شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 14 ـ
(تصدح موسيقى القافلة ويسير الركب ونسمع أجراس الدواب وهمسات المشائين نسمع بعدها صوت رزاح يقول):
رزاح: الليلة ظلامها دامس حتى نجومها يظللها قتام من كآبة الصيف تحجب صفاءها وتلألؤها..
لقمان: أتريد يا رزاح أن تكون لياليك وأيامك دائمة الصفاء لا بد من ذا وذا فبضدها تتميز الأشياء..
رزاح: حتى الدواب يا لقمان تتعثر في سيرها وكأنها لا ترى ما أمامها..
لقمان: الدواب تحس ولو أن حسها يختلف عن أحاسيسنا ولكنها هي الأخرى لها حس مرهف وبصر ثاقب تسمع وترى عن بعد فتنبهنا إليه بحركات في آذانها وتباطؤ في سيرها وتلتفت حذرة..
رزاح: مع أن سفر الليل مريح للدواب ولنا من حمارة قيظ الصيف بالنهار إلا أن لليل كآبة ووحشة تنقبض لها النفس.
لقمان: لو أن معنا حداة وأرباب غناء لبددنا وحشة هذا الطريق.
رزاح: إذا كتبت لنا السلامة فسأصطحب معي في الرحلة القادمة قريباً لي يجود الغناء ويلعب على آلاته..
لقمان: انظر يا رزاح دوابك تشمر آذانها وتتباطأ في سيرها ولخياشيمها شخير لأنها تشم رائحة ما رأت عن بعد.
رزاح: ماذا رأت يا ترى..؟
لقمان: لعلّها سباع الليل فالأرض التي نمر بها مسبعة..
رزاح: ولماذا لا يكونون قطاع طرق..؟
لقمان: على كل حال هم سباع الليل..
رزاح: هل أنبه أصحابنا ليضع كل يده على سلاحه..
لقمان: ذلك عين الصواب يا رزاح ولو أني موقن أنهم رأوا رأينا وأخذوا حذرهم..
رزاح: لعلّ بينهم من غفا على ظهر دابته..
لقمان: إذن أفعل..
(أشبه بعواء الذئاب نسمع بعدها صوت رزاح يقول):
رزاح: إنه عواء كعواء الذئاب يا لقمان..
لقمان: ولكنه عواء فيه رائحة إنسان يا رزاح..
(العواء يشتد ثم نسمع فجأة أناساً يركضون وهم يصرخون كالذئاب):
رزاح: صدقت يا لقمان عواء فيه رائحة إنسان..
(نسمع قعقعة السلاح وسقوط قتلى وأنين جرحى وصوت لقمان يقول):
لقمان: إنهم يهاجمون بأعداد وفيرة وبجرأة غريبة.
رزاح: سنقاتلهم فإما أن نصرعهم أو يصرعونا ليس هنا لك من خيار..
لقمان: صدقت يا رزاح. صدقت..
رزاح: القتل يستمر بين رجالنا لم يبق منا إلا خمسة..
لقمان: سنقاتل.. سنقاتل..
رزاح: سنقاتل حتى نصرع كما صرع خراش من قبلنا..
لقمان: آه. طعنت وداعاً يا رزاح..
رزاح: آه. يا لقمان. موعدنا عند جذعان وخراش.
(نسمع يافع يقول):
يافع: ذا قرن الشيطان يا بارقة بعد موت مضاض بن عمرو الجرهمي فقد أقبلت الفتن كقطع الليل يجر بعضها بعضاً..
بارقة: لقد اضطرب حبل الأمن فالطرق التجارية أصبحت غير مأمونة من قطاع الطريق وشيوخ القبائل التي يمر بها القوافل. والصراع مستمر بين ممالك الجنوب..
يافع: وفي الشمال أيضاً يا بارقة حروب ومعارك دامية قضى فيها (نبوختنصر) على اليهود في (أورسالم) وهدم هيكلهم وأخذ زعماءهم وكبارهم أسرى إلى عاصمة ملكة (بابل).
بارقة: أليس هؤلاء اليهود هم اغتصبوا أرض الكنعانيين وبنوا هيكلهم على أنقاض المعبد الذي كان الملك (سالم) اليبوسي قد بناه في (أورسالم)؟
يافع: بلى يا بارقة بلى وقد هرب من نجا منهم من الأسر أو القتل إلى هذه الجهات.
بارقة: يا ليت (نبوختنصر) قضى عليهم جميعاً فاراح الناس من شرورهم.
يافع: إنهم شعب متعطش للدماء. لقد كان القصاصون يحدثوننا عن الفظائع التي ارتكبوها ضد الكنعانيين وضج القبائل العربية بما تقشعر له الأبدان.
بارقة: وهاهو الله يسلط عليهم من ينتقم منهم جزاء ما ارتكبوه من جرائم وآثام.
