الحلقة ـ 21 ـ |
أبو جندل: حسوهم يا قوم بسيوفكم.. إنهم مشركون.. انتقموا لتعذيبكم وتشريدكم.. |
(أصوات سقوط قتلى وأنين جرحى تختلط بموسيقى صاخبة يعقبها سكون مطبق نسمع بعده صوت أبي بصير يقول): |
أبو بصير: الحمد لله.. انتصرنا.. والحمد لله.. |
أبو جندل: وقد جند لنا جميع حراس القافلة يا أبا بصير.. |
أبو بصير: القافلة زاخرة بالمؤن والبضائع الشامية والرومية.. |
أبو جندل: كنت أفكر في مصير إخواني المسلمين السبعين فإذا الله سبحانه وتعالى يهيء لنا ولهم أسباب الحياة. |
أبو بصير: وعلى الله فليتوكل المؤمنون.. لقد توكلنا عليه عندما هاجرنا فراراً بديننا فكانت هذه الخيرات جزاءً وفاقاً.. |
أبو جندل: إنني بالرغم مما لاقيته من تعذيب من والدي سهيل بن عمرو ما أزال أدعو الله في جميع صلواتي أن يهديه للإسلام.. |
أبو بصير: إنني أعرف عن والدي أكثر منك يا أبا جندل.. إنه يمجد الإسلام في قرارة نفسه بالرغم مما يظهر من تشدد ضده.. |
أبو جندل: ولكن لم كل هذا التشدد من والدي يا أبا بصير؟.. |
أبو بصير: إنه يخشى ألسنة مشركي قريش العتاة.. |
أبو جندل: أتعني أبا سفيان وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل.. |
أبو بصير: بلى يا أبا جندل بلى.. ولا تنسى هند بنت عتبة زعيمة المشركين والمشركات.. |
أبو جندل: أخشى أن يدرك والدي الموت وهو مشرك.. |
أبو بصير: الأعمار بيد الله ولكن ثق يا أبا جندل أن والدك إذا أسلم فسيكون مثلاً بين المسلمين في صلاحه وتقواه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت هند بنت عتبة تقول): |
هند: والتقى أبو جندل بأبي بصير وكونا عصابة للسطو على القوافل التجارية.. |
أبو سفيان: ما كنا نخشاه وقعنا فيه يا هند والحبل على الجرار كما يقولون.. |
هند: ولكن.. |
أبو سفيان: ولكن ماذا يا هند؟.. |
هند: ألا تستطيع قريش إرسال حملة لتأديب هؤلاء العصاة وسمعتهم قبل أن يستفحل خطرهم.. |
أبو سفيان: بكل تأكيد تستطيع قريش أن تقضي على هذه العصابة لولا أنها تخشى أن يؤدي ذلك إلى صراع مع محمد.. |
هند: أنترك هؤلاء العصاة يسطون على قوافلنا التجارية ويهددون بتدمير اقتصادنا.. |
أبو سفيان: لا يا هند لا.. ولكن هؤلاء العصاة لم يقوموا بعد بأي سطو مسلح.. |
هند: أننتظرهم حتى يسطو على قوافلنا ويتذوقوا طعم النهب والسلب وعندها يصعب الرتق على الراقع.. |
أبو سفيان: أرى قبل القيام بأية حملة تأديبية أن نوعز إلى أولياء هؤلاء المسلمين العصاة أن يذهبوا إلى أقربائهم ويحاولوا إقناعهم بالعودة إلى مكة.. |
هند: أأنت جاد فيما تقول يا أبا سفيان أم تراك تهزل؟.. |
أبو سفيان: بل جاد كل الجد يا هند فيما أقول.. |
هند: والله إن ذهب أولياء هؤلاء العصاة إليهم لاستردادهم لقتلوهم وما قضية قتل أبي بصير لمن ارسله أولياؤه عنا ببعيد.. |
أبو سفيان: الحقيقة موضوع هؤلاء العصاة صعب وشائك ويحتاج إلى محاولات لمعالجته بطرق سلمية قبل اللجوء إلى العلاج المسلح.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت سهيل بن عمرو يقول): |
سهيل:ما بك يا مكرز؟ لست كعادتك.. أراك مطرقاً ساهماً ومسحة من الكآبة ترين على محياك.. |
مكرز: لا شيء يا أبا يزيد.. |
سهيل:لا شيء وفي وجهك أشياء.. |
مكرز: أجل يا أبا يزيد.. أجل.. لدي أشياء ولكنها لا تسرك أنت بصورة خاصة.. |
سهيل:لعلّها عن أبي جندل.. هل حدث له أو منه شيء؟.. |
مكرز: لم يحدث له شيء.. إنما حدثت منه أشياء فظيعة جداً.. جداً.. |
