الحلقة ـ 36 ـ |
مزيني: سيدي القائد.. لم يتفشى المرض بشكل وبائي بين الجنود حتى يخشى منه.. إن أطباء الحملة يعالجونه.. |
إيليوس: هل يشفي المصابون أو تزداد علتهم.. أو يهلكون.. |
مزيني: العلاج كما يقول الأطباء يحتاج إلى وقت طويل.. |
إيليوس: ماذا نعمل بالمرضى؟ |
مزيني: يرى أطباء الحملة أن نقيم معسكراً في منطقة متوسطة بين نجرانا ومارياما ينقل إليها المصابون حيث يعالجون.. |
إيليوس: إذن يجب وضع حراسة قوية عليهم خوفاً من غارات العصابات الحميرية عليهم.. |
مزيني: أمرك سيدي القائد.. |
إيليوس: كيف انتقل المرض إلى جنودنا.. |
مزيني: من اختلاطهم بأهالي البلد وباليهود الموجودين فيها فهذا الداء منتشر بين اليهود بشكل مريع.. |
إيليوس: ألا قاتل الله اليهود.. كل بلاء من اليهود.. كل شر على العالم من اليهود.. ليت الله لم يخلق اليهود.. |
(ضجيج وهرج ومرح نسمع بعده صوت ملك سبأ وذو ريدان يقول): |
الملك: جمعتكم اليوم لإطلاعكم على ما تم في اجتماع مكة وما اتفق عليه في اجتماع دول بحر القلزم.. |
اليشرح: نعم ما تفعل أيها المليك.. |
الملك: لقد تم الاتفاق في اجتماع مكة بين القبائل المتناحرة وسويت جميع الخلافات المستحكمة بينهم والدموم المطلوبة بفضل جهود أمير مكة ومستشاره شداد الحكيم.. |
أصوات: بورك لمكة في أميرها وحكيمها.. |
اليشرح: أرى أيها المليك أن تبعثوا برسالة ودية إلى أمير مكة تثنون فيها على ما قام من جهود مباركة لرأب الصدع وجمع الكلمة.. |
اصوات: رأي سديد أيها المليك.. |
الملك: أما بشأن اجتماع دول بحر القلزم فأنتم تعلمون بمساعينا منذ بدأ غزو الرومان لبلادنا. وسارت المساعي بين مد وجزر حتى تم أخيراً الاتفاق على توحيد أساطيل هذه الدول وحشدها لمواجهة الأسطول الروماني. |
أصوات: يحيا ملك سبأ وذو ريدان.. يحيا.. يحيا.. |
اليشرح: أرى أن توجه رسائل شكر إلى هذه الدول.. |
أصوات: رأي سديد.. رأي سديد.. |
الملك: وسيتولى قائد الأسطول الحميري قيادة الأساطيل المتحدة.. |
أصوات: تحيا الأساطيل المتحدة.. تحيا تحيا.. |
الملك: أما بشأن الزحف الروماني على مارياما فقد عينا القائد ريدان للدفاع عن العاصمة. |
اليشرح: أرى أيها المليك أن مارياما ستكون الصخرة التي تتكسر عليها حدة أمواج الحملة الرومانية وأن الرومان بعدها سيعودون أدراجهم بدون انتظام.. |
الملك: هذا رأي القائد ريدان أيضاً.. ولا سيما.. |
اليشرح: ولا سيما ماذا أيها المليك؟.. |
الملك: ولا سيما والأخبار تتواتر عن ظهور مرض خبيث بين القوات الرومانية.. |
أصوات: مرض خبيث.. مرض خبيث.. |
اليشرح: يجب أن نحصن قواتنا من هذا المرض أيها المليك.. |
الملك: لقد أوعزنا للقائد ريدان بما يحب.. |
اليشرح: أنا أخشى من العدوى حين يلتحم الجيشان في المعركة.. |
