الحلقة ـ 40 ـ |
محمد بن مسلمة: ولقد رأيت شيبة يا عباد يلازم رسول الله صلَّى الله عليه وسلم مع من لازمه وثبت معه يوم حنين ولما عطف المسلمون على أعدائهم وكروا كرة رجل واحد قرب إلى رسول الله بغلته فاستوى عليها قائماً وظل شيبة يكافح ويناضل دون رسول الله حتى انتهت المعركة.. |
عباد: وهذا سهيل بن عمر ويقول بعد أن ذاق حلاوة الإيمان.. |
(نقلة صوتية وزمنية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول): |
سهيل:والله لا أدع موقفاً وقفته مع المشركين إلا وقفت مع المسلمين مثله ولا نفقة أنفقتها مع المشركين إلا أنفقت مع المسلمين مثلها لعلّ أمري أن يتلو بعضه بعضاً.. |
محمد بن مسلمة: أجل يا عباد أجل. لقد وقف سهيل بن عمرو مع المشركين طويلاً أمام أصنامهم فليقف الآن طويلاً وطويلاً مع المؤمنين بين يدي الله الواحد الأحد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول): |
هند: ودخلت مثلنا يا أبا وهب في دين محمد.. |
صفوان: لقد كنت أنت مع أبي سفيان القدوة.. |
هند: وسهيل بن عمرو أيضاً.. |
صفوان: وعكرمة وكثيرون ممن حاربوا هذا الدين ونذروا أنفسهم ضده ما زال محمد يتألفهم وفضائل هذا الدين ومزاياه تجذبهم حتى وجدوا أنفسهم يعتنقونه طوعاً لا كرهاً. إن محمداً لم يكرهني ولم يكرهك على الإسلام ولكن الإسلام هو الذي فرض حبه على وجودنا ورسول هذا الدين هو الذي عرف كيف يؤدي بأمانة وإخلاص رسالة الإسلام العظيمة. |
هند: صحيح إنك يا أبا وهب كنت عدو محمد الألد ودين محمد ولكن عداءك لم يكن بحال من الأحوال منصباً على شخص محمد ولا على دين محمد.. |
صفوان: صدقت يا هند لقد عاديت دين محمد تعصباً لدين آبائي وأجدادي وعاديت محمداً لقتله والدي وأخي وأبنا عمي في بدر.. |
هند: هي نفس النظرة التي كنت أحملها لهذا الدين ورسوله.. |
صفوان: أما إذا تجرد عن كل ذلك يا هند فأنا من المعجبين بمحمد الأمين منذ حادث الحجر الأسود وبدينه منذ بشر به. |
هند: أتذكر كيف كنا نمجد هذا الدين في معرض حديثنا عنه أيام معاركنا وصراعنا مع محمد؟ |
صفوان: أذكر ولا أنسى يا هند.. ولقد زاد إعجابي بمحمد حتى كدت أصدق بنبوءته يوم تآمري مع عمير بن وهب على اغتياله.. |
هند: يظهر أن الاغتيال هو الذي جمعنا على الإعجاب بمحمد والتفكير يجد في نبوءته فأنت يوم عمير وأنا يوم أرسل أبو سفيان الأعرابي لاغتيال محمد.. |
(موسيقى تختلط بصوت أبي سفيان وهو يقول): |
أبو سفيان: أبو وهب. أنت هنا. يا مرحبا. لنا مدة لم نرك فيها. |
صفوان: كنت أرتب أموري وأحوالي تبعاً لحياتي الجديدة بعد أن أنعم الله علي بنعمة الإسلام.. |
أبو سفيان: صفوان بن أمية يتحدث عن نعم الإسلام من كان يصدق هذا ما كنت أعتقد أن أعيش لأسمع ما أسمع. |
صفوان: ولا أنا يا أبا سفيان كان يخطر لي بال أن قائد قريش وزعيمها يعتنق الإسلام ويدعو أهل مكة للدخول فيه.. |
أبو سفيان: هذه معجزات هذا الدين ومعطياته جعلت ألد أعدائه أخلص خدامه والمتفانين في سبيل رفعته ونصرته.. |
صفوان: إننا يا أبا سفيان حين نذكر يوم قلعت عينك في معركة الطائف وجئت بها في يدك إلى رسول الله فقال لك ما معناه إن شئت أرجعها الله إليك خيراً مما كانت وإن شئت خيراً منها في الجنة فرميت بعينك وقلت أريد خيراً منها في الجنة.. |
هند: حوادث ملموسة رآها أبو سفيان من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم هي التي حببت محمداً ودينه إليه.. |
أبو سفيان: لما دخل صلَّى الله عليه وسلم مكة وأصحابه ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا فقلت لهند: أترين هذا من الله وفي الصباح رأيت رسول الله فقال لي قلت لهند أترين هذا من الله فما شعرت إلا بلساني يقول أشهد أنك رسول الله والذي يحلف به ما سمع قولي هذا إلا الله وهند.. |
هند: أذكر هذه القصة يا أبا سفيان.. |
أبو سفيان: وكنت جالساً مرة في المسجد فقلت في نفسي بم يغلبنا محمد فجاءني صلَّى الله عليه وسلم وضربني على صدري وقال بالله عليك فقلت أشهد أنك رسول الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها قرعاً على الباب فيقول أبو سفيان): |
أبو سفيان: من الطارق؟ |
سهيل:أنا سهيل بن عمرو.. |
أبو سفيان: ادخل يا أبا يزيد.. |
سهيل:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. |
الجميع: وعليك السلام.. |
هند: يا مرحبا يا أبا يزيد.. يا مرحبا.. |
سهيل:شكراً يا هند.. كيف حالك يا أبا وهب فقد انقطعت عنا وكذلك أخبارك وقد علمت اليوم أنك عند أبي سفيان فجئت أراك وأرى أبا سفيان وهند.. |
صفوان: شكراً على سؤالك يا أبا جندل.. لقد شغلني عنكم توطين نفسي على حياتي الجديدة بعد دخولي في الإسلام.. |
سهيل:كيف أحوالك التجارية اليوم يا صفوان؟.. |
صفوان: لا شك أن انقلاب منطقة مكة والطائف وما جاورها إلى مناطق قتال قد أثر على تجارتي. ولكن الهدوء الذي سيطر عليها بسرعة أعاد الحال إلى أحسن مما كانت عليه. |
هند: ولكن الدين الإسلامي حرم بعض أنواع من التجارة ألا ترى يا أبا وهب أنها تؤثر على ميزان التجارة في هذه المنطقة. |
صفوان: لئن حرم الدين الإسلامي بعض المعاملات التجارية فقد أفسح ميدان التجارة وآفاقها وبسط رقعة الأمن فصارت تجارتنا تصل إلى أماكن من الصعب الوصول إليها قبل الإسلام. |
سهيل:وكيف طرق القوافل التجارية اليوم يا أبا وهب؟.. |
صفوان: مضمونة ومكفولة فلا تعديات ولا نهب ولا سلب وهكذا أنتظم سيرها فازدهرت بذلك الحركة التجارية وانتعشت.. |
سهيل:والتجارة الخارجية مع الشمال والجنوب ألم يشملها هذا الانتعاش؟.. |
صفوان: إننا نعيش على تجارتنا الخارجية مع الشمال والجنوب. ننقل من الجنوب إلى الشمال ومن الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق. وكلما امتد رواق الأمن امتدت معه رقعة تجارتنا. |
سهيل:ألا ترى أن الغزوة التي يستعد لها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ستؤثر على الازدهار التجاري الحالي.. |
صفوان: أتعني ازماعه صلَّى الله عليه وسلم الخروج إلى شمال الجزيرة؟.. |
سهيل:بلى يا أبا وهب بلى.. |
صفوان: إني أترقب نتائج باهرة لهذه الحملة يا أبا جندل فستمكن لسمعة التاجر المسلم لدى التجار في بلاد الشام وتزيد من ثقتهم فيه. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها أصوات تهليل وتكبير وقعقعة سلاح وصهيل خيل وصليل سيوف نسمع بعدها عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين يقول): |
ابن أبي: أرى محمداً بعد أن قضى على القرشيين في مكة وقبائل ثقيف وهوازن بالطائف يزمع أن يمد رواق حكمه إلى الشمال. |
الجد بن قيس: بلى يا بن أبي بلى. إن محمداً يعرف كيف يخطط لبسط رسالته وتبليغها إلى خارج الجزيرة.. |
ابن أبي: أتتركه يا جد بن قيس ولا نضع العراقيل في سبيله. |
الجد بن قيس: هل قصرنا يا بن أبي في يوم من الأيام وضع العقبات والعراقيل في سبيله وتدبر المكائد والدسائس ضده. فهل أفلحنا؟.. |
ابن أبي: لا يا جد بن قيس. ولكننا أعقنا تقدم دعوة محمد السريع؟.. |
الجد بن قيس: أتراك تجد أم تهزل؟.. |
ابن أبي: بل جاد كل الجد فيما أقول؟ |
الجد بن قيس: أبعد هذه السرعة المذهلة التي سارت بها دعوة محمد خلال التسع سنوات من دخوله يثرب تقول إننا أعقنا سير الدعوة المحمدية. ما أراك إلا واهماً يا بن أبي؟.. |
ابن أبي: لعلّ هذا الوهم يا جد بن قيس هو وسيلة من وسائل تعزيتي في خيبتي وفشلي ومع ذلك.. |
الجد بن قيس: ومع ذلك ماذا؟.. |
ابن أبي: ومع ذلك فاليأس لا يعرف إلى قلبي سبيلاً. إن الفشل المتواصل يعطيني قوة الاستمرار على مناصبة محمد العداء لأني أعلل نفسي بالانتصار عليه في يوم من الأيام.. |
الجد بن قيس: وهل بقيت في العمر يا بن أبي. لقد بلغت يا أبا عبد الله من العمر عتياً وأنصارك في كل يوم ينقلب واحد منهم ضدك.. |
ابن أبي: صحيح يا جد بن قيس لم تبق إلا خفقة في السراج سيلفظها ثم لا يسطع ولكن.. |
الجد بن قيس: ولكن ماذا يا بن أبي؟.. |
ابن أبي: سيظل هذا السراج يخفق طالما فيه زيت وأنا سأظل أكافح ضد محمد حتى أموت.. |
الجد بن قيس: يا لك من قرم عات.. سابقى يا بن أبي مادام في وفيك سراج يخفق وقلب ينبض. |
ابن أبي: ذلك ظني فيك يا جد بن قيس. وها أنت لا تخيب ظني.. والآن.. |
الجد بن قيس: والآن ماذا؟.. |
ابن أبي: حملة محمد إلى تبوك هل نتركها تسير بأمان وبهذا الحشد من الناس ليبشر بدينه ويكسب أنصاراً في الشمال كما كسب في الجنوب. |
الجد بن قيس: لا يا بن أبي سنحيك المؤامرات ضدها ونثير الأراجيف والشائعات حولها حتى تفشل.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت صفوان يقول): |
صفوان: لا أدري يا هند لم أختار رسول الله صلَّى الله عليه وسلم القيام بهذه الحملة في حمّارة الصيف وفي هذه السنة المجدبة. وفي هذا الضيق والكرب الذي يعيشه الناس.. |
هند: لعلّه صلَّى الله عليه وسلم يريد أن يمحِّص أصحابه فيرى الثابت منهم على إيمانه والمتصنع.. |
صفوان: ولكنه ابتلاهم في مواطن كثيرة ومعركة الخندق كانت قمة هذا الامتحان. |
هند: ولكن الذين يدخلون الإسلام يتضاعف عددهم يوماً بعد يوم وغزوة كهذه في هذا الحر الشديد والقحط المريع أكبر امتحان. |
صفوان: حتى المال لم يكن عند النبي صلَّى الله عليه وسلم منه ما يكفي لتمويل هذه الغزوة فجاءه أبو بكر بأربعة آلاف درهم وعمر بن الخطاب بنصف ماله وعبد الرحمن بن عوف بمائتي أوقيه وعثمان بن عفان بعشرة آلاف دينار وعاصم بن عدي بسبعين وسقا من التمر.. |
هند: إن هذا العطاء السخي كشف الثابتين من أصحاب محمد الذين يجودون بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله. ألا تنوي أن تقدم شيئاً من مالك يا صفوان؟.. |
صفوان: سأفعل لو طلب إليّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ذلك.. |
هند: ولكنه صلَّى الله عليه وسلم لم يطلب من الذين دفعوا أن يدفعوا شيئاً بل حثهم على الإنفاق في سبيل الله.. |
صفوان: ولكن رسول الله لا يريد ممن تألف قلوبهم أن يحملهم شيئاً من نفقات هذه الحملة.. |
هند: هذا صحيح ولولا ذلك لجدنا جميعاً وأنفسنا في سبيل الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها قرعاً على الباب فتقول هند): |
هند: من يقرع الباب.. |
سهيل:أنا سهيل بن عمرو يا هند.. هل أبو سفيان هنا.. |
هند: ادخل يا أبا جندل.. هنا صفوان بن أمية وأبو سفيان في الطريق إلينا.. |
سهيل:السلام عليكم.. |
صفوان: وعليك السلام.. ما وراءك؟ |
سهيل:الخير كله.. |
هند: أعندك علم بأسباب حملة النبي صلَّى الله عليه وسلم إلى تبوك.. |
سهيل:بلى يا هند بلى.. |
صفوان: هات ما عندك يا سهيل.. |
هند: عند سهيل الخبر اليقين كما يقولون.. |
|