لا أعرف شيئاً فيها لو كانت تدبير منزل أو تمريض إنسان لرأيتماني في الطليعة.. |
عبد الرحمن: حسناً.. هل ستبقين حيث أنت أو تريدين الذهاب إلى مكان آخر.. |
نائلة: سأبقى مكاني بجانب بناتي وإخواني الممرضات فقد تندلع الحرب في أي حين.. |
مزنه: وتقولين يا أماه إنك لا تفقهين فنون الحرب.. إنه تواضع العالم الخبير.. |
نائلة: رافقتكما السلامة ووفقكما الله فيما تقصدان.. |
عبد الرحمن: وبارك الله لنا فيك أيتها الأم الرؤوم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت صفوان يقول): |
صفوان: طيباريوس! طيباريوس! |
طيباريوس: قادم في الحال يا صفوان.. |
(يدخل فيقول له صفوان): |
صفوان: أين كنت؟ |
طيباريوس: كنت أتتبع سير المغامرين الذين أرسلهم قائد حملة المسلمين لينشبوا القتال.. |
صفوان: ولكنهم قلة في العدد.. |
طيباريوس: بيد أنهم كثرة في الشجاعة.. |
صفوان: ماذا تقول؟ |
طيباريوس: لقد بعثت عدداً مثل عددهم فقضوا عليهم.. |
صفوان: تقول قضوا عليهم.. |
طيباريوس: وبسرعة مذهلة.. |
صفوان:يهمني أن تقضي عليهم ولو أدى الأمر إلى اشتراك جيشنا بكامله معهم.. |
طيباريوس: أخشى يا صفوان.. |
صفوان: تخشى ماذا؟ |
طيباريوس: أن تكون طلائع المسلمين مقدمة لاستدراج قواتنا لكشف استعدادها وعتادها أو جرها إلى معركة قد خططوا لها.. |
صفوان: فليعرفوا ما عندنا من قوة فإبادة المسلمين المغامرين ستلقن بقية جيشهم درساً لن ينسوه.. |
طيباريوس: أنا بأمرك يا صفوان.. بأمرك.. |
صفوان: مر قواتنا بالقضاء على هؤلاء المغامرين وبالاستعداد لدخول المعركة إذا لزم الأمر.. |
طيباريوس: حسناً سأنفذ الأوامر وعليك تحمل العواقب.. |
صفوان: ماذا تقول؟ |
طيباريوس: أقول إنني غير مسؤول.. |
صفوان: إنني اليوم أنا الآمر الناهي والقائد المسؤول وما عليك إلا تنفيذ أوامري.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عمير يقول): |
عمير: رأيك سديد يا مزنه وهذا ما قصدت من إرسال حملة مالك.. ولكن.. |
عبد الرحمن: ولكن ماذا يا أبتاه؟ |
عمير: هنالك جانب مهم يجب أن تقوم به أنت يا عبد الرحمن مع عاصم.. |
عبد الرحمن: ما هو يا أبي.. ما هو؟ |
عمير: إذا استطاع مالك أن يستدرج القوات الموجودة في قرقيساء إلى الدخول في معركة فعندها.. |
عبد الرحمن: عندها ماذا يا أبي.. |
عمير: تدخل أنت وعاصم مع الغواصين إلى المدينة عن طريق القنوات والجداول فتصبح قوات العدو بين نارين والفوز لمن صبر.. والله مع الصابرين.. |
مزنه: خطة رائعة بارعة يا أبي لم يخطر ببالي وأنا ابنة هذه الديار أننا في وقت فيضان دجلة والفرات وأن القنوات والجداول تطفح بالمياه ولا يخطر ببال حراس المدينة أن المسلمين سيخاطرون فيدخلون المدينة مع القنوات والجداول.. |
عبد الرحمن: وأين هؤلاء الغواصون؟ |
عمير: لقد وضعوا بالقرب من الأماكن القريبة من هذه القنوات والجداول فاذهب أنت وعاصم إليهم وعندما تريان أن المعركة قد نشبت توكلوا على الله وأدخلوا.. |
مزنه: وهل يجيد عبد الرحمن السباحة يا عماه؟ |
عمير: نعم يا مزنه.. حتى لو لم يكن بارعاً فيها فمياه الجداول والأقنية ليست من العمق الذي يتعرض معه من لا يجيد العوم للغرق.. |
مزنه: لو يسمح للمرأة بالاشتراك لاشتركت معك يا عبد الرحمن فإني أجيد السباحة فقد حذقتها على ضفاف الفرات.. |
عمير: لك دور يا مزنه لا يقل أهمية عن دور عبد الرحمن وصحبه؟ |
مزنه: ما هو يا عماه؟ |
عمير: قيادة الممرضات ونقلهن من جهة إلى أخرى إذا تطلبت المعركة.. |
مزنه: إنها مهمة شاقة يا عماه وإني لأرجو أن يقدرني الله على حمل المسؤولية وكسب ثقتك.. |
عمير: أين تركتما نائلة يا ولدي؟ |
عبد الرحمن: تركناها مع الممرضات لأنها تخشى اندلاع الحرب في كل حين فتكون بجانبهن لأداء الواجب.. |
عمير: إنها خير من يعرف الواجب ويقدر المسؤولية.. والآن.. |
مزنه: والآن ماذا يا عماه؟ |
عمير: سيروا كل إلى مكان عمله وأضرعوا إلى الله العلي القدير أن يمدنا بعونه ويؤيدنا بنصره المبين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت طيباريوس يقول): |
طيباريوس: لقد استطاع المغامرون المسلمون استدراج قواتنا الرئيسية إلى الدخول في المعركة التي كانوا قد خططوا لها وقدروها حق قدرها.. |
صفوان: ولكن قواتنا أبادت عدداً غير قليل من المغامرين المسلمين وها هي تلتقي بقوات المسلمين الرئيسية.. |
طيباريوس: وفي المكان الذي وقته قائد المسلمين البارع لها.. |
صفوان: سنرى من هو القائد البارع يا طيباريوس.. |
طيباريوس: صحيح.. فالمعركة ما تزال في بدايتها.. وأرى المسلمين ينسحبون لا شك أنه بناء على خطة مرسومة.. |
(ويقهقه صفوان قائلاً): |
صفوان: خطة مرسومة يا طيباريوس.. إنهم ينسحبون تحت وطأة ضربات قواتنا الزاحفة كالسيل الجارف.. |
طيباريوس: ولكني أرى قواتنا تبتعد عن أسوار المدينة وفيه ما فيه من الخطورة عند أي هجوم مضاد من المسلمين.. |
صفوان: أي هجوم مضاد يا طيباروس.. هذه مقدمات هزيمة المسلمين.. |
طيباريوس: ولكن ليس بهذه السهولة والسرعة المذهلة.. |
صفوان: إنها القوة.. القوة.. إلى الأمام يا جنودنا البواسل إلى الأمام.. |
طيباريوس: لا تغتر يا صفوان فقد يقتلك الغرور.. |
صفوان: وقد يقتلك الخوف والجبن يا طيباريوس.. |
طيباريوس: سنرى من منا على الصواب.. |
صفوان: سنرى.. سنرى.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عمير يقول): |
عمير: بورك فيك يا مالك.. بورك فيك.. لقد كنت موفقاً كل التوفيق في استدراج قوات العدو الرئيسية إلى الدخول في المعركة.. |
مالك: إنها قوات كبيرة يا عمير وقد كلفتنا عدداً من الشهداء.. |
عمير: لكل نصر ثمن.. والمعارك لا تكسب بدون ثمن.. |
مالك: ألا ترى أن الوقت قد حان للقيام بهجوم مضاد.. |
عمير: أريد أن أطمئن أولاً إلى أن فرق الغواصين قد بدأت عملها.. |
مالك: ألم يأتك نبأ عنها.. |
عمير: لقد اتفقنا على إشارة ولم تظهر بعد الإشارة.. |
مالك: ما هي..؟ |
عمير: سهام مغموسة في النفط تطلق في الجو وضوءها هو الإشارة.. |
مالك: انظر يا عمير.. انظر.. |
عمير: السهام.. السهام.. الحمد لله.. الحمد لله.. |
مالك: متى تصدر أمرك بالهجوم المضاد.. |
عمير: الآن.. بسم الله.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنه تقول): |
مزنه: احتدمت المعركة يا أماه.. والمسلمون يقومون بهجوم مضاد على الأعداء.. |
نائلة: وماذا عن عبد الرحمن وصحبه يا مزنه؟ |
مزنه: أما رأيت السهام المضيئة يا أماه؟ |
نائلة: بلى.. بلى.. ما معنى ذلك؟ |
مزنه: معناه أن عبد الرحمن ومن معه من الغواصين قد اقتحموا القنوات والجداول.. |
نائلة: يا إلهي.. إنها أصعب معركة وعبد الرحمن يدخلها لأول مرة ولكن عاصماً قد تمرس عليها من قبل.. |
مزنه: لا شك أن معركة القنوات: والجداول بها كثير من الخطورة ولا سيما إذا كانت جوانبها مليئة بالحراس ولكن.. |
نائلة: ولكن ماذا؟ |
مزنه: لا أظن العدو قد خطر بباله أن المسلمين سيغامرون بدخول المدينة من هذه القنوات والجداول.. |
نائلة: من يدري يا بنيتي.. من يدري.. فالروم هم الذين يقودون المعركة وعندهم خبرة بفنون الحرب ومتطلباتها ومفاجآتها.. |
مزنه: لا لزوم للقلق يا أماه فقد دخل عبد الرحمن ومن معه المعركة فابتهلي إلى الله لهم العون والنصر والتأييد.. |
نائلة: اللَّهم أيدهم وأيدنا بنصرك الذي وعدتنا إنك لا تخلف الميعاد.. |
قولي يا مزنه قولي.. |
مزنه: تفضلي يا أماه.. |
نائلة: كيف نعرف نجاح عبد الرحمن ومن معه؟ |
مزنه: عندما تسمعين التهليل والتكبير يرتفع من على أسوار مدينة قرقيساء فاعلمي أنه قد انتصر.. |
نائلة: وانتصرنا نحن أيضاً.. |
مزنه: بإذن الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت صفوان يقول): |
صفوان: لقد كنت على حق يا سيدي طيباريوس.. فها هم المسلمون يقومون بهجوم مضاد.. |
طيباريوس: لقد نصحتك فلم تقبل.. |
صفوان: والآن ما العمل وأرى قواتنا تنكفىء راجعة في حال من الفوضى نحو أسوار المدينة.. |
طيباريوس: لا أدري يا صفوان.. لا أدري ولا سيما وقد أمرت بأن نزج بجميع قواتنا في المعركة.. |
صفوان: ولكن يجب أن نجد حلاً للخروج من هذا المأزق.. |
طيباريوس: لو تمكنت قواتنا من الوصول إلى أسوار المدينة قبل أن يحول بينهم وبينها فرسان المسلمين ضمنَّا على الأقل الصمود واتخاذ موقف المدافع ولكن.. |
صفوان: ولكن ماذا؟ |
طيباريوس: فرسان المسلمين يجاهدون للحيلولة بين مشاتنا والوصول إلى أسوار المدينة.. |
صفوان: وفرساننا أين هم؟ |
طيباريوس: أنت تعرف من المبدأ أن حصيلتنا من الفرسان قليلة وقد فتكت بهم سهام المسلمين ورماحهم وأعداد فرسانهم الهائلة.. |
صفوان: إذن فأنت يائس من وصول مشاتنا إلى أسوار المدينة.. |
طيباريوس: إلا إذا حصلت المعجزة.. |
(تختلط بأصوات التهليل والتكبير فيقول صفوان في رعب وفزع): |
صفوان: ما هذا الذي أسمع يا طيباريوس.. ما هذا؟ |
طيباريوس: إنهم المسلمون.. |
صفوان: المسلمون.. |
طيباريوس: نعم وقد احتلوا المدينة من الداخل وهاهم على أسوارها يكبرون ويهللون.. |
صفوان: كيف دخلوا.. هل هم جن أو شياطين؟ |
طيباريوس: لا.. بل هم رجال يعرفون كيف يخططون لكسب المعارك.. |
صفوان: والآن ما العمل؟ |
طيباريوس: التسليم أو القتال حتى الموت.. |
صفوان: ما رأيك؟ |
طيباريوس: التسليم.. |
صفوان: إذن فأمرهم برفع الرايات البيضاء.. |
طيباريوس: مُرهم أنت يا سيدي القائد.. |
صفوان: لا.. لن أمرهم بالتسليم وسأظل أقاتل حتى أقتل جزاء غروري واستهتاري بقوة أعدائي.. وأنت.. |
طيباريوس: سأقاتل معك حتى الموت.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية سريعة نسمع بعدها صوت مالك يقول): |
مالك: كم كنت قلقاً على عبد الرحمن ومن معه يا عمير.. |
عمير: لا شك أنهم قاموا بمغامرة جريئة كان لها بعون الله وتأييده الفضل في انتصارنا الساحق على قوات أعدائنا الهائلة.. |
مالك: تخطيطك الرائع يا عمير هو سر النجاح.. |
عمير: لا تقل التخطيط يا مالك بل قل.. |
مالك: أقول ماذا؟.. |
عمير: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ صدق الله العظيم (الحج: 40).. |
|