الحلقة ـ 13 ـ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ((دوس)) يقول): |
دوس: إنني أعزيك يا ((تمنه)) في السميدع.. لا شك أن قتله خسارة لأهله وعشيرته وصدى حزن في قلوب الذين اكتووا بنار الفتن والاختلاف بين الأهل والأقارب.. |
تمنه: حزن على السميدع كبير يا دوس.. فقد كان بي وبأهلي باراً شفيقاً كريماً غير أني أبتهل إلى الله أن يطفىء بموته نار الخلف والتفرقة التي كانت تهدد أمن هذا البلد ورخاءه.. |
دوس: أخشى ما أخشاه أن يكون قتله بادرة صراع طويل عنيف بين قطورا وقوم مضاض بن عمرو.. |
تمنه: أرى عقلاء الطرفين يسعون للصلح وتهدئة جو التوتر الذي يسود أرجاء مكة.. |
دوس: سمعت أنهم مجتمعون حالياً بشعب في أهالي مكة لهذه الغاية.. |
تمنه: عسى أن تسود روح الأخوة والإخلاص لهذا البلد المحادثات الجارية بين عقلاء الفريقين.. فقد سئمنا جو الخلف الخانق الذي يخيم على هذا البلد الطيب منذ سنوات.. |
دوس: لقد كانت زعامة هذا البلد المسبب الرئيسي للخلاف الذي وقع بين السميدع ومضاض بن عمرو حتى انتهى إلى ما انتهى عليه.. |
تمنه: يجب أن يكون لهذا البلد رأس واحد لا رأسان.. وما دام السميدع قد ولى فإني أرى أن يصطلح المجتمعون على تسليم الأمر إلى مضاض بن عمرو الجرهمي.. |
دوس: أنت أيتها القطورية ترين تسليم الأمر إلى مضاض بن عمرو.. حقاً إنها نصيحة منك يجب أن تقدر. |
تمنه: أول ما رأيت عينيّ النور في هذا البلد.. لقد ولدت وترعرعت فيه صالحه يهمني وأرى أن مصلحة بلدي في تسليم مقاليد أمرها إلى مضاض بن عمرو.. |
دوس: بورك فيك يا تمنه ((إني فخور بك يا زوجتي ومعتز)).. |
(هرج ومرج وضجيج وأصوات تعلو وتنخفض مما يدل على اجتماع هام نسمع بعده صوت مجدع يقول): |
مجدع: يا مضاض بن عمرو.. لقد أراد الله بما أراد وجرى حكمه فيما جرى.. وأن روح التسامح الذي تجلى بأجلى مظاهره في اجتماعنا هذا ليدل على إدراك واسع ووعي شامل من المجتمعين لصالح هذا البلد وحرصهم على أمنه واستقراره فحياكم الله وبياكم ووفقكم لما فيه الخير والصلاح والكلمة الآن لجندب نيابة عن قوم قطورا.. |
جندب: أسفنا لما وقع عظيم يا مضاض.. والله يعلم ما بذلنا من جهود لتجنب ما وقع ولكن الله أراد بما أراد ولا راد لحكمه.. ولئن كان حزننا على السميدع كبيراً إلا أن عزاءنا بك أجمل فقد كنت وما زلت رجاء هذا البلد بعد الله.. وإني نيابة عن قومي بنى قطورا أبايعك وأطلب منك المحافظة على هذا البلد وسلامته واستقراره وتأمين الوافدين إلى هذا البيت العتيق والرفق والعفو عما بدر من بني عمك فإنك اليوم سيدهم وعزهم بعد الله.. |
مضاض: يا قومي وأهلي وعشيرتي.. إنني ورب هذا البيت حزين مثلكم على ما جرى أتعزى كما تتعزون فيمن قتلوا فهم أهلي وبنو عمومتي واسأل الله أن يجعل هذا الصراع فاتحة خير وهدوء وطمأنينة لأهل هذا البلد والوافدين إلى البيت العتيق وإني أعاهد الله وأعاهدكم بأني سأحرص على صالح هذا البلد وأمنه ورفعته وازدهاره وأن أؤكد لكل من أساء إلي بأني تناسيت وعفوت فادع الله لي بالتوفيق. |
أصوات: يا ربنا وفقه.. يا ربنا أعنه. يا ربنا أحفظه من كل سوء.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رزاح يقول): |
رزاح: كان اجتماع ((الشعب)) موفقاً يا لقمان فقد أبدى الطرفان تسامحاً مشكوراً وأظهرا إدراكاً واعياً لمسؤوليتهم تجاه هذا البلد وبيت الله المعظّم.. |
لقمان: ولقد أحسن ((جندب)) صهر السميدع حين بايع مضاض بن عمرو بزعامة هذا البلد فقضى بذلك على كل من تحدثهم أنفسهم بالاصطياد في الماء العكر.. |
رزاح: إن مضاض بن عمرو يستأهل بحق زعامة هذا البلد ففيه كل الصفات التي تؤهله لقيادة مكة وأهلها.. ولعلّ الكرم في مقدمة الصفات التي يمتاز بها مضاض.. |
لقمان: لقد سال ((الشعب)) دماً بما نحر من ذبائح للمجتمعين والمهنئين والفقراء والمساكين فقد أطعمهم وأطبخهم.. |
رزاح: لقد سمعت بعضهم يطلق على هذا الشعب اسم ((شعب المطابخ)) لكثرة ما نحر فيه وطبخ وأكل.. |
لقمان: إنني أدعو الله أن يمد في عمر مضاض لتنعم هذا البلد باستقرار وازدهار فقد أثرت شائعات الجفوة بين السميدع ومضاض على تجارتها ومركزها الديني.. |
رزاح: هذا شيء تلمسناه نحن الذين يعيشون على التجارة ونقل البضائع من الجنوب إلى الشمال وبالعكس.. |
لقمان: يجب أن نستغل يا رزاح أيام مضاض بن عمرو ونعمة الاستقرار التي ستخيم على هذا البلد وسيمتد رواق ظلالها على طرق قوافلنا إلى الجنوب وإلى الشمال.. |
رزاح: يهمنا الآن بعد أن استقرت الأحوال في مكة أن تستقر في البلدان التي تمر بها قوافلنا التجارية.. |
لقمان: هذا حلم قد يتحقق يا رزاح إذا سيطرت دولة واحدة على طريق القوافل من جنوبه إلى شماله.. إن الطريق المأمون حالياً هي الطريق الوسطى.. |
رزاح: صدقت فالطريق الجنوبية تقع تحت رحمة اللصوص عندما تقع حروب بين المعنيين والقابيين والطريق الشمالية تتعرض لهجمات اللصوص عندما يتجدد الصراع بين الكنعانيين والحيثيين والفراعنة.. |
لقمان: ولا تنسى بلوغ الفوضى في هذه الطريق إلى القمة عندما يدب الضعف والانقسام في الدويلات العربية المتاخمة للدول الكبيرة.. |
رزاح: هيا بنا يا لقمان نتجهز للمسير إلى الجنوب لتنفيذ ما عقدناه من اتفاقات مع تجار مكة.. |
لقمان: والجو مهيء في الشمال لتصريف البضائع فالاستقرار يخيم على تلك الربوع في الوقت الحاضر.. |
رزاح: إنها فرصة يجب أن ننتهزها يا لقمان فالبلاد الشامية جسر للغزاة والفاتحين والاستقرار بها من الأمور النادرة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت دوس يقول): |
دوس: وتم الصلح وانقشعت سحابة التوتر التي جثمت على صدر هذا البلد منذ وفاة إسماعيل عليه السلام.. |
تمنه: وراح ضحيتها موقظها أليس كذلك؟ |
دوس: أنا لم أقل إن السميدع موقظ الفتنة يا تمنه.. وإنما حمدت الله أن كشف عنا تلك الغمة.. |
تمنه: لا شك أن السميدع سبب تلك الفتنة ولقد لاقى جزاءه ووقف أقاربه من مضاض بن عمرو موقفاً مشرفاً ولكن.. |
دوس: ولكن ماذا؟.. |
تمنه: ليتهم لم يتناسوا دم سيدهم وجعلوها جذعة.. |
دوس: لم هذا التمني المزعح يا تمنه.. ما الذي غيّر رأيك في الصلح الذي جرى؟.. |
تمنه: أما سمعت بالشعر الذي قاله مضاض بن عمرو في السميدع؟.. |
دوس: أي شعر.. لم أسمع بشيء من هذا.. |
تمنه: إنه على لسان قينات مكة ومغنياتها ومغنييها.. |
دوس: ما هو هذا الشعر يا تمنه؟.. |
تمنه: يقول مضاض بن عمرو.. |
ونحن قتلنا سيد الحي عنوة |
فأصبح فيها وهو حيران موجع |
وما كان يبغي أن يكون خلافنا |
بها ملكاً حتى أتانا السميدع |
فذاق وبالاً حين حاول ملكنا |
وعالج منا غصة تتجرع |
فنحن عمرنا البيت كنا ولاته |
ندافع عنه من أتانا وندفع |
|
دوس: (ضاحكاً).. |
تمنه: ولم تضحك يا دوس.. هل فيما قلته ما يضحك؟.. |
دوس: لا ولكن.. |
تمنه: ولكن ماذا؟ |
دوس: أنت تعرفين أني أروي الشعر وأحفظه وأتذوقه.. وما قلت ليس بشعر إنما هو بعر.. ولذلك رأيتني أضحك.. ثم.. |
تمنه: ثم ماذا؟ |
دوس: مضاض بن عمرو لا يقول الشعر بل لا يستطيع أن يقيم بيتاً من الشعر إن هذه الأبيات هي من دس المغرضين الذين ساءهم أن يعود الصفاء إلى ربوع مكة وبهذه السرعة.. |
تمنه: أشكرك على إزالة ما كان يعتلج في نفسي من ألم وحزن بلغ إلى حد الحقد على مضاض بن عمرو.. |
(أجراس الدواب وهمسات المشائين ووقع أقدامهم نسمع بعدها صوت (مجدع) يقول): |
مجدع: كان موقفك يا جندب نبيلاً فقد استطعت بحكمتك وثاقب بصرك أن تطفيء نار الفتنة بعد اشتعالها.. وهو موقف تحمد عليه وتشكر.. |
جندب: لقد فعلت يا مجدع ما يقتضيني واجبي نحو بلدي هذا فلا شكر على واجب.. |
مجدع: أجل يا جندب.. ولكن الطريقة التي عالجت بها الأمر خلال مفاوضات الصلح كان لها الأثر الكبير فيما ننعم به حالياً من أمن واستقرار.. |
جندب: الحمد لله الذي هداني إلى الصواب وجنبني مزالق الشيطان.. |
مجدع: إنها نعمة ما بعدها نعمة.. انظر هذه مكة تعج أرياضها بالقوافل الغادية والآيبة وأسواقها تزدحم بأنواع بضائع الهند واليمن والبلاد الشامية وما بين النهرين.. |
جندب: إنها نعمة نبتهل إلى الله أن يديمها علينا.. |
مجدع: حقيقة يا جندب عندما يسمع المرء بالمنازعات والحروب التي تصطلي لها الأمم المجاورة لبلادنا نجد أنفسنا مقصرين في حمد الله وشكره على ما نحن فيه من نعمة.. لعلّ في طليعتها نعمة الأمن والاستقرار.. |
جندب: وليس أدل على اضطراب حبل الأمن عند الأمم المجاورة لنا من حادث خراش وزوجه (سماح) وابن عمه جذعان فقد ذهبوا جميعاً ضحية غارات قطاع الطرق.. بعد أن أدوا معنا مناسك الحج في العام المنصرم.. |
مجدع: لقد حزنت عليهم جميعاً ولا سيما زوجته (سماح) التي سلمت من قطاع الطرق في الحادث ولم تسلم منهم في الحادث الثاني.. |
جندب: وخراش وجذعان لقد كسبا خبرة ومهارة في نقل البضائع من الشمال إلى الجنوب وبالعكس.. |
مجدع: خسارة مثل هؤلاء الخبراء لا تعوّض كما يحز في نفسي أنه ليس لأحد منهم ذرية.. |
جندب: ولعلّ موت ((سماح)) مع زوجها خير لها فلو بقيت لقيل عنها إنها أشأم امرأة.. |
مجدع: قد يكون موت بعض الناس راحة لهم ورحمة من الله بهم.. |
(نسمع بعدها صوت رزاح يقول): |
رزاح: ما كنت أصدق أننا نصل سالمين إلى الجنوب حين ذكرت حادث خراش وزوجه وابن عمه جذعان.. |
لقمان: لا راد لما يريده الله يا رزاح.. |
رزاح: ولكن خراشاً وجذعان يعدان من أمهر قواد القوافل وأبرعهم.. وقد فقدنا بهما رفاقاً في العمل وأصدقاء كانت تجمعنا بهم طبيعة العمل فكانا نعم الصديقين الوفيين.. |
لقمان: الذي يزاول مهنة القوافل عليه أن يوطن نفسه لتجارب مريرة قد يكون في بعضها الموت كما حدث لخراش وجذعان.. |
رزاح: إنهما رفيقا السلاح وأن حزني عليهما لشديد يا لقمان.. |
لقمان: أدع لهما بالرحمة والمغفرة والرضوان والآن هيا بنا نحمل بضائعنا ونأخذ طريقنا إلى مكة ومنها إلى الشمال.. |
رزاح: هيا بنا فالبضائع مكدسة أمام الحوانيت تنتظرنا نحملها.. |
(اصوات الحمالين وهم يرددون): |
أصوات: هيلا. يا الله.. هيلا.. يا لله.. هيلا يا الله.. |
(رغاء الإبل وأصوات الجمالين نسمع بعدها صوت الجمالين وهم يرددون): |
أصوات: هيلا.. يا الله.. هيلا.. يا الله.. هيلا.. يا الله.. |
لقمان: الحمد لله انتهينا من التحميل.. هيا نأخذ أوراق الفسح حتى لا نتوقف أمام المخافر على حدود المدينة.. |
رزاح: سأذهب لإحضار الأوراق.. أما أنت ومن معنا فخذوا الجمال وأكملوا ما ينقصنا من زاد والملتقى في ميدان القوافل.. |
(رغاء الإبل وأجراس الدواب وهمسات المشائين وأصوات الباعة والدلالين نسمع بعدها صوت لقمان يقول): |
لقمان: وصلت الميدان.. لقد سبقتنا إليه يا رزاح.. ما أنشطك.. هل أحضرت التصاريح.. |
رزاح: كل شيء جاهز.. |
لقمان: وبهذه السرعة.. |
رزاح: وجدت قريباً لي هناك حيث يخرجون التصاريح فساعدني وأنهي كل شيء.. |
لقمان: عسى أن تكون رحلتنا سهلة كسهولة التصاريح.. |
(أجراس الدواب ورغاء الإبل نسمع بعدها صوت رزاح يقول): |
رزاح: لحقتنا العاصفة ولكن ولله الحمد بعد أن هجعنا في هذا المكان الذي تحيط به أشجار الأثل الضخمة.. |
لقمان: إنها تقينا ودوابنا شر العاصفة العاتية.. |
(سكون مطبق نسمع بعدها صوت رزاح يقول): |
رزاح: هدأت العاصفة.. يا إلهي لقد أخذت نهارنا كله وهي ثائرة.. هيا بنا يا لقمان.. |
لقمان: هيا بنا فقد حان السرى.. فلنسر والله معنا.. |
|