الحلقة ـ 52 ـ |
(موسيقى الحجيج تختلط بأصوات التلبية نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول): |
سهيل:قدم أبو بكر للحج في ثلاثمائة رجل من المهاجرين والأنصار وقد بعث معه صلَّى الله عليه وسلم عشرين بدنة قلدها وأشعرها بيده الشريفة. |
أبو سفيان: لعلّ أعظم حدث في هذا الحج هو قدوم علي بن أبي طالب وقراءته على الناس سورة براءة بناء على أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
سهيل:بلى يا أبا سفيان بلى وهل هنالك أعظم من منع المشركين مع الحج بعد هذا العام وأن لا يطوف بالبيت عريان. لقد طهر الله بيته ومناسكه من رجس المشركين ومن فسق وفجور العراة الآثمين.. |
أبو سفيان: صدقني يا سهيل كان نساؤنا يأبين الطواف خشية رؤية العراة من الرجال والنساء مع أن أكثر هؤلاء كانوا يطوفون بالليل ولكن بعضهم كان لا يستحي فيطوف عارياً بالنهار.. |
سهيل:كم أبتهل إلى الله تعالى أن لا يميتني يا أبا سفيان حتى أحج مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
أبو سفيان: إنها منية كل واحد منا يا أبا جندل.. فمتى يكتب الله لنا ذلك.. |
سهيل:لعلّها في العام القابل إن شاء الله تعالى.. |
أبو سفيان: عسى أن لا تشغلني أمور الدنيا عن الآخرة فأنا أزمع السفر في رحلة تجارية إلى الشام عقب هذا الحج مباشرة بإذن الله.. ألا تذهب معي يا سهيل.. |
سهيل:كم أنا مشتاق إلى رحلة كهذه فيها ترويح عن النفس وكسب مادي.. |
أبو سفيان: والله ما أدري يا أبا جندل فالأوضاع التجارية في البلاد الشامية قد تدهورت بل ساءت إلى حد كبير.. |
سهيل:لعلّ مردها إلى سوء نظام الحكم وضعف سيطرة القياصرة.. |
أبو سفيان: يتحدثون عن تدهور حالة الروم في القسطنطينية والرومان في روما الذين احتلت بلادهم من قبل قبائل بربرية متوحشة.. |
سهيل:من أين لك هذه الأخبار؟.. |
أبو سفيان: ممن قدموا إلى الحج في هذا العام.. فأنت تعلم أن الحج مؤتمر تلتقي فيه بأناس قد لا يخطر لك ببال أو في حلم أن تراهم. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت ثيوفليس يقول): |
ثيوفيليس: ما تزال جراحات حروبنا مع الفرس تنزف واقتصادنا يسير من سيىء إلى أسوأ ومع ذلك نفاجأ.. |
مرياما: نفاجأ بماذا يا (ثيو ).. |
ثيو: نفاجأ بهذا الانقسام والشقاق في جسم الكنيسة المسيحية الشرقية.. |
مرياما: انقسام وانشقاق في جسم الكنيسة.. إلهي.. يا لها من أخبار سيئة.. |
ثيو: تسود بدعة المونوفيزية في سورية ومصر والنسطورية في العراق وفارس يا مرياما.. |
مرياما: والحكومة لا شك تضطهد النسطوريين ما أبشع الاختلافات المذهبية والعقائدية وما أشد تأثيرها على البلد الذي تظهر فيه.. |
ثيو: لعلّ من المؤسف جداً يا مرياما أنه في الوقت الذي تتسيد الخلافات الدينية بلادنا تسود مجاهل جزيرة العرب وحدة دينية قوية أرسى قواعدها نبي ظهر بينهم اسمه محمد.. |
مرياما: لقد سمعت بهذا الاسم يتردد على افواه العرب الذين يعيشون في هذه المنطقة. |
ثيو: إن هؤلاء العرب يا (مرياما) ينظرون إلى هذا النبي كمخلص لهم من احتلالنا نحن الروم. وإني لا استبعد هذا الخلاص إذا ما استمرت إمبراطوريتنا في تدهورها الديني والاقتصادي والعسكري.. |
مرياما: إن انشغال الروم بخلافاتهم الداخلية سوف يمكن للعرب في هذه البلاد من الاتصال بإخوانهم في الجزيرة العربية وإغرائهم على غزو هذه المنطقة. |
