شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلقة ـ 2 ـ
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت (شداخ) يختلط بأجراس الدواب ورغاء الإبل وهمسات المسافرين وهو يقول):
شداخ: هانحن نقترب من الوادي الأجرد القاحل يا عمرة فلنملأ قرب الماء ونقتصد في استهلاك الماء والزاد حتى نخرج من هنا.
عمرة: أنت تفكر يا شداخ في الزاد والماء وأنا أفكر..
شداخ: تفكرين في أي شيء يا عمرة..
عمرة: أفكر في الطفل وأمه ماذا صنع الله بهما. أتخطفهما السباع والوحوش؟ أم ماتا من الجوع والعطش أم..
شداخ: أم أن الرب الذي أمر نبيه إبراهيم أن يترك الطفل وأمه بهذا الوادي سوف يحفظهما من كل سوء ولعلّ الطفل كبر الآن وأصبح في مصاف الشباب؟
عمرة: لا شك أن الذي خلقهما لن يتركهما يا شداخ ولكن..
شداخ: ولكن ماذا يا عمرة؟
عمرة: ولكن قلب المرأة المرهف مصدر قلق وتعب..
شداخ: كوني مطمئنة يا عمرة فقلبي أنا يحدثني بأن الطفل وأمه في خير صحة وعافية.
عمرة: ما هذه الطيور التي أرى يا شداخ. انظر يا شداخ.. انظر..
شداخ: إنك تحلمين بطيور بلادك يا عمرة. كيف تعيش الطيور بهذا الوادي المحرق الخالي من الماء والعشب.
عمرة: ألا تصدقني يا شداخ. بربك أنظر. أنظر. أما ترى..
شداخ: إنما ترين يا عمرة هو خداع البصر وحنانك على الطفل وأمه هو الذي جسد لك هذه الطيور وربما جنات من النخيل والأعناب.
عمرة: (صائحة) يا رجل ألا تصدقني أقسم لك برب إبراهيم أني أرى طيوراً تحوم في هذا الوادي.
شداخ: ما دمت تقسمين فسأنظر وأمري لله.
عمرة: انظر وأمري لله. فعسى بصرك الذي هزته الشيخوخة يمنحه رب إبراهيم نفحة من قوة الأبصار..
شداخ: أتتهمينني بالشيخوخة وبصري بالاهتزاز والزغللة. والله أن لي بصراً أحدّ من بصرك وجسداً أقوى من جسدك.
عمرة: برهن على ذلك أيها الشيخ الفتى.. هيا.. أنظر.. أنظر.. قبل أن يغيب الطير..
شداخ: (ينظر ثم يقول وهو مشدوه) يا إلهي.. ما هذا الذي أرى.. طير وبهذه الكثرة..
عمرة: الحمد لله الذي رأيته.
شداخ: ولكن بم تعللين دوران هذه الطيور..؟
عمرة: أهنالك شيء أكثر من الماء يجذب الطير بهذا الوادي القاحل.
شداخ: ولماذا لا تقولي الجيف التي تخلفت من وراء القوافل التي مرت بهذا الوادي..
عمرة: ولكني لا أشم رائحة كريهة بالجو يا شداخ..؟
شداخ: صحيح لقد أوتيت يا عمرة بصراً حاداً وحاسة شم هائلة..
عمرة: قل ما شاء الله. فإني أخشى الحسد..
شداخ: ما شاء الله.. ما شاء الله (يضحكان)..
عمرة: سنرى ماذا كانت هذه الطيور تحوم حول الجيف أم حول الماء.
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت جذعان يقول):
جذعان: ما كان يخطر ببالي يا خراش أن تفكر في الهجرة من بلادك لتستوطن هذا الوادي الذي كنا نتهيب المرور به ونحسب له ألف حساب.
خراش: لقد فجر الله به الماء فدبت الحياة في كل شيء وهانحن نشيد ونبني ونزرع ونقلع..
جذعان: إن الله بارك هذا الوادي بهذا الطفل ووالديه.. ففجر به هذا الينبوع العظيم - وسيفجر الله ينابيع أخرى بالقرب منه.
خراش: أرى أن نفتش على أحسن مواقع بهذا الوادي ونضع فيها علائم لنا حتى إذا جئنا بأهلنا وقومنا شرعنا في البناء..
جذعان: ولكن من يضمن لنا ألا يأتي أحد بعدنا فيسكن حيث وضعنا العلائم.
خراش: كل شيء قسمة ونصيب.
جذعان: لو نشرع في بناء بعض الأجصاص والعشش في المواقع التي نختارها نكون حفظنا حقوقنا فيها من أن يتجاوز عليها أحد.
خراش: صدقت يا جذعان. فهذا الوادي لا شك سيعمر بالناس بعد أن فجر الله به الماء.
جذعان: هيا بنا يا سيدي نشرع في التفتيش وتحديد الأماكن التي سينزل بها أهلنا وقومنا وأرى - والرأي لك يا خراش أن تكون بقرب الماء.
خراش: الماء ملك لهاجر وابنها وقد أعطتنا حق السقاية منه ولا أحد يستطيع منعنا غيرها - وعلى هذا فليكن اختيارنا لأماكن السكن منصباً على أن تكون مشرفة على هذا الماء.
جذعان: أتعني أن نختار أماكن نستطيع التحصن بها من أي عدو..
خراش: أترى هذا الوادي سيكون أمناً من خطر الغزاة والبغاة والظالمين..
جذعان: بلى يا خراش بلى لقد اختاره الله مقاماً لنبيه إبراهيم وفلذة كبده إسماعيل وسيغمره بالخير والبركة ويعمره بالأمن والسكينة فلا يسفك فيه دم ولا يظلم به أحد..
خراش: صه يا جذعان واسمع معي..
جذعان: أسمع ماذا يا خراش..؟
خراش: أجراس قافلة قادمة من الجنوب..
جذعان: صدقت يا خراش. ما أدق سمعك وأحدّ بصرك..
خراش: الحمد لله على نعمة العافية. الحمد لله..
(أجراس الدواب نسمع بعدها صوت عمرة تقول):
عمرة: انظر يا شداخ. إني أبصر أظعان قوم هناك حيث تحوم الطيور..
شداخ: صدقت يا عمرة إنهم أهل قافلة ينزلون حول الماء الذي يدور الطير حوله..
عمرة: إذن فما حدست كان ماء ولا شيء غير الماء..
شداخ: يقيني أن هذا الماء فجره الله لنبيه إبراهيم ولابنه إسماعيل وأمه هاجر..
عمرة: إنها بركة النبوة. إنها رحمة الله حلت بهذا الوادي. إنه أمر الله لنبيه إبراهيم بأن ينزل إسماعيل وأمه هاجر بهذا المكان ليصبح جناناً خضراء بعد أن كان صحاري جرداء..
شداخ: لقد رأيت النبي إبراهيم حين خلف هاجر وابنه إسماعيل يرفع يديه ضارعاً إلى الله أنه لا شك يدعو ربه أن يرزق هذا الوادي وأهله الخير والبركات والنعم والثمرات.
عمرة: إذن فلنسمه وادي إبراهيم وبركة دعاء إبراهيم..
شداخ: إنها تسمية في محلها يا عمرة..
عمرة: يلوح لي يا شداخ أن أهل هذه القافلة هم من العمالقة..
شداخ: كيف عرفت ذلك؟
عمرة: من علامات الوشم على أكتاف جمالهم فإن لها وشماً يختلف عن وشم أباعرنا..
شداخ: صه يا عمرة إني أرى واحداً من ربع تلك القافلة يقصدنا. إنه جذعان..
عمرة: جذعان.. أتعرفه يا شداخ؟
شداخ: بلى يا عمرة حق المعرفة..
جذعان: يا مرحبا بالربع. من. شداخ. يا لها فرصة تفضل العمر..
شداخ: حياك الله وبياك يا جذعان..
جذعان: هيا امرحوا بجوارنا حيث الماء الذي لا ينضب..
شداخ: كيف هاجر وابنها إسماعيل يا جذعان..؟
جذعان: أعندك علم بأمرهما..؟
شداخ: كيف يا جذعان.. وقد جاؤوا معنا في قافلتنا ونحن نسير صوب اليمن وكان معها والد الطفل النبي إبراهيم..
جذعان: لقد كبر الطفل وبلغ مبلغ الرجال إنه في ريق الشباب وزهرة العمر..
شداخ: لا بد يا جذعان فلنا سنين عن هذا الوادي.. أين هو الآن..؟
جذعان: إنه مع والدته يسكنان ذلك العريش الذي تظله تلك الدوحة..
شداخ: وهذا الماء ما هي قصته لقد أصبح حديث القوم في ديارنا..
جذعان: قصة الماء قصة لطيفة مشوقة سأقولها بعد أن تستريح ومن معك..
شداخ: حسناً تفضَّل يا جذعان فإني والله جد مشوق لسماعها..
(نسمع بعدها صوت لقمان يقول):
لقمان: يا قوم أسمعتم بالماء الذي تفجر بالوادي الأجرد وجعل الناس يتزاحمون على ورده وعلى السكنى بجانبه.
رزّاح: لا يا لقمان. أي واد يا لقمان فعندنا كثير من الأودية القاحلة..
لقمان: هذا الوادي أصبح اسمه وادي إبراهيم..
رزّاح: وادي إبراهيم. إنك تزيد الأمر غموضاً يا لقمان. أين يقع هذا الوادي..؟
لقمان: أتذكرون أنا في طريقنا إلى الشام كنا نمر بواد مخيف ليس به عشب ولا ماء.
رزّاح: تذكرت ذلك الوادي الذي كنا لا نصدق أن نجتازه بقوافلنا خشية الهلاك من العطش - وحرارة الشمس..
لقمان: هو هذا يا رزاح.. لقد عرفته الآن..
رزّاح: أبهذا الوادي تفجر الماء وأقبل الناس على الاستيطان به ولكنك تقول إن اسمه أصبح وادي إبراهيم.. كيف..؟
(نسمع بعدها صوت شداخ يقول):
شداخ: إنها قصة رائعة يا جذعان تجلت فيها قدرة الرب. ورحمته..
جذعان: أجل يا شداخ أجل.. إن انبثاق الماء كان لحكمة يريدها الرب. يريد أن يعمر هذا الوادي فيطمئن الناس إلى السكنى فيه والمرور به من بعد خوف وفزع.
شداخ: إن هذا الوادي يحق لنا أن نسميه وادي إبراهيم..
عمرة: وأرض هذا الوادي وما سينشأ عليها من عمران ماذا تسمونها؟ إنها ستزدهر وتنمو وتكبر لأنها عطية الإله لنبيه إبراهيم.
جذعان: صدقت يا عمرة. إنها أرض مقدسة. أرض أَمِنَّا فيها من بعد خوف وارتوينا من بعد عطش واسترحنا من بعد عناء..
عمرة: من هذه القداسة التي أضفاها الله على هذه الأرض حين أمر نبيه إبراهيم بإسكان ولده وزوجه فيها جعلتها أرضاً تمتاز بدون شك على كل أرض..
شداخ: بلى يا عمرة إنها أرض يجب أن تخلص بها النوايا والقلوب يجب أن يعيش الناس فيها متحابين متصافيين لا بغضاء ولا عداوة ولا نهب ولا سلب. ولا قتل لا قتال.
جذعان: إنها أرض لا شك يستجاب بها الدعاء وتَمُكُّ الذنوب ويغفرها الله..
عمرة: انظروا يا قوم.. انظروا..
جذعان: ماذا ننظر يا عمرة..
عمرة: النبي إبراهيم..
شداخ: النبي إبراهيم. كيف جاء ولم نحس به..؟
جذعان: إنه يأتي دائماً من دون أن يشعر به أحد..؟
شداخ: أجاء قبل هذه المرة يا جذعان..؟
جذعان: بلى يا شداخ.. إنه يأتي للمرة الثالثة..
شداخ: أرأيته يا جذعان.. أسلمت عليه..؟
جذعان: لقد سلمنا جميعنا على يديه..
شداخ: هنيئاً لكم. هنيئاً لكم. هلموا بنا إليه..
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت رزّاح يقول):
رزاح: قصة هذا الوادي وماؤه عجيبة يا لقمان وماذا عندك بعد من أخباره..
لقمان: وعندما جاء إبراهيم إلى هذا الوادي في المرة الثالثة وقد كبر ابنه إسماعيل واكتمل شبابه قال له..
رزّاح: قال له ماذا؟
لقمان: قال له: يا إسماعيل أمرني ربي أن ابني له بيتاً.. فقال له إسماعيل وأين فأشار له إلى أكمة مرتفعة على ما حولها عليها رضراض من حصباء يأتيها السيل من نواحيها ولا يركبها.
رزّاح: وبعد يا لقمان وبعد..
لقمان: فقاما يحفران عن القواعد. ويحمل له إسماعيل الحجارة على رقبته وإبراهيم يبني بنفسه..
رزّاح: ولا أحد يساعدهما..؟
لقمان: لا يا رزّاح. فلما ارتفع البناء وشق على إبراهيم تناوله قرب إسماعيل له حجراً يقوم عليه أبوه ليبلغ به المدى الذي يمكن أن يبلغه فوق الحجر. حتى أكمل بناء البيت..
صوت صادر من مكان بعيد: بسم الله الرحمن الرحيم، وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ صدق الله العظيم (البقرة: 127 ـ 128).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1212  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 2 من 56
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج