شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الأستاذ محمد العلي:
- مسألة عمود الشعر هو اصطلاح نقدي، بمعنى إذا كان اصطلاحاً نقدياً فمعناه أن كل ناقد يستطيع تحديده بالنسبة لمعطيات عصره وبالنسبة لرؤيته النقدية، يستطيع أن يحدده بشيء ما.. بأوصاف ما.. مثلاً حين نريد أن نعرف متى أطلق عمود الشعر هذا كمصطلح نقدي نعود إلى عصر البحتري وأبي تمام في ذلك العصر وفي المعركة النقدية الترب دارت حولهما، من هو أفضل شعراً؟.
- أطلق اصطلاح عمود الشعر.. عمود الشعر كما يبدو من التسمية أنه يلاحظ الامتداد التأريخي، الامتداد الشعري التأريخي، وهو أن يكون واضحاً بحيث إذا أُلقي لا يسأل الفرد الآخر الذي إلى جانبه عن معناه. هذا ما يبدو لي أنه أول شيء يميز عامود الشعر عن غيره، لذلك كانت إجابات أبي تمام عندما يُسأل أنه لمَ لا تقول ما يفهم؟. فيجيب بقوة لم لا يفهم ما يقال؟ صفة الوضوح إذن هي التي كانت تحدد مصطلح عامود الشعر .
- شيء آخر، هو أن يكون الغرض الشعري من الشعر واضحاً أيضاً، أي أن الذي يملي على الشاعر مضمونه ليس الشاعر نفسه، المستمع هو الذي يملي عليه مضمون شعره، وبالتالي تكون المسافة بين الشاعر وبين متلقيه مسافة قصيرة جداً. هذا ما خرقه أبو تمام، أخذت المسافة بينه وبين متلقيه تزداد اتساعاً، يخاطبه أحدهم: أيها الشاعر ما أشد اتكاءَك على نفسك.. أبو تمام لم يكن يتكئ في كتابته الشعر على شاعر قبله، يتكئ على نفسه هو، بشار لما سئل كيف لا تقول رديئاً؟ قال: أقول رديئاً.. ولكنني أخفيه.. أمزقه. إذن بدأ الشاعر ينقد، بدأت المسافة بينه وبين متلقيه تزداد .
- هناك كتاب ألفه أحد أساتذتنا. وما أذكر اسمه الآن بعنوان "عامود الشعر". إنما الرجل في الكتاب هذا حسب قراءتي له، وقد قرأته من مدة لم يسر مع هذا الاصطلاح من بدء جذره الأول، إنما اعتمد على جمع الآراء من هنا وهناك بدون أن يتخذ له منهاجاً في منشأ الاصطلاح هذا وكيف تدرج إلى حد وقتنا الحاضر. المهم أن البحتري وأبا تمام هما اللذان أعطيا لهذا المصطلح أو أفعماه بمدلوله النقدي. هذا بالنسبة لعامود الشعر، أما بالنسبة للسؤال الآخر، وهو ما يتعلق بالإِنتاج العلمي فلا أستطيع أن أقول: إنَّ لديَّ إنتاجاً علميّاً، ولكن عندي إنتاج أدبي وكله ممزق مبعثر لأنني إنسان مهمل وكسول .
وعلق الدكتور المعطاني على إجابة الأستاذ محمد العلي فقال: يبدو أنك قد انتقلت من الحديث عن عامود الشعر إلى الحديث عن الطبع والصنعة، فالوضوح في حد ذاته...
يا صـاحبيَّ تقصيا نـظريكما
تريا وجوه الأرض كيف تُصَوِرُ
تَرَيَـا نهـاراً مُشْمِساً قد شَابَهَ
زهـر الـربى فكأنما هو مُقْمِرُ
- أبو تمام واضح، لم يكن هناك أي تعقيد، وإذا اخترق أبو تمام هذا الوضوح فيبدو أن شيئاً كثيراً من شعره واضح، أمَّا الذي تحدث عن أركان عامود الشعر فهو المرزوقي، وحاول أن يحددها بأربعة أركان، وهي: حسن التشبيه، وفصاحة اللفظ، وما إلى ذلك... وهذه القضية تعاورها النقاد حتى أوصلوها إلى العصر الذي انتهى إليه حازم القرطاجنيِّ .
- وكان للنقاد المحدثين بعض الآراء، وهنا أود أن أعلق تعليقاً بسيطاً.. كثير من الناس يتحدث عن عامود الشعر، وكثير من الناس يتحدث عن النقد الأدبي القديم، ولكن في نظري أن الذي قرأ النقد الأدبي القديم قليل جداً، وخاصةً في كثير من المقالات التي تأتي في الصحف. وأود الآن من الأستاذ محمد العلي ومن غير الأستاذ محمد العلي.. الاهتمام بالنقد الأدبي القديم، والغوص في هذا البحر، وأن يأتونا باللآلئ والجواهر التي ما زالت مستورة وموجودة بين كتب التراث، والسلام عليكم ورحمة الله...
 
