الحلقة ـ 39 ـ |
شداد: ريدان.. ريدان.. الموت للرومان.. الموت للرومان.. |
أصوات: الموت للرومان.. الموت للرومان.. |
(أصوات مدوية وصرخات مرعبة نسمع بعدها صوت إيليوس يقول): |
إيليوس: إنه هجوم شديد من العصابات الحميرية يا مزيني.. |
مزيني: بلى سيدي القائد بلى وهو هجوم غير منتظر ولا سيما وطلائع قواتنا قد وصل إلى أسوار مدينة مارياما.. |
إيليوس: يجب سحق الهجوم ودخول (مارياما) بأي ثمن. |
مزيني: ولكننا لن نستطيع دخول مارياما بالشكل الذي رسمته يا سيدي القائد.. |
إيليوس: أتقصد دخول الفاتحين.. |
مزيني: أجل سيدي القائد أجل.. |
إيليوس: المهم دخول (مارياما) والاعتصام بها حتى نقرر ما يجب أن نفعله.. |
مزيني: أمرك سيدي القائد.. |
إيليوس: لعلّ طلائع قواتنا تلتف حول المهاجمين فتطوقهم فيقعوا بين نارين.. |
مزيني: هذا إذا لم تكن طلائع قواتنا قد وقعت في كمين وأبيدت.. |
إيليوس: يا لهؤلاء الحميريين إنهم يقاتلون عن كل شبر من أرضهم. |
مزيني: إنه الوطن سيدي القائد والوطن غالٍ وفي سبيله ترخص الأرواح.. |
إيليوس: هيا يا مزيني واعمل المستحيل لسحق الهجوم ودخول (مارياما). |
(أصوات مدوية وصرخات مرعبة نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: هجوم عنيف تقوم به القوات الحميرية يا سيلاوس.. |
سيلاوس: لقد اختار المكان والزمان المناسب لهذا الهجوم.. |
أبو داس: أجل. أجل فالقوات الرومانية تكاد تلفظ أنفاسها من سرعة الزحف وعناء السفر.. |
سيلاوس: ولكن (إيليوس) المغرور سيفعل المستحيل لدفع هذا الهجوم ودخول مارياما مهما كلف الثمن. |
أبو داس: ولكنه لن يدخل (مارياما) دخول الرومان الفاتحين.. هذا إذا قدر له أن يدخلها.. |
سيلاوس: إن (إيليوس) يريد دخول (مارياما) ولو كان متخفياً وذلك لكي يعتصم بها هو وجيشه من غارات القوات الحميرية.. |
أبو داس: المعركة تحتدم وتشتد والقتلى يتساقطون كأوراق الخريف من الجانبين. |
سيلاوس: وأرى القوات الرومانية تحاول شق طريقها وكسر الطوق الذي تحاول القوات الحميرية قيده بها.. |
أبو داس: مع أننا نكره الرومان إلا أننا لا يسعنا إلا بمهارة الجندي الروماني في القتال. انظر كيف يقاتلون بفن وإعجاز بالرغم من أنهم متعبون مكدودون.. |
سيلاوس: هذه حقيقة واضحة كالشمس ولكننا يجب أن لا نغمط حق المقاتل الحميري الذي لم يتمرس الوقوف أمام قوات مدربة أحسن تدريب، ومع ذلك فإنه يقف منها موقف الند بالند.. |
أبو داس: إن المقاتل الحميري يتميز بالخفة والسرعة في الكر والفر ولكن التخطيط والبراعة في إدارة المعارك هي من خصائص القادة الرومان.. |
سيلاوس: أجل يا أبا داس أجل وها هي القوات الرومانية تشق طريقها إلى (مارياما) على أشلاء من ضحايا الجانبين.. |
أبو داس: ألا تعترف معي بأن (مزيني) قائد بارع ملم بفنون الحرب أكثر من سيده القائد المغرور (إيليوس). |
سيلاوس: هذا شيء لا يختلف فيه اثنان.. وإنه لمن حسن حظ (إيليوس) أن يكون معه قائد ماهر مثل (مزيني). |
أبو داس: وأخيراً استطاع الجيش الروماني شق طريقه إلى (مارياما) وأخذت حدة القتال تخف. انظر يا سيلاوس.. انظر.. |
سيلاوس: انظر ماذا يا أبا داس؟.. |
أبو داس: بوابة (مارياما) الكبرى.. |
سيلاوس: بلى.. بلى.. ولكني أرى جثة معلقة عليها.. تراها جثة من.. |
أبو داس: سنعرف ذلك فيما بعد.. ولو أني موقن أنها جثة أحد الخونة.. |
(قعقعة سلاحها وصهيل خيلها نسمع بعدها صوت (إيليوس) يقول): |
إيليوس: برافو.. مزيني.. برافو.. إنك تستحق التهنئة على براعتك في كسر الطوق الذي أحكمته القوات الحميرية حول جنودنا.. إنك تستحق أرفع وسام في الإمبراطورية.. |
مزيني: العفو سيدي القائد إنما قمت به مستمد من إرشادات سيدي القائد المظفر وتوجيهاته السديدة.. |
إيليوس: ولكنك كنت موفقاً يا مزيني إلى أبعد حدود التوفيق.. |
مزيني: غير أني حزين سيدي القائد على الضحايا من جنودنا وعلى خسارتنا لأخلص صديق.. |
إيليوس: من هو؟.. |
مزيني: اليهودي دانيال.. |
إيليوس: هل قتل؟.. |
مزيني: أجل سيدي القائد.. |
إيليوس: كيف.. كيف.. |
مزيني: عندما كانت قواتنا تمر من بوابة مارياما الكبرى رأى دانيال جثة ابن أخيه (شمعون) معلقة على مدخل البوابة فذهب ليتأكد منها وإذا بسهم يطلق عليه فيصيب منه مقتلاً فيرديه.. |
إيليوس: يا لها من خسارة فادحة.. فادحة جداً يا مزيني.. حقيقة خسرنا أخلص صديق وإنها خسارة لا تعوض.. |
مزيني: لعلّنا نجد في (مارياما) من يقوم مقامه من اليهود الموجودين فيها.. |
إيليوس: وقد لا نجد يا مزيني فربما هرب اليهود منها أو قتلتهم القوات الحميرية بعد أن علقت جثة اليهودي شمعون على بوابة (مارياما). |
مزيني: سنرى سيدي القائد سنرى. والآن ما هي أوامر سيدي القائد.. |
إيليوس: يجب إعطاء الجنود قسطاً كبيراً من الراحة ليستردوا بعدها نشاطهم وحيويتهم مع عمل الترتيبات اللازمة والاحتياطات الشديدة من أي هجوم حميري مفاجىء. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت القائد ريدان يقول): |
ريدان: جمعتكم اليوم لأهنئكم ولأشكركم على ما بذلتم من جهود جبارة في صد الزحف الروماني وفي تكبيده أكبر خسارة ممكنة.. |
سنداح: كنا نأمل أن نكبد عدونا خسارة أكثر في الرجال والعتاد ولكن مهارة قيادته هي التي حالت دون ذلك.. |
شداد: إنه اعتراف منا أيها القائد ريدان بمهارة القيادة الرومانية وبراعتها وقدرة جنودها وتمرسهم فنون الحرب والقتال.. |
ريدان: ولولا هذه البراعة ما سار الرومان على هذه البقعة الواسعة من العالم وأنهم الآن يحاولون احتلال بلادنا وإخضاعها لحكمهم.. |
سنداح: لن يكون ذلك وفينا عرق ينبض.. |
شداد: والآن ماذا ترون أن نفعل بعد احتلال الرومان (لمارياما).. |
ريدان: هذا ما جمعتكم من أجله.. أشيروا علي.. قل يا سنداح وأنت يا شداد.. |
سنداح: رأيي أن نبقي الرومان محصورين في مدينة (مارياما) وأن نقضي على كل محاولة لهم للخروج منها.. |
ريدان: رأي سديد ما تقول فيه يا شداد.. |
شداد: إنني أؤيد القائد سنداح في رأيه ولكن الرأي أولاً وآخراً لك.. |
ريدان: الرأي مشترك وهذا هو ما دعوتكم له.. |
شداد: إن إبقاء القوات الرومانية بدون مشاغلة يعطيها فرصة للراحة التامة واسترداد نشاطها وقدراتها العسكرية.. |
ريدان: كلام جميل يا شداد ما رأيك فيه يا سنداح.. |
سنداح: للمشاغلة لا شك فوائدها وفرض الحصار لا أظنه يترك للرومان فرصة للراحة إنه يجعلهم في حالة قلق وتوتر في انتظار ساعة الهجوم منا ومع ذلك فالرأي لك أيها القائد ريدان.. |
ريدان: شداد يقصد بالمشاغلة إنهاك القوة الرومانية وإضعاف معنوياتها كما لا يترك لها مجالاً لمعالجة مرضاها.. ثم إن كثرة الضحايا يساعد على تفشي المرض بحيث يصبح وبائياً وهذا ما نسعى نحن إليه.. |
شداد: إذن ترون الجمع بين الخطتين: المحاصرة والمشاغلة. |
ريدان: أجل يا شداد الجمع بين الخطتين فيه الفائدة وسأرسم الطريقة وأبلغكم إياها للبدء في تنفيذها قبل أن يفكر الرومان في زحف جديد.. |
سنداح: على كل حال فالرومان لن يفكروا في الزحف على العاصمة إلا بعد استعداد كبير لها.. |
شداد: إن قائد الحملة الرومانية مغامر.. ولولا حبه للمغامرة ما وصل إلى هذه الأماكن النائية.. |
ريدان: سأسرع في رسم الخطة وأبلغكما إياها فإلى لقاء آخر.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: فرحي لا يعدله فرح يا سيلاوس.. |
سيلاوس: فرح باحتلال الرومان (لمارياما)؟.. |
أبو داس: لا يا سيلاوس. إنني مسرور بموت اليهودي دانيال وشنق ابن أخيه اليهودي شمعون لقد تخلصنا من عدوين لدودين ماكرين.. |
سيلاوس: آه متى نرى (إيليوس) مشنوقاً على إحدى بوابات بلادي.. |
أبو داس: قل متى يقضي الحميريون على الحملة الرومانية؟.. |
سيلاوس: سيقضي عليها المرض قبل أن تقضي عليها القوات الحميرية.. |
أبو داس: ما هي الخطوة التالية التي ترى أن (إيليوس) سيقوم بها.. |
سيلاوس: الزحف صوب العاصمة الحميرية هل عندك شك؟.. |
أبو داس: لا.. ولكن الهجوم على العاصمة الحميرية يحتاج إلى استعداد كبير.. والجيش الروماني مرهق مكدود.. |
سيلاوس: ولكن (إيليوس) المغرور لا يعير لهذه الأمور.. كل ما يهمه الوصول إلى العاصمة الحميرية مهما يكن الثمن.. |
أبو داس: ولكنه لن يجد جندياً رومانياً واحداً يستطيع الزحف معه صوب العاصمة الحميرية والجنود الرومان على هذه الحالة الصحية السيئة والمعنويات المتدهورة والفوضى بين الجنود.. |
سيلاوس: ولم الجدل يا أبا داس فكل آت قريب.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (إيليوس) يقول): |
إيليوس: ألم تجد في (مارياما) يهودياً واحداً يتعاون معنا.. |
مزيني: لقد عملت المستحيل فلم أجد يهودياً واحداً في (مارياما) لقد فر من فيها من اليهود إلى داخل اليمن. |
إيليوس: في الحقيقة نحن نرتكب خطأً كبيراً يا مزيني.. |
مزيني: ما هو سيدي القائد؟.. |
إيليوس: لا نصنع أصدقاء من أهل البلد نستغلهم عملاء لنا.. مثلاً ألم تجد أحداً ممن يكرهون النظام الحميري الحالي.. |
مزيني: أي نظام في العالم له محبون وكارهون.. ولكني ما رأيت شعباً يحبون حاكمهم كحب الحميريين لمليكهم ووطنهم.. ولقد حاولت يا سيدي القائد أن اصطنع عملاء منهم وبذلت كثيراً من المغريات فما وجدت غير اليهود.. واليهود فقط.. |
إيليوس: ذلك لأن اليهود غرباء لا تربطهم بهذا البلد أي رباط.. إنهم كالمرتزقة الذين يستغلهم الرومان في حروبهم التوسعية.. |
مزيني: إننا يا سيدي غزاة والغزاة مكروهون ولا سيما في بلد لم تطأه أقدام مستعمر أو غازٍ قبل اليوم.. |
إيليوس: والآن ماذا ترى يا مزيني؟.. |
مزيني: في أي شيء.. |
إيليوس: في الزحف صوب العاصمة الحميرية.. |
مزيني: أريد أن أكون صريحاً مع سيدي في غاية الصراحة.. |
إيليوس: قل فإني أقدر صراحتك وإخلاصك فأنت موضع ثقتي.. |
مزيني: أشكر لسيدي القائد هذه الثقة التي أعتز بها وأفخر.. |
إيليوس: قل ولا تخف شيئاً.. |
مزيني: المرض يا سيدي القائد.. |
إيليوس: ماذا عن المرض.. |
مزيني: لقد تفشى المرض بين جنودنا حتى بات يخشى أن يصير وباء. |
إيليوس: يا إلهي.. ألهذا الحد؟ |
مزيني: أجل إلى هذا الحد يا سيدي القائد ولا سيما بعد أن اضطررنا إلى حمل المصابين معنا إلى مارياما.. |
إيليوس: إذن ما العمل.. الأمر في غاية الخطورة يا مزيني.. |
مزيني: أجل سيدي القائد.. أجل.. |
إيليوس: ما رأي أطباء الحملة.. |
مزيني: إنهم حائرون في تشخيص المرض بعد أن ظهرت أعراض جديدة زادت في جيوشهم.. |
إيليوس: بماذا ينصحونا؟.. |
مزيني: إنهم يستمهلوننا خمسة عشر يوماً يقررون بعدها رأيهم على ضوء سير المرض وانخفاض الإصابات أو ازديادها.. |
إيليوس: إذن فالطريق إلى العاصمة الحميرية طويل وطويل جداً.. |
|