الحلقة ـ 51 ـ |
هند: أرأيتم مبلغ شجاعته.. |
أبو سفيان: بل قولي أشهدتم خوفه وفزعه.. |
صفوان: إنني أخاف. أخاف. أيرضيكم هذا.. |
هند: الاعتراف سيد الأحكام.. |
صفوان: أنت التي أعلنت هذه المحاكمة وضيقت ومن معك من القضاة الظلمة الخناق عليَّ حتى اعترفت (يضحكون).. |
هند: يا لك من ممثل بارع يا أبا وهب. لقد صدق الجميع أنك تخاف من امرأتك. |
صفوان: كان اتهامك يا هند هو العقدة في هذه التمثيلية.. |
سهيل:أكنت تلعب بنا يا صفوان.. |
أبو سفيان: أصحيح يا هند.. لقد كنتما إذن متفقين على حبك هذه التمثيلية.. |
صفوان: لقد جاءت عفو الخاطر وكان اتهام هند فاتحة فصلها الأول.. |
هند: إن أبا وهب يحترم رأي أم وهب لأن لها الفضل الكبير بعد الله في ازدهار تجارته فالهدوء الداخلي الذي هيأته له مكّنه من الانصراف بكليته إلى التجارة حتى نجح هذا النجاح الباهر.. |
أبو سفيان: ولكن صفوان لم يجيبنا بعد على سؤاله لنا عن الحج.. |
صفوان: لقد ضاع سؤالكم في زحمة المشاهد التمثيلية.. |
سهيل:والآن وقد أسدل الستار على الفصل الأخير في تمثيليتك البارعة ألا تريد أن تجيب؟.. |
صفوان: سألتكم إن كنتم ستحجون، ذلك لأني أريد أن أدعوكم لمشاهدة حانوتي (بمنى) فقد عرضت فيه أحدث بضائع الشام والعراق واليمن والهند.. |
الجميع: سنشهده إن شاء الله تعالى. إن شاء الله تعالى.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عباد بن بشر يقول): |
عباد: منذ عودة النبي صلَّى الله عليه وسلم من تبوك والمدينة تعج بالوفود فما نخلص من وفد إلا لنستقبل آخر. |
مسلمة: هذه نتائج فتح مكة من جهة وغزوة تبوك من جهة أخرى يا عباد. فقد استقام المبسم ووضحت للناس فضائل هذا الدين ومحاسنه ومنافعه. |
عباد: والظاهرة التي تسترعي الانتباه يا مسلمة هي انتشار الإسلام بين الأعراب بصورة واسعة وعن طواعية. |
مسلمة: أرجو أن يثبتهم الله على الإسلام فهم مشهورون بالتقلب وعدم الثبات وقد بلوناهم في مواطن عديدة.. |
عباد: وما أكثر الطرائف والمفارقات التي حفلت بها لقاءاتنا اليومية مع هؤلاء الوفود.. |
مسلمة: بل قل ما أوسع صدر الله صلَّى الله عليه وسلم وحلمه. وما أروع تصرفه معهم وهو يخاطب كل وفد بحسب عظمته ومفهوميته للرسالة الإسلامية. |
عباد: هنا تتجلى عظمة الأنبياء وما آتاهم الله من قدرات هائلة وطاقات جسمانية وفكرية عظيمة. |
مسلمة: لا ندري ما هي حصيلتنا من الطرف والملح من وفود هذا اليوم.. |
عباد: أنظر يا مسلمة هذا أعرابي ينيخ بعيره بقرب المسجد حيث يجلس رسول الله صلَّى الله عليه وسلم هلمّ بنا نشهد ما عندهم؟؟ |
(موسيقى تختلط بصوت البعير وهمهمات مصاحبة ووقع أقدام المشائين نسمع بعدها صوت مسلمة يقول): |
مسلمة: إن القادم وافد بني سعد بن بكر. إنه ضمام بن ثعلبة. إنه يتفرس في وجوه الحاضرين بالمسجد ثم يسأل؟.. |
ضمام: أيكم محمد؟.. |
عباد: ذلك الرجل الأبيض المتكىء.. |
ضمام: يا بن عبد المطلب؟.. |
مسلمة: وهاهو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقول له. قد أجبتك.. |
ضمام: إني سائلك ومشدد عليك في المسألة فلا تجد عليَّ في نفسك.. |
عباد: وهاهو النبي صلَّى الله عليه وسلم يقول له. سل ما بدا لك.. |
ضمام: أسألك بربك ورب من قبلك الله أرسلك إلى الناس كلهم؟.. |
مسلمة: وها هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يجيبه. اللَّهم نعم.. |
ضمام: نشدتك بالله. الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة وأن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا وتقسمها على فقرائنا؟.. |
عباد: وهاهو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يجيبه - اللَّهم نعم.. عما سأل وعما سأله عن الحج والتوحيد وترك عبادة الإسلام.. |
مسلمة: إن فيه سلامة طوية أهل البادية. إنه يريد أن يعرف كل شيء. |
عباد: لقد عرف الآن فما تراه سيقول يا مسلمة؟.. |
ضمام: آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورأيي من قومي. وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر. |
مسلمة: إنه لم ينطق بالشهادتين. |
عباد: لعلّه لا يعرفهما. قل له يا مسلمة.. |
مسلمة: قل يا ضمام بن ثعلبة. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله حتى تصبح مسلماً. |
ضمام: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. (ثم يردف قائلاً) يا رسول الله سأودي هذه الفرائض واجتنب ما نهيتني عنه لا أزيد ولا أنقص السلام عليكم.. |
الجميع: وعليك السلام.. |
عباد: وهاهو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقول حين ولى ثعلبة بما معناه. أن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول): |
سهيل:ما شاء الله تحسنت أحوال صفوان التجارية وزاد دره أكثر من قبل الإسلام. |
أبو سفيان: الهدوء والاستقرار الذي ننعم به في ظل الإسلام هيأ كل الأسباب لازدهار التجارة. ثم.. |
سهيل:ثم ماذا يا أبا سفيان؟.. |
أبو سفيان: كان صفوان يسهم في نفقات قتالنا مع النبي محمد قبل أن نسلم. أما الآن فهذه النفقات تزيد في رصيده بل قد يستفيد من توظيفها في تجارته. |
هند: صدقت يا أبا سفيان.. كانت سني قتالنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلم من أقسى الفترات التي مرت بهذا البلد.. |
سهيل:وكانت هذه القسوة تزدد عنفاً عندما كانت تتعرض قوافلنا التجارية لغزوات محمد أو أصحاب محمد. أما الآن. |
هند: أما الآن فتسير قوافلنا من جنوب الجزيرة إلى شمالها لا يعترضها معترض بعد أن مد روّاق الإسلام ظلاله عليها. |
سهيل:إنني أفكر منذ الآن في القيام برحلة تجارية إلى الشام بعد الحج إن شاء الله تعالى وسمحت ظروف أم يزيد الصحية.. |
هند: ألا تأخذ معك أم جندل يا سهيل.. |
سهيل:لو كانت الرحلة لغير التجارة لأخذتها معي.. |
أبو سفيان: إنكن عبء ثقيل في الأسفار. حتى لو كانت لغير التجارة. |
هند: ولكننا عبء لا مفر لكم أيها الرجال من حمله لأنكم لا تستطيعون الحياة بدونه. |
سهيل:هذا صحيح. يا هند.. وما يقصده أبو سفيان هو المسؤولية. فالرجل عندما يكون وحده يستطيع التحرك بسرعة من مكان إلى آخر. أما إذا كانت زوجه معه فحركته تمشي بحساب وحساب دقيق. |
هند: هذا الحساب الدقيق هو الذي تخشونه من وجودنا معكم. |
أبو سفيان: أسكت يا أبا جندل فلن تقدر على جدل هند ولا حجج هند.. ولا.. |
هند: ولا.. ماذا يا أبا سفيان.. |
أبو سفيان: ولا.. ولا.. أقصد لباقتك وبراعتك وقوة بيانك.. |
هند: حسناً.. ظننت غير هذا.. |
سهيل:إن بعض الظن إثم يا هند.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت ضمام بن ثعلبة يقول): |
ضمام: يا بني سعد بن بكر: إليَّ تعالوا.. |
أصوات: يا مرحبا بك يا ضمام. يا مرحبا.. |
ضمام: يئست اللات والعزى. وأفٍٍّ لكم ولما تعبدون. إنكم تعبدون حجارة لا تضر ولا تنفع وتنسون ربكم الذي خلقكم وخلق آباءكم الأولين. |
أصوات: صه يا ضمام. اتق البرص والجنون والجذام.. |
ضمام: ويلكم إنهما ما يضران ولا ينفعان وإن الله قد بعث رسولاً قد أنزل عليه كتاباً استنقذكم مما كنتم فيه. وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وإني جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. |
أصوات: ما أجمل ما تقول يا ضمام.. |
ضمام: إنني أدعوكم للدخول فيما دخلت فيه.. |
أصوات: كيف تدخل فيما دخلت؟ |
ضمام: قولوا أشهد أني لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. |
أصوات: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأصوات التهليل والتكبير والتلبية): |
التلبية: لبيك اللَّهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك (تكرر ثلاث مرات. نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول): |
هند: متى ينتظر وصول أبي بكر أمير الحج في هذا العام.. |
أبو سفيان: قدومه منتظر بين عشية وضجاها والناس هنا تستعد للقائه والانضمام إليه.. |
هند: هل تدبرت مقامنا في عرفة ومنى يا أبا سفيان؟ |
أبو سفيان: وكلت إلى معاوية وإخوانه بتدبر ذلك وأنا بانتظار وافد منهم ليدلنا على مكاننا في عرفة إذ من الصعب الاهتداء إليه في زحام الحج.. |
هند: عسى أن يأتي هذا الوافد سريعاً حتى يساعدنا على نقل لوازم الحج.. |
أبو سفيان: ما أكثر ما تستعدون لهذه الرحلة الدينية التي لا تزيد عن خمسة أيام فما تهيئونه لها يكفي لرحلة شهر.. |
هند: لعلّنا من أخف الناس حملاً في هذا الحج. كيف لو رأيت حويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وابن مرداس وغيرهم لرأيت قوافل تنوء بحملها.. |
أبو سفيان: إنه بطر ما بعده بطر يجب أن يكرس الإنسان هذه الأيام الخمسة للعبادة وتأدية المناسك على أتم وجه بدلاً من تكريسها في الطبخ والنفخ ومد الموائد والأسمطة. |
هند: والضيوف الذين يأتونك أتطردهم أم تطعمهم؟ إذا كنت مقتراً أتريد أن يكون الناس مثلك.. |
أبو سفيان: أنا لست مبذراً وما يفعله الناس في أيام الحجيج هو إسراف وتبذير والمبذرون إخوان الشياطين.. |
هند: هذه عادة درج الناس عليها والعادات قاهرات يا أبا سفيان.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بالتهليل والتكبير وأصوات التلبية).. |
التلبية: لبيك اللَّهم لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.. |
(ضجيج ورغاء إبل وهرج ومرج وأصوات تعلو وتنخفض نسمع بعدها صوت أبي سفيان يقول): |
أبو سفيان: وصل مركب الحجيج يا هند هذه أصوات تلبيتهم (نسمع أصوات التلبية).. |
هند: ووصل جندل لأخذنا إلى عرفة ومعه وسائط النقل (أصوات التلبية).. |
أبو سفيان: هاهو سهيل بن عمرو ومعه أم جندل بالباب.. |
هند: قل لهم إننا قادمون إليهم للذهاب معاً إلى عرفات.. |
|