الحلقة ـ 34 ـ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية تختلط بأصوات بكاء أطفال متقطع نسمع صوت حويطب بن عبد العزى يقول): |
حويطب: أسكتيهم يا سعدى: فصوتهم سيدل أصحاب محمد علينا.. |
سعدى: الخوف يا حويطب هو مصدر بكائهم فقد سمعوا بما فعل خالد بن الوليد ورأوا بعض الجرحى يموتون منهزمين أمام الدار وخيل المسلمين تطاردهم.. |
حويطب: أما من جهة الخوف فأنا والله أشد منهم خوفاً يا سعدى ولولا الحياء لرفعت عقيرتي قبلهم.. |
سعدى: ما عساك فاعل يا حويطب بهؤلاء وبنفسك وبي.. |
حويطب: والله ما أدري أني انتظر أن يهجم عليّ أحد الناس فيقتلني طمعاً في مالي قبل نفسي.. |
سعدى: ما رأيك أن نفرق أولادنا في مواضع أمينة ثم نفكر في أنفسنا.. |
حويطب: رأي سديد يا سعدى وأرى أن نبعث بهم إلى أهلك فإن أولادي يطمئنون إليهم أكثر من أهلي ولا سيما ولديهم صبية من نفس أعمارهم.. |
سعدى: خذهم واحداً واحداً وأسْيرُ طريقك قبل المرور.. |
حويطب: أخشى أن يفضحني خوفي يا سعدى.. |
سعدى: إنك تخشى على مالك أكثر من نفسك.. |
حويطب: والله كليهما يا سعدى. |
سعدى: ولكن نفسك يجب أن تحرص عليها أكثر.. فالمال يمكن تعويضه.. أما العمر فلا يعوّض. |
حويطب: إنني مستعد للتضحية بمالي في سبيل المحافظة عليكم وعلى نفسي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عباد بن بشر يقول): |
عباد: ما كان يخطر ببالي أن يتم فتح مكة بهذا اليسر وهذه السهولة.. |
محمد بن مسلمة: السرية التامة التي أحاط بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم تحركات جيشه لعبت دوراً كبيراً في هذا النصر المؤزر يا عباد.. |
عباد: لقد أصيب القرشيون بذهول عندما علموا بجيش الرسول صلَّى الله عليه وسلم على أبواب مكة. ولكن.. |
محمد بن مسلمة: ولكن ماذا يا عباد..؟ |
عباد: يلوح لي أن قيادة قريش كانت من الوهن والضعف بحيث لم يكن عندها أية احتياطيات أو تدابير وقائية للدفاع عن نفسها.. |
محمد بن مسلمة: لقد خدرها صلح الحديبية فانصرفت لتجارتها ولهوها ومرحها لأنها واثقة من أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم لن ينقض أي صلح أبرمه.. |
عباد: وتناست في نشوة صلح الحديبية أن تفكر في وضع أية قوة احتياطية لأي غزو قد يأتيها من غير المسلمين.. مثلاً ثقيف وهوازن.. |
محمد بن مسلمة: لم تكن قريش تخشى أحداً غير المسلمين.. |
عباد: حتى هذا العدو كان على قريش أن تحذره أيام السلم أكثر من أيام الحرب يا بن مسلمة.. |
محمد بن مسلمة: إذا أراد الله سبحانه وتعالى أمراً هيأ له الأسباب.. وأراد الله لرسوله أن يفتح مكة فأصاب قريشاً بهذه الغفلة حتى تم هذا الفتح بهذه السهولة.. |
عباد: ولكن قريشاً بعد الضربة التي أنزلها خالد بن الوليد بمن حاولوا صده قد قضت على أي تفكير في تجمع قرشي أكبر.. |
محمد بن مسلمة: ماذا تقصد بتجمع قرشي أكبر.. |
عباد: إن القوة التي حشدها عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية تجاه خالد بن الوليد كان القصد منها إيقاف تقدم خالد ومن معه من القبائل ريثما تتمكن قريش من استفار حلفائها من الأحابيش وغيرهم.. |
محمد بن مسلمة: قد يكون تصورك صحيحاً يا عباد ولكن غزونا المفاجىء الكاسح كان سيقضي على تلك المحاولة لو قدر لها الظهور لأن ثقل جيشنا أو قوتنا الضاربة كانت في الجهة التي كان فيها رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
عباد: أين يا ترى فر صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل..؟ أتراهما إختبأ في مكة أم هربا إلى خارجها.. |
محمد بن مسلمة: إنهما ليسا مغفلين حتى يضعا أنفسهما في المصيدة فمكة خير مصيدة لهما ولا سيما لصفوان بن أمية فأعداؤه كثيرون والمتربصون لماله أكثر.. |
عباد: إذن فليس أمامهما طريق إلا إلى الطائف إو إلى البحر.. |
محمد بن مسلمة: أو إلى رحاب الإسلام.. من يدري يا عباد فقد نحيا لنرى عدوي الإسلام اللدودين يقاتلان في سبيل نصرة الإسلام.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول): |
سهيل:ما وراءك يا عبد الله.. بشر ولا تنفر يا بني.. |
عبد الله: ماذا أقول يا ابتاه.. وجدت إنساناً ما سمعت أذني ولا بصرت عيني مثله ولن تبصر طلق المحياء سهام الخلق. لين الجانب. ليس بفظ وغليظ ولا سبَّاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح.. |
سهيل:ما هذا يا عبد الله.. كل هذا عرفته عن محمد في سحابة هذا النهار.. |
عبد الله: أجل يا أبتاه أجل.. إذا تكلم أطرق جلساؤه وكأن على رؤوسهم الطير وإذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث. يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه. ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته.. |
سهيل:أنسيت ما أوفدتك من أجله في زحمة إعجابك بمحمد.. |
عبد الله: لا والله يا أبي. ولكن ما رأيته من هذا النبي في معاملته للناس على اختلاف درجاتهم وعقلياتهم طغى على كل شيء.. |
سهيل:مهما تحدثت عن خصال محمد وشمائله فلن تحيط بها يا بني إنها أخلاق النبوة ومعطياتها قد تحيط بالبحر ولكنك لا تستطيع الإحاطة بما أنعم الله به على نبيه محمد.. قل لي. هل أجارني محمد؟.. |
عبد الله: أجل يا ابتاه جئته فقلت. يا رسول الله أبي تؤمنه؟ قال نعم.. هو آمن بأمان الله فليظهر ثم قال لمن حوله.. |
سهيل:ماذا قال؟ |
عبد الله: من لقي منكم سهيلاً فلا يشد إليه النظر فليخرج فلعمري أن سهيلاً له عقل وشرف. وما مثل سهيل جهل الإسلام.. |
سهيل:كان والله محمد يا بني براً صغيراً وكبيراً. وما خاب ظني فيه يوماً ما منذ عرفته. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها لغط أطفال واصواتهم يختلط بصوت سعدى التي تقول): |
سعدى: أولادي وزوجي. لم عدت بهم يا حويطب.. |
حويطب: قصة عودتي مع أطفالي عجيبة يا سعدى.. |
سعدى: قلها بربك فوجهك الفياض بالبشر والحبور يطمئنني.. |
حويطب: أمر عجيب يا سعدى وقع لي.. |
سعدى: ما هو يا حويطب؟.. |
حويطب: بعد أن فرقت عيالي في مواضع يأمنون فيها انتهيت إلى حائط عوف فكنت فيه فإذا أنا بأبي ذر الغفاري.. |
سعدى: أبو ذر الغفاري.. كانت بينك وبينه خلة.. والخلة أبداً مانعة.. |
حويطب: فلما رأيت أبا ذر هربت منه ولكنه. |
سعدى: ولكنه ماذا؟.. |
حويطب: أبصرني فقال يا حويطب فأجبت لبيك. قال مالك؟ قلت الخوف. قال أبو ذر.. |
سعدى: قال ماذا؟.. |
حويطب: لا خوف عليك.. أنت آمن بأمان الله عز وجل.. |
سعدى: بورك فيه بورك فيه.. |
حويطب: فلما سمعت ذلك من أبي ذر رجعت إليه فسلمت عليه فقال. |
سعدى: قال ماذا؟.. |
حويطب: قال أذهب إلى منزلك.. قلت هل لي سبيل إلى منزلي؟.. والله ما أراني أصل إلى بيتي حياً حتى ألغي فاقتل. أو يدخل أحد على منزلي فاقتل وإن عيالي لفي مواضع شتى.. فقال أبو ذر.. |
سعدى: قال ماذا؟.. |
حويطب: قال اجمع عيالك في موضع وأنا أبلغ معك إلى منزلك.. فبلغ معي وجعل ينادي على أن حويطباً آمن فلا يهج ثم انصرف.. |
سعدى: بلغك منزلك وانصرف إلى أين؟.. |
حويطب: إلى محمد ليخبره بخبري ويأخذ لي منه الأمان.. |
سعدى: يا له من رجل شفيق رحيم. ترى كل المسلمين في مثل طباعه وأخلاقه. ترى متى سيعود أبو ذر من عند محمد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول): |
سهيل:أعثرت يا بني على مكرز بن حفص.. |
عبد الله: لا يا أبتاه.. فتشت عنه كثيراً فلم أعثر على أثر له.. |
سهيل:لعلّه اشترك في صد هجوم خالد بن الوليد فراح تحت سنابك الخيل.. |
عبد الله: ذهبت إلى مكان القتلى وتنسمت أخباره من بعض الذين اشتركوا في المعركة وكلهم أنكر اشتراكه فيها.. |
سهيل:أترى الأرض ابتلعته أم الجن اختطفته؟.. |
عبد الله: حقاً إن أمره محير وباعث على القلق والارتياب.. |
سهيل:أفر مع صفوان أو مع عكرمة أم ذهب وحده إلى مكان قصي.. |
عبد الله: يقيني أنه هرب من مكة.. فلو بقي فيها لبقي بجانبك يا أبي.. |
سهيل:لقد وقعت بيني وبينه في المدة الأخيرة جفوة بسبب ابي سفيان ولعلَّ هذه الجفوة هي التي حفزته إلى الهرب خارج مكة.. |
عبد الله: المهم إنه ليس بين المقتولين.. |
سهيل:ما رأيت أحداً أبغض محمداً كما أبغضه مكرز بن حفص.. لقد آثر الهرب من مكة علي أن يشهد دخول محمد إليها.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت أم محمد تقول).. |
أم محمد: وعدت إلينا يا حويطب من عند محمد مسلماً. يا لسلطان محمد وقوة تأثيره. قل لي كيف اسلمت بهذه السرعة..؟ |
حويطب: تذكرين أن أبا ذر جاء وأخذني. وفي طريقنا إلى محمد كان يقول لي.. |
سعدى: كان يقول ماذا؟. |
حويطب: قال: يا حويطب حتى متى وإلى متى.. قد سبقت في المواطن كلها.. وفاتك خير كثير وبقي خير كثير فأت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فاسلم تسلم فرسول الله أبر الناس وأوصل الناس وأحلم الناس. شرفه شرفك وعزه عزك.. |
حويطب: قلت هيا فآتينا محمداً بالبطحاء وعنده أبو بكر وعمر بن الخطاب فسألت ابا ذر كيف يقال إذا سلم على محمد؟.. |
سعدى: سؤالك في محله.. |
حويطب: قال أبو ذر قل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. فقلتها فأجاب محمد وعليك السلام يا حويطب.. |
سعدى: حسناً وبعد.. |
حويطب: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله. فقال رسول الله: احمد لله الذي هداك وسر بإسلامي.. |
سعدى: وأنا سأقول اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عباد بن بشر يقول): |
عباد: هيا بنا يا بن مسلمة فرسول الله يدخل المسجد والمهاجرون والأنصار بين يديه وخلفه وحوله.. |
محمد بن مسلمة: سأتولى يا عباد مراقبة الجموع الغفيرة من القرشيين الذين هرعوا إلى المسجد. فيشهدون النبي صلَّى الله عليه وسلم بعد أن طاف بالبيت وهو يطعن الثلاثمائة والستين صنماً بقوس في يده ويقول.. جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.. |
عباد: ويقول عليه الصلاة والسلام أيضاً: جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد.. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
محمد بن مسملة: ها هي الأصنام تتهاوى وتتساقط على وجوهها تساقط أوراق الخريف بعد أن كانت مثبتة بالحديد والرصاص.. |
(نسمع أصوات تساقطها وأصوات المسلمين تقول): |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.. |
عباد: وها هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يدعو عثمان بن طلحة ويأخذ منه مفتاح الكعبة ويأمر بفتحها.. هاهي تفتح وهاهو رسول الله يدخلها.. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً صدق الله العظيم.. |
عباد: وهاهو رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يأمر بمحو الصور التي كانت بداخلها فتمحى.. |
محمد بن مسلمة: صه يا عباد.. لقد خرج الرسول من الكعبة.. وهاهو يخطب في جموع القرشيين الذين غصت بهم ردهات المسجد.. |
عباد: ما أروعه وأعظمه من خطاب. انظر يا بن مسلمة إلى عيون القرشيين. لقد تسمرت وهي تحدق في رسول الله صلَّى الله وسلم تنتظر قراره بمصيرهم.. |
محمد بن مسلمة: صه يا عباد وأسمع قرار النبي الكريم الحليم الحكيم.. إنه يقول يا معشر قريش ما تظنون إنيّ فاعل بكم.. |
أصوات: خيراً.. أخ كريم.. ابن أخ كريم.. |
عباد: وهاهو صلَّى الله عليه وسلم يقول لهم.. إني اقول لكم كما قال يوسف لأخوته قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. اذهبوا فأنتم الطلقاء.. |
|