الأستاذ محمد العلي:
دِيمة سمحة القياد سَـُكوبُ
مُستَغِيثٌ بها الثَرَى المكروبُ
لوسعت بقعةٌ لإِعجاز نعمى
لسعى نحوها المكان الجديبُ
هذا أبو تمام.. هذا كان مفاجئاً...
مطرٌ يذوبُ الصحوٌ منه وبعده
صحو يكاد من الغَضَارةِ يُمْـطرُ
 
- هذا أبو تمام، هذا كان مفاجئاً.. كان غامضاً، مطرٌ يذوب الصحو منه وبعده صحو يكاد من الغضارة يمطرُ!؟ هذا كان غامضاً.. كان مفاجئاً، المتلقي لم يكن معتاداً على هذا .
- البحتري حين أخذ معنى أبي تمام في ديمةٍ سمحة القيادِ سكوب، قال:
ولو أن مشتاقاً تكلَّف غير ما
في وُسْعِه لَسَعى إليك المِنْـبُر
- شيء محسوس جداً.. المنبر يتقدم إليه..
ولو أن مشتاقاً تكلف غير ما
في وسعه لسعى إليك المنـبر
 
- نفس معنى أبى تمام، لكن أبا تمام استخدمه في الطبيعة، لسعى نحوها المكان الجديبُ وهكذا..
- أنا لا أنفي ولا أحد من النقاد ينفي أن هناك في شعر أبي تمام ما هو واضح، لأن الإِنسان لا يمكن أن يقفز على عصره.. مطلقاً لا يمكن، إنه ابن عصره، ابن سياقات عصره، فهو حتماً في شعره أشياء واضحة كثيرة، ولكن وهذا قلته في محاضرة قبل أشهر: أبو تمام مثلاً استخدم الأفق الأسطوري، هذه لم تكن موجودة قبل أبي تمام، مثلاً: كيف استخدم الأفق الأسطوري؟
ما رَبْعُ ميَّةَ معموراً يطيف بـه
غيلان أشهى رُبَـى مـن ربعهـا الـخرب
- ما ربع مية تصور ربع وعامر وفي الربيع وممطر، هذا الحي ويطيف به غيلان، يطيف به على محبوبته، هذا الجو يشبه به خراب بلد آخر في فتح عمورية، يشبه الخراب بأجمل شيء وهو أن غيلان يطوف في ربع حبيبته..
ما ربعُ ميةَ معموراً يطيف بـه
غيلان أبهى رُبىً من رَبعها الخَرِبِ
ولا الخُدودُ وقد أُدْمِيْنَ من خجلٍ
أَشْهَى إلى مُقْلَتِي من خَدِهَا التَرب
- هذا الشعر مفاجئ.. فاجأ أبو تمام به مستمعيه.. متلقيه، خرج على عامود الشعر خروجاً رائعاً، إنه فاجأ متلقيه بشيء ليس في أذهاننا .
- قال أحد النقاد لأبي تمام: أيها الفتى ما أشد اتكاءَك على نفسك، وذلك لأن أبا تمام لم يتكئ في كتابة الشعر على شاعر قبله، وإنما كان يتكئ على نفسه .
- وفي بيت أبي تمام التالي:
مطرُ يذوب الصحوُ منه وبعده
صحو يكاد من الغضارة يمـطر
- دليل على مفاجأة أبي تمام لمتلقيه ومستمعيه بمثل هذه المعاني المبتكرة .
 
طباعة

تعليق

 القراءات :798  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 77 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

وحي الصحراء

[صفحة من الأدب العصري في الحجاز: 1983]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج