الحلقة ـ 35 ـ |
سهيل:إنها يا بني صورة رائعة للعفو عند المقدرة.. لقد قدر محمد فعفا.. وما كانت قريش لتستحق هذه المرحمة ولكنها أخلاق النبوة.. أخلاق النبوة.. |
عبد الله: ها أنت أصبحت مثلي يا أبتاه مفتوناً بهذا النبي العظيم.. |
سهيل:أنا معجب به منذ كان فتى بيننا.. لقد كنا نسميه الأمين وحقاً إنه أمين ثم زاد إعجابي به يوم بدر يوم كنت موثوقاً مع الأسرى.. لقد كان بإمكانه أن يقتلني أو ينزع ثنيتي سهيل يدلع لسانه فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً كما قال له عمر بن الخطاب فقال رسول الله لا أمثل فيمثل الله بي وإن كنت نبياً، إنه عسى أن يقوم مقاماً لا تذمه.. |
عبد الله: يا له من موقف كريم لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
سهيل:وقد زاد إعجابي بهذا النبي الأمين وفي كل معركة تخوضها ضده خرج منها وأنا شديد الإعجاب به.. |
عبد الله: لِم لَم تسلم يا أبتاه من قبل وأنت تحمل هذا التقدير والإكبار لمحمد.. |
سهيل:خشيت كلام الناس أن يقولوا صبأ سهيل بن عمرو.. |
عبد الله: وها أنت أخيراً تصل إلى قمة الهدى يا أبتاه فهلا شهدت شهادة الحق.. |
سهيل:أدخلت في دين محمد يا بني؟.. |
عبد الله: بلى يا أبتاه.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. ألا تقولها معي يا أبتاه.. |
سهيل:إن قلبي يا بني والله ينطق بها ويؤمن بها ولكن لساني لا يطاوعني الآن.. دعني أفكر في الأمر يا بني.. |
عبد الله: أبعد انبلاج الصباح يا أبتاه تقول: دعني أفكر.. أبعد هذه الآيات البينات تتردد يا أبتاه اسمح لي أن أقول لك إن قلبك غير صادق في إيمانه.. |
سهيل:يا بني لا تزدني ألماً فوق ألمي.. |
عبد الله: أأن دعوتك إلى الإسلام آلمك.. ما عهدت الدعوة إلى الإسلام تؤلم أحداً في قلبه وعقله ذرة من تفكير ورشد. سأفارقك إلى الأبد يا ابتاه فقد وضعت أنت بيدك هذا الحاجز الحديدي بيني وبينك.. |
سهيل:يا بني! والله لقد آمنت بمحمد في قلبي قبل إيمانك به.. |
عبد الله: وهل هنالك ما يمنعك من إظهار هذا الإيمان على الملأ. لست يا والدي بأول من آمن ولا آخر من اهتدى.. |
سهيل:بلى يا بني.. لقد أفحمتني بمنطقك البارع ولا شك أن للنور الذي هداك الله به فضلاً في تفتح لسانك وقوة بيانك.. |
عبد الله: لا شك إن الله سبحانه وتعالى قواني بهذا الإيمان وأنطقني بهذا البيان ولكني ورثت شيئاً منه من بيانك الساحر ومنطقك الرائع. هيا يا أبتاه تشهد معي وثق أني سأكتم إسلامك إلى أن تظهره أنت بلسانك أمام رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
سهيل:أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. |
عبد الله: الحمد لله الذي هداك يا أبتاه وشرح صدرك للإسلام.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت عباد بن بشر يقول): |
عباد: هاهو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا وعمر بن الخطاب قاعد أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه.. |
محمد بن مسلمة: إنه يبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصين رسول الله في معروف.. |
عباد: إني أرى امرأة متنقبة تمشي وفي مشيتها قوة واستعلاء وثبات. |
محمد بن مسلمة: أرى أبا سفيان يرمقها وكأنه يعرفها بالرغم من أنها متنقبة.. |
عباد: أكاد أميل إلى أنها هند بنت عتبة زوج أبي سفيان وأنها متنقبة خوفاً من رسول الله لأنها مثلت بعمه حمزة.. |
محمد بن مسلمة: سنرى يا عباد من هي.. |
عباد: إنها تردد البيعة يا بن مسلمة وعندما يقول لها ولا تسرقن تقول.. |
هند: والله إني كنت أصيب من مال أبي سفيان الهنة بعد الهنة وما كنت أدري أكان ذلك حلالاً أم لا.. |
عباد: أما قلت لك إنها هند بنت عتبة.. |
محمد بن مسلمة: صه إن أبو سفيان يقول لها إما ما اصبت فيما مضى فأنت منه في حل عفا الله عنك. |
عباد: ها هو الرسول صلَّى الله عليه وسلم يضحك من قولها وجوابه ويقول لها وأنك لهند بنت عتبة.. |
هند: نعم يا رسول الله فأعف عما سلف عفا الله عنك.. |
محمد بن مسلمة: وعندما يقول لها ولا تزنين تجيب. |
هند: أو تزني يا رسول الله الحرة.. ؟ |
عباد: وها هو يقول لها. ولا تقتلن أولادكن.. |
هند: ربيناهم صغاراً فنقتلهم كباراً.. هل تركت لنا ولداً إلا قتلته يوم بدر.. |
محمد بن مسلمة: ما أجرأها يا عباد.. انظر ها هو عمر بن الخطاب يضحك حتى يستلقي على قفاه ورسوله صلَّى الله عليه وسلم يبتسم منه ومنها.. |
عباد: وهاهو الرسول الأعظم يقول لها ولا تأتين ببهتان تفتريه بين أيديكن وأرجلكن تقول: |
هند: والله إن إتيان البهتان لقبيح وما تأمر يا رسول الله إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. |
محمد بن مسلمة: وعندما يقول لها ولا تعصينني في معروف تقول بذلاقة.. |
هند: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في معروف.. |
عباد: لله ما أجرأها وأثبت فوادها. ها هي تذهب مع زوجها أبي سفيان كما جاءت في قوة واستعلاء.. |
محمد بن مسلمة: إني لموقن يا عباد أن الإسلام دخل في قلب هند أكثر من زوجها أبي سفيان.. |
عباد: صدقت يا بن مسلمة فهذه الصرخة نابعة ولا شك عن صفاء الإيمان وقوة وضوحه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت صفوان بن أمية يقول): |
صفوان: تفرق الناس يا يسار ولم يبق معي أحد إلا أنت.. هذه عادة الناس في الشدائد.. |
يسار: هيا بنا يا سيدي نهرب فقد أهدر رسول الله دمك وأخشى عليك من عيون محمد فهم يترصدونك ولا شك.. |
صفوان: ولكن إلى أين يا يسار؟.. |
يسار: إلى البحر.. نركبه وبلاد الله واسعة.. |
صفوان: ومالي يا يسار أأتركه وأهرب؟.. |
يسار: وحياتك يا سيدي أليست أثمن من المال.. أو اسلم تسلم.. |
صفوان: أأسلم.. أتريد ذلك يا يسار؟.. |
يسار: لقد سبقك ابو سفيان إلى ذلك وكذلك هند.. |
صفوان: لو لم أبق إلا أنا وحدي ما أسلمت يا يسار.. |
يسار: إذن فلا تفكر في مالك بل فكر في حياتك وسلامتك.. |
صفوان: صدقت.. هيا بنا.. فلدينا من المال ما يكفينا حتى دار الأمان.. |
يسار: سيدي إني أرى رجلاً يتبعنا عن بعد.. |
صفوان: لا شك أنه من أصحاب محمد. دعنا نتهيأ للفتك به قبل أن يفتك بنا. |
يسار: إنه عمير بن وهب الجمحي.. |
صفوان: ما أصنع بعمير والله ما جاء ألا يريد قتلي قد ظاهر محمداً عليّ.. |
يسار: ها هو يلحق بنا يا سيدي.. هل أفتك به.. |
صفوان: أتقدر على أشجع رجل عرفته قريش.. |
يسار: سلامتك يا سيدي غايتي فإن مت في سبيلها فقد قمت ببعض واجبك علي.. |
صفوان: بورك فيك.. بورك فيك.. أنت حر يا يسار من الآن.. فإن شئت بقيت معي وإن شئت تركتني.. |
يسار: وأتركك بعد أن مننت علي فأعتقتني. أهذا جزاء الجميل يا سيدي؟ سابقى بجانبك ما أردتني أن أبقى.. |
صفوان: بورك فيك.. قف بجانبي وكن حذراً من عمير.. |
يسار: كن مطمئناً يا سيدي.. كن مطمئناً.. |
صفوان: يا عمير يا بن العم ما كفاك ما صنعت لي حملتني على دينك وعيالك ثم جئت تريد قتلي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عمير): |
عمير: يا أبا وهب.. جعلت فداك جئتك من عند أبر الناس وواصل الناس لقد جئت رسول الله فقلت له: |
صفوان: قلت له ماذا؟.. |
عمير: قلت له يا رسول الله. إن صفوان سيد قومه قد هرب ليقذف نفسه في البحر وخاف أن لا تؤمنه فآمنه فداك أبي وأمي.. |
صفوان: وماذا أجابك محمد؟.. |
عمير: قال أدرك ابن عمك فهو آمن.. |
صفوان: لا.. والله لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها.. |
يسار: صدق سيدي يا عمير.. لا يذهب معك إلا وهو آمن من الغدر به.. |
عمير: أسكت أيها الغلام.. كنت أعلم مسبقاً أن مولاك لن يصدقني فجئته بعمامة رسول الله التي دخل بها مكة. هاهي يا أبا وهب.. |
يسار: إنها هي يا سيدي.. صدق عمير.. |
عمير: يا أبا وهب.. جئتك من عند خير الناس وأحلم الناس. فمجده مجدك. وعزه عزك وشرفه شرفك.. |
صفوان: إني أخاف على نفسي.. إنني متردد حائر يا عمير.. |
عمير: أتخاف بعد أن بعث إليك بعلامة الإيمان. أعلمت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم أنه غدر بأحد بعد أن أمنه.. |
صفوان: لا يا عمير لا.. وإنها لمن الخلال الحميدة التي يتمتع بها محمد.. |
عمير: إذن لم التردد والخوف.. سر على بركة الله.. |
صفوان:
|
مشيناها خطى كتبت علينا |
ومن كتبت عليه خطى مشاها |
ومن كانت منيته بأرض |
فليس يموت في أرض سواها |
|
هيا بنا إلى محمد إلى محمد بن عبد الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي سفيان يقول لهند).. |
أبو سفيان: خشيت أن تتلعثمي يا هند وأنت تقابلين رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
هند: كدت يا أبا سفيان أن أخرس حينما رأيت هالة من الجلال والعظمة تغلف رسول الله بل كدت أقع ولكني تمالكت نفسي حينما أحسست بسمو الهدف الذي كنت سائرة إليه.. |
أبو سفيان: وكنت صريحة بشكل مثير.. |
هند: ذلك لأني أسلمت بحق وحقيق يا أبا سفيان والمسلم الحق يجب أن يكون صريحاً فالله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.. |
أبو سفيان: لقد أعجب رسول الله وأصحابه بجرأتك وصراحتك.. |
هند: الحمد لله الذي وفقني إلى هذا الموقف.. |
أبو سفيان: أين صنمك يا هند.. |
هند: لقد أشبعته ضرباً بالقدوم وتهشيماً. حتى تركته طرائق قدداً وأنا أقول كنا منك أيها الحجر الأصم في غرور فإنك لا تنفع بل تضر.. |
|