شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 6 ـ
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت السميدع يصرخ ويزأر ويزمجر ومجدع يقول له):
مجدع: ما بك يا سميدع تصرخ وتزمجر وقد بلغ منك الغضب مبلغه.. ماذا جرى لك؟ ما أصابك؟..
سميدع: وتسألني يا مجدع لماذا أنا غاضب. وماذا أصابني.. هل تريدني أن أصاب بأكثر مما أصبت..؟
مجدع: كفانا الرب شر المصائب.. إني أراك معافى سليماً مالكاً لشعورك وعقلك وحواسك..
سميدع: كم أنت ذكي يا مجدع ولكنك تتغابى في بعض الأحيان..
مجدع: ما الذي يدفعني إلى التغابي يا سميدع ومن ذا الذي يرضى أن يتهم بالغفلة والغباء.. المهم قل ما شئت عني وطمني ماذا بك؟..
سميدع: ماذا بي وتتساءل أيضاً يا مجدع؟..
مجدع: هل أنا ممنوع من سؤالك.. أغاضب علي أنا أيضاً وحانق؟..
سميدع: هل أسأت إلي حتى أغضب منك؟..
مجدع: لا ولكن لم لا تجيب على سؤالي عن غضبك وحدتك الآن؟..
سميدع: عمرو بن مضاض..
مجدع: الآن فهمت يا سميدع.. يا لغبائي.. إنك على صواب غير أني لا أتغابى بل أصاب بالغباء فعلاً.. ولكن..
سميدع: ولكن ماذا؟..
مجدع: أساءك وأغضبك إلى هذا الحد فوز ابن مضاض الجرهمي بجائزة السباق الأولى..
سميدع: أجل يا مجدع أجل.. لقد قضى فوزه على ولدي الذي أصيب بالحمى وقد تركته يهذي ويرتجف.. ورب هذا البيت إن حدث لابنى شيء فسيلحق ابن مضاض به..
مجدع: سأحضر لولدك طبيباً ماهراً قدم إلينا من بلاد ما بين النهرين وسيشفى بإذن الله.. آه يا سميدع..
سميدع: ولم تتأوه يا مجدع؟..
مجدع: يا ليتني أجد طبيباً ينزع ما في صدرك من غل وحقد..
(أجراس الدواب وسيرها نسمع بعدها صوت خراش يقول):
خراش: لا أدري يا جذعان ماذا سيكون عليه طريقنا إلى بلاد الشام في هذه المرة..
جذعان: يتحدث الركبان القادمين من بلاد الشام وبلاد الكنعانيين أن معارك تدور رحاها بين الكنعانيين والحيثيين والفراعنة..
خراش: أخشى أن يمتد لهيبها فينقطع سير القوافل إلى هذه البلدان..
جذعان: لا شك أن الصراع الدائر هناك سيؤثر على التجارة.. فالتجارة لا تزدهر إلا حيث الأمن والاستقرار..
خراش: أخشى ما أخشاه أن يقضي هذا الصراع على كيان الكنعانيين.. فالكنعانيون عرب مثلنا يا جذعان كما تعلم..
جذعان: بلى يا خراش بلى.. وهم في صراع مستمر مع الأقوام التي تعبر بهم فبلادهم ممر للغزاة والفاتحين وفي هذا الممر تسيل الدماء كالأنهار..
خراش: شد ما أعجب له يا جذعان هو..
جذعان: هو ماذا يا خراش؟..
خراش: هو كيف استطاع الكنعانيون بناء هذه المدن الجميلة وصنع هذه المدينة التي تتجلى روائعها في مساكنهم ومعابدهم وطرقهم وملاعبهم وهم..
جذعان: وهم ماذا؟
خراش: وهم ما يخرجون من حرب إلا ليدخلوا في غيرها ولا يستدبرون غازياً إلا ليستقبلوا غازياً آخر..
جذعان: لقد استمرأوا هذه الحياة ووطنوا نفسهم عليها..
خراش: ولكن الحرب والخراب صنوان فحيثما كانت الحروب كان الدمار والفناء وأني ما أزال أتساءل وسأظل أتساءل كيف استطاع الكنعانيون بناء هذه المدينة..
جذعان: إن موقع بلاد الكنعانيين التجاري متعها بمركزه مالي مرموق تستطيع به معالجة أزمات الحروب ومشاكلها كما أنه من غير شك أن بلاد الكنعانيين كانت تنعم بفترات من الاستقرار تزدهر فيها مدنيتهم..
خراش: يا إلهي متى ينعم الناس بالأمن والاستقرار فلا قتال ولا حروب..
(أصوات تعلو وتنخفض مما يدل على اجتماع هام نسمع بعده صوت ملك اليبوسيين سالم يقول):
سالم: يا قوم: هاجر أجدادكم اليبوسيون إلى بلاد ابن عمهم الكنعانيين بعد أن أهلك الله قوم عاد بالريح الصرصر التي سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً.
أصوات: يا الله! يا لله..
سالم: فأصبحوا صرعى بعد هذه الأيام والليالي وكأنهم أعجاز نخل خاوية ولم تبق منهم باقية..
أصوات: لقد كفروا بنبيهم هود فكان هذا العذاب جزاء لهم..
سالم: ونحن اليبوسيين هاجر أجدادنا وهم على دين النبي هود وظلوا على هذه العقيدة يتوارثها الأبناء عن الآباء حتى طغت عليهم مدنيات الفراعنة والحثيين والكلدان فبعدوا عن الدين وتأثروا بعبادة تلك الأمم.
أصوات: بلى ايها المليك بلى..
سالم: وقد سلط الله علينا الحروب والقحط والجدب فيبس الزرع والضرع وسالت أوديتنا بالدماء بدلاً من الماء وهاهو الرب يرسل إلينا نبيه إبراهيم ليعيدنا إلى دين التوحيد إلى عبادة آله واحد لا شريك له..
صرواح: النبي إبراهيم سمعنا به وبقصة محاولته ذبح ابنه اسحق على قمة جبل موريا امتثالاً لأمر من ربه..
سالم: أجل يا صرواح أجل كان امتحاناً قاسياً وعسيراً للنبي إبراهيم ولكن الله نجى اسحق فأوحى إلى أبيه بالكف عن ذلك..
صرواح: يا له من امتحان رهيب أيها المليك أن يقدم المرء طائعاً مختاراً على ذبح ابنه..
سالم: بلى يا صرواح بلى.. لقد ضحى النبي إبراهيم بعاطفة الأبوة قرباناً على مذبح حبه الإلهي..
صرواح: صدقت أيها المليك فالحب الإلهي لا يعدله حب..
سالم: وقد زرت النبي إبراهيم في بلدة (حبرون) التي شرفها الله بسكناه فحدثني عن البيت الذي أمره الله ببنائه في مكة.. ثم حدثني عن رسالته السماوية فإذا هي نفس رسالة النبي هود ولكنها بشكل أوسع وأشمل اقتضته تطورات الزمن وحياة الناس فأسلمت على يديه..
أصوات: فلنسلم كما أسلمت أيها المليك..
سالم: بورك فيكم.. بورك فيكم.. وهذا ما دعوتكم إليه..
أصوات: نعم ما دعوتنا إليه أيها المليك..
سالم: وقد أمرني ((نبي الله إبراهيم)) أن ابني معبداً لله على قمة جبل موريا بمدينة (يبوس) هذه ..
صرواح: وبالمكان الذي أراد النبي إبراهيم أن يذبح ابنه اسحق فيه..
سالم: بلى يا صرواح بلى.. وإن أغير اسم مدينة (يبوس) فأسميها (أورسالم)..
أصوات: اسم جميل. وأمر من نبي كريم علينا السمع والطاعة له..
سالم: بورك فيكم.. بورك فيكم والآن قولوا معي..
أصوات: ماذا نقول.. مرنا نطعك..
سالم: قولوا: آمنا برب إبراهيم وبنبيه إبراهيم..
أصوات: آمنا برب إبراهيم ونبيه إبراهيم..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مجدع يقول):
مجدع: ها يا سميدع.. هل أنت مرتاح الآن.. لقد شفي ابنك مما كان يكابده وأنت..
سميدع: وأنا ماذا يا مجدع ..
مجدع: هل شفيت من غلك وحقدك ..
سميدع: كيف أشفى وما شفيت غليلي من مضاض وابنه عمرو..
مجدع: الم ينته حقدك على مضاض بشفاء ابنك.. يجب أن تحمد ربك على ذلك.. لو لم يبرأ ابنك وقتلت عمرو بن مضاض بسببه أكنت تسلم من انتقام أبيه وعشيرته.. أكنت ترتاح من عذاب ضميرك وانتقامه..
سميدع: أما ضميري فأضعه في قمقم وأغلق بابه حين أنوي الانتقام وأما الخوف من مضاض وعشيرته فهذا ما لا أرهبه ولعلّي أتوق إلى اليوم الذي ألقي فيه مضاعفاً وقومه في ساحة الحرب والنضال..
مجدع: يا لها من أمنية أرجو من الله أن لا تتحقق وأن لا أعيش حتى أشهدها..
سميدع: أتعجبك حياة الدعة والهدوء التي نعيشها يا مجدع.. إن هذه الحياة الرتيبة تجلب لي المرض..
مجدع: وحياة الفتك والقتل والنهب والسلب هي التي تروقك يا لطباعك الغريبة الشاذة..
سميدع: خلقت الحياة الهادئة للنساء في دورهن وبين جدران بيوتهن أما نحن الرجال فقد خلقنا لحياة الكفاح والنضال والقتل والقتال..
مجدع: (متهكماً) كأن تقتل مثلاً أخاك أو ابن عمك وأقاربك وأفراد عشيرتك.. هذه هي الحياة التي خلقت لها.. شرور ودموم وقتل ومقتول.. ألا ترضى بهذا النعيم الذي أنعم به رب عليك وعلينا حقاً إنك كفور جحود.. لن أدخل لك داراً بعد اليوم.. هذا فراق ما بيني وبينك..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت خراش يقول):
خراش: ليل سرانا طويل يا جذعان.. وإني أحس بانقباض في صدري ما أحسست بمثله من قبل..
جذعان: لعلّ مرده إلى حنينك للأهل والولد..
خراش: أينقبض صدرك من الحنين أم ينشرح؟..
جذعان: الحنين سحابة قاتمة يا خراش والشيء القاتم يجلب الغمة.. وتفكيرك فيمن خلفت وراءك تمتزج فيه الصور المشرقة بالصور المظلمة ومرارة البعد إلا الجانب المظلم وهذا سبب انقباضك..
خراش: ما أروع تحليلك وتصويرك لأحاسيس نفسي يا جذعان.. لو كنت طبيباً لبرعت في هذا النوع من الطب..
جذعان: هذه فوائد تعلمتها من طول الأسفار وما تجرعت فيها من مرارة وهوان ورغد وهناء..
خراش: وها أنذا أتناول الكأس الذي شربته أنت ولا أدري أتطول أيام أسفاري أم تقصر؟..
(أجراس الدواب وأصوات الذئاب ونباح الكلاب.. نسمع بعدها صوت جذعان يقول):
جذعان: صه يا خراش صه..
خراش: ماذا جرى؟
جذعان: أنظر آذان دوابنا تنتصب وكأنها تسمع شيئاً أو تريد أن تسترق سمع شيء..
خراش: صحيح يا جذعان.. وإنها تمشي في بطء وحذر وكأنها ترى شيئاً تكاد تجفل منه..
جذعان: صه يا خراش وأكتم أنفاسك.. وأنزل من فوق دابتك وأشرع سلاحك..
خراش: لماذا يا جذعان.. أتبصر شيئاً.. إني لا أرى شيئاً..
جذعان: إنك أعشى يا خراش.. إني أرى خيالات بعيدة وأسمع أنيناً خافتاً تنقله الريح إذا هبت صوبنا أتسمع..؟
خراش: لا أسمع ولا أبصر يا جذعان؟..
جذعان: حتى الأسماع فقدته.. ألعلّك خائفٌ يا خراش؟..
خراش: أتتهمني بالجبن والخوف وقد جربتني في قراع الرجال وخاصة لصوص القوافل.. ولكني الليلة.. ما أدري ما جرى لي؟..
جذعان: أكتم أنفاسك وأرهف بسمعك فإنك لا شك ستسمع ذلك الأنين الخافت..
خراش: يا إلهي.. سمعت.. يخيل إلي أنه أنين امرأة.. هيا جرد سلاحك وقل لمن معنا يفعلوا مثلنا.. ولنتقدم في بطء وحذر فلعلّه خدعة من ذئاب الليل..
جذعان: ليس ذلك مستغرباً فحيل لصوص هذا الطريق واسعة وبارعة.. حذقوها من طول المران..
خراش: أرفاقنا مستعدون يا جدعان؟
جذعان: بلى يا خراش بلى..
خراش: هيا.. سأتقدمكم أنا..
جذعان: بل أنا يا خراش فداك أبي وأمي.. إنني أعلم منك بهذه الطريق وبمكر اللصوص وأحاببلهم..
خراش: هيا سر على بركة الله ونحن من ورائك..
(أقدام المشائين وأجراس الدواب نسمع بعدها صوت جذعان يصرخ قائلاً):
جذعان: يا إلهي خمس جثث خفتت أنفاس أربع منها وبقيت خفقة واهية في الجثة الخامسة..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :717  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج