الحلقة ـ 2 ـ |
سعد: هانحن نقترب من مكان تجمع الأسرى يا جابر. أين سهيل بن عمرو..؟ |
جابر: انظر إلى الرجل الواقف بين العباس بن عبد المطلب وبين عمرو بن أبي سفيان. ويداه موثوقتان إلى خلفه. إنه سهيل بن عمرو بن عبد العامري. |
سعد: يا له من رجل له هيبة على الرغم من ذل الأسر ورنين القيد. |
جابر: هاهو يفتدي نفسه. إنه من أثرياء قريش. لقد تحمل قسطاً كبيراً من نفقات معركة بدر. |
سعد: أرى عمر بن الخطاب يدنو من النبي صلَّى الله عليه وسلم. |
جابر: صه يا سعد إن عمر بن الخطاب يقول للنبي صلى الله عليه وسلم. يا رسول الله انزع ثنيتي سهيل يدلع لها لسانه فلا يقوم عليك خطيباً في موضع أبداً. |
سعد: وهاهو رسول الله يجيب على طلب عمر بن الخطاب قائلاً.. لا أمثل فيمثل الله بي وإن كنت نبياً دعه فعسى أن يقوم مقاماً تحمده. |
جابر: ما أعظمك يا رسول الله. لا يريد أن يحدث أية عاهة في أعدائه الذين وقفوا بالأمس في منابر مكة يحرضون قريشاً على محاربته.. وإنك لعلى خلق عظيم. |
سعد: لا شك أن هذه المعاملة الكريمة من رسول الله لسهيل بن عمرو سيكون لها أثرها البعيد والعميق في نفسه. |
جابر: يقيني أن سهيل بن عمرو لو لم يكن سيداً من سادات قريش ولولا ما يخشى من تقولات أبي سفيان وصفوان بن أمية وغيرهما لأعلن إسلامه. بعد أن رأى من حسن المعاملة والعفو عند المقدرة. |
سعد: لقد رأيت هذا في وجهه ظاهراً. فعيناه تكادان تنطقان بعرفان الجميل. |
جابر: بل قل ولسانه كاد يلفظ عبارة التشهد لولا مخافته من القرشيين. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى وأصوات تعلو وتنخفض مما يدل على اجتماع أكثر من واحد.. نسمع بعدها صوت شاس بن قيس يقول): |
شاس: ماذا ترى محمداً فاعلاً بنا بعد انتصاره المؤزر على القرشيين في بدر؟ |
عبد الله
بن أبي: ماذا تظنه فاعلاً بنا. وماذا يستطيع أن يفعل؟ أتعتقد يا شاس. إن محمداً أصبح سيد يثرب بعد هذا الانتصار. |
شاس: يخيل إليّ يا بن أُبي أن محمداً سيساوره شيء من هذا. بل ربما يوحي به إليه أصحابه وخاصة المهاجرين منهم. |
ابن أبي: لا أعتقد أن نصراً كهذا سيبعث الغرور في نفس محمد. إن محمداً يعلم علم اليقين أن اليهود ونحن قوى لا يستهان بها. |
شاس: أتراه يصانعنا حتى إذا تمكن واستوى عوده قضى علينا. |
ابن أبي: هذا كلام سليم يا شاس ولذلك يجب أن نوحد صفوفنا وجهودنا حتى لا نمكّن للمسلم من تحقيق أي نصر مرة ثانية يزيد من تفوقهم ويقوي من شوكتهم. |
شاس: كيف يابن أُبي. كيف؟ |
ابن أبي: يجب تأليب قريش وحضها على الأخذ بالثأر لقتلاها السبعين في بدر. |
شاس: علمت أن كعب بن الأشرف ذهب إلى قريش يستشيرهم ويحرضهم ويعدهم بمساعدة اليهود إن هم غزوا يثرب.. |
ابن أبي: هذه وسيلة ناجعة من وسائل مقاومة محمد وعدم إعطائه الفرصة لتقوية صفوفه والتبشير بدعوته. |
شاس: اتفقنا على هذا وليعمل كل منا في منطقته ومع أبناء قومه. |
ابن أبي: اتفقنا. وليعلم محمد أن العرش الذي سلبني إياه سأسترده قريباً وقريباً جداً. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة نسمع بعدها صوت جابر يقول): |
جابر: أعلمت بما جرى يا سعد! |
سعد: أي شيء يا جابر قل بربك وافصح.. |
جابر: شوهد النبي صلَّى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان..؟ |
سعد: ماذا تقول؟ يبكيان!! من أي شيء؟ وعلى أي شيء يبكيان؟ |
جابر: أنت تعلم أن النبي صلَّى الله عليه وسلم أنهى مشكلة أسرى بدر. إما بواسطة الفداء الذي دفعه الموسرون، وإما بواسطة المن الذي تكرم به وأطلق سراح بعض الأسرى من غير فداء لفقرهم. |
سعد: كما اتفق مع المثقفين من الأسرى على إطلاق سراحهم مقابل قيامهم بتعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة. ولكن قل لي لم كان الرسول يبكي..؟ |
جابر: بكى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم وصاحبه لأن الله سبحانه وتعالى أنزل عليه قول مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (سورة الانفال: 67 - 68) |
سعد: حقيقة إنها آية تبكي ولا سيما من أوتي قلباً رقيقاً وشعوراً مرهفاً كرسول الله صلَّى الله عليه وسلم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت أم اسحق تقول): |
أم اسحق: أين كنت يا شاس..؟ إني أراك ساهماً مطرقاً كأنّ هماً ركبك. |
شاس: لا شيء يا أم اسحق.. لا شيء. |
أم اسحق: أراك تخفي عني وما تعودت منك ذلك. يا شاس.. |
شاس: بلى يا أم اسحق لم أعودك ذلك ولكني في هذه المرة خشيت أن أزعجك بما أنوء به. |
أم اسحق: ولكني شريكتك في سرائك وضرائك.. |
شاس: بلى.. بلى.. ولكن.. |
أم اسحق: ولكن ماذا..؟ |
شاس: قضية صراعنا مع محمد بدأت تأخذ شكلاً فعلياً. ربما أدت إلى الصراع المسلح. |
أم اسحق: وهل كان عندك شك في حتمية هذا الصراع..؟ |
شاس: كنت أشك في حتمية الصراع المسلح بين اليهود وبين محمد وكنت أؤثر أن تقتصر على القرشيين ومحمد والإعراب ومحمد وربما جماعة عبد الله بن أبي بن سلول من جهة أخرى. |
أم اسحق: ذلك الصراع واقع بالفعل يا شاس على أنك كنت تود لو تجنب قومنا اليهود الدخول فيه. |
شاس: بلى يا أم اسحق بلى. كأنك تقرئين ما يدور في خلدي. |
أم اسحق: محمد صاحب عقيدة يريد لها أن تسود وتدخل الجزيرة كلها فيها وقد أعطى محمد لليهود الحرية في إقامة شعائرهم الدينية والتمتع بحريتهم الشخصية ولكن. |
شاس: ولكن ماذا..؟ |
أم اسحق: ولكن اليهود لا يريدون لهذا الدين الجديد ولا صاحبه أن يزاحمهم في منطقة نفوذهم هذه. أليس كذلك؟ |
شاس: أجل يا أم اسحق أجل.. |
أم اسحق: إذن فالصراع محتم يا شاس. وفي رأيي أن اليهود هم الذين يريدونه وليس محمد. |
شاس: كيف يا أم اسحق كيف؟ |
محمد: محمد أعطى لليهود حرية الدين والحرية الشخصية. وماذا يريد اليهود بعد ذلك..؟ |
شاس: ولكن محمد دخيل. ونحن أسياد هذه المنطقة. |
أم اسحق: ولكن سكان هذه المنطقة من الأوس والخزرج هم الذين جاءوا بمحمد ودخلوا في دينه وبايعوه قائداً وزعيماً ونبياً.. |
شاس: ولكن جماعة عبد الله بن أُبي بن سلول ونحن اليهود لم ندخل في دينه ولم نبايعه.. |
أم اسحق: ابن أُبي لا قيمة له ولا وزن لو كان له شأن لرد على الإهانة التي لحقته بعد طرده وجماعته من المسجد. |
شاس: ولكن ابن أُبي هو الزعيم الحقيقي لهذه المنطقة. لقد كان الخزرج ينظمون له القلائد ليتوجوه. |
أم اسحق: (بتهكم) وجاء محمد فانفرطت تلك القلائد وتجمعت لترصع صدر محمد بن عبد الله. |
شاس: ولكن محمداً مغتصب وعبد الله بن أُبي سيناضل في سبيل استرداد تاجه. |
أم اسحق: واليهود سيؤيدونه ويدافعون عنه. |
شاس: بلى يا أم اسحق بلى. |
أم اسحق: إذن فالمعركة المصيرية بين اليهود ومحمد وأنصاره واقعة لا محالة واليهود البادئون ولا أحد يعلم غير الله عاقبة المصير. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى سريعة تختلط بوقع حوافر الخيل وأجراس الدواب وغمغمات وهمهمات نسمع بعدها صوت مكرز بن حفص يقول): |
مكرز: لا أدري يا سهيل كيف أعلل هزيمتكم في بدر. كنتم كثرة وكان المسلمون قلة. وكنتم مسلحين بأحسن العتاد وكان المسلمون أنصاف مسلحين. |
سهيل:كنا يا مكرز غير متحمسين للقتال وخاصة بعد ما علمنا بنجاة العير بينما كان المسلمون متلهفين للقتال. |
مكرز: ولكن كيف دخلتم معركة أنتم غير متحمسين لها. |
سهيل:أَصَخْنا إلى حماقة عمرو بن هشام حين قال. |
مكرز: وماذا قال يا أبا جندل؟ |
سهيل:والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم بها ثلاثاً فننحر الجزور ونطعم ونسقى الخمر وتعزف لنا القيان. وتسمع بنا العرب وبمصيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبداً فأمضوا. فمضينا إلى مصيرنا المحتوم وقد دفع عمرو بن هشام رأسه فداء لحماقته.. |
مكرز: ودفعت قريش بسمعتها إلى الحضيض في بلاد العرب. ثم ما هي الأسباب الأخرى للهزيمة يا سهيل؟ |
سهيل:الحروب يا مكرز في كل زمان ومكان من أكره الأشياء إلى النفوس. |
مكرز: بلى يا سهيل ومن أسماء الحرب الكريهة لكره الناس لها وبعد. |
سهيل:فالعقلاء من قادة الشعوب لا يخوضون الحرب لا لأسباب موجبة قاهرة ذلك لأنهم يعلمون أن الباغي هو المصروع عادة. |
مكرز: أجل.. أجل.. |
سهيل:ومعركة بدر هذه كان البغي والعدوان والخيلاء والغطرسة بواعثها الأولى من جانب قادة قريش وعلى وجه التحديد من جانب أبي جهل السيد المشؤوم المطاع وقد دفعنا ثمناً باهظاً لهذا البغي والعدوان. |
مكرز: وأي ثمن يا أبا جندل. |
سهيل:السبب الثالث في الهزيمة وهو في رأيي الأهم.. |
مكرز: ما هو يا أبا جندل! |
سهيل:العقيدة يا مكرز. العقيدة.. لقد خاض المسلمون معركة بدر عن عقيدة وإيمان. فأما الاستشهاد في سبيل رفعة هذه العقيدة ونصرتها. وأما الفوز والعودة وأكاليل النصر تزين هاماتهم ورؤوسهم. أما نحن القرشيين فقد كنا نقاتل بطرا ورياء وابتغاء سفه وسمعة تتحدث بها العرب. |
مكرز: أجل يا أبا جندل لقد ظفرت قريش بالسمعة السيئة التي أصبحت حديث العرب من أقصى الجزيرة إلى أقصاها. |
|