الحلقة ـ 29 ـ |
أبو سفيان: أي ذل وأي هوان سيصيبنا يا هند إذا حاولنا إصلاح ما جرى من بني بكر ضد خزاعة.. |
هند: ذهابك أنت هو الهوان بعينه يا أبو سفيان.. لم لا.. سهيل بن عمرو وهو الذي جاءنا ببلاء الجيش وافقوا على اقتراحي أن أذهب أنا لهذه المهمة لأنها دقيقة وحساسة يا هند.. |
أبو سفيان: ويجب أن أتولى معالجتها بنفسي.. |
هند: إنك زعيم هذا البلد وأنت آخر من يرسل إلى محمد إذا فشلت جميع المساعي.. |
أبو سفيان: صحيح ما تقولين.. ولكن الأمر الذي وقع مع أني لم اشهده غير أني لم أغب عنه ولا يحمل إلا على. والله ما شوورت فيه ولا هويته ومحمد على حق إن قام فقد نقضنا العهد.. |
هند: أليست قريش على استعداد لمجابهته الغزو المنتظر.. |
أبو سفيان: لماذا الحرب يا هند.. إذا كان بالإمكان إصلاح ما وقع بالمفاوضة مع محمد.. |
هند: الحرب ضرورة للحفاظ على سيادة قريش وكرامتها التي مرغها صلح الحديبية في التراب.. |
أبو سفيان: ولكن الإهانة التي لحقت بقريش من وراء صلح الحديبية يمكن غسلها وإزالتها خلال فترة السنوات العشرة أو بالضبط السنوات الثمانية القادمة.. |
هند: لا أرى في الجو بارقة أمل يا أبا سفيان. كلما أراه غيوم من المخاوف والريب تتلبد في سماء قريش. وشموس ساطعة تشرق في سماء المسلمين.. |
أبو سفيان: ما تقولينه يا هند هو الواقع. ولكن هذا الواقع المرير من الممكن معالجته واستخراج الحلو من مره بشيء من الصبر والتخطيط السليم.. |
هند: ومتى تشرع قريش في هذا التخطيط. بعد أن تدخل جيوش محمد مكة.. |
أبو سفيان: لا تتشاءمي إلى هذا الحد يا هند.. نعم الخطر يتهددنا وهذا ما يضطرني على الشخوص إلى محمد فأما سلم دائم.. |
هند: وأما لسيادة قريش وزعامتها.. |
أبو سفيان: أجل يا هند.. أجل ولذلك قومي فهيئي ما يلزم لسفري مع مولى لي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مكرز يقول): |
مكرز: وقررتم يا قادة قريش الميامين أن تبعثوا بابي سفيان ليبصم على ذل قريش وهوانها.. |
سهيل:نحن لم نبعث بأبي سفيان بل هو الذي اقترح أن يشخص بنفسه ويتولى معالجة هذا الوضع المتدهور مع محمد.. |
مكرز: لِم لَم تذهب أنت فقد أصبحت خبيراً بأساليب محمد في التفاوض ثم.. |
سهيل:ثم ماذا يا مكرز..؟ |
مكرز: لم أرسلتم أبا سفيان وحده ولم تبعثوا معه واحداً أو اثنين منكم ليتشاور معهما إن جد في الأمر حادث.. |
سهيل:أنت تعرف أن أبا سفيان يعتد دائماً بنفسه ويحب الظهور.. |
مكرز: حتى لو كان ((في الظهور إدبار وثبور)).. |
سهيل: لم تصل الأمور إلى هذه الدرجة من السوء فما يزال مركز قريش قويا ومتيناً بالرغم من الهزازة التي تعرض لها. |
مكرز: لا أحد بين القرشيين يا أبا يزيد من هو راضٍ بسفر أبي سفيان لمقابلة محمد.. |
سهيل:من الصعب إرضاء جميع الناس يا مكرز.. ولكن مجلس قيادة قريش لم يوافق على اقتراح أبي سفيان إلا بعد أن استعرض معطيات هذا الاقتراح ومستلزماته.. |
مكرز: لا أرى في سفر ابي سفيان إلا إهداراً لكرامة قريش وربطها بقيود جديدة قد نهزم تكون أسوأ من صلح الحديبية.. |
سهيل:ولكنكم نقضتم صلح الحديبية مدفوعين بعواطفكم وقلوبكم لا بعقولكم التي لو حكمتموها قليلاً ما أقدمتم على ما أقدمتم قبل أن تكون قريش مستعدة لنقضه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بأجراس الدواب وهمسات وغمغمات نسمع بعدها صوت أبي سفيان).. |
أبو سفيان: طريقنا طويل يا سالم وليلنا ليس له صباح. |
سالم: ليل الكفاح طويل دائماً يا مولاي.. |
أبو سفيان: أجربت الكفاح في حياتك يا سالم؟.. |
سالم: بلى يا سيدي بلى.. عندما سرقني النخاسون وأنا ألعب خارج البيت.. |
أبو سفيان: كيف كان ذلك يا سالم..؟ |
سالم: كان والدي رئيس القبيلة وكنت ابنه الوحيد المدلل.. وكان لوالدي عدة زوجات غير والدتي ولكنهن لم يخلفن منه.. |
أبو سفيان: كم كان عدد زوجات أبيك..؟ |
سالم: لا أذكر بالضبط ولكنهن أكثر من عشرين زوجة.. |
أبو سفيان: عشرون زوجة.. ولم تخلف غير أمك.. |
سالم: أجل يا سيدي وهذا من سوء حظي.. |
أبو سفيان: وبعد فكيف اختطفت؟.. |
سالم: تآمر بعض زوجات أبي علي مع أحد النخاسين الذي انتهز غفلة الرقباء فسرقني.. وسار بي من أرض إلى أرض ومن بلد إلى بلد وكلما بكيت أوجعني ضرباً وحرمني من الأكل والشرب. |
أبو سفيان: يا له من نخاس قاسٍ.. |
سالم: وصممت على الهروب من ذلك النخاس الظالم. وفي ليلة مظلمة شاتية هربت وأنا لا أدري إلى أين أذهب ولكن سوط النخاس وأنياب الجوع كانت تمنحني القوة.. |
أبو سفيان: وبعد يا سالم وبعد.. |
سالم: كنت أسمع صوت الوحوش في الغابات ولكن صوت النخاس كان أوحش منها. وكنت أعصب الحجر على بطني من الجوع ولكن جوع النخاس كان أفظع وأقوى.. |
أبو سفيان: يا لهول ما قاسيت يا سالم.. ومن أين كنت تقتات؟.. |
سالم: من الفضلات ومن أوراق الشجر.. ومن صيد الأرانب والطيور بينما كنت أسير في الغابات وأنا أخشى أن يلحق بي ذلك النخاس الوحشي حتى هدني التعب والجوع فنمت تحت شجرة وارفة الظلال ولم أشعر.. |
أبو سفيان: ولم تشعر بماذا؟.. |
سالم: عصابة مؤلفة من عشرة أشخاص توثقني وتسوقني أمامها وأنا أصرخ وأسب وأشتم وهم يضحكون ويتكلمون فيما بينهم بلغة لا أفهمها. |
أبو سفيان: وبعد يا سالم وبعد.. |
سالم: أركبوني في أحد المراكب الشراعية إلى اليمن وباعوني هناك إلى أحد التجار الذي أحسن معاملتي وبعد وفاته باعني ولده إلى تاجر من أهل الحجاز وظللت أنتقل من سيد إلى آخر حتى جئت إليك يا سيدي.. |
أبو سفيان: أقسم يا سالم إني سأعتقك إثر عودتي من عند محمد.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عباد بن بشر يقول): |
عباد: أصبحت المدينة تعج بالوافدين إما للدخول في الإسلام وإما للتسوق من حوانيت المدينة التي عمرت بأنفس البضائع الشامية واليمنية والهندية.. |
محمد بن مسلمة: إن نعمة الاستقرار التي هيأها صلح الحديبية هي السبب في هذا الازدهار التجاري والاقتصادي.. |
عباد: وهذه الوفود التي تقصد يومياً إلى المدينة لتعلن إسلامها وطاعتها وانقيادها لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم أليست من ثمار صلح الحديبية؟.. |
محمد بن مسلمة: بلى يا عباد بلى.. لعلّك تذكر أننا أثناء مفاوضات صلح الحديبية كنا غير راضين عن بعض البنود التي تعنت سهيل بن عمرو وأصر على كتابتها. |
عباد: أذكر ولا أنسى وقاحة سهيل بن عمرو وكيف أني منعته من رفع صوته فوق صوت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
محمد بن مسلمة: ولعلّك تذكر رحابة صدر النبي صلَّى الله عليه وسلم ومناقشته الهادئة وإدارته الحكيمة لدفة المفاوضة في صبر وأناة ولا شك أن الله سبحانه وتعالى قد أطلعه على هذه النتائج الباهرة التي نجني ثمارها اليوم. |
عباد: يقيني أن قريشاً لو كانت تعلم هذه النتائج ما صدتنا عن زيارة البيت ولا وقعت صلح الحديبية.. |
محمد بن مسلمة: وإني جد موقن يا عباد أن قريشاً ندمت بعد أن وقعت على صلح الحديبية وأن هذا النقض الذي سمعناه من ركب خزاعة إنما هو صدى لثورة الندم التي استمرت في قلوب القرشيين.. |
عباد: أترى قريشاً صادقة في نقض الهدنة وأنها تستعد للمجابهة.. |
محمد بن مسلمة: لا أرى ذلك يا عباد فقريش في وضع لا يسمح لها بالقتال.. |
عباد: كيف تعلل ذلك يا بن مسلمة؟.. |
محمد بن مسلمة: نحن استفدنا من صلح الحديبية فوطدنا مركزنا ومكنّا للدعوة لدين الله في المدن والقرى وبين القبائل وفي الخارج بينما قريش لم تفعل شيئاً بل التهت بتجارتها ولهوها وفسوقها. |
عباد: ولكن الهجوم الذي تعرّض له الخزاعون اشترك فيه جماعة من القرشيين.. |
محمد بن مسلمة: بلى يا عباد بلى.. وكما قلت القرشيون كانوا نادمين على توقيع صلح الحديبية ولكنهم لم يستعدوا لليوم الذي ينقضون فيه هذه المعاهدة. ولذلك فهم حيارى اليوم لا يدرون ما يفعلون بعد النقض الذي وقع منهم.. |
عباد: إذن فقريش في رأيك غير مستعدين للقتال وأنهم سيفعلون المستحيل لإصلاح ما وقع.. |
محمد بن مسلمة: وأنا أكاد أجزم أن قريشاً ستوفد بعض رجالها لرأب الصدع. |
عباد: أترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل محاولة قريش الإصلاح والقتل من الخزاعيين فوق الثلاثة والعشرين رجلاً غير الخسائر في الأموال.. |
محمد بن مسلمة: لا أحد يدري ماذا سيقرره النبي صلَّى الله عليه وسلم ولكن مجريات الأمور توحي بأن هناك استعدادات تجري في سرية تامة لغزو مكة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول): |
هند: لا أدري يا أبا جندل ما فعل الله بأبي سفيان لقد حمل نفسه ما لا يطيق وكان الأولى بكم يا زملاء ألا تقبلوا باقتراحه.. |
سهيل:ولكن أبا سفيان يا هند كان مصراً على رأيه وقد درس مجلس القيادة الموضوع واقتنع بوجاهة رأي أبي سفيان فوافق عليه.. |
هند: لو سلمنا بوجاهة رأي أبي سفيان أما كان من الأوفق إرسال شخص آخر معه مثلاً أنت يا سهيل.. |
سهيل:شكراً يا هند على هذه الثقة ولكن المثل يقول لا عطر بعد عروس وأبو سفيان وحده كافٍ لحمل المسؤولية وهو عليم بطباع محمد وأخلاقه كما أن هناك ابنته أم حبيبة زوج محمد لا شك ستعينه في مهمته.. |
هند: أم حبيبة.. لقد استسمنت ذا ورم يا سهيل هكذا يقول المثل إن من يدخل في دين محمد لا يعرف أباً ولا أماً غير محمد ودين محمد.. |
سهيل:على كل حال أبو سفيان لا يحتاج إلى من يعينه أو يوجهه فهو يعرف طريقه ويعرف كيف يصل إلى هدفه.. |
هند: إنني يا أبا جندل.. أتميز من الكمد والغيظ.. |
سهيل:لماذا يا بنت عتبة.. لماذا؟.. |
هند: لِم لَم تستغل قريش فرصة هدنة الحديبية لتقوية جيشها وتوفير عتادها وسلاحها واصطناع الأصدقاء والتعاقد معهم طالما أن قريشاً كانت غير راضية عن صلح الحديبية.. |
سهيل:لا شك أن ما تقولينه يا هند يدور في تفكير أبي سفيان وغيره من زعماء قريش.. |
هند: ولكن لِم لَم تشرعوا في تطبيقه فور توقيعكم صلح الحديبية. إن محمداً قبل أن يجف مداد صلح الحديبية قضى على أعدائه الألداء اليهود وطهر المنطقة منهم ثم قام بتوطيد مركزه في الداخل والخارج.. |
سهيل:محمد لديه رجال يؤمنون بأن محمداً لا ينطق عن الهوى ولا يفعل شيئاً إلا بوَحْي من ربه فهل نحن نؤمن بأن أبا سفيان كذلك؟ |
هند: مسكين أبو سفيان.. إنهم يشتمونه ويسفهون رأيه في وجهه ولا يستحيون من سنه ومقامه.. |
سهيل:هناك بين المسلمين انقياد وطاعة.. وهنا بين القرشيين عجرفة وغطرسة وتطلبين منا الاستعداد واصطناع الأصدقاء أنك تطلبين المستحيل يا هند.. تطلبين المستحيل.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت عباد بن بشر يقول): |
عباد: صدقت يا بن مسلمة فصدقت هاهي قريش توفد زعيمها أبا سفيان ليعتذر إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم عما وقع ويطلب تمديد صلح الحديبية.. |
محمد بن مسلمة: الحمد لله الذي أذل أبا سفيان وجعل هذا الطاغية يركع على قدميه يعتذر بعد تلك الغطرسة والعجرفة. أتذكر يوم أُحد يا عباد.. |
عباد: وهل أحد يستطيع أن ينسى يوم أُحد.. |
محمد بن مسلمة: لقد نزل أبو سفيان عند ابنته أم حبيبة لعلّها تساعده في مهمته.. |
عباد: إن أم حبيبة ستكون من دون شك عوناً لرسول الله صلَّى الله عليه وسلم على أبيها الذي سيعلم أن ابنته لا تعرف لها أباً ولا أماً غير الإسلام ورفعة الإسلام وإعلاء شأوه.. |
|