يافع: أخشى على بلادنا من هؤلاء الذين فروا إلينا منهم.
بارقة: إنهم قلة سيبتلعهم الخضم العربي في أي وقت يحس بخطرهم على كيانه.
يافع: إنني قلق البال يا بارقة على بني إسماعيل الذين نزحوا إلى الشمال إبان الفتن التي وقعت ببلادنا..
بارقة: قلبي يحدثني أنهم سيعودون إلى هذه البلاد..
يافع: أرجو أن لا تكون الحروب المستمرة هناك قد أودت ببعضهم..
بارقة: ليت عمرو بن الحارث زعيم هذا البلد يمنع دخول اليهود..
يافع: قد يستطيع منع اليهود من دخول مكة والسكنى بها ولكنه لا يستطيع منعهم من السكنى في غير مكة من البلدان الأخرى.
بارقة: المهم ألا يسكنوا مكة..
يافع: لا أدري ما بنا اليوم يا (بارقة) ترين على وجوهنا كآبة كما ترين على وجه سمائنا التي تتلبد بالغيوم اليوم وكأنها نذير بمطر غزير..
بارقة: ما رأيت سواداً كسواد سحابها اليوم. إن الجو مطير ورب الكعبة..
يافع: المطر في هذا الوقت من السنة مخيف لأنه مصحوب بالبروق والرعود والصواعق..
بارقة: والسيول الجارفة يا يافع..
يافع: كفانا الله شر السيول..
بارقة: برق البرق. هيا بنا إلى الداخل..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع هزيم الرعود وقصف الصواعق وانهمار الأمطار بشدة نسمع بعده صوت يافع يقول):
يافع: المطر ينهمر بغزارة وكأنه أفواه القرب. كفانا الله شر السيول..
بارقة: الخطر على البلد من سيل وادي إبراهيم..
يافع: الخطر ليس على البلد وحده بل على الكعبة أيضاً يا بارقة..
(يشتد عزيم الرعود وقصف الصواعق وانهمار الغيث فتقول (بارقة) لكأن السماء منخل ذو عيون واسعة)..
أصوات: السيل.. السيل.. السيل.. النجاة يا قوم.. ترفعوا عن مجراه السيل.. السيل..
يافع: تعالي يا بارقة.. إنه سيل عرم..
بارقة: يا إلهي إنه طوفان. إنه يجرف ما أمامه..
أصوات: السيل.. السيل.. دخل البيت. هدمه.. السيل آتي عليه..
يافع: إنه غضب من الله أنزله بنا..
بارقة: لقد بغى الناس وطغوا فسلط الله علينا هذا العذاب فلنستغفر الله ونتوب إليه توبة نصوحاً عسى أن يكفر عنا خطايانا.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عمرو بن الحارث بن مضاض يقول):
عمرو: يا قوم ماذا ترون فيما نزل بنا من بلاء. وما حل بأرضنا من خراب..
جنيدب: يجب أن نعود إلى ما كان عليه أسلافنا أيام إسماعيل عليه السلام لقد بعدنا عن ملة إبراهيم الحنيفية وانصرفنا إلى اللهو والمجون وما حدث هو أقل عقاب من الله لنا.
عمرو: صدقت يا جنيدب صدقت..
جنيدب: وبنو إسماعيل الذين تنكرنا لهم فأخذنا منهم ولاية البيت ظلماً وعدواناً وكانوا من القوة بحيث لا يمكنوننا من ذلك ولكنهم أثروا السلام على الفتنة والقتال فتركوا هذه البلدة وتفرقوا في بلاد الله.
عمرو: لعلّها ليست فعلتي يا جنيدب..
جنيدب: ولكن الحق أحق أن يتبع. ولعلّك تدعو أحفاد بني إسماعيل للعودة إلى هذا البلد وخاصة من كان منهم بالشمال بعد النكبة التي حلت هناك ولا شك أنهم نكبوا مع من نكبوا في تلك البلاد.
عمرو: سأفعل والآن ما ترون يا قوم وقد أتى السيل على البيت.
جنيدب: نعيد بناءه على ما كان عليه أيام النبي إبراهيم عليه السلام..
الحارث: ألدينا بناؤون ماهرون..؟
جنيدب: بلى يا عمرو.. بلى..
عمرو: من هم..؟
جنيدب: كثيرون لعلّ أمهرهم أبو الجدره..؟
عمرو: ما اسمه يا جنيدب..؟
جنيدب: عمرو الجادر..
عمرو: أدعه إلي وتعال معه أنت وأنتم أيضاً..
اصوات: بارك الله فيك يا عمرو. وأثابك رب البيت على ما ستفعل..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت يافع يقول):
يافع: العمل جارٍ على قدم وساق في إعادة بناء البيت العتيق.
بارقة: عسى أن يكون بنفس الشكل والطراز الذي كان عليه عندما بناه النبي إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام..
يافع: سمعت من المشرفين على البناء أن عمرو بن الحارث سيد هذا البلد قد أمرهم بأن يكون البناء على مثل ما كان عليه أيام النبي إبراهيم.
بارقة: لقد خلد عمرو بن الحارث بهذا العمل اسمه إلى الأبد..
يافع: وكسب الجزاء عند من لا يضيع عنده الجزاء..
بارقة: لا أدري هل سيحتفظون بساحة للبيت بعد بنائه..
يافع: صحن البيت ضروري للطائفين الذين يتزايد عددهم كل مدة. ثم إن هذا البيت يجب أن يكون بعيداً عن منازل الناس حتى تبقى له هيبته ومكانته وقداسته في القلوب.
بارقة: يوجد باليمن بناؤون مهرة فلماذا لا يستقدمون منهم أحداً حتى يكون بناء بيت الله آية في الإتقان والإبداع.
يافع: إن عمرو بن الجادر الذي عهد إليه بالبناء صانع ماهر مشهود بكفايته ودرايته..
بارقة: أتمنى أن أرى هذا البيت آية في الفن يحج إليه الناس من كل مكان وقبلة تتوجه إليها أنظار وقلوب المؤمنين برب هذا البيت.
يافع: هذا أمل يراود عقول المؤمنين جميعاً ويبتهلون إلى الله أن يتحقق وأن يكون هذا البيت قبلة للعالمين..
بارقة: ألا تشرق نفسك باليقين بأن هذا اليوم آت عما قريب وأن الله لم يأمر نبيه إبراهيم عليه السلام ببناء هذا البيت المعظّم إلا ليجعله قبلة للعالمين.
يافع: كيف لا يا بارقة كيف لا. وإن كنت أعتقد أني لن أدرك هذا اليوم الذي يتحقق فيه هذا الحلم الجميل..
(ضجيج وهرج ومرج وأصوات تعلو وتنخفض نسمع بعدها صوت عمرو بن الحارث يقول):
عمرو: يا قوم جمعتكم للتشاور في أمر هؤلاء النازحين من اليهود الذين أرسلوا يطلبون الدخول إلى مكة والاستيطان بها.
جنيدب: هؤلاء اليهود بغوا وطغوا وتجبروا بعد وفاة نبيهم سليمان وانقسموا على أنفسهم فأسسوا مملكة في السامرة وأخرى في أورسالم فسلط الله على الأولى الآشوريين فدكوها.
اصوات: يا الله. يا الله.
جنيدب: وسلط الله على الأخرى ملك بابل فدكها وأحرقها وهدم هيكل سليمان وسبى أهلها وهؤلاء النازحون هم بقايا أولئك البغاة الطغاة الذين سلموا من الأسر والقتل.
عمرو: هذه معلومات بينها لكم جنيدب لتكونوا على علم بهؤلاء النازحين وهواياتهم.
أصوات: الراي لك يا عمرو بن الحارث يا سيد هذا البلد..
عمرو: زدهم يا جنيدب معلومات أكثر عن هؤلاء اليهود فلعلّهم بعدما يسمعونها يبدون رأيهم في أمرهم..
جنيدب: إن هؤلاء اليهود يدعون أنهم من نسل إسرائيل..
أصوات: من هو إسرائيل هذا يا جنيدب..؟
جنيدب: إسرائيل هو يعقوب بن اسحق بن النبي إبراهيم عليه السلام..
أصوات: هل هذا صحيح يا جنيدب..؟
جنيدب: هؤلاء اليهود الذين وفدوا إلينا ليسوا من نسل إسرائيل قولاً واحداً..
أصوات: إذن فهم أدعياء.
جنيدب: يتخذون من ادعائهم أنهم من بني إسرائيل تغطية وستاراً لخططهم الإجرامية وقد يكون من بين - هؤلاء الذين اغتصبوا بلاد الكنعانيين من هم من بني إسرائيل.
أصوات: الرأي لسيد هذا البلد فهو أدرى بصالحها العام.
عمرو: الموضوع خطير يا قوم بحيث لا أريد أن أتحمل مسؤوليته وحدي. إنني أخشى إن سمحت لهم بالاستيطان أن يزاحمونا على ولاية البيت بادعائهم أنهم من نسل النبي إبراهيم عليه السلام.
جنيدب: لا يستبعد ذلك من اليهود فالأخبار عن افتراءاتهم وأباطيلهم وقدمهم وذمهم لأنبيائهم بل وقتلهم إياهم كثيرة.
أصوات: لا تدنسوا مكة باليهود. مكة محرمة على اليهود إلى يوم الدين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :904  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 14 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج