الحلقة ـ 53 ـ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت إيليوس يقول): |
إيليوس: سيدي الأمبراطور! أتسمح لي بالكلام... |
أوغست: تكلم يا إيليوس تكلم... |
إيليوس: لا أريد يا سيدي الأمبراطور أن أبرر بدفاعي هذا الهزيمة الشنعاء التي لحقت بحملتنا ولكني أريد أن أقرر وقائع ملموسة تاركاً لسيدي الأمبراطور الحكم فيها بما عرف عنه من العدل والإنصاف... |
أوغست: قل يا إيليوس قل... |
إيليوس: حين قررتم سيدي الأمبراطور تجريد حملة بحرية برية لإخضاع بلاد العرب والاستيلاء عليها اخترتم سيلاوس سفير ملك الأنباط وأبا داس ممثل ملكهم ليكونا أدلاء الحملة وموجهيها لما لهما من خبرة ببلاد العرب... |
أوغست: أجل يا إيليوس أجل... |
إيليوس: وامرتموني بأن اعتمد عليهما واستشيرهما في كل خطوة أخطوها.... |
أوغست: بلى... بلى... |
إيليوس: ومن سوء الحظ أن سيلاوس وأبا داس لم يكونا عند حسن ظن سيدي الأمبراطور وثقته بهما... |
أوغست: كيف... يا إيليوس كيف... |
إيليوس: لقد خانا الأمانة التي إتمنها سيدي الأمبراطور عليهما... |
أوغست: أوضح وبيّن يا إيليوس... |
إيليوس: لقد قاد سيلاوس وأبو داس حملتنا في صحارى محرقة وفيافي مجدبة لا عشب بها ولا ماء... في النهار تحترق من حر الشمس ولفح السموم وفي الليل نقاتل العصابات العربية التي تنشق عنهم هذه الصحارى. |
أوغست: وبعد يا إيليوس وبعد... |
إيليوس: فكنا في حرب مستمرة مع الطبيعة القاسية بالنهار ومع العصابات الشديدة البأس في الليل... |
أوغست: ألم تتمكنوا من القضاء على هذه العصابات ثم لم تسألوا سيلاوس وأبا داس أن يرشدكم إلى طريق أحسن من هذا الطريق... |
إيليوس: لقد سألناهما أن يجدا طريقاً غير هذا الطريق فأجابا بأن شمالي بلاد العرب كلها صحارى محرقة ورمال مجدبة وأننا عندما نصل إلى اليمن سنجد الماء والعشب والشجر... |
أوغست: وماذا عن العصابات.... |
إيليوس: العصابات. ما رأيت في حياتي العسكرية مثل عصابات بلاد العرب في الشدة والبراعة في القتال... |
أوغست: ولكن الجندي الروماني أبرع وأشجع جندي في العالم... |
إيليوس: هذا صحيح سيدي الأمبراطور ولكن الجندي الروماني لم يتعود قتال الصحراء ولا حرارة الشمس التي تصهر الأبدان وتجعل من الصعب على الجندي أن يرتدي سلاحه أو يمسك به لأنه سيحرق يده أو جسمه... |
أوغست: ألهذا الحد تبلغ حرارة بلاد العرب وشدتها... |
إيليوس: أجل سيدي الأمبراطور أجل. ثم إن هذه العصابات... |
أوغست: ماذا عن العصابات أيضاً يا إيليوس؟... |
إيليوس: ما نكاد نجهز على مجموعة من هذه العصابات ونأخذ طريقنا إلى هدفنا حتى نفاجأ بعصابات أخرى أشد بأساً ونكالاً كأن الصحراء غرست بالعصابات بدلاً من الأعشاب... |
أوغست: شيء غريب وعجيب.. ثم ماذا يا إيليوس... |
إيليوس: ثم أردنا الاستعانة بمشاة الأسطول الروماني لنطوق هذه العصابات من البر والبحر ولكن خطتنا هذه انكشفت وأبيد مشاة الأسطول الروماني قبل أن يحققوا مهمتهم... |
أوغست: كيف انكشفت خطتكم هذه ألم تحرصوا على السرية فيها؟.. |
إيليوس: لم يكن يعلم أحد خطتنا غير سيلاوس وأبى داس وقائد الحملة... |
أوغست: أترى سيلاوس وأبا داس هما اللذان أطلعا قوات أعدائكم على خطتكم هذه؟... |
إيليوس: ومن غيرهما سيدي الأمبراطور.. ومن بعد هذا الحادث نستريب من سيلاوس وأبى داس فلا تطلعهما على شيء إلا بعد أن ندخل فيه... |
أوغست: أحسنتم... أحسنتم... |
إيليوس: وظللنا نتلقى الضربات من العصابات وقوات التجمع العربي حتى دخلنا مدينة نجرانا فتغير مجرى الحوادث فسرنا من نصر إلى نصر حتى كدنا ندخل العاصمة الحميرية لو لم يداهمنا المرض أو الوباء فيقضي على كل أمل لنا في النصر... |
أوغست: إذن فخيانة الدليلين سيلاوس وأبى داس والوباء كانا السبب المباشر في فشل الحملة... |
إيليوس: أجل سيدي الأمبراطور أجل وهكذا فضلت الانسحاب بما تبقى من قواتنا على الوقوع في أسر القوات الحميرية... |
أوغست: حسناً فعلت يا إيليوس.. وماذا عن الدليلين الخائنين؟.. |
إيليوس: لقد ظننا أنهما غرقا في حادث السيول التي جرفت وأغرقت أكثر جنودنا ولكن ظهر أنهما أحياء وأنهما الآن مع أهلهما وعشيرتهما في ميكورابا عند أميرها مكرمين معززين... |
أوغست: إذن فهذا دليل واضح على خيانتهما... |
إيليوس: إنه برهان ودافع ساطع كالشمس... |
أوغست: انتقموا من أهلهما وعشيرتهما في بلاد الأنباط... |
إيليوس: لقد بعثت إلى عملائنا في بلاد الأنباط وإلى ملك الأنباط أطلب إرسال زوجة سيلاوس وابنه وجميع أهلهما وعشيرتهما فكان الجواب أنهم رحلوا إلى ميكورابا فجأة وفي سرية تامة... |
أوغست: وهذا العمل الصق بهما الخيانة وأثبت لكم أنهما ما يزالان على قيد الحياة... |
إيليوس: أجل سيدي الأمبراطور... أجل.. |
أوغست: (غاضباً) سيدفع ملك الأنباط الثمن غالياً وغالياً جداً يا إيليوس... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عزرا اليهودي يقول): |
عزرا: خسارتنا يا راحيل فادحة جداً... |
راحيل: أية خسارة يا عزرا وأعمالك التجارية سائرة من حسن إلى أحسن... |
عزرا: لعلك لم تدركي ما أقصد! |
راحيل: لا ورب موسى.. أتراك تتكلم بالأحاجي والألغاز!! |
عزرا: أقصد خسارتنا بفشل الحملة الرومانية على بلاد العرب... |
راحيل: أكنت تتمنى للرومان النجاح وهم الذين هدموا هيكل سليمان وطردونا وقتلونا شر تقتيل.. يا لك من رجل غريب الأطوار... |
عزرا: أنك لا تفهمينني يا راحيل... بل لا تتصورين الأرباح الكبيرة التي كنا سنجنيها من وراء احتلال الرومان لبلاد العرب... |
راحيل: (بتهكم).. قل يا زوجي يا أيها التاجر العبقري!!.... |
عزرا: أتسخرين مني يا راحيل... |
راحيل: لا أسخر منك شخصياً ولكن من كلامك الذي يبعث على السخرية... |
عزرا: حقيقة أن النساء ناقصات عقلاً وديناً... |
راحيل: شكراً يا زوجي المهذب على إطرائك هذا... |
عزرا: ليتني ما فاتحتك في هذا الموضوع الهام... ليتني كتمت أحاسيسي وما أظهرتها لك... |
راحيل: ولم كل هذا الغضب يا عزرا... أإن أبديت رأيي بصراحة تنفجر في وجهي كل هذا الانفجار. لن أكلمك بعد اليوم... |
عزرا: راحيل! راحيل! يا زوجتي العزيزة.. أتغضبين على أني فتأت فيك غضبي.. من غيرك يتحمل آلامي وأشجاني وهمي وحزني... |
راحيل: بهذا الأسلوب الرقيق يجب أن تخاطب الناس بمن فيهم زوجتك يا عزرا... |
عزرا: حسناً يا زوجتي العزيزة... سأفعل بعد اليوم... أما تزالين غاضبة؟ |
راحيل: لقد سمحت.. والآن قل ما هي خسارتنا العظيمة من وراء فشل الحملة الرومانية..؟.. |
عزرا: أولاً... كنا نأمل من انتصار الحملة الرومانية أن تهدم البيت الذي بناه إبراهيم بمكة وإن تدمر هذه البلدة كما دمرت أورشليم ذلك لأن أمير مكة حرم علينا السكنى والاستيطان بها... |
راحيل: ثانياً يا عزرا؟... |
عزرا: ثانياً. إن نتمكن من نشر الديانة اليهودية في ربوع اليمن السعيد وأن نحتلها اقتصادياً وتجارياً كما فعلنا في منطقة يثرب.. أرأيت مبلغ الخسارة التي لحق بنا من فشل الحملة الرومانية... |
راحيل: صدقت يا عزرا صدقت إنها خسارة فادحة ولكن... |
عزرا: ولكن ماذا يا راحيل... |
راحيل: لا يجب أن نيأس فقد تأتي فرص مناسبة أحسن من هذه علينا أن نقتنصها بمجرد ظهورها في الأفق.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: وانتظم الشمل يا سيلاوس وقرت أعيننا بفشل الحملة الرومانية واستجاب رب هذا البيت فحقق أمانينا بسكنى هذا البلد الطيب. |
سيلاوس: أجل يا أبا داس أجل وأنها لنعمة ما بعدها نعمة أرجو أن تدوم حتى الممات... |
أبو داس: يا رب!. يا رب!. نسألك دوامها.. ونسألك أن تحمي بلاد الأنباط من بطش الرومان وعذابهم... |
سيلاوس: أنني اعتصر من الألم والحزن حين أتخيل ماذا سيفعل الرومان ببلادنا وادعو رب هذا البيت أن يصرف عنهم كيد الرومان ونكالهم... |
أبو داس: آه متى تصبح لأمة العرب القوة القادرة على حماية العرب أينما كانوا... |
سيلاوس: يقيني يا أبا داس أن المعجزة ستنطلق من هذا البلد الطيب ومن رحاب هذا البيت المطهر فتملأ الدنيا عدلاً ونوراً وأمناً واستقراراً. كما ملئت ظلماً وبهتاناً وجوراً... |
أبو داس: والرومان أترى إمبراطوريتهم تتسع رقعتها إذا ما هلك الأمبراطور أوغست؟... |
سيلاوس: إن أوغست الأمبراطور شخصية قل أن يلد الزمان مثلها وما أرى الرومان بعد هلاكه إلا منقسمين على أنفسهم حتى يوحدهم إمبراطور في مواهب أوغست... |
أبو داس: وستتعرض البلدان التي هي تحت حكم الرومان إلى ويلات ونكبات ونقص في الأنفس والأموال... |
سيلاوس: وفي طليعتها بلاد النبطيين فالرومان حاقدون على التجارة والازدهار الذي تتمتع به هذه البلاد... |
أبو داس: كما أنهم يخشون أن تتطور العلاقات التجارية القوية بين بلاد الأنباط والحميريين وإمارة مكة إلى تكتل سياسي يهدد مركز الرومان في البلاد الشامية. |
سيلاوس: صدقت فهذا الخوف يخامر قادة الرومان ومفكروهم ولقد تلمسته من علاقاتي واتصالاتي بهم أيام سفارتي... |
أبو داس: وأنا أيضاً كنت أتحسسه في أحاديث كبار الرومان عندما كانت تجمعني بهم ظروف العمل كممثل لملك الأنباط. |
سيلاوس: ولكني لا أظن الرومان يتعجلون في القضاء على مملكة الأنباط فهم ما يزالون بحاجة إليهم في نقل منتجات الهند وبلاد العرب إلى البلاد الشامية ومنها إلى روما... ثم... |
أبو داس: ثم ماذا يا سيلاوس؟؟.. |
سيلاوس: ثم إن للرومان عملاء بين النبطيين يطلعونهم على ما يجري في بلاد العرب التي أصبح الرومان يتخوفون منها بعد المصير المشين الذي تعرضت له الحملة الرومانية... |
أبو داس: انتظروا أيها الرومان فستكون نهايتكم على أيدي العرب يوم تتوحد قلوبهم وصفوفهم... |
|