سهيل:أشياء فظيعة جداً.. ما هي يا مكرز.. لقد شغلت بالي.. |
مكرز: أبو جندل، وأبو بصير.. ومدافعهم من المسلمين والأعراب والمتشردين قاموا بسطو على قافلة لقريش فيها تجارة كبيرة لصفوان بن أمية.. |
سهيل:يا لها من أخبار مزعجة مكدرة.. ولكن.. |
مكرز: ولكن ماذا؟ |
سهيل:ألم يتمكن حراس القافلة من جند المعتدين؟.. |
مكرز: كانوا من الكثرة بحيث أبادوا حراس القافلة عن بكرة أبيهم.. |
سهيل:ابلغ جمع المسلمين هناك إلى هذا الحد من الكثرة؟.. |
مكرز: ليسوا جميعهم من المسلمين بل معهم عدد لا بأس من الأعراب وقطاع الطرق والفاتكين.. |
سهيل:المسألة خطيرة يا مكرز بحيث تحتم اجتماع قادة قريش وزعمائها لوضع حد لها.. وإلا قضي على تجارة قريش نهائياً.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت ابي بصير يقول): |
أبو بصير: لا يمكنك أن تتصور يا أبا جندل مبلغ سروري بالاستيلاء على هذه القافلة بالذات.. |
أبو جندل: ولماذا هذه القافلة بالذات يا أبا بصير.. |
أبو بصير: ذلك لأن لصفوان بن أمية فيها تجارة كبيرة ولا شك أنه الآن يحترق كمداً وغيظاً وحسرة على ضياع أمواله؟؟ |
أبو جندل: ما رأيت أحداً في جشع صفوان بن أمية وحبه للمال.. |
أبو بصير: وبخله وشحّه.. |
أبو جندل: صدقت يا أبا بصير صدقت ما سمعت في حياتي أنه قام بعمل خيري أو أعان منكوباً أو واسى بائساً.. |
أبو بصير: وما رأيت أشد سطواً على أموال صفوان مثل أبي سفيان.. |
أبو جندل: بلى يا أبا بصير بلى.. إن لأبي سفيان سحراً خاصاً على صفوان.. |
أبو بصير: وهند بنت عتبة الأخرى لها سلطان كبير على صفوان لا يقل عن سلطان.. |
أبو جندل: إذا أظهر صفوان هذا التساهل في أمواله مع أبي سفيان أو هند بنت عتبة فذلك لأنه يستغل صلاته بهما فيجني من الأرباح أضعاف ما يعطى لهما.. |
أبو بصير: هذا صحيح.. ولكن حالة الألم المحض التي سيعشيها صفوان حينما بلغه النبأ هي مبعث سروري يا أبا جندل.. |
أبو جندل: كلنا نتشفى فيه يا ليته يصاب بنكبات مادية أكبر وأكثر مما اصيب به في هذه القافلة.. |
أبو بصير: إنه عدو لدود للإسلام والمسلمين.. كما لاقيت من التعذيب على يديه ويدي شياطينه حين بلغه إسلامي.. |
أبو جندل: كثير من المسلمين الذي جاءوا معي هربوا فراراً من بطش صفوان بن أمية وأعوانه بهم.. إن عدو الله لا يبخل بصرف الأموال في سبيل تعذيب المسلمين حتى الموت.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة ووقع أقدام تمشي بعنف في الغرفة هي أقدام هند بنت عتبة كانت تتكلم وهي محتدة: |
هند: لا يا أبا سفيان.. لا.. لم يعد في قوس الصبر منزع.. لقد وقعت الواقعة وسطا أبو بصير وأبو جندل ومن معهما من المسلمين والأعراب على قافلة لقريش.. |
أبو سفيان: وفي القافلة أموال وتجارة كبيرة لصفوان بن أمية.. إن خسارته فظيعة فظيعة جداً يا هند.. |
هند: ولهذا فهو طريح الفراش من جراء الصدمة.. |
أبو سفيان: إنها صدمة وأية صدمة ولكن مال صفوان لا يحصى ولا يعد.. وسيعوض خسارته من تجارته في جهات أخرى.. |
هند: ولكن الخسارة خسارة مهما عوضها المرء من تجارته الأخرى فإنه لا يستطيع أن يعوّض أتعابه الجسدية والفكرية.. ثم.. |
أبو سفيان: ثم ماذا يا هند؟.. |
هند: ثم إن هذا الحادث فتح باباً على قريش إذا لم تسده بسرعة وبضربة قاصمة فتجارتها ستكون مهددة بالانهيار.. |
أبو سفيان: بلى يا هند بلى.. وقد أصبحت معالجة هذا الوضع الخطير ضرورة ملحة.. |
هند: ولكن ما هي سبيل المعالجة؟.. |
أبو سفيان: لا يمكن القيام بأية معالجة جدية من دون التعاون مع محمد.. |
هند: كيف يا أبا سفيان.. ألا تستطيع قريش معالجة الأمر من دون الاستعانة بمحمد.. |
أبو سفيان: إن أكثرية العصاة هم من المسلمين ولا أحد له سلطان عليهم غير محمد.. إنهم لا يخضعون إلا له.. إن كلمة واحدة من محمد تضع الأمور جميعها في نصابها.. |
هند: وتريد قريش أن تقاوم محمداً وهي لا تستطيع سحق عصابة من المسلمين لا يزيد عددها على الثلاثمائة مسلم.. إلا فلتستسلم قريش لمحمد وتذعن له وتدخل في دينه فهو أشرف لها.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مكرز بن حفص يقول): |
مكرز: لقد اجتمعتم يا قادة قريش ما الذي تمخض عنه اجتماعكم.. |
سهيل:قررنا أن نلجأ إلى محمد في هذه الأمر.. |
مكرز: تلجؤون إلى محمد يا قادة قريش وزعماؤها.. |
سهيل:بلى يا مكرز بلى.. وأي ضير علينا في هذا؟.. |
مكرز: أتعجز قريش عن القضاء على شرذمة من المسلمين؟.. |
سهيل:إنهم عصابة يتنقلون من مكان إلى آخر ومطاردتهم قد تضطرنا إلى الدخول في حرب مع محمد.. |
مكرز: (متهكماً).. وقريش غير مستعدة لقتال محمد.. لقد خدرها صلح الحديبية وأمات فيها كل نخوة وحمية.. |
سهيل:(محتداً) لا تقل هذا يا رجل.. إنك تهين قادة قريش وأنا منهم.. |
مكرز: ولكن قادة قريش ارتضوا هذه الإهانة حين قرروا الالتجاء إلى محمد.. |
سهيل:لا سبيل للتفاهم معك يا مكرز فأنت تتكلم بعواطفك لا بقلبك.. |
مكرز: بل بالإثنين معاً يا أبا يزيد.. |
سهيل:محمد تهمه سلامة طريق القوافل التجارية كما تهمنا.. |
مكرز: ولكن اعتداء المسلمين واقع على قوافل قريش وحدها. |
سهيل:إن المعتدين خليط من المسلمين من الأعراب.. فإذا انفتح هذا الباب فسينتهز الأعراب وقطاع الطرق الفرصة لسلب قوافل المسلمين التجارية أيضاً.. |
مكرز: ولكن محمداً يستطيع البطش بالمعتدين.. |
سهيل:لا يستطيع محمد وحده القيام بهذه المهمة بدون مساندة منا له كما لا نستطيع نحن إلا بمساندته.. أفهمت يا مكرز؟.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أبي جندل يقول): |
أبو جندل: ما الذي أصابك يا أخي.. لقد هدك المرض وبراك السقم.. |
أبو بصير: هذا المرض من رواسب أيام التعذيب التي قاسيناها من قريش.. |
أبو جندل: أريد أن أذهب بك إلى المدينة لأداويك عند أحد أطبائها.. |
أبو بصير: ولكن لا أستطيع السفر.. لقد هدني المرض يا أبا جندل.. |
أبو جندل: لا حول ولا قوة إلا بالله.. تمرض يا أبا بصير في الوقت الذي نحن بأشد الحاجة إليك.. |
أبو بصير: لا أحد منا بحاجة الآخر يا أبا جندل بل كلنا بحاجة إلى رحمة الله وعونه وتوفيقه.. إن أيامي قصيرة يا أبا جندل.. والموت حق فإذا قضيت فاحمل راية الجهاد عني.. |
أبو جندل: أنت بخير يا أبا بصير.. بخير إن شاء الله.. |
أبو بصير: أرى رسولاً من المسلمين في طريقه إلينا.. |
أبو جندل: أجل.. يا أبا بصير.. أجل.. |
الرسول: السلام عليكم.. |
أبو بصير وأبو جندل: وعليك السلام.. |
الرسول: هذا كتاب إليك يا أبا بصير من النبي صلَّى الله عليه وسلم أأقرؤه عليكما أم أخبركما بمضمونه.. |
أبو جندل: قل مضمونه فكلانا نجهل القراءة.. |
الرسول: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يأمركما بأن تقدما عليه بالمدينة وأن يلحق من معكم من المسلمين ببلادهم وأهليهم ولا يتعرضوا لأحد مر بهم من قريش ولا لغيرهم.. |
أبو بصير وأبو جندل: السمع والطاعة لأمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
|