الحلقة ـ 3 ـ |
عمير: أما وقد شرح الله صدرك للإسلام فقد أصبحت منا لك ما لنا وعليك ما علينا وإني قد أبقيتك على ما كنت عليه أيام حكم الروم فاتق الله في نفسك وفي قومك.. |
ثعلبة: بورك فيك.. بورك فيك.. وستجدني إن شاء الله عند حسن الظن والثقة.. |
عمير: إن شاء الله.. إن شاء الله.. وسأبقي لديك حامية من المسلمين تصد بها مع رجالك أي اعتداء من الروم أو غير الروم.. |
ثعلبة: شكراً يا أبا عبد الرحمن.. شكراً.. |
عمير: كن عوناً لابنك يا وائل وأحسن إليه كما أحسن الله إليك.. |
وائل: كن مطمئناً يا عماه.. كن مطمئناً.. |
عمير: وأنت بنيتي ((مزنه)) بورك لأبيك فيك وفي نجابتك وشجاعتك لقد حقنت بأصالة رأيك دماء كثيرة فأثابك الله على ذلك بأن هداك للإسلام فاحمديه على ذلك.. |
مزنه: الحمد والشكر لله ثم لك يا عماه على خطتك الرائعة التي كانت سبب هذا النجاح الباهر بأقل عدد من الضحايا.. |
ثعلبة: ومن رأس العين إلى أين المسير يا عمير؟ |
عمير: لا أدري يا ثعلبة وكل ما أدريه أننا سنعسكر خارج مدينتكم في انتظار الأوامر.. |
ثعلبة: وفقكم الله.. |
مزنه: عماه.. ألا تقبلون مجاهدين.. و.. |
عمير: و.. ماذا؟ |
مزنه: ومجاهدات مثلاً.. |
عمير: كيف لا فباب الجهاد مفتوح على مصراعيه والجهاد في وقتنا الحاضر فرض على كل مسلم ومسلمة.. |
مزنه: أبتاه..!! |
ثعلبة: بنيتي..! |
مزنه: أتسمح لي بالجهاد في سبيل الله.. |
ثعلبة: ليتني أكون معك.. |
عمير: ولكنك مجاهد يا ثعلبة لأنك مرابط في سبيل الله وأجر المرابط مثل أجر المجاهد.. |
ثعلبة: الحمد لله.. ليس لدي مانع يا مزنه.. الله معك.. وإني جد مطمئن لأنك ستكونين تحت قيادة عمك عمير.. |
عمير: أتسمح لي يا ثعلبة.. بهذا الطلب.. |
ثعلبة: قل يا أخي.. فطلبك أو طلباتك كلها مقبولة.. ومجابة.. |
عمير: أطلب يد ابنتك مزنه لابنك عبد الرحمن.. |
ثعلبة: ما رأيك يا مزنه.. |
(ويفاجأ مزنه الموقف فتسكت فيقول وائل): |
وائل: السكوت إقرار يا أبتاه.. |
ثعلبة: مبارك يا ولدي.. |
عمير: مبارك.. |
أصوات: مبارك.. مبارك.. مبارك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مالك يقول): |
مالك: فاز بها عكاشة يا نائلة.. |
نائلة: تقصد عبد الرحمن يا مالك.. |
مالك: بلى.. بلى.. يقولون إنها رائعة.. في منتهى الجمال والأخلاق الفاضلة، والشجاعة الخارقة.. |
نائلة: صدقت.. كل من شاهدها وهي تطعن علج الروم أكبر هزتها للرمح وشجاعتها.. ثم.. |
مالك: ثم ماذا؟ |
نائلة: كانت كما علمت من عبد الرحمن هي التي أمرت الحراس بإلقاء السلاح فأذهلتهم المفاجأة التي انتهزها عبد الرحمن ففتح البوابة ودخل المسلمون.. |
مالك: إذن كانت مزنه تريد تسليم المدينة للمسلمين.. |
نائلة: أجل.. أجل.. وإلا فما الذي كان يمنعها هي وأخاها من القبض على عبد الرحمن وعاصم حين نزلا من السور وإيقاظ الحراس لمعاونتها.. |
مالك: الله أكبر.. الله أكبر.. مساندة مزنه وأخيها هي التي مكنت لعبد الرحمن فتح البوابة أو بالأحرى هي سبب هذا الانتصار الباهر.. |
نائلة: نعم.. نعم.. |
مالك: إنها درة فريدة يجب أن يحرص عليها عبد الرحمن.. إنها نسيج وحدها كما أن عميراً نسيج وحده.. سبحان الله.. سبحان الله.. |
نائلة: هيا بنا يا مالك نستعد لاستقبال ضيوفنا من أهل العروس فالليلة ستنزف مزنه إلى عبد الرحمن كما تعلم.. |
مالك: ولكن عبد الرحمن لم يترك المجال لأحد فقد قام ومعه إخوانه من الفتيان بما يجب حتى الولائم بطبخها وتجهيز لوازمها.. إن عرس عبد الرحمن هو عرس الشباب اليوم.. |
نائلة: حتى شباب مدينة رأس العين اشتركوا مع شبابنا وفتياتنا وكانت مناسبة أن يدخل الكثير منهم في دين الله كما فهمت من عمير.. |
مالك: اللَّهم اجعله قران يمن وخير وبركة حافلاً بالهناء والسعادة وبالبنين والبنات.. |
نائلة: اللَّهم آمين.. اللَّهم آمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى الرحيل نسمع بعدها صوت ثعلبة يقول): |
ثعلبة: في حفظ الله وأمانه يا ابنتي.. |
وائل: في أمان الله يا أختاه.. لا تقطعي رسائلك عنا.. وزيارتنا إن سمحت لك الظروف.. |
مزنه: إن شاء الله.. إن شاء الله.. ادع لي يا أبي.. |
ثعلبة: الله معك.. الله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.. |
وائل: إلى أين اتجاه مسيرتكم يا أختاه.. |
مزنه: إلى قرقيساء وعانات .. |
ثعلبة: ستسلكون نهر الخابور.. |
مزنه: ربما يا أبتاه فأنت أعلم بتلك الجهات مني.. |
ثعلبة: وستمرون بحصون الفرات قبل الوصول إلى عانات.. |
وائل: وعانات يا أبي اسم لبلد واحد.. |
ثعلبة: لا يا بني بل هو اسم لثلاث قرى هي: ((الناووسة))، و((آلوسه))، و ((هيت))... |
وائل: ما معنى عانات يا أبي؟ |
ثعلبة: قطع الضياء سميت لجمالها ووفرة زهورها وأشجارها.. |
مزنه: وماذا عن أهلها يا أبي؟ |
ثعلبة: إنهم من العرب الأشداء كما أن بها حاميات رومية كبيرة.. |
مزنه: ولكننا أقوياء بإيماننا وسننتصر عليهم بإذن الله.. |
ثعلبة: بإذن الله غير أني أردت أن أبصرك بما سيكون أمامك.. |
مزنه: هل قلت هذا إلى قائدنا عمير؟ |
ثعلبة: قلته يا بنيتي وأطلعته على أمور ليس من شأنك الاطلاع عليها.. |
مزنه: فعلت خيراً يا أبي.. جزاك الله خيراً.. |
ثعلبة: لم أقم إلا بما يمليه علي واجبي نحو ديني وأمتي.. |
وائل: أرجو أن أسمع عنك يا أختاه ما يسر ويبهج وأعتز به وأفاخر.. |
مزنه: أرجو أن تكون عند حسن ظنك بأختك يا وائل فلعلي سأخوض لأول مرة معارك من النوع العنيف.. |
ثعلبة: ولكنك ستكونين بجانب قوم رهبان بالليل فرسان بالنهار قد نذروا أنفسهم لإعلاء كلمة الله والاستشهاد في سبيله.. |
مزنه: الحمد لله على حسن المصير.. اللَّهم أحسن خاتمتي واجعلها في سبيل إعلاء كلمتك يا رب العالمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت صفوان يقول): |
صفوان: هاهي جيوش المسلمين تزحف صوب ((قرقيساء)) بعد أن تم لها احتلال مدينة ((رأس عين)) بتلك السرعة المذهلة.. |
طيباريوس: أجل يا صفوان أجل.. وقد راح ضحيتها صديقي القائد ((ماركو)).. والشيء يا صفوان هو.. |
صفوان: هو ماذا يا طيباريوس؟ |
طيباريوس: كانت مدينة ((رأس عين)) محصنة جداً بفضل المعدات والتجهيزات التي أمر قائد قوات الإمبراطورية إعطاءها لثعلبة.. وكانت النتيجة كما سمعت.. |
صفوان: لقد لعبت الخيانة دوراً كبيراً في الأمر.. |
طيباريوس: أتعني مساعدة ولدي ثعلبة للمسلمين.. |
صفوان: أجل.. أجل.. تلك المساعدة التي فتحت للمسلمين أحد أبواب المدينة السرية فدخلوا منها واستولوا على المدينة على حين غرة من أهلها.. |
طيباريوس: ليتني أتمكن من أسر ولدي ثعلبة ولا سيما ابنته حتى أمثل بهما أبشع تمثيل ليكونا عبرة لكل من تحدثه نفسه بالخيانة.. |
صفوان: ولكنهما لا يعدان ما فعلا خيانة بل واجب العربي نحو أخيه العربي.. |
طيباريوس: إذن فقد نتعرض لمثل ذلك في معاركنا القادمة مع المسلمين ولا سيما وسكان المنطقة من قرقيساء فحصون الفرات فمدينة عانات كلهم من العرب.. |
صفوان: ذلك غير مستبعد يا طيباريوس فالروابط التي تشد العربي بأخيه العربي قوية.. |
طيباريوس: ولكن هؤلاء العرب نصارى فيجب أن يكون إخلاصهم للقيصر قبل محمد.. |
صفوان: عندما حارب العرب في بلاد الشام مع إخوانهم العرب المسلمين ضد الروم لم يكونوا قد أسلموا بعد ومع ذلك قاتلوا وقتلوا.. |
طيباريوس: إنك تخيفني بمنطقك يا صفوان وتجعلني أحسب للمعركة القادمة مع المسلمين حساباً كبيراً.. |
صفوان: إنك على حق.. ولكن.. |
طيباريوس: ولكن ماذا؟ |
صفوان: القبائل التي معي أنا مطمئن وواثق من إخلاصها لي وللقيصر وقد أجزلت لهم العطايا ووفرت لهم وسائل القتال ولا أظن أن ما حدث في رأس العين سيتكرر هنا.. |
طيباريوس: أرجو أن يصدق قومك معك.. أما من حيث حامية الروم فأنا واثق من أنها ستؤدي واجبها لسيدها القيصر.. |
صفوان: هيا بنا نتفقد مواقعنا ومعداتنا وتجهيزاتنا.. |
طيباريوس: هيا بنا.. هيا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عمير يقول): |
عمير: هانحن نشارف مدينة قرقيساء التي يلوح لي أن القوم فيها قد حصنوا أنفسهم واستعدوا للقائنا.. |
مالك: لا أظن تحصينات ((قرقيساء)) في مثل تحصينات مدينة ((رأس عين)) يا أبا عبد الرحمن.. |
عمير: هل تجولت حول المدينة أو تقول رجماً بالغيب..؟ |
مالك: لم أتجول ولكني أتصور ذلك.. |
عمير: التصور غير الحقيقة يا مالك.. والحرب لا تكسب بالخيال وإنما بالسلاح والرجال وحسن القيادة.. |
مالك: هذا كلام سليم يا عمير.. ومع ذلك.. |
عمير: ومع ذلك ماذا يا مالك.. |
مالك: أعطني بعض الرجال وسأقوم بحملة استطلاعية لعلي أستكشف بها مبلغ استعداد أهلها مع العتاد والرجال.. |
عمير: هذا ما جال برأي وقد سبقتني إليه.. |
مالك: متى تزودني بالرجال.. |
عمير: غداً صباحاً بإذن الله.. |
مالك: عند الصباح يحمد القوم السرى.. |
عمير: إذن فاذهب يا مالك وخذ قسطك من الراحة استعداداً للغد وسوف اختار لك الرجال الذين لهم خبرة بهذا النوع من القتال.. |
مالك: بورك فيك.. بورك فيك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت عبد الرحمن يقول): |
عبد الرحمن: أين مزنه يا أماه؟ |
نائلة: ذهبت لحضور التمرينات والتدريبات على شؤون التمريض والإسعاف.. |
عبد الرحمن: أراها مهتمة بعملها.. |
نائلة: إنها تقدر المسؤولية وتريد أن تكون أهلاً لتحمل المسؤولية.. |
عبد الرحمن: ولكنها ترهق نفسها كثيراً وأخشى عليها من ذلك.. |
نائلة: لا تخشى عليها يا عبد الرحمن فإنها ما تزال في ريق العمر وعنفوان الشباب.. |
عبد الرحمن: كيف وجدتها يا أماه.. |
نائلة: سبحان من صورها فأحسن خلقها وتصويرها.. إنها آية في الجمال والكمال إنها لعلى خلق عظيم.. يلوح لي أنك رأيت ليلة القدر يا بني.. |
عبد الرحمن: نعم يا أماه.. لقد كانت تلك الليلة ليلة قدر بالنسبة لي.. |
نائلة: متى يا با بني متى؟ |
عبد الرحمن: في الليلة التي تسلقت فيها سور مدينة رأس العين ونزلت إلى داخل المدينة وكانت هي وأخوها أول من شاهداني مع عاصم وكانت هي التي حمتني من سيوف الحراس حين باغتتهم مع أخيها وأمرتهم بإلقاء السلاح.. |
نائلة: يا إلهي.. إنها شجاعة.. |
عبد الرحمن: كلمة شجاعة قليلة بالنسبة لها.. إنها شجاعة لا نظير لها.. |
نائلة: حقاً يا بني حقاً.. لكأنك رأيت ليلة القدر.. |
(تدخل مزنه وعندما ترى عبد الرحمن تقول): |
مزنه: أنت هنا يا عبد الرحمن.. |
عبد الرحمن: أجل يا مزنه أتيت لأطمئن على والدتي وعليك.. |
مزنه: شكراً ونحن كما ترى بخير ولله الحمد.. |
عبد الرحمن: الحمد لله.. الحمد لله.. |
مزنه: لقد سألني عمير والدك عنك وأنا في طريقي إلى هنا فأجبت بالنفي.. |
عبد الرحمن: ألم يقل لك شيئاً آخر.. |
مزنه: لا لكن الاهتمام ظاهر على محياه.. |
نائلة: إنه ولا شك يفكر في مصير مالك ومن أرسلهم معه لسبر قوة العدو.. |
مزنه: سوف يجدون مقاومة عنيفة لأن العدو يربض في حصون منيعة.. |
عبد الرحمن: أتراها أمنع من حصون رأس العين.. |
مزنه: لا ولكن احتلال رأس العين كانت له ظروفه وملابساته.. |
عبد الرحمن: وكان لك الفضل فيه بعد الله تعالى.. |
مزنه: لقد أراد الله لوالدي ولأخي ولىّ بل ولقومي الهداية فهدانا إلى ما هدانا إليه.. |
عبد الرحمن: هل فكرت يا مزنه في خطة لاحتلال ((قرقيساء)).. |
مزنه: لقد فكرت كثيراً وكثيراً جداً.. |
عبد الرحمن: وهل استقر رأيك على خطة واحدة؟ |
مزنه: بلى.. بلى.. |
عبد الرحمن: ما هي؟ |
مزنه: أخشى ألا يوافقني عمي والدك ولا أنت أيضاً.. |
عبد الرحمن: قولي يا مزنه قولي.. |
مزنه: الخطة يجب أن تعرض أولاً على القائد فهو الذي يستطيع أن يتبناها أو يرفضها على ضوء تجاربه ومعرفته فقد بلا الحروب أكثر منا.. |
عبد الرحمن: صدقت يا مزنه صدقت.. هيا بنا إليه.. |
|