الحلقة ـ 30 ـ |
ايليوس: إنني معك في أن اليهود شعب عرف بالغدر والخيانة ولكن الظروف تضطر المرء - في بعض الأحايين أن يتعاون مع الخونة في سبيل بلوغ أهدافه.. ثم. |
مزيني: ثم ماذا يا سيدي القائد؟.. |
ايليوس: اليهود يكرهون العرب أكثر منا... |
مزيني: كيف ونحن الذين هدموا هيكلهم واحرقوا مدينتهم ودمروا أسوارها وقتلوهم وشردوهم.. |
ايليوس: هذا صحيح ولكن اليهود يعرفون حق المعرفة أننا أمة أقوى من العرب وأن النكسات التي أصبنا بها قضتها طبيعة الأرض العربية. |
مزيني: بلى.. بلى.. |
ايليوس: وإن اليهود المقيمين في هذه البلاد إذا ما صانعونا وساعدونا فسنمكن لهم ونجعل لهم سلطاناً فيها على الأمور الاقتصادية والتجارية وهي ما يهم اليهود أن يسيطروا عليه... |
مزيني: كلام جميل ومنطق سليم سيدي القائد.. ولكن.. |
ايليوس: ولكن ماذا يا مزيني؟.. |
مزيني: ولكن أين هم اليهود؟ |
ايليوس: اليهود موحدون في نجراناا.. |
مزيني: ولكن كيف يتسنى لنا الاتصال بهم وقد قطعت قوات التجمع العربي كل صلة لنا بالبر... |
ايليوس: هذا ما يجب أن نفكر فيه ونعمل على الوصول إليه.. |
مزيني: حسناً سيدي القائد سأحاول.. سأحاول... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: أخبار سيئة يا سيلاوس.. عسى أن من جاءك بها غير صادق.. |
سيلاوس: أنها أخبار أرسلها إلي أحد الذين يتعاونون معنا وأنت تعلم أنهم ثقاة وعلى اتصال وثيق بقيادة التجمع العربي... |
أبو داس: لا سبيل إلى رأب الصدع وجمع الكلمة..؟ |
سيلاوس: كيف يا أبا داس ونحن سجينين في هذا القصر... |
أبو داس: ولكن هذا الانقسام الذي تفجر بين القبائل العربية المشتركة في هذا التجمع ما أسبابه يا سيلاوس؟ |
سيلاوس: إنه خلاف على الأسلاب والغنائم كما يشاع. |
أبو داس: يا لتفاهة الأمر ولكن... |
سيلاوس: ولكن ماذا يا أبا داس؟.. |
أبو داس: ولكني أعتقد أن هنالك أسباباً خفية غير ما ذكرت.. |
سيلاوس: ربما يا أبا داس ولكن هذا هو الظاهر.. |
أبو داس: هذا صحيح.. لعلّه بداية الخلاف ثم عمقه ووسعه أعداء هذا التجمع العربي.. |
سيلاوس: ولكن من هم أعداء هذا التجمع وكلهم عرب في عرب.. |
أبو داس: أنسيت العنصر اليهودي الذي لجأ إلى البلاد العربية.. |
سيلاوس: ولكن اضطهاد الرومان لهم هو الذي شرد بهم إلى هذه البلاد.. |
أبو داس: كراهة اليهود للعرب تجري في دمائهم.. |
سيلاوس: بلى.. بلى.. |
أبو داس: واليهود يريدون الاستيلاء على اقتصاديات البلاد العربية وتجارتها وهذا لا يتسنى لهم إلا بالاستعانة بالأجنبي.. وغزو الرومان هو فرصتهم الذهبية لبلوغ هذا الهدف.. |
سيلاوس: ولكن الرومان يكرهون اليهود.. |
أبو داس: هذا صحيح ولكنه لا يمنع الرومان من الاستفادة والاستعانة باليهود في سبيل احتلال البلاد العربية.. |
سيلاوس: إذن فالمنافع والمصالح هي التي تجمع بين الأعداء.. |
أبو داس: بلى يا سيلاوس وستكشف لك الأيام أن اليهود لعبوا دوراً كبيراً إن لم يكونوا هم الذين خلقوا هذا الانقسام وعمقوا جذوره ووسعوا شقته.. |
سيلاوس: ولكن ما العمل؟.. |
أبو داس: ما العمل والأسد في قفص..! |
سيلاوس: يا لحظ الرومان.. إنها فرصتهم للقضاء على المقاومة العربية.. |
أبو داس: إنني أخشى إذا ما علم الرومان بهذا الانقسام أن يقوموا بهجوم خاطف على القوات المكية فيبيدوها عن بكرة أبيها لأنها هي القوات المتماسكة الصامدة والتي لم يدب في صفوفها أي خلاف أو تفرقة.. |
سيلاوس: وسينفتح الطريق أمام إيليوس لتحقيق حلمه بهدم البيت الذي بناه إبراهيم كما هدم قومه هيكل سليمان.. |
أبو داس: هذا ليس ببعيد يا سيلاوس.. ليس ببعيد.. |
سيلاوس: عسى أن الرومان يوجهون ضربتهم إلى نجراناا بدلاً من ميكورايا والبيت العتيق.. |
أبو داس: لعلّ الإله يعمي أبصارهم عن ميكورايا والبيت الذي بناه إبراهيم فاحتلال ((نجراناا)) أهون الشرين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت إيليوس يقول وهو مبتهج): |
إيليوس: مزيني! مزيني! |
مزيني: سيدي القائد.. |
إيليوس: جاءت الفرصة التي كنا ننتظرها؟ |
مزيني: على يد من سيدي القائد؟.. |
إيليوس: على يد اليهود.. |
مزيني: اليهود.. كيف اتصلوا بسيدي القائد؟.. |
إيليوس: هذا سر من أسراري؟ |
مزيني: أقنعه سيدي القائد من أخلص جندي من جنودك؟ |
إيليوس: لا ولكن الوقت لم يحن بعد لإفشائه يا مزيني.. |
مزيني: حسناً سيدي القائد.. ما هي هذه الفرصة الذهبية التي جاء بها اليهود؟.. |
إيليوس: لقد بذر اليهود بذور الخلف والانقسام بين القبائل العربية فقضوا بذلك على جبهة التجمع العربي ومزقوها شر مزق... |
مزيني: أخبار سارة وبدون ثمن سيدي القائد... |
ايليوس: هل يفعل اليهود شيئاً بدون ثمن يا مزيني... |
مزيني: ما هو الثمن؟.. |
ايليوس: احتكار التجارة البرية في بلاد العرب... |
مزيني: يا له من ثمن باهظ؟ هل وافق سيدي القائد عليه؟ |
ايليوس: نحن الآن بحاجة إلى من يساعدنا حتى ولو كان الشيطان؟.. |
مزيني: والشيطان تلميذ من تلامذة اليهود... |
ايليوس: المهم هو الاستفادة من دسهم ومكائدهم إلى أبعد حد وبعد فتح البلاد العربية نرى ما يمكن تحقيقه من أطماعهم... |
مزيني: حسناً ما هي أوامر سيدي القائد؟... |
ايليوس: هجوم خاطف على نجراناا... |
مزيني: قبل أن نتأكد من صحة ما جاء به اليهود؟ |
ايليوس: أيخامرك شك في صحة ما جاؤا به من أخبار؟.. |
مزيني: رأيي في اليهود يعرفه سيدي القائد ولكن.. |
ايليوس: ولكن ماذا يا مزيني؟... |
مزيني: إذا كان سيدي القائد واثقاً من صدق الخبر فسأقوم بالهجوم الخاطف فوراً.. |
ايليوس: إنني جد واثق من هذا الخبر وسأشرف بنفسي على عملية الهجوم... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت مضاض بن عمرو سيد مكة يقول): |
مضاض: ألم يستطع ملك سبأ وذو ريدان, إزالة الخلف الواقع بين القبائل اليمنية. |
كشاجم: لا أيها الأمير... إن المساعي مبذولة ولكن جذور الخلف عميقة... |
مضاض: سمعت إنها الغنائم والأسلاب.. وكنت كلفت مستشاري شداد بأن يقابل رؤساء هذه القبائل ويخبرهم إن أهالي مكة يتنازلون لهم عن حصتهم من الغنائم والأسلاب ولما يعد شداد بعد من مهمته... |
كشاجم: كانت الغنائم والأسلاب شرارة الخلاف والانقسام الأولى ثم سعى المفسدون فعمقوها فأصبحت مسألة خصوم وثارات قديمة بعضها حديث وبعضها أكل الدهر عليه وضرب... |
مضاض: ولكننا أيها القائد كشاجم أمام عدو يريد أن يستعبدنا ويبسط سلطانه علينا وقد رأوا كيف أن اتحادنا يقاوم بنجاح هذا الغزو المسلح وإن هذا الخلف لا يستفيد منه إلا عدونا الرابض بسفنه في مياهنا الإقليمية. |
كشاجم: هذا ما حاولنا أن نشرحه لزعماء هذه القبائل ولكن لا حياة لمن تنادي.. |
مضاض: ما العمل ولا سيما أن أخبار هذا الانقسام الذي نسف التجمع العربي من أساسه ستصل بطريقهما إلى الرومان ولا شك أنهم سيستغلونه إلى أبعد حد... |
كشاجم: ما تقوله أيها الأمير مضاض سيؤدي إلى كارثة... |
مضاض: ماذا ترى أن نفعل أيها القائد كشاجم؟. |
كشاجم: أرى أن تنسحب القوات المكية إلى حدود مكة لتدافع عنها عند أي هجوم روماني طارىء عليها. |
مضاض: ونترككم وحدكم في الميدان؟.. |
كشاجم: سنلجأ إلى حرب العصابات... لأن قواتكم وقواتنا الحالية لا تستطيع الصمود أمام القوات الرومانية... |
مضاض: إذن ستسقط, نجراناا, في أيدي الرومان... |
كشاجم: بعد أن يدفعوا الثمن غالياً... |
مضاض: وتقع البلاد العربية في قبضة الرومان جزاء خلفهم وانقسامهم وعدم تقديرهم للخطر الذي يتهدد مصيرهم... |
كشاجم: ولكني غير يائس من هذه النكسة أيها الأمير ولو أنها ستكلفنا سقوط مدينة (نجراناا) في أيدي الرومان. ولكن... |
مضاض: ولكن ماذا يا كشاجم؟.. |
كشاجم: ستدفع هذه القبائل المتناحرة الثمن غالياً وعندها: ستعود إلى صوابها.. |
مضاض: ابتهل إلى الله أن يلهم قومنا الهداية إلى محجة الصواب والوحدة والاتحاد... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عزرا يقول): |
عزرا: يا لك من داهية يا حزقيال. لقد استطعت تمزيق التجمع العربي ببراعة نادرة... |
حزقيال: كانت مهمة شاقة ولكني تمكنت من التغلب عليها يا عزرا... |
عزرا: كنت مشفقاً عليك ولاسيما والعرب لا يأمنون جانب اليهود كثيراً... |
حزقيال: لقد ساعدتني سذاجة بعض زعماء هذه القبائل وسلامة طويتهم وسريرتهم... |
عزرا: والبعض الآخر؟.. |
حزقيال: عواطفهم الحمقاء التي يمكن اشارتها بأتفه الأسباب والأشياء... |
عزرا: والشيء الأهم من كل هذا كيف اتصلت بالقوات الرومانية... |
حزقيال: هذا سر سأطلعك عليه فيما بعد يا عزرا... |
عزرا: هل صدق القائد الروماني أخبارك؟.. |
حزقيال: بلى يا عزرا بلى... |
عزرا: ما هو الثمن الذي طلبته مقابل مخاطرتك هذه؟.. |
حزقيال: احتكار التجارة البرية بعد أن يستولي الرومان على بلاد الحميريين.. إنها ذهب - توابل بخور وعطور... مرولبان وثراء ما بعد ثراء... |
عزرا: عسى أن لا يبطرك هذا الثراء علينا؟... |
حزقيال: كيف يا عزرا وأنا أسعى لخير اليهود جميعاً... |
عزرا: إنني أمزح بقصد تلطيف جدية الجو... ومتى سيقوم القائد الروماني بالهجوم؟... |
حزقيال: لا أدري. ولكني طلبت إليه أن يسرع قبل أن تخمد نار الخلف والانقسام المتأججة بين العرب... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي داس يقول): |
أبو داس: أرى الرومان يتهيأون لغزو مفاجىء وفي سرية تامة... |
سيلاوس: لا شك أن أنباء الانقسام قد بلغتهم. حتى شرعوا في التخطيط لغزو خاطف تسقط فيه نجراناا غنيمة باردة... |
أبو داس: ألا تستطيع ابلاغ القائد الحميري بهذه التحركات الرومانية حتى يتخذ لها الاحتياطات اللازمة... |
سيلاوس: أية احتياطات يا أبا داس وما عنده من قوات ستبيدها قوات الرومان في لمحة بصر... |
أبو داس: ولكن أليست لدى الحميريين قوات غير هذه التي كانت تقاتل الرومان... |
سيلاوس: بلى - ولكنها مشغولة في حرب طاحنة مع القبائل الثائرة في الجبهة الشرقية من مملكة حمير.. |
أبو داس: يا للظروف المؤاتية لك يا ايليوس المغرور ويا لسوء حظ العرب جزاء ما اقترفت أيديهم... |
سيلاوس: أترى, ايليوس سيشركنا في هذا الهجوم؟ |
أبو داس: يقيني إنه سيفعل ليرينا انتصاره على بقايا قوات التجمع العربي فيشبع غروره ونقمته علينا... |
سيلاوس: ليته يفعل يا أبا داس حتى أوغر صدره على القبائل المتناحرة فيبطش بها لعلها تعود إلى صوابها وتعرف قيمة الاتحاد والوئام وويلات الخلف والانقسام... |
أبو داس: صه يا سيلاوس فإني أرى حاجب ايليوس قادماً إلينا... |
سيلاوس: لعله يحمل دعوة ايليوس لنا للاشتراك معه في هذا الهجوم... |
أبو داس: أراهن أنه قادم لهذه الغاية... |
(يدخل الحاجب الذي يقول): |
الحاجب: سيدي القائد ايليوس يدعوكما إليه على عجل... |
أبو داس: سيلاوس... هيا بنا إلى سيدي القائد... |
سيلاوس: هيا بنا.. هيا بنا... |
نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ايليوس يقول: |
ايليوس: مزيني! مزيني! |
مزيني: سيدي القائد... |
ايليوس: هل قوات الهجوم جاهزة ومستعدة للغزو حالما أصدر لها الأوامر... |
مزيني: أجل سيدي القائد أجل... |
ايليوس: أصدر الأوامر إذن إلى الجنود بالتحرك وسألحق بكم فور وصول أبي داس وسيلاوس... |
(نزول القوات الرومانية ثم نسمع بعدها صوت كشاجم يقول): |
كشاجم: يا بقية السيوف وعنوان الأباء والخلاص من جيش حمير الباسل. طلائع عدوكم تتقدم صوب مدينة نجراناا فدافعوا عن بلادكم وأهلكم وأولادكم وعندما تسمعوني أقول ريدان ريدان. الموت للرومان الموت للرومان. هاجموا بكل ما عرف عنكم من بسللة وشجاعة... ها هي طلائع الرومان تدنو من مواقعكم. |
(ثم يصرخ) |
ريدان... ريدان... الموت للرومان.. الموت للرومان. |
أصوات: ريدان... ريدان.. الموت للرومان.. الموت للرومان.. |
|