ثيو: يخيل إلي أن هذا الاتصال قد بدأ منذ مدة بين العرب هنا وهناك وأن المد المحمدي سوف يزحف على البلاد الشامية قريباً.. |
مرياما: صدقت يا ثيو ولا سيما وقد أعمل قادتنا تحصين الثغور وقطعوا الجراية التي كانوا يوزعونها على قبائل الشام العربية المقيمة على الحدود الجنوبية.. |
ثيو: لا أدري ماذا سيكون عليه مصيرنا يوم يأتي عرب الجزيرة فاتحين فيجدون من بني جنسهم هنا صدوراً رحبة وسيوفاً تضربنا نحن الروم من خلفنا. |
مرياما: أتظن عرب الجزيرة قد بلغوا من الهمجية والوحشية ما قد بلغته القبائل (التوتونية) التي قضت على إمبراطورية روما.. |
ثيو: لا اظن يا مرياما فوحشية القبائل (التوتونية) لا مثيل لها في التاريخ الماضي ولا أظن في المستقبل.. |
مرياما: ونحن الذين عشنا بين العرب في هذه البلاد وحذقنا لغتهم وتطبعنا بطباعهم وعاداتهم وتقاليدهم أترانا نستطيع العيش في القسطنطينية إذا ما تقلص ظل إمبراطوريتنا.. |
ثيو: لكل حادث حديث يا مرياما. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأجراس الدواب ورغاء الإبل وهمسات المشائين نسمع بعدها صوت أبي سفيان يقول): |
أبو سفيان: هانحن نصل يا أبا جندل إلى الحدود حيث تكثر مخافر الروم.. |
سهيل:لقد بلوت من قبل سوء معاملة قادة هذه المخافر.. |
أبو سفيان: ولا شك أن معاملتهم ستكون أسوأ هذه المرة بعد الخوف الذي سيطر عليهم إثر غزوة تبوك والأهداف الباهرة التي حققتها. |
سهيل:لعلّ بين جنود هذه المخافر من إخواننا العرب في هذه البلاد.. |
أبو سفيان: إن العرب مغلوبون على أمرهم والروم يقسمون في معاملتهم. |
سهيل:لماذا يا أبا سفيان؟.. |
أبو سفيان: لأنهم يعتبرون كل عربي في هذه المنطقة عيناً للمسلمين فيها. |
سهيل:صدقت. الآن عدت بالذاكرة إلى حادث الراقصة (نسرين) التي فتكت بالقائد الرومي وهيأت الفرصة لهرب العرب من سجن (بصرى).. |
أبو سفيان: تهيأ يا أبا جندل فقد دنونا من أحد هذه المخافر.. |
سهيل:ولكني لا أرى عليه هيئة مخفر. إنه متداع يكاد يسقط على من فيه. |
أبو سفيان: غريب أن أرى هذا الإهمال وعهدي بهذا المخفر من أحسن مخافر الحدود وأقواها. |
سهيل:إذا شاخت الدولة شاخ كل شيء فيها وتداعى إلى السقوط.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت قائد المخفر يقول): |
القائد: فتشوا هذه القافلة العربية جيداً.. |
سهيل:سيقلبون عاليها سافلها وسنضطر إلى إعادة توضيب وترتيب بضائعنا. |
أحد الجنود: لا تخف يا أخا العرب فأنت منا ونحن منك وهذا القائد الرومي غاصب وسأقوم بتفتيش صوري.. آه.. متى يأتي اليوم الذي تحررنا فيه من عبودية الروم. |
سهيل:إنه وربك قريب وقريب جداً.. |
أحد الجنود: إننا في حالة بؤس وضنك شديد فالمعاشات والجرايات لا تصرف بانتظام وسترون آثار الفقر والبؤس على القبائل التي ستمرون بها. |
القائد: ماذا تتحدث أيها الجندي مع هذا العربي؟.. |
أحد الجنود: إني أسأله عن نوع البضاعة ومكان صنعها وعدد أثوابها.. |
القائد: إياك أن تخوض معه في موضوع غير هذا.. |
أحد الجنود: إن الروم يخشون العمل بهذه المخافر لأن حياتهم مهددة من الحرب على هذه الحدود بعد أن انقطعت جراية القيصر عنهم. |
القائد: هل فرغت من التفتيش يا جندي؟.. |
