الحلقة ـ 35 ـ |
سيلاوس: واجتماع مكة المرتقب أرجو أن يتم قبل أن يقوم إيليوس بهجوم غادر.. |
أبو داس: اجتماع مكة ليس هو اليوم يا سيلاوس؟.. |
سيلاوس: بلى يا أبا داس ولكني لا أدري هل طرأ على موعده شيء؟.. |
أبو داس: لو طرأ شيء على موعده لذاع وانتشر فأخبار السوء لا تخفى.. |
سيلاوس: سأظل أتقلب على جمر القلق حتى أعرف ماذا سيتمخض عنه الاجتماع. |
أبو داس: سواء قلقت أم أخلدت للسكون فما قدر سيكون.. |
سيلاوس: ولكني لا أستطيع كبح سورة القلق التي تساورني وتستحوذ على مشاعري تطالعني في صباحي ومسائي وليلي ونهاري.. |
أبو داس: التجلد وكبت الشعور مطلوب منا في الظروف التي نعيشها.. فنحن محاطون برقابة شديدة تحصي علينا أنفاسنا وحركاتنا وسكناتنا.. |
سيلاوس: صه يا أبا داس فمزيني قادم إلينا.. |
أبو داس: لعلّنا نستطيع أن نستشف من حديثه بعض ما يخبىء في صدره.. |
سيلاوس: إنه خبيث مثل سيد إيليوس.. وسره لا يطلع من صدره بسهولة.. |
أبو داس: على كل حال سنرى.. |
(يدخل مزيني فيقول له سيلاوس): |
سيلاوس: مرحباً بك أيها القائد مزيني.. |
مزيني: وبك يا سيلاوس.. |
أبو داس: لقد أسعدتنا بهذه الزيارة.. |
مزيني: إني أنا السعيد يا أبا داس. فمجلسك الأنيس يتسابق إليه المتسابقون.. |
أبو داس: أخجلتني يا مزيني بلطفك وظرفك وكمالك.. |
سيلاوس: ذلك غير مستغرب من مزيني الروماني العريق.. |
أبو داس: لقد كان انتصارك الرائع على القائد الحميري مثار إعجاب الناس الذين يتوقعون لكم انتصارات باهرة في زحفكم القادم.. |
سيلاوس: كانت معركة هائلة تجلت فيها أصالة الجندي الروماني وعراقته في ميدان القتال.. |
أبو داس: أنسيت القيادة الحكيمة الموجهة يا سيلاوس.. |
مزيني: أنا الآن الذي يحق لي أن أقول: أخجلتم تواضعي يا ناس. |
سيلاوس: كلمة الحق يجب أن تقال أيها القائد.. |
مزيني: المناطق التي دارت فيها المعركة ضد القائد الحميري كانت جبلية وعرة إنها تذكرنا بمناطق شمالي إيطاليا.. ولا أدري.. |
أبو داس: ولا تدري ماذا يا مزيني؟.. |
مزيني: لا أدري هل جميع بلاد الحميريين بهذه الوعورة.. |
أبو داس: سيلاوس أعلم مني يا مزيني وهو دليل هذه الحملة.. |
سيلاوس: بلاد الحميريين أكثرها جبلي وعر حتى أنه في بعض المناطق لا تستطيع الخيل المشي ويضطر المرء إلى المشي على رجليه أو امتطاء البغال والحمير.. |
مزيني: حتى المناطق الساحلية بهذا الشكل يا سيلاوس.. |
سيلاوس: المناطق الساحلية أكثر أراضيها سهلية.. |
مزيني: وعاصمة الحميريين تقع بلا ريب في المناطق الجبلية.. |
سيلاوس: بلى يا مزيني بلى.. |
مزيني: إذن فالوصول إليها ليس هيناً.. |
سيلاوس: بالطبع.. بالطبع.. |
مزيني: ما هي أقرب مدينة مأهولة لعاصمة الحميريين؟.. |
سيلاوس: (مارياما) على ما أعتقد.. وهي البلد الآهل بالسكان.. قد توجد أماكن أقرب ولكنها غير مأهولة.. |
أبو داس: البلد المعمور خير من الخرب.. ومارياما أرى ضرورة احتلالها من قبل الجيش الروماني.. |
مزيني: هذا شيء لا أستطيع أن أقرره أنا أو أنت يا أبا داس.. |
أبو داس: من دون شك.. من دون شك يا مزيني.. فالأمر أولاً وآخراً بيد سيدي القائد المظفر: إيليوس.. |
مزيني: أجل يا أبا داس أجل.. ما أسهل الدخول في الحديث عن الحروب وما أصعب الخروج منه.. |
سيلاوس: ذلك لأنه حديث الساعة وهو الهدف الذي جاء بنا إلى هذه البلاد.. |
مزيني: يا لها من بلاد صعبة. ما أقسى طبيعتها وما أفظع مناخها وجوها لقد أطلت عليكم الحديث فإلى اللقاء. |
أبو داس: إلى اللقاء يا مزيني.. إلى اللقاء.. |
(وقع أقدام مزيني وهو يغادر المكان نسمع بعدها صوت سيلاوس يقول): |
سيلاوس: ما رأيك يا أبا داس؟.. |
أبو داس: لقد جاء مزيني يجمع معلومات ينقلها إلي سيده إيليوس ليرسم على ضوئها خطة المستقبل.. |
سيلاوس: ألا يكون هدفه من جمع هذه المعلومات هو لمقارنتها بما لديه من معلومات من مصادر أخرى. |
أبو داس: ليس ذلك ببعيد. |
سيلاوس: ألا ترى أن أسئلة مزيني هي من قبيل التعمية.. |
أبو داس: كل شيء ممكن يا سيلاوس.. ولا سيما من تلميذ إيليوس المغرور.. |
سيلاوس: أرجح أن إيليوس قد رسم الخطة بسبيل تنفيذها وأنه أرسل مزيني لزيادة التوضيح.. |
أبو داس: وإن البلد الذي سيهاجمها إيليوس هي مارياما.. |
سيلاوس: إذن يجب أن يحاط المسؤولون هناك بذلك.. |
أبو داس: أجل يا سيلاوس أجل ولكن.. |
سيلاوس: ولكن ماذا يا أبا داس؟.. |
أبو داس: أما لاحظت شيئاً بين أفراد الجيش الروماني وفي مدينة (نجرانا) بالذات. |
سيلاوس: ما هو.. لم ألاحظ شيئاً.. |
أبو داس: أينما ذهبنا في (نجرانا) نجد كثيراً من المرضى معصوبي الرأس.. وكذلك بين أفراد الجيش الروماني.. |
سيلاوس: أتظن أنه مقدمة وباء. |
أبو داس: لا يستبعد.. فقد تساقط كثيراً من القتلى من الطرفين في الطريق إلى (نجرانا).. |
سيلاوس: وكذلك قتلى المعركة التي قتل فيها القائد الحميري.. |
أبو داس: إذا كانت هذه بوادر وظهور مرض وبائي فقل على الحملة الرومانية السلام فسيقضي عليها الوباء قبل أن تفتك بها سيوف الحميريين.. |
سيلاوس: وقل علينا أنت وأنا السلام.. |
أبو داس: مرحباً بالموت في سبيل إنقاذ بلادنا من المعتدين الظالمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزاحم يقول): |
مزاحم: البشرى يا شمس البشرى.. |
شمس: بشرك الرب بالخير.. ما وراءك؟.. |
مزاحم: نجح اجتماع مكة وتصالحت القبائل المتناحرة وعادت تنتظم مكانها في التجمع العربي.. |
شمس: بورك في أمير مكة.. بورك فيه.. |
مزاحم: أما قلت لك إن القادة الصالحين موجودون بين العرب.. |
شمس: حمداً لك يا إلهي وشكراً.. |
مزاحم: ولكن.. |
شمس: ولكن ماذا يا مزاحم ماذا؟ |
مزاحم: أحرز الرومان انتصاراً باهراً حول مدينة (نجرانا) قتل فيه القائد الحميري (صرواح).. |
شمس: خسارة لا تعوّض.. هذا ثاني قائد حميري يذهب في ميدان الشرف والكرامة.. |
مزاحم: ولكن القائد (ريدان) الذي يخشاه الرومان قد استرد صحته وعاد إلى الميدان للدفاع عن العاصمة الحميرية.. |
شمس: هذه بشرى أو بالأحرى تعزية لنا فيمن فقدنا من قادة في حربنا مع الظالمين المعتدين.. |
مزاحم: والشيء الذي يشغل بال الناس هو ما هي الخطوة التالية للقوات الرومانية.. |
شمس: هل غير عاصمة الحميريين؟.. |
مزاحم: هذا مسلم به ولكن هل سيهاجمون العاصمة الحميرية رأساً أو يحتلون (مارياما) ومنها يستعدون للزحف على العاصمة الحميرية.. |
شمس: أنا أرى أن الرومان سيحتلون (مارياما) أولاً ثم يزحفون على العاصمة الحميرية بعد ذلك.. |
مزاحم: كيف يا شمس كيف استنتجت ذلك؟.. |
شمس: ذلك لأن (مارياما) في أقصى الجنوب الشرقي والطريق منها مفتوح إلى العاصمة الحميرية إن لم توجد مقاومة فعّالة من الحميريين. |
مزاحم: ولكن الاتصال بين الأسطول البحري الروماني والحملة الرومانية البرية سيكون مفقوداً.. |
شمس: ولكن أمل القيادة الرومانية في الاحتلال السريع للعاصمة الحميرية يهون عليها هذه المخاطرة.. |
مزاحم: على كل حال ليت القوات الرومانية تقوم بهذه المخاطرة فتبتعد عن حماية الأسطول لها وتقع تحت رحمة القوات الحميرية.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (إيليوس) يقول): |
إيليوس: مزيني! |
مزيني: سيدي القائد.. |
إيليوس: ولتبق قوات الأسطول مرابطة حيث هي إلى أشعار آخر.. |
مزيني: أمرك سيدي القائد.. |
إيليوس: وأمر أبا داس وسيلاوس بأن يكونا في طليعة القوات الرومانية الزاحفة.. |
مزيني: لقد رأيتهما في الطليعة قبل أن آتي إلى سيدي القائد.. |
إيليوس: على كل حل بلغهما أمري هذا.. |
مزيني: أمرك سيدي القائد.. |
(تصدح موسيقى الزحف الحربية ويبتدأ الجيش الروماني في السير في طريق (مارياما) نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: لقد صدقت تكهناتك وتكهناتي يا سيلاوس.. فالجيش الروماني يزحف صوب (مارياما) في أقصى الجنوب الشرقي من العاصمة الحميرية.. |
سيلاوس: وأنه ليزحف نحو مصيره المحتوم.. |
أبو داس: كيف يا سيلاوس كيف..؟ |
سيلاوس: إن (مارياما) تقع على حدود الأماكن الصحراوية القاحلة.. وسيعود الرومان إلى قتال الصحراء وخبرتهم فيها قليلة ولذلك فالهزيمة أمر محتوم.. |
أبو داس: ذلك ما كنا نبغي يا سيلاوس.. أليس كذلك؟ |
سيلاوس: بلى يا أبا داس بلى.. ولكن.. |
أبو داس: ولكن ماذا؟ |
سيلاوس: أخشى من نشوة الانتصارات التي حققها الجيش الروماني أن تمنحه نوعاً من قوة الصمود والجلد والمثابرة كما أخشى.. |
أبو داس: تخشى ماذا يا سيلاوس؟.. |
سيلاوس: أخشى ألا يجد الجيش الروماني أمامه أية مقاومة فيتخذ طريقه إلى العاصمة الحميرية.. |
أبو داس: ولكن المرض الذي ظهر بين أفراد القوات الرومانية سيفتك بها حتى ولو لم تكن هنالك مقاومة حميرية.. |
سيلاوس: إنك متفائل جداً يا أبا داس.. |
أبو داس: أنا دائماً متفائل حتى في أحرج الأوقات.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت إيليوس يقول): |
إيليوس: مزيني!! |
مزيني: سيدي القائد.. |
إيليوس: كيف سير الحملة يا مزيني.. |
مزيني: هائل.. هائل سيدي القائد.. لا مقاومة ولا عصابات.. لولا.. |
إيليوس: لولا ماذا يا مزيني.. |
مزيني: لولا ظهور مرض خبيث بين الجنود.. |
إيليوس: (صارخاً) مرض خبيث.. يا إلهي.. لقد هزمنا.. هزمنا.. |
|