الحلقة ـ 7 ـ |
خراش: إنها جثة امرأة في العقد الثالث من عمرها.. أما قلت لك يا جذعان.. |
جذعان: إنهم ضحايا قطاع الطريق.. انظر هذه آثار المعركة دماء وبقايا أمتعة تداولتها أيدي المتعاركين.. |
خراش: دعنا من وصف المعركة يا جذعان ولنشرع في إسعاف الجريحة فإني أراها في الرمق الأخير.. |
جذعان: إن عندك يا خراش بعض المعرفة بالطب أخذتها من والدك الذي حذق هذا العلم على أيدي بعض القادمين من الهند.. |
خراش: املأ هذا الوعاء ماء وضعه على النار حتى يغلي ريثما أشد على يدها اليسرى وساقها اليمنى لعلّى أوقف نزيف دمها قليلاً.. |
جذعان: إليك الماء يا خراش.. |
خراش: خذ هذه الأعشاب يا جذعان.. دقها وأسحنها وأنخلها وأتني بها ريثما أقوم بكشف عام على الجروح التي تركتها خناجر اللصوص الأدنياء. |
جذعان: إذن فحالة الإغماء التي هي فيها سببها النزيف.. |
خراش: طبعاً يا جذعان.. وحياتهما مهددة بالموت إذا لم يتوقف النزيف.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع دق الأعشاب وسحنها تختلط بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت جذعان يقول): |
جذعان: لقد انتهيت من دق الأعشاب وسحنها.. إليكما.. |
خراش: وأنا انتهيت من غسل جراحها وتضميدها.. هات الأعشاب.. وناولني ذلك الوعاء حتى أطبخ فيه هذه الأعشاب.. |
جذعان: حاضر.. هذا هو الوعاء الذي طلبته.. |
خراش: إن بعض جراح هذه المرأة غائرة يا جذعان وأخشى أن يكون هناك نزيف داخلي.. |
جذعان: نزيف داخلي أو خارجي المهم عالجها قدر معرفتك واستطاعتك فأنت مأجور على كلا الحالتين، إن عاشت أو ماتت.. |
(أصوات تعلو وتنخفض تختلط بضرب الفؤوس والمعاول وأصوات العمال وهم يرددون): |
أصوات: يا رب.. يا رب.. أورسالم.. يا رب أورسالم. |
صرواح: يا بناة أورسالم ومعبدها.. ليبارككم رب أورسالم ويمنحكم القوة على القيام بهذا العمل الجليل. |
أصوات: يا رب.. يا رب.. أورسالم.. يا رب أورسالم.. |
(صوت المعاول والفؤوس نسمع بعدها صوت صرواح يقول): |
صرواح: على الربوة التي أراد نبينا إبراهيم أن يضحي ابنه اسحق امتثالاً لأمر ربه نشيد مسجدنا وعلى حزون جبل موريا وسهوله نبني مدينتنا ((أورسالم)) فليحيا مليكنا سالم.. |
أصوات: يحيا.. يحيا.. يحيا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها نسمع صوت المعاول والفئوس وأصوات العمال يرددون): |
أصوات: يا رب.. يا رب.. أورسالم.. أورسالم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رزاح يقول): |
رزاح: ظللت تحدثنا يا لقمان عن مكة حتى شوقتنا إليها وهانحن نجيء إليها فنجد.. |
لقمان: تجدون ماذا؟.. |
رزاح: إن ما قلته أقل مما هو الواقع.. إن مكة عمرت وازدهرت واتسعت وربت وتقاطر الناس على سكناها من كل القبائل ومن العرب ومن غير العرب.. |
لقمان: وستعمر وتزدهر أكثر وأكثر طالما أهلها حامدون شاكرون لأنعم الله أما إذا بغوا وطغوا فستمكهم مكة وتهلكهم.. |
رزاح: لقد هاجرنا بأهلنا ومتاعنا فهل نرى بعدما رأينا من حسن وفادة ابن عمنا مضاض بن عمرو أن نستقر ونستوطن أم نفتش على مكان آخر.. |
لقمان: وهل مكان في الدنيا أحسن من مجاورة بيت الله يا رزاح.. إننا سنكون من أسعد الناس يا رزاح إذا ما قسم الله لنا السكنى في هذا البلد الطيب.. |
رزاح: ولكن هذا البلد الطيب الذي قفز إلى قمة الازدهار بهذه السرعة أخشى عليه من النكسة.. |
لقمان: النكسة لن تنزل بهذا البلد بل تنزل على مسببها فرب هذا البيت سيحمي هذا البلد ويطعمه من جوع ويؤامنه من خوف.. |
رزاح: مقامنا في مكة يا لقمان لم يتجاوز العشرة أيام ومع ذلك أسمع لغطاً ولغواً.. |
لقمان: اللغط واللغو في أي شيء يا رزاح..؟ |
رزاح: تلوك الألسنة حديث الجفوة بين مضاض بن عمرو سيد أعالي مكة والسميدع سيد أسفلها.. |
لقمان: لقد سمعت هذا وأسفت له ولا سيما وأن يقع بين بني العم وفي هذا البلد الذي يجب أن تسود المودة والمحبة بين ساكنيه على اختلاف قبائلهم وألوانهم وأجناسهم.. |
رزاح: إن أهل هذا البلد يتحدثون عن السميدع وسوء معاملته للقادمين إلى مكة بينما يكيلون المديح والثناء العاطر لمضاض بن عمرو وأن الناس ليتوقعون أن تؤدي الجفوة ما بين السميدع وسوء معاملته للقادمين إلى مكة بينما يكيلون المديح والثناء العاطر لمضاض بن عمرو وأن الناس ليتوقعون أن تؤدي الجفوة ما بين السميدع ومضاض إلى حرب أهلية.. |
لقمان: هذا ما بلغني أنا أيضاً ولئن كنت أستبعد الحرب بينهما طالما إسماعيل على هذا الوجود ولكن إسماعيل كما علمت مريض وقد لا يقوم من مرضه.. |
رزاح: وأولاد إسماعيل وهم اثنا عشر كما بلغني ألا ترى أنهم سيتدخلون لإصلاح ذات البين.. |
لقمان: لا شك أن إسماعيل وأولاده يهمهم أن تنعم مكة بالاستقرار والهدوء ولكن مرض إسماعيل أقعده عن التدخل وأولاده شغلوا بالعناية به وبولاية البيت.. |
رزاح: إذا سألتني رأيي في الجفوة الواقعة بين مضاض بن عمرو والسميدع فسأقول لك.. |
لقمان: ستقول لي ماذا؟.. |
رزاح: إني أتمنى أن تتسع شقة الخلاف بين الطرفين.. |
لقمان: ربما صنعت زعامة هذا البلد للسميدع.. |
رزاح: عندها سأهاجر من مكة إلى بلد لا أسمع فيها أي شيء من أخبار السميدع الظالم.. |
لقمان: أدع الله أن يكتب لها على يديك البرء والعافية أيها الطبيب الماهر.. |
خراش: لا تدعني بهذا اللقب يا جذعان فمعلوماتي في الطب معلومات بدائية.. |
جذعان: وشفاء هذه الجريحة أليس برهاناً على سعة معرفتك بالطب.. |
خراش: الله هو الشافي يا جذعان ولم أكن أنا إلا الواسطة.. |
(تدخل الجريحة سماح وهي تقول): |
سماح: أسعدت صباحاً أيها المنقذ.. |
خراش: لا تقولي ذلك يا سماح فالمنقذ هو الله وأنا عبد من عبيده وعلمني فداويتك بما علمني.. |
سماح: وأين هو الله الذي تتحدث عنه.. |
خراش: الله موجود في كل مكان.. |
سماح: ولكننا لا نعرف إلها غير (عشتروت).. |
خراش: إن الله خلق كل شيء حتى عشتروت الهتك إذا كان لها وجود.. |
سماح: ولكن آبائي وأجدادي ظلوا عاكفين على عبادتها وماتوا وهم عليها.. وأنا من بعدهم.. |
خراش: لم لا تعبدين إلهاً واحداً هو رب كل شيء.. هو يحيي ويميت وهو الذي من عليك بالبرء والعافية بعد أن كنت في عداد الهالكين.. |
سماح: إذا كان ما تقول حقاً يا خراش من أن إلهك هو الذي شفاني وعافاني فأنا مستعدة للإيمان بهذا الإله.. |
خراش: إذن قولي آمنت بالله وبنبيه إبراهيم.. |
سماح: آمنت بالله وبنبيه إبراهيم.. |
جذعان: هنيئاً لك يا سماح بالهداية وبالبرء والعافية.. |
خراش: هنيئاً لك يا سماح.. |
سماح: الشكر لله الذي سخرك لمداواتي أولاً والشكر له ثانياً على هدايته لي على يديك.. |
جذعان: يا إلهي إني لا أصدق عيني حين أراك يا سماح وأتمثلك يوم وجدناك غائبة عن الوجود غارقة في بحر من الدماء.. |
سماح: الويل لأولئك اللصوص.. الويل لهم سينتقم لي منهم رب إبراهيم لقد قتلوا والدي وأخي وزوجي ودليل ركبنا وطعني أحدهم بخنجره عدة طعنات في صدري.. |
خراش: كنتم قادمين من سواحل البحر الأبيض.. |
سماح: نحن فينيقيون كنا في طريقنا إلى مكة ومعنا بضائع من صنع بلادنا والبلاد المحيطة بنا وبينما كنا هاجعين داهمنا عشرة رجال ملثمين مسلحين ونشبت بيننا معركة راح ضحيتها والدي وأخي وزوجي والدليل وبقيت أنا وحيدة بعدهم يا ليتني مت معهم (تبكي).. |
خراش: لا تبكي يا سماح فنحن أهلك وعشيرتك وإخوانك في الدين.. لقد أصبحت منا لك ما لنا وعليك ما علينا. ونحن الآن في طريقنا إلى الشام وسنعيدك إلى أهلك بإذن الله.. بسم الله سيروا على بركة الله.. |
(يسير الركب في طريقه إلى بلاد الشام نسمع بعدها صوت السميدع يقول): |
سميدع: كيف فارقتني يا مجدع.. ما كنت أصدق أنك تطيق فراقي هل هنت عليك إلى هذه الدرجة.. |
مجدع: لا ورب البيت يا سميدع ولكن ودي وإخلاصي لك هو الذي حملني على مفارقتك.. |
سميدع: أأغضبتك إلى حد أنك فضلت مفارقتي على البقاء بجانبي وكنت قاسياً علي بشكل لم أتصوره ولا كنت أظن أن أحداً يجرؤ على قوله لي ولكن.. |
مجدع: ولكن اسمح يا سميدع فما دفعني إلى ما قلت إلا إخلاصي القوى لك ورغبتي في صلاحك.. |
سميدع: ولكنك أعرف الناس بنوازعي ونواياي يا مجدع.. |
مجدع: صحيح يا سميدع ولكني لا أريدها أن تبلغ من السوء إلى الحد الذي كنت رسمته لها.. |
سميدع: إن حبي لقومي وعشيرتي هو الذي يحملني على التفكير في أمور قد تكون سيئة في نظرك.. |
مجدع: ولكن حبك لقومك لا يجب أن يصل إلى درجة القتل والقتال إنك يا سميدع.. اسمح أن أقول.. |
سميدع: قل وكن صريحاً معي.. |
مجدع: لا أنكر أنا ولا أحد غيري ينكر أنك تحب قومك وعشيرتك ولكنك تحب نفسك أكثر وتحب السيادة على مكة أعلاها وأسفلها.. |
(ضجيج وهرج ومرج وبكاء وعويل نسمع بعده أصواتاً تقول): |
أصوات: مات.. مات.. |
أصوات: يا للخسارة.. يا لعظم المصاب.. |
صوت: من الذي مات يا قوم؟ |
أصوات: إسماعيل.. إسماعيل.. |
صوت: يرحمه الله.. يرحمه الله.. |
|