الحلقة ـ 57 ـ |
(نقلة صوتية وزمنية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول): |
هند: يا لها من قصة ما أروعها وأمتعها.. |
سهيل:لم نسمع من صفوان هذه القصة إلاّ الساعة.. |
أبو سفيان: وهل كان لدينا وقت لسماعها أو سماع غيرها؟.. |
هند: ما الذي كان يشغلكما؟.. |
أبو سفيان: أنسيت ما ذهبنا من أجله.. |
هند: هل التجارة أو التسوق كان يشغل وقتكما كله؟.. |
سهيل:بلى يا هند بلى.. لأنك تجهلين التجارة تظنين أن رحلتنا إلى الشام عبارة عن زيارة ونزهة واستمتاع بظل ظليل ونسيم عليل وماء سلسبيل أليس كذلك؟؟ |
أبو سفيان: ثم أنسيت السوريين وحرافتهم ومهارتهم في البيع والشراء.. |
سهيل:سلي أبا وهب شيخ تجار الحجاز كيف وجد السوريين؟.. |
صفوان: ما رأيت أحذق منهم بالتجارة ولا أبرع منهم في التصريف والتسويق والإقناع أنهم شطار بمعنى الكلمة وعلى المشتري أن يحاذر في تعامله معهم.. |
هند: ولكن هذا الرجل المضياف ألم تكن لديكم فرصة لزيارته في طريق عودتكم.. |
صفوان: لو زرناه يا هند ما خرجنا من عنده إلا بعد ثلاثة أيام.. وثلاثة أيام في عمر التاجر لها قيمتها ووزنها.. |
سهيل:هذا بالإضافة إلى ما كنا نخشاه على بضاعتنا من أن تتناولها أيدي اللصوص.. فحبل الأمن بدأ يضطرب في بلاد الشام بعد حملة الرسول صلَّى الله عليه وسلم إلى تبوك.. |
أبو سفيان: أجل يا هند أجل فالناس هناك أقصد العرب منهم وهم الأكثرية يرتقبون أن تخلصهم الجيوش الإسلامية من استعباد الروم البغيض.. |
هند: إن ذلك اليوم آت عما قريب فليرتقبوه.. |
سهيل:لقد طغت أخبار رحلتنا على ما سواها يا هند.. كنا نريد أن نعرف أخبارنا الداخلية.. |
هند: ماذا تقصد بأخبارنا الداخلية يا أبا جندل؟ |
أبو سفيان: إنه يقصد أخبار الإسلام والمسلمين.. |
هند: ليس المسؤول بأعلم من السائل.. أنتم الرجال مطلّعون على ذلك أكثر منا نحن النساء.. |
سهيل:قد يكون ذلك صحيحاً إلى حد ما ولكن النساء عادة لديهن حاسة غريبة لتصيد الأخبار الدقيقة والطرف النادرة.. |
هند: حبذا يا أبا يزيد حبذا فما عندي من الأخبار عندك وعند سواك الشيء الكثير منها.. إن المدينة تعج بالوفود من شمالي الجزيرة وجنوبها وشرقها وغربها حتى أصبح الناس يطلقون على هذه السنة سنة الوفود.. |
سهيل:وتقولين يا هند ما عندك شيء جديد.. إن إطلاق الناس على هذه السنة سنة الوفود خبر جديد بالنسبة لي.. فتشي في جعبتك لعلّك تجدين في زواياها خبراً منسياً.. |
عند: في غيابكم بالشام لم يكن حديث للناس في مكة أو في المدينة إلا حديث فروة بن عمرو الجذامي وخبر إسلامه وما جرى له بعد ذلك؟.. |
سهيل:ومن هو فروة هذا يا هند؟.. |
هند: حاكم معان من قبل الروم.. |
سهيل:معان البلد الذي مرت به حملة زيد بن حارثة في طريقها إلى مؤتة.. |
هند: بلى.. بلى.. يا أبا يزيد.. كان فروة بن عمرو الجذامي يحكم معان عندما مرت حملة المسلمين بها.. |
سهيل:كيف أسلم فروة هذا؟.. |
هند: الحديث عن إسلام فروة يجرنا إلى ذكر شيء عن معركة مؤتة تلك المعركة التي كانت بداية إشراق نور الهداية في قلب فروة كما روي عنه.. |
أبو سفيان: هل أشترك فروة بن عمرو مع المسلمين في معركة (مؤتة)؟.. |
هند: بلى يا أبا سفيان بلى.. لقد اشترك في المعركة بدافع من حميته وتعصبه لبني قومه العرب.. فمعركة مؤتة كما كان يقول فروة معركة بين العرب والروم.. |
سهيل:إذن فقد انتصر لقومه العرب فيها على الروم بداية جميلة لقصة أجمل.. هات يا هند هات.. |
(نقلة صوتية وزمنية مسبوقة بموسيقى حربية وأصوات تعلو وتنخفض مما يدل على اجتماع هام نسمع بعدها صوت زيد بن حارثة يقول): |
زيد: تعال يا فروة تعال.. |
فروة: ما وراءك يا بن حارثة؟ |
زيد: قبضت طلائعنا على علج رومي وابنته وقد أوعزت بوضع ابنته مع النساء.. أما هو.. |
فروة: فأين هو؟.. |
زيد: خارج الخيمة وسأحضره لعلّك تعرفه وتعرف شيئاً عن مهمته ولعلّك تستكنه منه أخبار الروم.. |
فروة: حسناً.. مرهم بإدخاله.. |
زيد: أدخلوا العلج الرومي.. |
(موسيقى تصاحب دخول العلج الرومي واسمه ماهان): |
ماهان: السلام عليكم.. |
زيد: السلام على من اتبع الهدى.. |
فروة: من؟ ماهان؟.. أمير مدينة الكرك وقائد حاميتها.. |
ماهان: أجل يا فروة الحمد لله الذي جمعنا على غير ميعاد.. |
زيد: أراك تحمد الله سبحانه وتعالى فهل أنت مسلم؟.. |
ماهان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
زيد: الحمد لله الذي هداك للإسلام.. قل لي متى أسلمت؟.. |
ماهان: منذ عشر سنين.. |
زيد: عشر سنين وأنت تكتم إسلامك؟ |
ماهان: أجل أيها الأمير.. أجل.. |
زيد: على يد من أسلمت أو كيف أسلمت؟.. |
ماهان: كنت في زيارة لأهل زوجتي بالشام فتعرفت على أحد تجار المسلمين وقد أراد الله بي خيراً فشرح صدري للإسلام وهداني على يد ذلك التاجر الذي اغتالته يد رومية آثمة في ظروف غامضة.. |
زيد: وابنتك هل أسلمت مثلك؟ |
ماهان: بلى أيها الأمير بلى.. |
زيد: وكتمت إسلامك كل هذه السنوات؟ |
ماهان: أجل.. أجل.. وكنت أتحين الفرصة للشخوص إلى مدينة الرسول صلَّى الله عليه وسلم حتى جاءت حملتكم فوجدتها فرصة ذهبية للحاق بكم.. |
زيد: يا مرحباً بك.. يا مرحباً بك.. لقد أصبحت منا لك وما لنا وعليك ما علينا.. |
فروة: ما هي أخبار تجمعات الروم يا ماهان؟.. |
ماهان: الروم جمعوا لكم جيشاً لجباً أرجو أن ينصركم الله عليهم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول): |
سهيل:يا لها من قصة طريفة ومفارقات عجيبة.. وبعد يا هند وبعد.. |
هند: واحتدمت معركة مؤتة وسقط ماهان الرومي شهيداً فيها.. |
أبو سفيان: يا لها من خاتمة سعيدة له وماذا جرى لابنته؟.. |
هند: رجعت مع المسلمين إلى معانٍ حيث تزوجت أكبر أولاد فروة بعد أن أعلن إسلامه أمام خالد بن الوليد.. |
سهيل:وماذا عن فروة بن عمرو الجذامي يا هند وهو بيت القصيد.. |
هند: لم يلبث أن أعلن إسلامه ثم وفد على رسول الله الله صلَّى الله عليه وسلم يخبره بإسلامه وأهداه بغلة بيضاء يقال لها (فضة) وحماراً يقال له يعفور وفرساً يقال لها (الظّرب) وقباء مرصعاً بالذهب.. |
أبو سفيان: أقبل النبي صلَّى الله عليه وسلم منه الهدية؟ |
هند: بلى يا أبا سفيان بلى.. نسيت أن أذكر أنه أعطى الرسول صلَّى الله عليه وسلم اثنتي عشرة أوقية من الفضة أيضاً.. |
سهيل:هدية فيها ذوق وكرم وحسن انتقاء.. |
أبو سفيان: صدقت يا أبا يزيد إنها في منتهى الذوق.. |
سهيل:هل بقي فروة الجذامي بالمدينة أو عاد إلى بلده؟.. |
هند: عاد إلى بلده.. |
سهيل:هذا عن إسلام فروة وماذا جرى له بعد إسلامه؟.. |
هند: عاد فروة بن عمرو إلى معان وشرع في تبليغ رسالة الإسلام ونشرها بين أهله وعشيرته.. |
سهيل:شيء جميل.. شيء جميل.. |
