الحلقة ـ 8 ـ |
(بكاء ونشيج وعويل - نسمع بعده صوت مجدع يقول): |
مجدع: فجيعتنا في إسماعيل ما بعدها فجيعة يا سميدع ولئن كان أبناؤه مباركين وخير خلف لخير سلف إلا أن خسارتنا في إسماعيل لا تعوض.. |
السميدع: أجل يا مجدع أجل لولا أبوه وهو وأمه ما ظهرت مكة إلى حيز الوجود.. ولولا أن استجاب الله دعوة أبيه إبراهيم ما عمرت ولا ازدهرت ولا عمرتها الثمرات والخيرات من كل صوب.. |
مجدع: إنه ووالده النبي إبراهيم رفعا قواعد هذا البيت الذي أصبح محط المؤمنين بالله وبنبيه إبراهيم.. هذا البيت الذي يحج إليه الناس من كل فج عميق.. |
السميدع: عسى أن يطرح الله البركة في ابنه الأكبر (نابت) فيظل هذا البلد الطيب مهوى قلوب الناس ينعم بالسكينة والاستقرار والأمان والاطمئنان.. |
مجدع: لا شك يا سميدع أن الله سيبارك في خلف إبراهيم وابنه إسماعيل إلى يوم الدين ولكن نعمة الاستقرار ستظل ما دمت أنت ومضاض متصافيين متحابين تحرصان كل الحرص على استدامة هذه النعمة.. |
السميدع: سأحافظ يا مجدع على ذلك طالما مضاض بن عمرو يحافظ عليها مثلي أما إذا تنكر وشرع في فرض زعامته علي وعلى قومي فسأثور عليه وليكن ما يكون.. |
مجدع: لو قدرت يا سميدع أن تمزج أنانيتك الطاغية بشيء من التقدير والإحساس بما للغير من حقوق وواجبات لاسترحت وأرحت ولكنك مع الأسف لا تبصر إلا نفسك وهذا مصدر مشاكلك ومتاعبك الحالية وفي المستقبل.. |
السميدع: أأنا أناني إلى هذا الحد يا مجدع ورب هذا البيت لو أحد غيرك قال لي هذا الكلام لطار رأسه قبل أن يتم عباراته.. |
مجدع: هذه هي الأنانية يا سميدع.. إنك تأبى النصيحة.. إنك تعتقد أنك على حق والناس جميعهم على الباطل.. |
السميدع: إني أعتز برأيي يا مجدع.. |
مجدع: ولكنك لا تحترم رأي الآخرين.. |
السميدع: وإني أرى أنه لا يضارعني أحد في الذكاء ومعرفة الأمور.. |
مجدع: وهذا هو الغرور بعينه.. والغرور يا سميدع كثيراً ما قتل صاحبه.. |
(أجراس الدواب وهمسات الراكبين نسمع بعدها صوت جذعان يقول): |
جذعان: كل شيء قسمة ونصيب يا خراش.. كم مرة حاول والدك وأعمامك أن يزوجوك فكنت تأبى وتصر على إبائك حتى خشي الناس أن تكون مصاباً بعاهة.. |
خراش: لعلّي أنا كنت أهمس معهم وأظن أن بي عاهة لإحجامي عن الزواج. |
جذعان: وعندما شاءت إرادة الله تزوجت.. وتزوجت بمن.. بامرأة جريحة أنقذها الله على يديك.. |
خراش: ومن بلاد الفينيقيين يا جذعان من الشمال هي وأنا من الجنوب.. إنها القسمة والنصيب.. وإني والحمد لله راضٍ بما قسم ربيّ.. |
جذعان: سيكون زواجك حديث الناس في اليمن ولا سيما بين النساء.. |
خراش: لن أعود إلى اليمن يا جذعان إلا بعد أن أحج إلى بيت الله العتيق ومعي سماح.. |
جذعان: وتعودان إلى اليمن وأنتم ثلاثة لا إثنان.. |
خراش: سيكون ذلك من نعم الله علينا يا جذعان فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا.. |
جذعان: صدقت يا خراش صدقت بل إن البنين لأعز عندي من المال.. |
خراش: الموضوع لا يتعلق بالمفاضلة بل بالجمع بين الاثنين هما المال والبنون كل منهما زينة في الحياة.. فالمال زينة والبنون زينة.. |
جذعان: وما أحلاهما مجتمعين.. |
خراش: أرأيت أهل سماح يا جذعان، ما أحسن لقاءهم وأكرم وفادتهم.. |
جذعان: وسماح وهي تروي لهم ما حدث وتشيد بما فعلت من أجلها حتى كتب الله لها الشفاء على يديك كانت تحدثهم وعيناها قد تسمرتا في عينيك وكل جانحة في جسدها لسان شكر وحمد وثناء عليك.. |
(تدخل سماح وهي تضحك وتقول).. |
سماح: صدقت يا جذعان صدقت لن أنسى ما فعله خراش وما فعلته أنت ما دمت على قيد الحياة.. |
خراش: الحمد والشكر لا يجب أن يوجها إلا لله الذي سبب لك الشفاء على يدي.. وأنعم علي.. |
سماح: وأنعم عليك بماذا؟ |
خراش: أنعم علي بالزواج منك.. |
جذعان: فلتحمد الله على ما أنعم.. |
خراش وسماح: الحمد لله.. الحمد لله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها جذعان يقول): |
جذعان: يا مرحبا بك يا رزاح.. |
رزاح: يا مرحبا بك.. |
جذعان: أين لقمان؟.. |
رزاح: خلفناه وراءنا وسننتظره هنا حتى يلحق بنا.. |
جذعان: من أين قدمتم؟.. |
رزاح: من اليمن.. |
جذعان: هل مررتم بمكة؟ |
رزاح: وكيف لا نمر بها وهل نستطيع ذلك.. كنا نسلكها يوم كانت وادياً غير ذي زرع واليوم وقد ازدهرت وعمرت كيف لا نمر بها ونرى بيت الله بها.. |
جذعان: ما هي آخر الأخبار عندكم؟.. |
رزاح: لا شيء سوى فجيعتنا الكبرى بوفاة إسماعيل ابن النبي إبراهيم.. |
جذعان: إسماعيل توفاه الله.. إلى رحمة الله.. إلى جنات الخلد والنعيم.. مصيبة فادحة وخسارة لا تعوّض.. أرجو أن يكون في خلفه العوض والخير والبركة.. |
رزاح: إن شاء الله.. إن شاء الله.. |
جذعان: أرجو أن لا تؤثر وفاته على وضع مكة يا رزاح.. |
رزاح: مكة رب البيت يحميها.. والحالة فيها عندما غادرناها عادية.. |
جذعان: ومن الذي قام بولاية البيت بعد إسماعيل.. |
رزاح: نابت بن إسماعيل.. |
جذعان: إنه خير خلف لخير سلف.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رزاح يقول): |
رزاح: أرى ابن عمك خراشاً ومعه امرأة قادمين.. |
جذعان: هذه المرأة زوجة خراش.. |
رزاح: متى تزوج بها؟.. |
جذعان: في هذه الرحلة.. |
خراش: أسعدتم صباحاً.. من رزاح.. يا مرحبا.. يا مرحبا.. |
رزاح: شكراً يا خراش على هذا الترحيب الودي.. وتهنئة لك من القلب على هذا الزواج بهذه العروس الجميلة.. |
سماح: شكراً.. شكراً.. |
خراش: إن عروسي من فينيقية.. |
رزاح: من فينيقية.. من سواحل البحر الأبيض.. أكاد لا أصدق عيني.. وقد رأيت هذه العروس بجانبك.. |
سماح: لماذا يا رزاح؟ |
خراش: إياك أن تقول لها.. لا تفضحنا معها يا رجل.. |
رزاح: إنه يمزح يا سماح ليس في الأمر فضيحة.. |
سماح: إذن لماذا لا يريدك أن تطلعني على ذلك؟ |
خراش: أغضبت يا سماح؟ أم غرت؟ |
سماح: كلاهما يا خراش.. |
خراش: إذن قل لها يا رزاح وأمري لله.. |
سماح: ألهذا الحد أنت خائف مما سيقوله؟ |
خراش: من قال لك إني خائف يا سماح.. قل لها يا رزاح ولا تخف شيئاً فإني أرى الشكوك تنهش صدرها. |
رزاح: (ضاحكاً).. إن زوجك يا سماح كان من المضربين عن الزواج حتى هابه الناس في بلده وظنوا أن به علة.. ولعلّي أنا كنت منهم.. فلما رأيت يده في يدك وعلمت أنه تزوج بك كدت لا أصدق ما رأت عيني.. |
سماح: أهذا كل ما كنت تخشى أن يقوله لي أم أن هنالك شيئاً آخر تخشاه؟ |
خراش: بدأت الغيرة سامحك الله يا سماح.. أما أنت يا رزاح فلا أدري ماذا أقول لك.. وأنت سامحك الله أيضاً.. |
سماح: ثق يا أعز إنسان عندي أن الغيرة والشك لن يعرفا إلى قلبي سبيلاً.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مجدع يقول): |
مجدع: لقد برهن نابت بن إسماعيل أنه أهل لولاية البيت بعد أبيه وأن خير من يحمل رسالة التوحيد بعد جده وأبيه.. |
السميدع: بلى يا مجدع.. بلى إن نابت طيب من شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء.. |
مجدع: ها هي ملة إبراهيم الدين الحنيف تنتشر بسرعة بين القبائل العربية.. |
السميدع: وفي بلاد الكنعانيين يا مجدع.. لقد جاء من يخبرنا أن ملك اليبوسيين وهم فرع من الكنعانيين قد اعتنق هو وشعبه ديانة النبي إبراهيم وأنه أشاد مسجداً في عاصمة ملكه (ييبوس) التي أصبح اسمها (أورسالم) بدلاً من ييبوس.. |
مجدع: يا لها من أخبار سارة.. |
السميدع: لقد قبض الله نبيه إبراهيم إليه بعد أن بلغ رسالة ربه ودفن مع زوجته سارة في (حبرون) التي أتخذها مقاماً له في أواخر حياته.. |
مجدع: (حبرون) اسم غريب يا سميدع.. |
السميدع: من يدري يا مجدع فقد تسمي هذه المدينة في يوم من الأيام باسم النبي إبراهيم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رزاح يقول): |
رزاح: عدت إلينا والعود أحمد يا لقمان.. كيف رفاقك الآن لعلّهم أحسن حالاً عما كانوا عليه.. |
لقمان: الحمد لله تحسنت صحتهم وهاهم معي تركتهم في الرحال وعما قريب سينضمون إلينا.. |
رزاح: لقد أثلجت صدري بهذا الخبر يا لقمان كنت مشغول البال عليهم من جهة وخائفاً على رحلتنا أن تتأخر ولا تجد بضاعتنا لها سوقاً فتكسد.. |
لقمان: الأرزاق بيد الله يا رجل.. المهم قل لي كأنني لمحت في سوق هذه المدينة خراش وجذعان وامرأة معهما.. |
رزاح: إنهم ليستروحون في هذه البلدة فرحلتهم لقادمة ستكون طويلة ومحفوفة بالخطر من قطاع الليل وقلة الماء والعشب.. |
لقمان: والمرأة من هي يا رزاح؟.. |
رزاح: هي زوج خراش لقد بنى بها في رحلته هذه.. |
لقمان: إنه من غير المعقول أن يتزوج خراش بعد إحجامه الطويل.. |
رزاح: أتريدني أن أقسم لك على ذلك.. |
لقمان: صدقتك من دون أن تقسم.. وإنه والله خبر عجيب ومثير.. |
رزاح: أنظرها هم قادمون نحونا.. |
(وقع أقدام المشائين وأصوات الباعة ووسائل النقل نسمع بعدها صوت جذعان يقول): |
جذعان: لقمان.. كيف أنت ومن كانوا معك.. |
لقمان: بخير والحمد لله.. تهنئة من القلب لك يا خراش فأنباء زواجك ستطغى على كل الأنباء.. |
رزاح: وستكون أنباء الساعة.. |
لقمان: زواج مبارك بالرفاء والبنين يا سماح.. |
سماح: شكراً.. بارك الله فيك.. |
خراش: شكراً يا لقمان.. شكراً.. |
جذعان: كيف الطريق يا لقمان.. |
لقمان: يجب أن تتزودوا بالماء فالطريق مجدبة ولا عشب ولا ماء وأن تحترسوا من لصوص الليل.. |
سماح: لصوص الليل يا إلهي متى ينقطع دابرهم.. |
لقمان: عندما يغزو الإيمان قلوب هؤلاء الذئاب.. |
سماح: متى يدخل الإيمان في قلوبهم يا لقمان؟ إن قلوبهم قاسية كالحجارة وأشد.. إنهم متوحشون قد نزع الله من صدورهم الشفقة والرحمة.. |
(تبكي).. |
لقمان: لم تبكين يا أختاه.. |
خراش: إن هؤلاء اللصوص قتلوا أباها وأخاها وزوجها وأغمد أحدهم خنجره بصدرها.. |
سماح: وقد أنقذني الله على يدي خراش.. |
لقمان: لا تخافي يا سماح فثلاث قوافل غير قافلتكم ستكون معكم والله معكم.. |
سماح: الله معنا.. الله معنا.. إنه نعم المولى ونعم النصير.. |
خراش: هيا بنا.. هيا بنا.. |
سماح: الله معنا.. الله معنا.. إنه نعم المولى ونعم المصير.. |
|