الحلقة ـ 1 ـ |
مالك: وصل بريد عِياضُ بن غَنْم فهل جاءك منه شيء يا عمير؟ |
عمير: بلى يا مالك بلى.. |
مالك: عسى أن يكون خيراً.. |
عمير: كله خير وبركة.. |
مالك: هات يا عمير هات.. |
عمير: كتب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى عياض بن غنم يأمره بتوجيهي لفتح ((عين الوردة)).. |
مالك: ((عين الوردة)) أين تقع؟ |
عمير: عين الوردة هي ((رأس عين)) أو رأس العين المدينة المشهورة في الجزيرة.. |
مالك: جزيرة عمرو بن هند كما كان يسميها مناذرة الحيرة.. |
عمير: بلى.. فالأراضي التي ما بين النهرين: دجلة والفرات تسمى الجزيرة وتشتمل على ديار مضر وديار ربيعة وهي صحيحة الهواء جيدة الربيع والنماء واسعة الخيرات.. |
مالك: أكل هذه المعلومات عندك عنها يا عمير.. |
عمير: هذا من فضل ربي ولكن عياض بن غنم جزاه الله خيراً قد أرسل لي هذه المعلومات في رسالة حتى أعرف طريقي إليها.. |
مالك: يا له من قائد محنك.. |
عمير: أليس هو السابق إلى فتح الجزيرة فهو ولا شك عليم بها أكثر مني.. |
مالك: و ((عين الوردة)) أو ((رأس عين)) لم سميت بهذا الاسم؟ |
عمير: ذلك لأن فيها عيوناً كثيرة عجيبة تجتمع كلها في موضع واحد هو المنبع الرئيسي لنهر الخابور.. |
مالك: إذن ((فعين الوردة)) تقع في شمالي العراق.. |
عمير: بلى يا مالك بلى.. |
مالك: ومتى تريدنا أن ننهد إليها.. |
عمير: ذلك يعتمد على المعلومات التي سوف تتوفر لدي عن قبائل تغلب وإياد.. وهل للروم حاميات قريبة من هذه المدينة.. |
مالك: هذا يعني أن غزوك سيأخذ وقتاً غير قليل.. |
عمير: هذا ما لا أستطيع الجزم به يا مالك ولكن معرفة قوة عدوك واستعداداته ضرورية حتى أضع على ضوئها تقديري للمعركة وأبعادها أما.. |
مالك: أما ماذا؟.. |
عمير: أما الهجوم الارتجالي فضرره أكثر من نفعه.. ولا سيما وقد امتنع فتح عين الوردة على عياض بن غنم من قبل.. ثم.. |
مالك: ثم ماذا؟ |
عمير: سر النجاح في صحة التقدير للمعركة.. |
مالك: صدقت سر النجاح في صحة التقدير للمعركة ومعرفة أبعادها ومتطلباتها قبل الدخول فيها.. وفقك الله.. وفقك الله.. |
عمير: اللَّهم آمين.. اللَّهم آمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها نائلة زوج عمير تقول): |
نائلة: عبد الرحمن ..! عبد الرحمن! |
عبد الرحمن: نعم يا أماه.. |
نائلة: أين كنت يا بني؟ |
عبد الرحمن: كنت عند أبي؟ |
نائلة: وماذا عنده من جديد؟ |
عبد الرحمن: غزو جديد.. |
نائلة: إلى أين؟ |
عبد الرحمن: إلى رأس عين أو عين الوردة.. |
نائلة: عين الوردة أجمل من اسم رأس عين.. |
عبد الرحمن: ولكن اسم رأس عين مأخوذ من العيون التي تتجمع في هذه المدينة في عين واحدة فتشكل نهر الخابور.. |
نائلة: عشنا وسمعنا.. متى سنغزو.. |
عبد الرحمن: لا أدري يا أماه.. |
نائلة: ولا أنا لن أعرف إلا ليلة الغزو.. فأبوك شديد السرية في تحركاته ونشاطاته.. |
عبد الرحمن: أليس أبي على حق في تصرفاته.. |
نائلة: كل الحق يا بني ولقد تعلم ذلك من الرسول القائد الأعظم صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة عمي طريقه حتى لا يعرف أعداؤه شيئاً من خطته.. |
عبد الرحمن: ونحن في بلاد محاطون فيها بالأعداء من فرس وروم ونصارى العرب.. |
نائلة: تقول نصارى العرب.. |
عبد الرحمن: أجل يا أماه فقبائل شمالي العراق من العرب أكثرهم نصارى.. |
نائلة: لا حول ولا قوة إلا بالله.. يجب أن ندخلهم في الإسلام قبل غيرهم من الفرس والروم.. |
عبد الرحمن: إنهم سيدخلون في هذا الدين عاجلاً أم آجلاً وسوف تسمعين إذا امتد بك العمر صوت المؤذن في ديارهم محل صوت الأجراس والنواقس.. |
نائلة: لقد تقدم بي العمر يا عبد الرحمن فأرجو أن تدركه أنت.. |
عبد الرحمن: إن شاء الله سيكون ذلك قريباً وقريباً أكثر مما تظنين يا أماه.. |
نائلة: إن شاء الله.. إن شاء الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ثعلبة يقول): |
ثعلبة: ماركو.. متى ينتظر أن تصلنا المعدات التي طلبناها من القيصر لتحصين مدينتنا (رأس العين) من هجوم المسلمين.. |
ماركو: ستصل قريباً يا ثعلبة.. قريباً.. |
ثعلبة: ولكن كلمة (قريباً) سمعتها منذ الهجوم الذي قام به المسلمون علينا وباء بالفشل.. اسمع يا ماركو.. |
ماركو: قل يا ثعلبة.. |
ثعلبة: إذا كنتم ستتأخرون فسأطلب المعدات من الفرس.. |
(ويضحك ماركو ويغرق في الضحك فيقول ثعلبة): |
ولم هذا الإغراق في الضحك يا ماركو هل في كلامي ما يضحك.. |
ماركو: ضحكت لأنك مع الأسف لأنك لا تعلم أن المسلمين قد قوضوا عرش الأكاسرة بعد دخولهم عاصمتهم (المدائن) وقد هرب يزدجر ملكهم إلى مكان مجهول في فارس.. |
ثعلبة: وتقول صدقاً يا ماركو.. |
ماركو: ورب موسى وعيسى.. أما نحن فما تزال جيوشنا تدافع جيوش المسلمين وتصدها عن التوغل في بعض الأماكن. |
ثعلبة: حسناً.. اتصل بقائدك ليعجل في إرسال المعدات ولا سيما المنجنيقات فنحن بحاجة ماسة إليها.. |
ماركو: سأرسل استعجله.. كن مطمئناً.. |
ثعلبة: ثق يا ماركو.. سيكون نهر الخابور آخر حد يصل إليه المسلمون إذا ما وصلتنا المعدات والإمدادات الطبية.. |
ماركو: المهم يا ثعلبة.. |
ثعلبة: المهم ماذا؟ |
ماركو: الرجال.. الرجال فالمعدات بدون رجال ليس لها أية قيمة.. |
ثعلبة: الرجال مستعدون للدفاع عن كل شبر من أراضيهم.. |
ماركو: ولكنني أخشى.. |
ثعلبة: تخشى ماذا؟ |
ماركو: أخشى أن ينضم رجالك العرب إلى إخوانهم المسلمين العرب كما فعل إخوانهم العرب في بلاد الشام.. |
ثعلبة: كلامك هذا يا ماركو قد يصدق على عرب الشام.. أما عرب العراق فهم مع الروم يداً واحدة وسوف تكشف الأيام لك صدق قولي.. |
ماركو: لقد أثلجت صدري يا ثعلبة.. شكراً.. سأذهب تواً للتعجيل في إرسال المعدات والتجهيزات.. |
ثعلبة: شكراً يا ماركو.. شكراً.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مالك يقول): |
مالك: يا أبا عبد الرحمن.. هل من جديد.. |
عمير: نحن كل يوم في جديد.. |
مالك: أقصد هل انتهيت من جمع معلوماتك عن المعركة القادمة.. |
عمير: الحمد لله.. لدي حصيلة طيبة منها.. |
مالك: إذن فسنشرع في الحملة قريباً.. |
عمير: بإذن الله.. بإذن الله.. |
مالك: والمعلومات التي توفرت لديك عن الأعداء عسى أنها لا تبعث على القلق والخوف.. |
عمير: المسلم الذي نذر نفسه للجهاد في سبيل الله لا يعرف الخوف ولا القلق ولا يخشى أحد إلا الله.. |
مالك: هذا صحيح ولكني أقول من قبيل العلم بالشيء ولا الجهل به.. |
عمير: أما إذا أردت العلم فاعلم أن الأعداء قد حشدوا وأعدوا وسينصرنا الله عليهم. بالرغم من استعداداتهم وتجهيزاتهم.. |
مالك: أترى الروم أم الفرس وراء ذلك؟ |
عمير: أما الفرس فقد أفل نحبهم بعد دخول جيوش المسلمين إلى المدائن وأما الروم فما يزالون يقاومون ويؤلبون علينا نصارى العرب.. |
مالك: من المؤسف أن يمتشق العربي سيفه في وجه العربي.. |
عمير: إنها سحابة صيف وستشرق شمس الإسلام فتملأ قلوبهم ونفوسهم بالإيمان بإذن الله.. |
مالك: أتعرف يا عمير اسم قائد نصارى العرب في رأس عين؟ |
عمير: بلى.. بلى.. |
مالك: ما اسمه.. |
عمير: ثعلبة التغلبي.. |
مالك: قاتله الله.. وقاتل من معه.. |
عمير: أدع الله أن يشرح صدره للإسلام كما شرح صدور غيره من نصارى العرب.. |
مالك: ما أنبلك يا عمير.. لقد صدق عمر بن الخطاب حين قال: عمير نسيج وحده.. |
عمير: اللَّهم ثبتنا على الإيمان وأكتب لنا الشهادة في سبيله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنة تقول): |
مزنه: أرأيت ما يفعله أبي يا وائل.. |
وائل: بلى يا أختاه بلى.. إنه يشتغل ليل نهار في تحصين رأس العين بعد أن جاءته المعدات والتجهيزات من عند الروم.. |
مزنه: أيرضيك ما يفعله؟ |
وائل: ولم لا يا مزنه؟ |
مزنه: إن والدي يريد أن يبقى دائماً وأبداً تحت نير الروم واستعبادهم إننا نرزح تحت هذا النير مئات السنين فهل آن للعرب أن يتحرروا من هذا الرق والاستعباد؟ |
وائل: ولكن.. |
مزنه: ولكن ماذا؟ |
وائل: ماذا تقصدين من كل ما قلتيه.. أتريدين أن يستسلم والدي للمسلمين فيذلوه.. |
مزنه: قل لي هل أذل المسلمون العرب الذين نصروهم وآزروهم في حربهم مع الروم بالشام؟.. |
وائل: لا.. لقد عاملوهم وأكرموهم وسمحوا للذين ظلوا على نصرانيتهم أن يزاولوا بحرية طقوسهم الدينية.. |
مزنه: هل سبى المسلمون نساء وأولاد العرب الذين قاوموهم؟ |
وائل: لا.. |
مزنه: حسناً.. هل نسي أبي موقف الروم من العرب الذين ساعدوهم في حربهم ضد الفرس ماذا كان جزاؤهم؟ |
وائل: القتل والتشريد والتنكيل والتعذيب.. |
مزنه: إذن فأي خير يرتجي والدي من وراء نصرته للروم وهو يعلم ما فعل الروم بإخوانه العرب في بلاد الشام وفي غيرها.. |
وائل: إذن ما العمل يا أختاه؟ |
مزنه: يجب أن ننصحه.. |
وائل: أترينه يقبل بنصيحتنا ولا سيما ونحن ما زلنا أطفالاً في نظره.. |
مزنه: واجبنا النصح.. |
وائل: وإذا لم يقبل؟ |
مزنه: نتعاون مع المسلمين أو نفر إليهم على الأقل.. |
وائل: ونترك والدنا ليفتك به الروم أو المسلمون إذا ما انتصر أحدهما على الآخر.. |
مزنه: حسناً.. إذن متى تريدنا نذهب إليه لننصحه.. |
وائل: إنه مشغول الآن مع المقاتلين.. |
مزنه: إذن ترصده وعندما ترى الفرصة سانحة أسرع إلي لنتعاون معاً على أداء واجبنا نحوه ونحو بلدنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها أصوات التهليل والتكبير ثم صوت ماركو يقول): |
ماركو: ما هذه الضجة والهرج والمرج يا ثعلبة؟ |
ثعلبة: إن المسلمين الذين يهاجمون مدينتنا أصابوا قوماً من فلاحينا وغنموا مواشيهم وفتكوا بهم.. |
ماركو: إنها بداية مخيفة لهجوم المسلمين ولكن.. |
ثعلبة: ولكن ماذا؟ |
ماركو: سوف ننتقم لهم؟ |
ثعلبة: كيف؟ |
ماركو: أنسيت أحجار المنجنيقات وحرائق النفط سوف تفتك بالمسلمين فتكاً ذريعاً سنبتدىء في استعمالها صباح الغد.. |
ثعلبة: وعندها سيرى المسلمون من بأسنا ما لم يروه من غيرنا.. |
ماركو: وإذا تم لنا النصر على المسلمين.. هل ستفي بوعدك لي يا ثعلبة؟ |
ثعلبة: أي وعد يا ماركو؟ |
ماركو: أنسيته؟ |
ثعلبة: ربما نسيته في زحمة الأحداث. قل ما هو.. |
ماركو: سأقوله.. سأقوله.. |
ثعلبة: قل لا عليك.. قل لا عليك.. |
|