الحلقة ـ 118 ـ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مهران يخاطب زميله بهرام).. |
مهران: سئمنا يا بهرام هذا الحصار الطويل والهرمزان يصر على مطاولة الحصار.. |
بهرام: وماذا يهم الهرمزان يا مهران.. إنه يعيش في القلعة في حصن أمين وحوله مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.. |
مهران: ونحن نتضور جوعاً.. لقد هربت من داري بعد أن أصمني صراخ أطفالي وزوجي من الجوع.. |
بهرام: ما العمل يا مهران..؟ |
مهران: تسألني ما العمل يا بهرام؟ ونحن نموت جوعاً بينما يرفل الهرمزان ومن معه من القواد في بحبوحة من النعيم.. تسألني يا بهرام ماذا أعمل؟؟ |
بهرام: أجل يا مهران أجل.. أسألك ماذا تعمل؟ |
مهران: أما أن نقتل الهرمزان أو نسلم المدينة... |
بهرام: كلا الأمرين صعب يا مهران... فالوصول إلى الهرمزان ضرب من المستحيل لأنه محاط بحرس كبير مدجج بالسلاح.. |
مهران: إذن فتسليم مدينة (تستر) أهون الشرين.. |
بهرام: نسلم مدينتنا لأعدائنا.. أجننت يا مهران؟ |
مهران: إن لم نسلمها اليوم للمسلمين عن طواعية فسيستولون عليها غداً عنوة ويتركونها نهباً وسلباً لجنودهم.. |
بهرام: ولكننا نستطيع الصمود.. |
مهران: نستطيع الصمود ونحن لا نقوى على الوقوف من الجوع والمرض.. |
بهرام: صحيح ولكنها خيانة يا مهران.. |
مهران: ليست خيانة وإنما هي السلامة لنا.. |
بهرام: وأهل مدينة تستر ماذنبهم يا مهران؟ |
مهران: سنطلب لهم الأمان من المسلمين... أما الهرمزان ومن معه فليذهبوا إلى الهلاك |
بهرام: ولكن كيف نستطيع الاتصال بالمسلمين؟؟ |
مهران: سأكتب على رق صغير رسالة إلى المسلمين.. |
بهرام: وكيف توصلها إليهم وأبواب مدينة تستر مغلقة والحراس عليها كثيرون.. |
مهران: سأرمي الرسالة بواسطة نشابي.. |
بهرام: وماذا تقول في الرسالة؟ |
مهران: أقول إن أمنتمونا دليناكم على مكان تدخلون منه إلى المدينة.. |
بهران: وأي مكان تقصد يا مهران. |
مهران: مخرج الماء لمدينة تستر.. |
بهرام: يا لأفكارك الشيطانية.. |
مهران: هيا بنا.. هيا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنة تقول): |
مزنة: أراني أصبحت من رأيك يا هند.. |
هند: وأي رأى يا مزنة؟ |
مزنة: أتذكرين قولك إنه لا استقرار لنا ولا مقام هنا ما دام يزدجرد على قيد الحياة.. |
هند: أجل.. وإني ما زلت على رأيي.. |
مزنة: إنك على صواب يا هند.. فما دام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يأذن لجيوش المسلمين بالانسياح في بلاد فارس فإن يزدجرد سيخلق لنا متاعب لا تعد ولا تحصى. |
هند: ألم يخطر ببال سعداً وغيره من كبار القادة أن يشرحوا لأمير المؤمنين فوائد انسياح جيوش المسلمين في بلاد فارس.. |
مزنة: لا شك عندي أن هذا الرأي قد خطر لكثيرين من رجال المسلمين الذين يقاتلون في هذه الجبهة.. |
هند: ولكن لم لم يجرؤ أحد على مفاتحة أمير المؤمنين بهذا الأمر؟ |
مزنة: وهل نحن على مستوى القيادة حتى نعلم أسرارها من يدري ربما كتب سعد أو غيره إلى أمير المؤمنين بذلك. |
هند: علاقتك يا مزنة بسلمى زوج سعد وطيدة.. ألم تسر إليك بشيء في هذا الشأن.. |
مزنة: لا يا أختاه.. وهل سعد يطلع زوجه على كل شيء.؟ |
هند: لا، ولكن ربما سمعته يتحدث مع أحد كبار رجاله وقادته.. |
مزنة: إن قلبي يحدثني يا هند أن الأمر بانسياح جيوش المسلمين في بلاد فارس آت عما قريب وانه الآن موضع التداول والتشاور بين أمير المؤمنين وكبار الصحابة في المدينة.. |
هند: عسى أن تصدق أحاسيسك ومشاعرك يا مزنة. |
(نقلة صوتية تتخللها عواصف وبروق ورعود وصواعق نسمع بعدها صوت مهران يقول): |
مهران: يا لسوء الحظ يا بهرام. إن النفق السري لمدينة (تستر) سيصبح بحيرة من شدة الامطار المنهمرة.. |
بهرام: أجل يا مهران ولكن مياه الأمطار ستجرف ما بهذا الممر من أوساخ وقاذورات.. وسيكون بعد توقف الامطار صالحاً لعبور المسلمين منه إلى داخل المدينة.. |
مهران: رب ضارة نافعة يا بهرام لئن كان حصارنا سيمتد بضعة أيام ألا أن خطتنا ستنجح قولا واحد.. |
بهرام: ولكن يا مهران.. |
مهران: ولكن ماذا يا بهرام؟؟ |
بهرام: كيف نستطيع الاتصال بالمسلمين؟؟ |
مهران: أما قلت لك إني سأرمي برسالة على رأس نشابي لأقرب مسلم أراه أمامي ولا شك أنه سينقلها إلى قائده.. |
بهرام: ولكن يجب ان نحذر عيون الهرمزان يا مهران فهم كثير.. |
مهران: إن أكثرهم في حالة يأس كالتي نمر بها يا بهرام.. حتى الهرمزان نفسه.. |
بهرام: الهرمزان يا مهران كيف؟؟ |
مهران: لقد كان الهرمزان ينتظر إمداداً من يزدجرد تأتي من وراء المسلمين والهرمزان من أمامهم ولكن.. |
بهرام: ولكن لم يصل شيء.. |
مهران: أجل يا بهرام أجل.. |
بهرام: إذن عجل في اتصالك بالمسلمين. |
مهران: تعال معي فقد اخترت مكانا قريبا من المسلمين وسأبعث منه رسالة على رأس نشابي.. |
بهرام: وهل هيأت الرسالة يا مهران؟ |
مهران: أجل يا بهرام وهي في حرز مكين.. |
بهرام: هيا بنا.. |
مهران: هيا بنا.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها مشية رجل ووقع أقدامه وكأنه في حالة عصبية ثم نسمع صوت الفيرزان يقول): |
الفيرزان: سيدي القائد الهرمزان.. أراك قلقاً لما تنم بعد وأنت تذرع غرفتك ذهاباً وإياباً ما بك يا سيدي؟ ما الخبر.. |
الهرمزان: ما بي يا فيرزان.. ما بي.. وأي حال أتعس مما أنا فيه.. |
الفيرزان: لا أفهم سيدي القائد.. أرجوك التوضيح.. |
الهرمزان: إننا نكابد بلاء وجهدا كبيرا من الحصار الذي طال وامتد ونحن ننتظر المدد من هذا الغلام الغرير.. |
الفيرزان: أتعني يزدجرد سيدي.. |
الهرمزان: أجل يا فيرزان.. لقد وعدني بارسال امدادات كبيرة تفاجىء المسلمين من خلفهم ونحن من قدامهم فنقضى عليهم قضاء مبرما قد يكون من ورائه كسر حدة اندفاع المسلمين العاصف.. |
الفيرزان: وهل هنالك أمل في إمدادات ونجدات؟ |
الهرمزان: انه أمل سراب.. يا فيرزان.. انني أصبحت أخشى سوء العاقبة.. ان الناس بدأوا يتذمرون من طول الحصار وقلة الغذاء وقسوة الشتاء والبرد.. |
الفيرزان: صدقت سيدي القائد.. ان أهالي مدينة تستر قد أصبحوا في حالة يرثي لها من الجوع والمرض وأخشى ما أخشى.. |
الهرمزان: تخشى ماذا يا فيرزان؟ |
الفيرزان: أخشى أن يشقوا عصا الطاعة ويطلبوا الأمان من المسلمين.. |
الهرمزان: مخاوفك في محلها يا فيرزان.. ولكن الجنود مخلصون لقائدهم وانت في مقدمتهم.. |
الفيرزان: ثقتك في محلها سيدي القائد ولكن للصبر حدود.. |
الهرمزان: اذن ما العمل يا فيرزان.. |
الفيرزان: أرى ان نخرج لقتال المسلمين فأما النصر واما الهلاك وفي كليهما الراحة.. |
الهرمزان: قد يكون كلامك منطقيا لو أن جيشنا في وضع يستطيع الهجوم فكل ما لدينا من عتاد هو للدفاع وليس للهجوم.. |
الفيرزان: والى متى سنظل على هذه الحال؟؟. |
الهرمزان: أراك انحزت إلى قائمة المتذمرين يا فيرزان.. |
الفيرزان: لا يا سيدي القائد.. وانما اشتاقت النفس إلى ساحة المعركة.. |
الهرمزان: ولكننا في ساحة المعركة.. |
الفيرزان: انها معركة من وراء جدار.. |
الهرمزان: أصبر فقد تحدث المعجزة.. ويأتينا المدد من يزدجرد |
الفيرزان: لا مجال للاختيار سيدي القائد.. وما على الا ان أقول السمع والطاعة.. |
الهرمزان: بورك فيك.. بورك فيك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت زيد يقول): |
زيد: جاءك الفرج يا علقمة.. فقد وقع ما ليس في الحسبان.. |
علقمة: صدقت يا زيد.. من كان يصدق ان يكون الفرج بهذه الطريقة التي لا تخطر على بال.. |
زيد: هيا بنا فقد صدرت الأوامر بأن تكون في طليعة الذين سيدخلون المدينة عن طريق مخرج الماء.. |
علقمة: عسى الا يكون مخرج الماء مليئا بالأوساخ والقاذورات.. |
زيد: أظن الأمطار التي انهمرت في اليومين السابقين قد جرفت ما بالمخرج من قاذورات.. |
علقمة: ولكن منسوب الماء به سيكون عاليا.. |
زيد: إنه الجهاد في سبيل الله وعلينا أن نتحمل وعسى أن تكتب لنا الشهادة في سبيله.. |
علقمة: يا ليت.. يا ليت. |
زيد: هيا فإني أرى عامر بن قيس وبشر بن كثير وسرية من جيش النعمان بن مقرن المزني تتقدم نحو مخرج الماء.. |
علقمة: هيا نلحق بسرية النعمان فنحن ملحقون بها.. |
(نسمع خوض الرجال في الماء تتخلله موسيقى خفيفة وهمهمات وهمسات وغمغمات وأخيرا نسمع أصواتا تدوي).. |
الأصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله اكبر.. |
(نسمع مقارعة السيوف وقعقعة السلاح وسقوط القتلى وأنات الجرحى ثم صوت المنادي يقول): |
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين فتحت أبواب مدينة تستر أدخلوها على بركة الله.. لقد طلب أهلها الأمان فأعطاهم قائدكم الأمان.. |
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. عليكم بالقلعة حيث يتحصن عدو الله الهرمزان.. سيروا على بركة الله.. |
أصوات: الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: أرسل الهرمزان يطلب الاستسلام وأن يترك مصيره إلى الخليفة عمر بن الخطاب ليحكم فيه بما يراه.. |
زيد: وهل قبل قائدنا أبو سبرة طلبه.. |
علقمة: أجل يا زيد أجل.. |
زيد: كيف يقبل من قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك وهما من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. |
علقمة: لا أدري يا أخي.. لعله استشار من معه من القواد فوافقوا على ذلك.. |
زيد: ولكني لست من رأيهم.. كان يجب أن يقتل الهرمزان صبراً فقد قتل صحابيين جليلين ثم إنه شخصية خطرة.. |
علقمة: ولكن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لا شك سيأمر بقتله شر قتلة.. |
زيد: ولكن قلبي يحدثني انه سيمكر بمن في المدينة ويسلم من القتل وسترى.. |
علقمة: أتظن أن الهرمزان بهذه القوة من المكر والدهاء.. |
زيد: هذا ما سمعت عنه من كثيرين من الفرس.. ومتى سيرسل الهرمزان إلى المدينة.. |
علقمة: لقد أرسل مع وفد وفيه أنس بن مالك والاحنف بن قيس.. |
زيد: يا ليتهم يرسلوننا مع الوفد لنرى مقابلة الخليفة عمر للهرمزان.. |
علقمة: ولكننا سنذهب مع الوفد فقد صدرت الأوامر بذلك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت مزنة تقول): |
مزنة: الي يا هند الي.. |
هند: ما وراءك يا مزنة؟؟ |
مزنة: جاءتني أمرأتان فارسيتان وبعد ان سلمتا علي قالت كبراهما.. |
هند: ماذا قالت...؟ |
مزنة: قالت: لقد أخطأ قومك حين قبلوا طلب الهرمزان النزول على حكم الخليفة.. |
هند: ألم تسإليها لماذا؟؟ |
مزنة: أجل.. يا هند.. |
هند: وماذا قالت؟ |
مزنة: قالت ان الهرمزان غدار مكار وقد طلب النزول على حكم الخليفة كي يسلم من القتل.. |
هند: كيف يسلم الهرمزان من القتل وقد قتل اثنين من خيرة الصحابة... الم تقولي لها ذلك يا مزنة؟ |
مزنة: بلى.. بلى... ولكن صغراهما أردفت قائلة.. |
هند: وماذا قالت... |
مزنة: قالت إن الهرمزان واسع الحيلة.. معروف لدينا في فارس بالخداع والمخاتلة والمكر والذكاء الخارق.. |
هند: وأي ذكاء خارق وجريمة الهرمزان شاهدة لا تحتاج إلى بينة أو اثبات... ألم تقولي لها مثل ذلك؟؟ |
مزنة: بلى يا هند كأنك تقرأين ما قلت؟ |
هند: وماذا قالت صغراهما بعد ذلك؟ |
مزنة: قالت انها مستعدة للرهان على ان الهرمزان سيحصل على الأمان من الخليفة.. |
هند: بالطبع لم تقبلي الرهان يا مزنة.. اليس كذلك.. |
مزنة: وكيف اقبل بالشيء الحرام.. |
هند: وماذا جرى بعد ذلك.. |
مزنة: انصرفت المرأتان وهما تقولان: ستعرفين يا مزنة صدق ما نقول: |
هند: كفانا الله شر الهرمزان ومن هم على شاكلته.. |
مزنة: اللهم آمين.. اللهم آمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: ها نحن نصل المدينة.. انظر إلى الهرمزان كيف ألبسوه حلته ووضعوا على رأسه تاجه الذهبي المرصع بالياقوت والأحجار الكريمة.. |
زيد: إن عدو الله الهرمزان ذو هيبة ووقار في لباسه ومظهره.. |
علقمة: انظر إلى عدو الله وهو في كسوته الفاخرة وتطلع إلى هناك.. |
زيد: أين هناك...؟ |
زيد: إني أرى رجلاً نائماً متوسداً برنسه والدرة في يده أنه عمر بن الخطاب... إنه الخليفة.. يا لجلال البساطة وأبهة التواضع.. |
علقمة: هيا نقترب من الهرمزان.. انه بدأ يتكلم والمغيرة بن شعبة يترجم. |
الهرمزان: اين عمر.. دلوني عليه.. خذوني إليه.. |
زيد: إنه هو هذا النائم على الأرض المتوسد برنسه والدرة في يده.. |
الهرمزان: أين حرسه وحجابه؟ |
زيد: ليس له حارس ولا حاجب.. |
الهرمزان: اذن فهو نبي.. |
زيد: ليس نبياً يا عدو الله وإنما يعمل الأنبياء ويسير على سنن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: لقد استيقظ أمير المؤمنين على الجلبة وحين رأى الهرمزان قال: الحمد لله الذي أذل بالإسلام هذا وأشباهه.. |
زيد: ها هو أمير المؤمنين يأمر بنزع كسوة الهرمزان وإلباسه ثوباً ضعيفاً.. إني أرى الخليفة يتكلم يا علقمة ولكني لا أسمعه لضعف سمعي.. قل لي ماذا يقول: |
علقمة: يقول: يا هرمزان كيف رأيت عاقبة الغدر وعاقبة أمر الله.. وها هو الهرمزان يجيب بكل جرأة ووقاحة.. |
الهرمزان: يا عمر انا واياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم فلما كان الآن معك غلبتمونا.. |
زيد: يا لرباطة جأشه وقوة جنانه.. |
علقمة: صه يا زيد ان امير المؤمنين يتكلم.. |
زيد: انقل لي ما يقول؟ |
علقمة: قال له ما حجتك وما عذرك في انتفاضك مرة بعد أخرى.. |
الهرمزان: أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك.. |
|