هند: فعلم الروم بإسلام فروة ودعوته أهله وقومه إليه فاستشاطوا غضباً وصمموا على الانتقام منه.. |
أبو سفيان: ويلهم ما أشد عداءهم للإسلام.. وماذا بعد يا هند؟.. |
هند: لم يظهر الروم سخطهم على فروة ولا نقمتهم بل بيتوا ذلك في أنفسهم متحينين سنوح فرصة مناسبة للفتك به.. |
سهيل:ما أشد مكرهم وخبثهم.. لقد كتموا سخطهم حتى لا يشعر فروة به فيحذرهم بل قد يهرب هو ومن أسلم معه إلى المدينة.. |
هند: وواتت الروم الفرصة؟.. |
سهيل:كيف يا هند كيف؟.. |
هند: كان ولد فروة وزوجه في زيارة لأهلهما بالشام فعلمت السلطات الرومية بأمره فقبضت عليه وأستكتبته رسالة إلى أبيه يطلبه موافاته بالشام على عجل لمرض طارىء ألم به.. |
أبو سفيان: يا للمؤامرة الدنيئة.. |
هند: وجاء فروة إلى الشام على جناح السرعة فقبضوا عليه وأودعوه سجن جلق واعلموا قيصر الروم بما فعلوا وأنتظروا أمره.. |
سهيل:يا لهم من ظالمين.. وماذا بعد يا هند؟.. |
هند: وعلمت الحركة المقاومة للروم بسجن فروة بن عمرو الجذامي.. |
أبو سفيان: إن حركة المقاومة للروم قوية في البلاد الشامية.. لقد لمسنا هذا في رحلتنا الأخيرة إليها.. |
هند: واجتمع أنصار الحركة وقرروا إنقاذ فروة من السجن مهما كلف الثمن.. |
سهيل:قصتك مثيرة يا هند.. وبعد.. |
هند: ووجدوا في زوجة مأمور سجن (جلق) عوناً لهم فقد كانت عضواً بارزاً في الحركة ولكن.. |
أبو سفيان: ولكن ماذا يا هند؟.. |
هند: ولكن أمر القيصر العاجل بنقل فروة بن عمرو الجذامي إلى حمص أحبط محاولة إنقاذه.. |
سهيل:وتقدرون فتضحك الأقدار.. |
هند: وسيق فروة بن عمرو إلى حمص حيث يقيم القيصر ووضع في السجن انتظاراً لأمر قيصر الروم بشأنه.. |
أبو سفيان: يا للمسكين كم قاسى من قسوة السجانين وتعذيبهم.. |
هند: بل قل وسياطهم ومقارعهم.. |
أبو سفيان: نسيت أن أسألك يا هند؟.. |
هند: سل يا أبا سفيان؟.. |
أبو سفيان: ماذا فعل الله بولد فروة وزوجه؟.. |
هند: عندما فشلت حركة المقاومة في إنقاذ فروة وجهت جهودها لإنقاذ ابنه وزوجه.. |
سهيل:ولعلّها أفلحت.. |
هند: بلى يا أبا يزيد بلى.. أنقذ ولد فروة وزوجه من السجن وأخذ إلى جهة مجهولة.. |
أبو سفيان: يا لرجال حركة المقاومة ما أبرعهم وأشجعهم.. |
سهيل:وماذا عن فروة يا هند.. |
هند: أمر قيصر الروم بأن يمثل فروة بن عمرو بين يديه فجيء به مكبلاً بالسلاسل والحديد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط برنين القيد والسلاسل في قدمي فروة ويديه نسمع بعدها صوت القيصر يقول): |
القيصر: أدخلوا فروة علي.. |
فروة: هاأنذا بين يديك ايها القيصر.. ماذا جنيت حتى استاهل هذا التعذيب.. |
القيصر: (صارخاً) أتقول بكل وقاحة ماذا جنيت؟ |
فروة: أجل أيها القيصر أقول ماذا جنيت؟ |
القيصر: هل بعد الإسلام جناية أكبر؟.. |
فروة: الإسلام الذي بشر به عيسى وموسى وجاء ذكره في التوراة والإنجيل يعتبر جناية ايها القيصر.. |
القيصر: أجل يا فروة أجل.. أسمع.. |
فروة: كلي آذان وأسماع.. |
القيصر: إذا رجعت عن دين محمد أعدناك إلى ملكك وأجزلنا لك العطاء.. |
فروة: والله الذي يحيي ويميت لا أفارق دين محمد اسمع أيها القيصر.. |
القيصر: قل أيها الوقح.. |
فروة: أيها القيصر أنت تعلم كاليقين أن عيسى بشر بالإسلام ونبي يأتي من بعده اسمه أحمد ولكنك تضن بملكك.. |
القيصر: (صارخاً) خذوه واصلبوه.. |
فروة: مرحباً بالموت في سبيل الإسلام.. |
|