الحلقة ـ 109 ـ |
(ثم يصرخ وهو في شبه حالة هيستيرية)... فلاديموس! فلاديموس!! |
فلاديموس: سيدي الامبراطور |
هرقل: أين كنت أيها اللعين.. اسحب هذا الكلب والق به في احدى القمامات.. انه لا يستحق الدفن.. |
فلاديموس: أمرك سيدي الامبراطور.. |
هرقل: عد الي حالاً بعد أن تتم ما أمرتك به.. |
فلاديموس: أمرك سيدي.. أمرك.. |
(نقلة صوتية متبوعة بموسيقى نسمع بعدها صوت (وطفاء) تقول): |
وطفاء: علمت من أخي الحارث أن قواد المسلمين يقومون بحركة حربية واسعة تستهدف تطويق بقايا جيوش الروم في شمال حلب وانطاكية ومحاولة أسر هرقلا اذا أمكن. |
لمياء: كيف ذلك يا أختاه.. كيف.. |
وطفاء: لقد قام فعلاً خالد بن الوليد وعياض بن غنم بملاحقة فلول جيوش الروم وقام جيشان آخران من الموصل في العراق بنفس المحاولة للقضاء على الروم في أرض الجزيرة وتطهير المناطق الشمالية منهم.. |
لمياء: إذن فجيوش المسلمين تلاحق الآن هرقل وفلول جيوشه من الجبهتين الشامية والعراقية. |
وطفاء: أجل يا لمياء.. أجل.. |
وطفاء: إني أكاد أطير فرحاً يا لمياء حين أتصور بلادي سوريا وقد تحررت من ربقة استعباد الروم إلى الأبد. |
لمياء: إلى الأبد بمشيئة الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى صاخبة.. نسمع بعدها صوت (فلاديموس) يقول): |
فلاديموس: سيدي الامبراطور.. |
هرقل: ما وراءك يا فلاديموس؟؟ |
فلاديموس: ورائي أخبار لا تسر سيدي الامبراطور.. |
هرقل: قل وافصح.. |
فلاديموس: إن جيوش المسلمين تقوم بحملة التفاف خطيرة حول جيوشنا المتقهقرة بقصد إبادتها من جهة ومن جهة اخرى يرومون يا مولاي.. |
هرقل: يرومون ماذا.. |
فلاديموس: يرومون أسرك او قتلك لا قدر الاله.. |
هرقل: ما الرأي إذن يا فلاديموس؟ |
فلاديموس: أرى أن يسرع مولاي بالعودة إلى القسنطينية وسأتولى أنا ومن معي من ضباطك وجنودك المخلصين إحباط خطة المسلمين مهما يكن الثمن.. |
هرقل: بورك فيك.. بورك فيك.. اذهب وهيء لي أسباب الرحيل على جناح السرعة.. |
فلاديموس: بالأمر يا مولاي.. |
هرقل: السلام عليك يا سوريا سلام لا لقاء بعده.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى... نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: الحمد لله لقد تطهرت بلاد الشام من رجس الروم وفر (هرقل) إلى القسطنطينية. |
زيد: الحمد لله على نعمه وآله.. لقد خضنا معارك شديدة كان خصمنا فيها عنيداً جداً.. |
علقمة: صدقت يا زيد.. فالروم ـ كما بلوناهم ـ كانوا أكثر مراساً.. واصبر في القتال من الفرس.. |
زيد: بلى يا علقمة بلى.. وإنهم لماهرون وحاذقون في صناعة الحرب وفنونها.. |
علقمة: شغلنا حديث الروم والفرس عن تلقف أخبار ما جاء به رسول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة.. |
زيد: بلى يا علقمة بلى.. وهل استطعت الحصول على أية معلومات عما جاء به هذا الرسول؟؟ |
علقمة: كلما قدرت أن اعرفه هو أن أبا عبيدة بعد أن قرأ رسالة أمير المؤمنين استدعى إليه سبعة من قواد جيشه |
زيد: من هم هؤلاء القواد يا علقمة؟ |
علقمة: خالد بن الوليد، يزيد بن أبي سفيان، شرحبيل بن حسنة، المرقال بن هاشم، مسيب الفزاري، قيس المرادي وعروة بن مهلهل بن زيد الخيل.. |
زيد: وهل ظهرت نتائج اجتماعه بهؤلاء القواد؟ |
علقمة: لا يا زيد.. لم أعرف شيئا حتى الآن.. آه يا ليت (جابر) معنا إذن لاستطاع استراق الاخبار بشكل مذهل عجيب.. |
زيد: يا ليت.. يا ليت.. إن (جابر) ولا شك مشغول في القتال العنيف الدائر بين الفرس والمسلمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى.. نسمع بعدها صوت (وطفاء) تقول): |
وطفاء: بشراك يا لمياء.. بشراك. |
لمياء: بماذا يا وطفاء.. بماذا.. قولي.. |
وطفاء: علمت من أخي الحارث أن أبا عبيدة قد عقد الراية لخالد بن الوليد وسيرسله إلى (ايلياء) لمساندة عمرو بن العاص في حصاره لها.. |
لمياء: وهل هنالك قواد آخرون سيرسلون مدداً لعمرو بن العاص؟؟ |
وطفاء: نعم.. هنالك ستة قواد آخرون سيرسلون تباعاً للاشتراك في حصار (ايلياء).. |
لمياء: ارجو أن يكتب لنا الجهاد مع أحد هذه الجيوش.. |
وطفاء: لقد كتب لك يا أختاه.. |
لمياء: كيف.. كيف... |
وطفاء: أنت وأنا سنكون في حملة خالد بن الوليد.. |
لمياء: إنها لبشرى حقا يا (وطفاء).. أن يكتب لنا المساهمة في تحرير مكان المسجد الأقصى من أيدي الروم.. |
وطفاء: أجل.. أجل يا لمياء.. وقد تستطيعين رؤية أقارب زوجك.. |
لمياء: لا قدر الله يا وطفاء.. |
وطفاء: لماذا... لماذا.. يظهر أن لك حماة شديدة القسوة. |
لمياء: إن لي حماة وكنة كالعقارب.. لقد سقيت منهما كؤوس العذاب اثناء اقامتي معهن في (بيت جبرين).. |
وطفاء: الحماة هي الحماة.. في كل مكان.. |
لمياء: بل قولي في كل زمان ومكان يا وطفاء.. |
وطفاء: صدقت يا أختاه.. صدقت.. كانت لي حماة أنها كالأفعى ولكن الموت أراحني منها.. |
(نسمع موسيقى القافلة... ووقع حوافر الخيل وقعقعة السلاح وصهيل الخيل وصليل السيوف وأصواتاً تعلو وتنخفض وأخيراً نسمع صوت علقمة يقول): |
علقمة: لقد ظهرت نتيجة الاجتماع الذي دعا إليه أبو عبيدة. |
زيد: يلوح لي أن عمرو بن العاص يكابد مشقة في قتاله مع الروم.. |
علقمة: إن القائد الرومي المكلف بالدفاع عن (ايلياء) أدهى قواد الروم ثم أن (ايلياء) بالإضافة إلى تحصين الدم لها تقع في منطقة جبلية تحف بها أودية سحيقة.. |
زيد: وهذا ما يسهل أمر الدفاع عنها.. |
علقمة: بشرط أن يكون لدى المدافعين التموين الكافي.. |
زيد: بلى يا علقمة بلى.. ولا شك أن الروم قد احتاطوا لهذا الحصار ذلك لأن في (ايلياء) مقدساتهم الدينية. |
علقمة: أجل هو هذا يا زيد. |
(نسمع سير القافلة ووقع حوافر الخيل وصهيل وقعقعة سلاح الفرسان ولغطهم ثم صوت زيد يقول): |
زيد: إن طريقنا طويلة يا علقمة.. لقد انضاني السرى وخالد بن الوليد يسرع في مسيره.. |
علقمة: ليست هذه أول مرة نسير فيها مع خالد بن الوليد.. يلوح لي انك هرمت يا زيد حتى اصبحت لا تتحمل مشاق السفر.. |
زيد: لست صغير السن يا علقمة كما أني لست شيخا إنني في فحولة الشباب. ولكن طريقنا مليء بالجبال والوديان وركوب الخيل في مثل هذه الأماكن متعب ومرهق جداً.. |
علقمة: الأجر على قدر المشقة يا زيد... والحمد لله الذي أكرمنا بالجهاد في سبيله.. |
زيد: الحمد لله يا أخي.. الحمد لله.. |
(نسمع مسيرة الجيش الزاحف مسبوقة بموسيقى ووقع حوافر خيل وقعقعة سلاح ولغط وهمهمة وغمغمة... ثم نسمع بعدها صوت (لمياء) تقول): |
لمياء: ها نحن نقترب من (ايلياء) يا أختاه.. إن هذه الأماكن مألوفة لدى لقد سبق أن ارتدتها مع زوجي.. |
وطفاء: أتعرفين شيئا عن (ايلياء) وماضيها؟ |
لمياء: أجل يا وطفاء.. أجل.. |
وطفاء: إذن فلنقطع ما تبقى من الطريق في الحديث عن (ايلياء) هات ما عندك.. هات.. |
لمياء: كان اسم (ايلياء) (يبوس) نسبة إلى (اليبوسيين) وهم بطن من بطون العرب الكنعانيين نزحوا من الجزيرة العربية واستوطنوا هذه الديار.. |
وطفاء: حديث جميل يا لمياء. |
لمياء: ثم سميت يبوس (أورو ـ سالم) ومعناه مدينة السلام.. وتلفظ احياناً (واروا ـ سالم) و (يرو ـ سالم).. |
وطفاء: وما معنى هذه التسمية يا أختاه؟ |
لمياء: أحدها الرب (سالم) وسالم هذا هو إله الكنعانيين. وعندما غزا العبرانيون هذه الديار سموها اورشليم، ثم سموها في عهد (داود) مدينة داود وسموها أيضا (صهيون). |
وطفاء: يا الله ما شاء الله.. زوديني بهذا الطرف من المعلومات الواسعة.. انني لن أسمح لك بعد اليوم أن تقولي أنك لم تأخذي بقسط وافر من العلم والمعرفة. |
لمياء: شكرا يا أختاه على هذا الاطراء الذي لا استحقه.. |
وطفاء: خففي كرب هذا الطريق ومشقته بحديثك العذب وانعمي علينا مما أنعم الله به عليك.. |
لمياء: اما اسم (ايلياء) فهو مشتق من (ايليوس) وهذا اسم الاسرة التي ينتمي إليها الامبراطور (ادريانوس) الذي تولى عرش روما و(ايليوس) كلمة يونانية معناها الشمس.. |
(نسمع موسيقى خفيفة تختلط بمسيرة الجيش الزاحف ومن ثم نسمع صوت (وطفاء تقول): |
وطفاء: يا لهذه المعلومات القيمة (يا لمياء)... حدثيني فحديثك لا يمل. |
لمياء: وحينما احتل (ادريانوس) هذه المدينة ورأى ما رأى من غطرسة اليهود وشغبهم المتواصل اعتزم أن يقضي على ذلك فقتل منهم يومئذ من قتل.. ومن لم يمت طرد من المدينة ثم دمرها تدميراً تاماً حتى لم يبق منها حجراً على حجر وانشأ بدلاً منها مدينة جديدة اسماها باسم أسرته كما ذكرت من قبل.. |
وطفاء: إنه حديث طريف ممتع.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى... نسمع بعدها صوت فلاديموس يقول): |
فلاديموس: كانت حملة تطويق محكمة قام بها المسلمون يا سيدي الامبراطور. |
هرقل: أجل (يافلاديموس).. أجل.. لقد أصبح المسلمون بارعين في فنون الحرب وأساليب القتال.. |
فلاديموس: الغريب يا سيدي الامبراطور أن المسلمين يقاتلون أعظم امبراطوريتين في أن واحد وينتصرون. |
هرقل: الايمان يا فلاديموس.. الايمان.. قوة العقيدة.. |
فلاديموس: كيف يا سيدي الامبراطور؟ كيف؟؟ |
هرقل: إن المسلمين يحاربوننا في سبيل نشر عقيدتهم وبسط سيطرتها على العالمين.. |
فلاديموس: ونحن يا سيدي الامبراطور.. |
خرقل: عندما كنا نقاتل في سبيل العقيدة سدنا العالم أما اليوم فاننا نقاتل بالمرتزقة والمأجورين بينما المسلمون يقاتلوننا وهم يؤمنون أن من قتل منهم سيذهب إلى الجنة.. |
هرقل: أما جنودنا فيحاربون من دون هدف أو غاية وهذا سبب هزائمنا المتكررة. |
فلاديموس: لا شك أن الهزائم التي لحقت بنا ناجمة عن ضعف في العقيدة والاخلاق.. ولكن ليس إلى الحد الذي يؤدي بنا إلى اليأس يا مولاي.. |
هرقل: إني يائس بالنسبة لاستعادة سوريا من المسلمين فسكانها العرب لعبوا دوراً كبيراً في الهزائم التي أصابتنا ثم أن كثيراً منهم قد دخل في الإسلام وهذا ما يجعلني أيأس بالنسبة لسوريا. |
فلاديموس: سيدي الامبراطور.. أرجو أن يسعني حلمك... |
هرقل: قل فلاديموس.. قل ولا تخف.. |
فلاديموس: إن جيوش المسلمين قد وصلت الآن إلى مناطق بها جبال وحواجز طبيعية يصعب علي المسلمين اجتيازها.. |
هرقل: بلى.. بلى.. وبعد.. |
فلاديموس: يلوح لي انهم اكتفوا بهذا القدر من الفتوحات في جبهة الشام.. |
هرقل: وما هو برهانك على هذا الاكتفاء يا فلاديموس؟ |
فلاديموس: إرسال قائد المسلمين في هذه الجبهة لكبار قواده في حملات متتابعة لإمداد قائدهم في الجبهة الفلسطينية.. |
هرقل: كلام سليم ومعقول.. |
فلاديموس: يجب أن ننتهز فرصة انشغال جيوش المسلمين في الجبهة الفلسطينية فنقوم بحملات خاطفة تسترد فيها بعض المدن الهامة من سوريا.. |
هرقل: ولكن الاستعداد لمثل هذه الحملات يأخذ وقتاً غير قليل وقد تسقط (ايلياء) قبل أن يتم استعداداتنا.. |
فلاديمونس: سيدي الامبراطور انها محاولة ارجو أن نقضى بها على اليأس الذي بدأ يتسرب إلى قلوبنا.. |
هرقل: إني أعهد اليك بذلك فافعل وانا معك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى تختلط بوقع حوافر الخيل وضجيج الجيش الزاحف وأخيراً نسمع صوت علقمة يقول): |
علقمة: ها نحن نصل (ايلياء) بعد سفر طويل. |
زيد: وشاق يا زيد.. |
علقمة: ستكون لديك الفرصة للاخلاد إلى الراحة. |
زيد: كيف يا علقمة؟؟ |
علقمة: سيأخذ جيشنا موقعه أمام أسوار (ايلياء).. وستأخذ انت قسطك من الراحة أثناء الحصار أرى أنه سيطول.. |
زيد: وقائد الروم في (ايلياء) وهو من الدهاة كما علمت أيتركنا نخلد للراحة؟ |
علقمة: لا أظنه يستطيع أن يقوم بعمل حربي حاسم بل أنه سيترك ذلك للزمن والظروف.. |
زيد: وخالد بن الوليد... أيخلد إلى السكينة والراحة أمام أسوار (ايلياء)؟ |
علقمة: إن وضعنا أمام أسوار (ايلياء) يختلف عن غيرها فهذه المدينة محصنة بأسوارها وبموقعها الجبلي وأوديتها السحيقة.. |
زيد: من يدري فقد ييسر الله فتح (ايلياء) بطريقة لا نتصورها.. |
علقمة: الله على كل شيء قدير.. |
نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى.. نسمع بعدها صوت (وطفاء) تقول: |
وطفاء: ها هي جيوش المسلمين تدخل شهرها الرابع وهي تقف مكتوفة الايدي أمام أسوار (ايلياء).. |
لمياء: أجل يا أختاه.. أجل.. لقد سئمت هذا الحصار الطويل الذي لا يعلم مداه إلا الله. |
وطفاء: لا أظنك في حال من السأم أكثر مني يا لمياء.. |
لمياء: كيف يا أختاه.. كيف؟؟ |
وطفاء: لقد تركت معسكرنا عدة مرات وذهبت لزيارة أقارب زوجك.. أما أنا فقعيدة حيث أنا. |
لمياء: على أنك مرتاحة ـ على الأقل ـ من رؤية الحماة والكنة.. أما أنا فما ذهبت إلى أهل زوجي مرة الا عدت مسمومة البدن والعقل. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى.. نسمع بعدها أصواتاً تعلوا وتنخفض مع همهمة وغمغمة تدل على اجتماع ثم نسمع صوت بطريرك (ايلياء) يقول): |
البطريرك: أيها البطارقة... جمعتكم هنا لنتبادل الرأي في مصير بلدتنا (ايلياء) لقد طال الحصار وكاد الشهر الرابع ينصرم ونحن محاصرون وامبراطور الروم عاجز عن امدادنا وما عندنا من الزاد والمؤمن يكاد ينفذ فبماذا تشيرون..؟ |
|