الحلقة ـ 56 ـ |
(همهمات وغمغمات وهمسات مما يدل على وجود عدد من الناس نسمع بعدها أصواتاً تقول): |
الأصوات: الماء.. الماء.. لقد تفجر بغزارة.. إنه يرتفع حتى يكاد يبلغ حلق البئر.. |
الأمير عمرو: الحمد لله.. الحمد لله.. |
أصوات: هنيئاً لك أيها الأمير... |
الأمير عمرو: هنيئاً لكم أنتم يا أهل مكة.. إن الماء ماؤكم وقد ألزمكم الله به.. فاشربوا هنيئاً مريئاً واحمدوه على نعمه وآلائه التي لا تحصى... |
أصوات: الحمد لله والشكر لله.. الحمد لله والشكر لله... |
عمرو: ما كنت أظن يا شداد أن أبا داس وسيلاوس لهما هذه المعرفة الواسعة باستخراج المياه.. |
شداد: لعله من يمن طالع سيدي الأمير... |
عمرو: الحمد لله... الحمد لله.. أريد أن أجزل لهما العطاء... |
شداد: إنهما يوغلان في بحبوحة من النعيم فيضها الله لهما على يديك... |
عمرو: ولكنهما يستأهلان المزيد يا شداد... |
شداد: أنا لا أقف حجر عثرة في طريق الخير... |
عمرو: هذا ما أعرفه عنك يا شداد... |
أصوات: نريد المزيد من الآبار أيها الأمير... نريد المزيد... |
عمرو: أتسمع يا شداد... |
شداد: بلى أيها الأمير... بلى.. ولكن أيسمع الموسرون من أهل مكة مثلما سمعت؟؟ |
عمرو: من يدري فقد تراهم غداً يتوافدون علي لهذه الغاية... |
شداد: أنظر أيها الأمير... |
عمرو: ماذا انظر يا شداد؟.. |
شداد: إن الناس ينتظمون في حلقات ولا شك أن حفر الآبار هو حديثهم... |
عمرو: لا يستبعد أن يكونوا قد تحلقوا ليتدارسوا الأمر.. اللهم أهدهم سواء السبيل.... |
(قلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عبيده يقول) |
عبيده: كم أنا سعيد ومسرور وفخور بجدي أبي داس يا أماه... |
شمس: وأبوك سيلاوس أنسيته يا عبيده؟ |
عبيده: وأبي سيلاوس لعلي نسيته في زحمة إعجابي بجدي أبي داس.. |
شمس: إن حبك العارم لجدك هو الذي حجب عن عينيك رؤية أي أحد غير جدك... |
عبيده: بلى يا أماه.. بلى.. ولكن محبتي لوالدي تضارع محبتي لجدي وإن كان تدليل جدي لي وعطفه وحدبه علي يجعل له بعض الأثرة في نفسي.. |
شمس: هذا هو الواقع يا بني.. إن جدك يحبك جداً وهو يرشحك لأن تكون خليفته... |
عبيده: أترينني أبلغ ما بلغ جدي ووالدي يا أماه؟... |
شمس: من جد وجد... |
عبيده: ولكن والدي وجدي عاشا في بيئة تختلف عن البيئة التي أعيش فيها حالياً... |
شمس: الإنسان هو الذي يخلق البيئة وليست البيئة هي التي تخلقه... |
عبيده: هذا صحيح ولكن مما لا شك فيه أن للبيئة أثراً كبيراً على من يعيشون فيها... |
شمس: إنك تعيش يا بني في أكرم بقعة شرفها الله سبحانه وتعالى ببيته العتيق الذي جعله مثابة للناس وأمناً وها نحن نفيء إلى هذه البقعة الطاهرة هرباً من الظلم والطغيان والجور والاستعباد. |
عبيده: صدقت يا أماه.. صدقت. |
(فتح أبو داس الباب ويدخل وخلفه سيلاوس وهما يقولان) |
أبو داس وسيلاوس: صدقت يا شمس. صدقت. |
أبو داس: أنسيتم دعوة إبراهيم عليه السلام. |
عبيده: ما هي يا جدي؟.. |
صوت صادر من الأعماق: بسم الله الرحمن الرحيم رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ.. صدق الله العظيم (إبراهيم: 37)... |
(أجراس الدواب وبأصوات مبهمة هي أصوات من في القافلة نسمع أحياناً صوت ذئاب عن بعد ثم نسمع بعدها صوت صمادح يقول) |
صمادح: ها نحن ندخل منطقة مكة يا شماخ... |
شماخ: لا أتظننا بلغناها بعد يا صمادح... |
صمادح: يلوح لي أنك بعيد العهد عن هذه الطريق... |
شماخ: بلى.. بلى.. عهدي بهذه الطريق قبيل الحملة الرومانية على بلادنا... |
صمادح: لقد دخلت هذه المنطقة وقبائلها تحت حماية أمير مكة الذي أخذ العهد على زعمائها... |
شماخ: إذن فقد امتد نفوذ مكة واتسع... |
صمادح: أجل يا شماخ أجل وكان ذلك نتيجة الدور الهام الذي لعبه أميرها في توحيد القبائل وتجميعها ضد العدو الروماني ذلك التجمع الذي ساعد على فشل الحملة الرومانية... |
شماخ: إذن فمكة نفسها اتسعت... |
صمادح: وعمرت وازدهرت... |
شماخ: وماء زمزم أأصبح يفي بمتطلبات ازدياد السكان؟ |
صمادح: بئر زمزم يا شماخ بحر لا قرار له ولكن اتساع رقعة مكة جعلته بعيداً عن متناول من سكنوا بعيداً عنه... |
شماخ: وماذا فعل هؤلاء بالماء في أيام سمائم مكة؟.. |
صمادح: قام أمير مكة بحفر بئرين على حسابه الخاص وتبعه أثرياء مكة وموسروها فحفروا الآبار... |
شماخ: هل ماء هذه الآبار كان صالحاً للشرب؟... |
صمادح: كان ماء بعض هذه الآبار صالحاً للشرب والبعض الآخر صالحاً للزراعة وهكذا لم يذهب حفر الآبار عبئاً... |
شماخ: إذن فسنجد في مكة ظلاً ظليلاً وماء عليلاً... |
صمادح: أجل يا شماخ أجل... ولكن... |
شماخ: ولكن ماذا يا صمادح؟... |
صمادح: أخشى أن تبطر هذه النعمة سكان مكة فيفسقوا فيها فيحق عليهم العذاب فيدمرهم الله كما دمر من قبلهم من الأمم كفروا بنعم الله فأذاقهم لباس الجوع والخوف... |
(أجراس الدواب وآذان الديكة نسمع بعده صوت شماخ يقول): |
شماخ: ها نحن ندخل مكة مع شقشقة الفجر ومع ذلك فقد خرج أهلوها في هذا الصباح الباكر أهي عاداتهم يا صمادح؟.. |
صمادح: لا يا شماخ.. أنها حركة غير عادية ولاسيما وإني أراهم يتحلقون جماعات جماعات وعلى وجوههم فترة من الوجوم والكآبة... |
شماخ: صح يا صمادح صه... إنني أسمع عويلاً وأصوات نائحات آت عن بعد... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت البكاء والنحيب نسمع بعدها صوت صمادح يقول): |
أحدهم: مصابنا في أمير مكة جلل يا قوم وخسارة لا تعوض.. لقد فقدنا أباً رحيماً وقائداً حكيماً.. |
شماخ: أتسمع يا صمادح.. لقد صدق ظني أن المتوفى أمير مكة.. |
صمادح: يرحمه الله... لقد كان أميراً جليلاً عادلاً كريماً أحسن الإدارة والتدبير فانقاد له الناس وأطاعوه وأحبوه واخلصوا له... |
شماخ: يرحمه الله... من ترى سيخلفه؟.. |
صمادح: ابنه مضاض على ما أدرى... |
شماخ: هل له شمائل أبيه وأخلاقه؟... |
صمادح: سمعته حسنة عسى أن يكون خير خلف لخير سلف... |
(صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عبيده يقول): |
عبيده: يا له من عام أسود يا أماه احتسبنا فيه جدي ووالدي وأخيراً وليس آخراً أمير مكة... |
شمس: أجل يا بني إنه عام شؤم.. لقد فقدنا بموت أمير مكة ركنا شديداً كان يرعانا ويتعهدنا بعطفه. وكرمه وبره ورفده.. رحمه الله وعوضنا بابنه مضاض خيراً... |
عبيده: أني لأتوسم الخير كل الخير في أمير مكة مضاض ولكن... |
شمس: ولكن ماذا يا بني؟.. |
عبيده: أهل مكة يا أماه... |
شمس: ما يهم أهل مكة؟ |
عبيده: أبطرتهم النعمة يا أماه.. وإني أخشى عليهم مصير قوم عاد وثمود... |
شمس: لعل أمير مكة يستطيع إصلاحهم فصلاح الأمة بصلاح ولاتها... |
عبيده: لقد استشرى الداء وأخاف أن يستعصى الدواء... |
شمس: ألهذا الحد تفاقم الأمر؟... |
عبيده: أجل يا أماه أجل.. لقد كان أمير مكة الراحل صمام أمان لهذا البلد أما وقد رحل فقد دقت نواقيس الخطر. |
شمس: وقانا الإله شر الأخطار وجنبنا سوء المصير.. |
عبيده: لقد بعد أهل مكة يا أماه عن مكة النبي إبراهيم وتنكروا لأولاد إسماعيل الذين خرجوا من مكة يضربون في بطون الأرض... |
شمس: قيل أن بعض أبناء إسماعيل كانوا في جهات فلسطين... أو بالأحرى في بلدة (حيرون) حيث دفن جدهم إبراهيم.. |
عبيده: هذا ما يتناقله الناس بل قيل أن بعضهم لاقى حتفه وتضرر الكثير منهم في ماله وممتلكاته على أيدي الرومان. |
شمس: يا لعقوق أهل مكة لأبناء إسماعيل... |
عبيده: وبعض أولاد إسماعيل يا أماه يقال أنهم ينزلون حالياً عند بعض القبائل وبالذات مع قبائل قضاعة في شمالي الجزيرة العربية... |
شمس: يا لسخرية القدر مكة التي أوجدها الله من أجل إبراهيم وإسماعيل تضن على أولادهم بالسكنى فيها. |
عبيده: ولهذا ترينني يا أماه جد قلق على هذا البلد وأهله... |
شمس: أتعني مكة وأهلها يا بني؟... |
عبيده: أجل يا أماه... أجل.. وخاصة بعد شيوع الفساد والفسق والمجون كان لم تكن لهذا البيت قدسيته ومكانته كان أهل هذا البلد لم يعودوا يخشون رب هذا البيت... |
شمس: ليتني ألحق بجدك وأبيك قبل أن ينزل الله غضبه... |
عبيده: إن الناس أصبحوا في حاجة إلى أنبياء ينيرون لهم دياجير الظلام الذي يتخبطون فيه ويردونهم إلى جادة الهدى والرشاد... |
شمس: لعل الرجل الذي ظهر في فلسطين وقيل أنه يأتي بالخوارق هو النبي المنتظر... |
عبيده: أتعنين عيسى بن مريم. |
شمس: بلى يا بني بلى.. وإنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله... |
عبيده: لا يخامرني شك في أن عيسى بن مريم نبي أرسله الله إلى قومه في فلسطين كما أرسل موسى إلى بني إسرائيل وهوداً إلى قوم عاد... ولكن... |
شمس: ولكن ماذا؟... |
عبيده: ولكننا في حاجة ماسة إلى نبي يهدي الناس كافة.. نبي رسالته عامة وليست خاصة. |
|