الملك: لن تلتحم قواتنا بالقوات الرومانية إلا حيثما تبدأ في صعود الجبال في طريقها إلى عاصمتنا ويرى القائد ريدان أنها لن تستطيع الزحف صوب العاصمة إلاّ إذا تخلصت من المرض الذي تفشى بين أفرادها.. |
اليشرح: وأرى إذا سمح لي المليك أن أقول.. |
الملك: قل رأيك وبكل صراحة.. |
اليشرح: أرى في حال اضطرار القوات الرومانية إلى العودة إلى (مدينة نجرانا) ألاّ تلاحقها قواتنا.. |
الملك: كيف.. كيف.. |
اليشرح: لئلا تصاب بالعدوى.. |
الملك: على كل تعقب القوات الرومانية في حال عودتها ضروري حتى نضطرها إلى ركوب البحر ومن ثم تهاجمها أساطيلنا المتحدة فيكون القضاء عليها نهائياً.. |
أصوات: رأي الملك هو الصواب.. هو الصواب.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: علمت إن (إيليوس) في حالة هياج عصبي شديد من أخبار المرض الذي انتشر بين جنوده.. |
سيلاوس: كيف لا يهتاج.. أو ينفجر غضباً وحنقاً وهو يرى آماله وأحلامه تتبخر بهذه السرعة ولا سيما بعد أن لاحت في الجو بوادر انتصارات كان يعلق عليها أمالاً طويلة وعريضة.. |
أبو داس: وسيزداد هياجاً وغضباً عندما تشن القبائل المتصالحة حرب عصابات تقطع اتصالات جيشه وتفتك بميرته وذخيرته.. |
سيلاوس: لعلّها آخر أيام الحملة الرومانية ثم (تنكص) على أعقابها فلنا شهور وأيام ونحن بعيدون عن الأهل والولد.. |
أبو داس: أراك تأمل في سلامة العودة ورؤية الأهل والولد يا سيلاوس؟ |
سيلاوس: لولا الأمل ما عشنا إلى هذه الساعة يا أبا داس.. |
أبو داس: أتراك تأمل أن يبقيك الرومان بعد هزيمتهم هذه.. لا وربك سيقتلوننا شر قتله.. |
سيلاوس: إذن ما الرأي؟.. |
أبو داس: رأيي أن نفر إلى مكة ونرسل في طلب أهلنا وأولادنا ليعيشوا معنا.. |
سيلاوس: وملك النبطيين ألا يستطيع حماية سيلاوس قائد جيشه وأبي داس ممثله الشخصي.. |
أبو داس: سيضغط عليه الرومان ويتهددونه بالحرب إن لم يسلمنا.. وأنت تعلم أن جيش ملك النبطيين لا يستطيع الصمود أمام الجيش الروماني. |
سيلاوس: هذا صحيح.. هذا صحيح.. فلنفكر في الهرب بمجرد تراجع الحملة الرومانية.. |
أبو داس: وسنعطي (إيليوس) فرصة ذهبية ما حلم بها.. |
سيلاوس: ما هي يا أبا داس؟ |
أبو داس: سيعزو أسباب هزيمته إلى خيانتنا كأدلاء وفرارنا أكبر دليل على ذلك.. |
سيلاوس: لا يهمنا ماذا سيتهمنا (إيليوس) أو صديقه المؤرخ (سترابو) لقد أدينا واجبنا نحو بلادنا العربية فأنقذناها من استعباد الرومان وطغيانهم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية سريعة نسمع بعدها صوت (إيليوس) يقول): |
إيليوس: كيف سريان المرض بين جنودنا يا مزيني.. |
مزيني: معدل الإصابات لم يرتفع إلى درجة الخطورة بعد.. |
إيليوس: وسير الحملة كيف؟.. |
مزيني: كما ترى سيدي القائد.. تسير الحملة بسرعة فائقة صوب مدينة (مارياما).. |
إيليوس: أرجو ألاّ يحدث ما يعيق تقدم الحملة بهذه السرعة المذهلة نحو هدفها.. |
مزيني: أخشى ما أخشاه من العصابات الحميرية.. |
إيليوس: ولكن القبائل التي تمون هذه العصابات بالرجال والعتاد منقسمة على أنفسها.. |
مزيني: لعلّ الاجتماع الذي دعا إليه أمير مكة كما أخبرنا يهود نجرانا قد سوى الخلافات الناشبة بين هذه القبائل.. |
إيليوس: أتعتقد أن الاجتماع قد وفق إلى ذلك.. |
مزيني: إذا تعرضنا لهجوم من العصابات الحميرية فهذا يعني أن الاجتماع نجح وإن لم نتعرض فمعناه أن الاجتماع قد فشل.. |
إيليوس: كلام سليم.. كلام سليم.. |
(نسمع صوت همام قائد العصابات الحميرية وهو يقول): |
همام: ستصل الحملة الرومانية هذا المساء يا قوم إلى (ريعان سفود) وهو المكان الذي قرر القائد ريدان أن نشن هجومنا منه عليها.. |
مسافع: بلى يا همام بلى.. |
همام: سيهجع الرومان بهذا المكان.. وسيقيمون حراسة شديدة على معسكرهم.. |
مسافع: بلى يا همام بلى.. |
همام: تسللوا بحذر وحيطة وخفة وأغمدوا خناجركم في صدور هؤلاء الحراس وبعد أن تنتهوا من ذلك يعوي أحدكم عواء الذئاب فتكون إشارة لنا بالهجوم فهمتم.. |
مسافع: أجل.. أجل.. والمعسكر الذي أقاموه بالطريق ألا نهاجمه ونقضي على من فيه.. |
همام: إن في هذا المعسكر مرضى والرحمة والشفقة تمنعنا من أن نجهز على مريض أو شخص به علة. |
مسافع: ولكن المعسكر محاط بحرس قوي.. |
همام: الحرس لحماية هؤلاء المرضى وأصحاب العلل. فالحذر ثم الحذر أن تمسوهم بسوء وإن كانوا أعداء.. |
مسافع: ولكن الرومان لم يتورعوا عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ حتى الحيوانات.. |
همام: إذا كان الرومان متوحشين فنحن العرب يجب أن نلقنهم درساً في الرحمة والشفقة وعدم إيذاء المرضى والشيوخ والأطفال والنساء.. هذه هي الأخلاق التي فطرنا عليها ومن شب على شيء شاب عليه.. |
(ضجيج وهرج ومرج وحركات سريعة تدل على نزول الحملة في (ريعان سفود) نسمع بعدها صوت همام يقول): |
همام: يا قوم لقد نزلت الحملة الرومانية في المكان الذي قدرت القيادة الحميرية لها فانتظروا حتى تطفأ أنوارهم ثم نفذوا تعليماتي.. |
مسافع: أمرك أيها القائد همام.. الموت للرومان.. |
همام: والآن فليذهب كل إلى مكانه وانتظروا إشارة الهجوم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: لا أدري على أي أساس اختار (إيليوس) هذا المكان الوعر؟.. |
سيلاوس: لعلّه يخشى من هجوم العصابات الحميرية.. |
أبو داس: أتظن أن عصابات حميرية ستهاجم القوات الرومانية.. وهل هذا ثمرة اجتماع مكة؟ وبهذه السرعة.. |
سيلاوس: لم لا يا أبا داس.. لقد أحس المجتمعون بالخطر الذي يتهدد مصيرهم فسارعوا إلى توحيد الصف ولم الشمل.. |
أبو داس: أرجو أن تكون صائباً في تقديراتك يا سيلاوس فأنا أخشى من هذا الاندفاع الروماني الأيقف إلاَّ في قلب العاصمة الحميرية.. |
سيلاوس: والمرض أنسيته يا أبا داس..؟ |
أبو داس: المرض لم يصل إلى درجة الخطورة. |
سيلاوس: سيزداد ويتفشى بعد دخول القوات الرومانية إلى (مارياما). |
أبو داس: والعصابات الحميرية التي تتحدث عن احتمال مهاجمتها للقوات الرومانية قبل وصولها إلى (مارياما) ألا تعيق الزحف الروماني وتحد من اندفاعه وسرعته..؟ |
سيلاوس: لا شك أنها ستوقف الزحف الروماني وتخلق الفوضى في خططه المرسومة وتبث الرعب في قلوب جنود الرومان ولكن.. |
أبو داس: ولكن ماذا يا سيلاوس؟.. |
سيلاوس: ولكني أخشى من دليل الحملة اليهودي (دانيال) أن يفوت على العصابات الحميرية أغراضها.. |
أبو داس: كيف لا سيلاوس كيف؟.. |
سيلاوس: ريعان سفود (الذي تنزل به الآن القوات الرومانية منيع وحصين فإذا استطاعت العصابات الحميرية أن تأتي بنتيجة مشرفة في هجومها المرتقب فالزحف الزماني سيتوقف أياماً وليالي حتى يستطيع التخلص من آثار هذا الهجوم.. |
أبو داس: وإذا كان العكس؟ |
سيلاوس: إذا كان العكس فسيسلك اليهودي (دانيال) بالحملة طريق المزارع وهو طريق معمور مأهول يضيع الفرصة على العصابات الحميرية ويبعد من خطرها على القوات الرومانية.. |
أبو داس: كل ما تقوله يا سيلاوس يتوقف على وجود العصابات الحميرية وإلا كان خيالاً في خيال.. |
سيلاوس: أطفئت المعسكر فهلمّ بنا نهجع مع الهاجعين.. |
أبو داس: ولكني لا أحس برغبة في النوم يا سيلاوس.. |
سيلاوس: قد يكون موضوع العصابات الحميرية قد شغل تفكيرك فأطار النوم من عينيك.. |
أبو داس: ربما هذا وربما الخوف من خطط اليهودي (دانيال).. |
(عواء الذئاب نسمع بعده صوت سيلاوس يقول): |
سيلاوس: أراهن أن هذا العواء إشارة بدء هجوم العصابات الحميرية.. |
أبو داس: ولم لا يكون عواء ذئاب حقيقي..؟ |
(عواء الذئاب نسمع بعده أصوات تقول): |
الأصوات: ريدان.. ريدان.. الموت للرومان.. الموت للرومان.. |
(أصوات مدوية وصرخات مرعبة نسمع بعدها صوت (إيليوس) يقول): |
إيليوس: مزيني! مزيني! |
مزيني: سيدي القائد! |
إيليوس: ما هذا الذي أسمع! |
مزيني: إنها العصابات الحميرية سيدي القائد تقوم بهجوم على ميرتنا وذخيرتنا بعد أن فتكت بالحراس.. |
إيليوس: فتكت بالحراس.. كيف؟ |
مزيني: تسلل عدد من أفراد العصابات وغافلوا حراسنا فطعنوهم بالخناجر فقتلوهم ولو لم يصرخ أحد الحراس ما شعرنا بهجوم العصابات المفاجىء.. |
إيليوس: إننا في موقع حصين فيجب طرد هذه العصابات والقضاء عليها إذا أمكن.. |
مزيني: هل يأمر سيدي القائد بمطاردة أفراد العصابات؟ |
إيليوس: لا.. أخشى أن تكون وراء هذه العصابات كمائن منصوبة للإيقاع بقواتنا.. |
مزيني: إذن سندفعهم هنا حتى يصبح الصباح فيتفرقوا بعدها. |
إيليوس: هذا ما أقصد يا مزيني.. |
مزيني: سأفعل سيدي القائد.. |
(صرخات مرعبة نسمع بعدها صوت همام يقول): |
همام: بورك فيكم.. بورك فيكم لقد أديتم واجبكم على خير ما يرام.. |
أصوات: الموت للرومان.. الموت للرومان.. |
همام: والآن وقد طلع الفجر يجب أن نعود إلى قواعدنا انتظاراً لحلول المساء.. |
|