أحد الجنود: بلى أيها القائد بلى.. |
القائد: حصل الرسوم واسمح لهم بالدخول ولا تنسَ.. |
سهيل:ولا تنسى ماذا يعني بها قائدك؟.. |
أحد الجنود: الرشوة. الرشوة. إنها الجراية التي نعيش عليها في هذه الأمكنة النائية.. |
أبو سفيان: سندفعها ولن نعدها رشوة بل مساعدة منا لك أيها الأخ العربي. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ثيوفيليس يقول): |
ثيو: علمت أن قافلة تجارية وصلت من الحجاز من المكان الذي ظهر فيه النبي محمد وسأذهب لأقف من أصحابها على أخبار هذا النبي. |
مرياما: خيراً تفعل يا ثيو.. ليتني أصحبك لأسمع بأذني ما يقولون عن هذا النبي فقد سمعت من النساء العربيات هنا غرائب وعجائب. |
ثيو: حبذا يا مرياما ولكني أفضل أن أراهم وحدي هذه المرة ولعلّي أرتب مقابلة لك معهم في المرات القادمة إذا أقاموا مدة أطول ببلادنا.. |
مرياما: هل عدد افراد هذه القافلة كبير يا ثيو..؟ |
ثيو: عددهم كما فهمت لا يتجاوز العشرة.. |
مرياما: إياك أن يشعروا بالمهمة التي جئت من أجلها فإن العرب أذكياء حذرون. |
ثيو: بالطبع يا مرياما فسأزورهم كأحد المشترين لبضائعهم وسأنتهز الفرصة لأخذ معلومات أكثر عن الإسلام والمسلمين. |
مرياما: شد ما أخشى عليك من أهل هذا البلد الذين يعرفون أنك رومي.. |
ثيو: وماذا يضيرني إذا ما عرف أني رومي يا مرياما؟ |
مرياما: ربما لا يفتح لك بل قد لا يصدقك القول لو عرف أنك من بني جنسه ولحمه ودمه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأجراس الدواب ورغاء الإبل وصوت أبي سفيان يقول): |
أبو سفيان: كيف وجدت هذا البلد يا سهيل.. هل تغير عليك حاله؟.. |
سهيل:كان من قبل أحسن حالاً وأروع منظراً وجلالاً.. أما اليوم فلا أرى إلا وجوهاً يتنزى منها البؤس والفقر. ويحتقن في صدرها الحقد والبغض.. |
أبو سفيان: صدقت يا أبا جندل.. أين تلك الوجوه الباسمة والنفوس المرحة والقلوب المتفتحة للأنس والطرب لكأني أرى الناس ثكالى أو أيامى. |
سهيل:ثم هذا القلق الذي تتلمسه في أقوال وأفعال من تتعامل معه أم تحادثه. إنه يرتاب فيك حتى يعرفك فإذا وثق منك فشأ ما بنفسه من آلام وآمال. |
أبو سفيان: المهم إيجاد سوق أو مشتري لبضاعتنا فعملاؤنا غيبتهم سجون القيصر. |
سهيل:كيف يا أبا سفيان. أي ذنب جنوه؟.. |
أبو سفيان: اتهموا بأنهم ممالئون وجواسيس لجيش النبي صلَّى الله عليه وسلم عندما وصل إلى تبوك وبلغت سراياه حدود الشام الجنوبية. |
سهيل:ما العمل إذن يا أبا سفيان؟.. |
أبو سفيان: صه إني أرى أحدهم قادماً إلينا وهو يتزيا بزي التجار فلعلّنا ننجح في بيعه ما لدينا. |
(موسيقى خفيفة تختلط بصوت أقدام القادم ثم به يقول): |
ثيو: أنعمتما صباحاً.. |
أبو سفيان: أنعمت صباحاً يا هذا.. |
ثيو: من أين قدمتما؟ |
سهيل:حالنا تدل علينا.. |
ثيو: إذن فأنتم من أهل الحجاز.. من قوم محمد.. |
أبو سفيان: بلى.. وأنت أيها السائل.. أتاجر أم شرطي؟.. |
ثيو: إنني تاجر من أهل هذا البلد وعربي مثلكم وقد جئت لأرى ما عندكم من بضائع.. |
أبو سفيان: أما إنك تاجر فكل من في البلاد الشامية من رجال ونساء تجار. وأما إنك عربي مثلنا.. فاللكنة التي تشوب كلامك تدل على أنك رومي.. أصدقنا ما جاء بك؟ |
ثيو: إن صدقتكما هل تصدقانني؟.. |
أبو سفيان: أجل والله على ما نقول شهيد.. |
|