الحلقة ـ 104 ـ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت لمياء تقول): |
لمياء: وتمر الأيام سراعا ولا أخبار عن الحارث يا وطفاء.. إني أكاد أجن فزعاً وخوفاً عليه.. |
وطفاء: إن أخبار السوء لا تخفي يا لمياء.. لو حدث لأخيك شيء ما ـ لا قدر الله ـ لعرفنا به.. |
لمياء: وأنّى لنا أن نعرف عن الحارث شيئا وأسوار دمشق ستار من الحديد يحول دون تسرب الهواء.. فكيف الناس..؟ |
وطفاء: إن الروم يجعلون لكل بلد هام أنفاقاً سرية.. ولا شك أن لدمشق أنقاقاً ومداخل سرية يدخل إليها ويخرج منها أناس يشق بهم حكام دمشق.. |
لمياء: أتعنين أن بين من يشق بهم حكام دمشق أناساً عيونهم عربية، ومتحمسون لنصرة الإسلام والمسلمين.. |
وطفاء: هذا ما أقصده يا أختاه.. والحارث يا لمياء سيعرف طريقة إلى هؤلاء.. فاتكلي على الله. |
لمياء: توكلت على الله ووكلت إليه مصيري ومصير أخي.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الأسقف يقول): |
الأسقف: طاب يومك يا بني.. |
الحارث: سيدي الأسقف.. مرحبا بك.. طاب يومك يا أبي.. |
الأسقف: هل أنت مرتاح إلى عملك.. وهل وفيت بنذرك.. |
الحارث: نعم يا أبي.. نعم يا أبي.. |
الأسقف: سأطلب إلى الأسقف هنا تخصيص مكافأة شهرية لك تستعين بها على قضاء حاجاتك؟ |
الحارث: بارك الرب فيك.. وأطال عمرك.. وحفظك من كل سوء... |
الأسقف: سأراك كلما جئت هنا يا حارث.. فليباركك الرب. |
الحارث: سيدي الأسقف... دعني أقبل يديك لتحصل لي البركة يا أبي.. |
الأسقف: بورك فيك.. بورك فيك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: ها هو حصارنا للشام يدخل في شهره الثالث والمدافعون عن دمشق ما يزالون في شدتهم وعنفوانهم يا زيد.. |
زيد: لقد سئمت هذا الانتظار.. وأني لأعجب لقوادنا.. أبي عبيدة.. وخالد بن الوليد.. وعمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة.. ويزيد بن أبي سفيان.. كيف أنهم لم يصلوا إلى خطة يفتح الله بها دمشق عليهم.. |
علقمة: شيء يحيرنا زيد.. اليوم هو الخامس والستون على حصارنا لدمشق.. ونحن جامدون أمام حصونها.. |
زيد: بل قل مستمرون... ومتجمدون يا أخي.. |
علقمة: صحيح ما نحس به جميعنا يا زيد.. ولكني موقن أن عيني خالد بن الوليد ساهدة وإن عقله في شغل دائم بالتفكير في فتح دمشق.. |
زيد: إن ما يحيرني أكثر هو خالد بن الوليد.. إنك تعرف أنه لا يطيق المطاولة ومع ذلك ها هو يقف مثلنا جامداً أمام أسوار دمشق.. |
علقمة: إن القتال خلف الحصون المنيعة غير القتال في الأماكن المكشوفة.. ثم يجب أن لا ننسى أن دمشق عاصمة الشام وملك الغساسنة وقد حشد قيصر الروم خيرة جنوده وأمر قواده للدفاع عنها. |
زيد: وهذا ما يعزيني ويصبرني ياعلقمة... |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى مرعبة نسمع بعدها صوت (ياسر) يصرخ من التعذيب وصوت كيفار يقول): |
كيفار: اجلدوه واكووا ظهره وجسده بالنار- ولا تأخذكم فيه أدنى شفقة- هيا.. هيا.. |
(نسمع صوت ياسر وهو يصرخ من التعذيب ويقول): |
ياسر: عذبوني ما شئتم.. حرقوني. مصيري الجنة ومصيركم النار.. |
كيفار: أمعنوا في تعذيب هذا المسلم.. واستعملوا معه أفانين العذاب عسى أن يرشدنا إلى من حاولوا معه اغتيال قائد دمشق.. |
(نسمع أصوات التعذيب وصوت ياسر يقول): |
ياسر: اقتلوني.. مزقوا جسدي بسياطكم وناركم فلن تأخذوا مني أي اعتراف.. أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. |
صوت صادر من مكان سحيق: صبرا ياسر.. فإن موعدك الجنة مع الصديقين والشهداء.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت قائد دمشق يقول): |
قائد دمشق: هل اعترف المسلم يا كيفار..؟ |
كيفار: لا سيدي القائد.. |
قائد دمشق: ألم تشددوا في تعذيبه حتى يعترف.. |
كيفار: جلدناه... كوينا ظهره.. بالنار وبقية أعضائه، فما زاد إلا إمعاناً في إصراره على الكتمان وعدم الاعتراف.. |
قائد دمشق: غريب أمر هؤلاء المسلمين.. ما أشد تمسكهم بدينهم وإيمانهم بحقيقة هذا الدين.. |
كيفار: بلى.. سيدي القائد... بلى.. |
قائد دمشق: ما اسم هذا المسلم يا كيفار.. |
كيفار: اسمه ياسر وهو حديث عهد بالإسلام.. وإني لأعجب من شدة إيمانه.. وترديده الشهادتين كلما أمعنا في تعذيبه. |
قائد دمشق: لو لم يكن هذا الدين دين حق، لما تمكن من قلوب معتنقيه.. إن ياسر على ما أعتقد من عرب دمشق.. أليس كذلك؟؟ |
كيفار: نعم.. سيدي القائد.. |
قائد دمشق: إن ياسر لم ير محمداً رسول هذا الدين مرة واحدة.. |
كيفار: بلى.. سيدي... بلى.. |
قائد دمشق: وربما اعتنق الإسلام على يد أحد التجار الذين كانوا يفدون إلى الشام بقصد التجارة.. |
كيفار: ليس ذلك ببعيد سيدي.. |
قائد دمشق: ومع ذلك استعذب الموت في سبيل هذا الدين.. ألا يدل ذلك بوضوح على صحة هذا الدين وإنه دين سماوي.. وليس من وضع بشر أو إنسان.. |
كيفار: استنتاج سيدي منطقي ومعقول.. |
قائد دمشق: كيفار.. كيفار.. |
كيفار: سيدي... القائد.. |
قائد دمشق: إنني مسيحي متعصب لديني متمسك به.. وياسر مسلم متعصب لدينه ومتمسك به.. وإني لا أرضى أن يموت بسببي رجل بهذا السمو الديني.. خلوا عنه.. اطلقوا سراحه.. واخرجوه من أحد الانفاق ليلحق بأصحابه المسلمين.. |
كيفار: أمرك سيدي.. أمرك... ما أنبلك وأكرمك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت الحارث يقول): |
الحارث: مرحبا بك يا أبتاه.. لقد طال غيابك عنا.. |
الأسقف: كنت مشغولاً بأمور الطائفة في الغوطة وفي دمشق.. |
الحارث: ومتى وصلت يا أبتاه؟ |
الأسقف: قبل ثلاثة أيام.. |
الحارث: ثلاثة أيام ولم تزرنا؟؟ |
الأسقف: نعم يا بني.. أما قلت لك أن أعمال أبناء الطائفة شغلتني عن زيارتك.. |
الحارث: على كل حال أنا سعيد يا أبتاه إنك لم تنسني في غمرة أعمالك.. |
الأسقف: وكيف أنسى ابنا لي مخلصا لدينه مثلك... إنك تذكرني بالمسلم الذي تملأ قصته ارجاء دمشق. |
الحارث: من يا أبتاه.. من هو هذا المسلم يا أبي؟ |
الأسقف: ألم تسمع عنه يا حارث؟ |
الحارث: كلا. يا أبتاه.. كلا.. |
الأسقف: إن هذا المسلم يدعي (ياسر) قبض عليه بتهمة التآمر مع آخرين لاغتيال قائد دمشق.. |
الحارث: وبعد يا أبتاه.. |
الاسقف: وعذب ألوان العذاب.. من جلد بالسياط وكي بالنار.. ومع ذلك لم يعترف بزملائه، ولم يخنه إيمانه لحظة واحدة... بل ظل متمسكاً بدينه متحملاً أفظع العذاب وأشده.. |
الحارث: قصته غريبة مثيرة يا سيدي.. |
الاسقف: وقد أعجب قائد دمشق بشجاعة ذلك المسلم وقوة إيمانه فعفى عنه وأمر بإخراجه خارج دمشق ليلحق بأصحابه المسلمين.. ولكن.. |
الحارث: ولكن ماذا يا أبتاه.. |
الأسقف: جاء العفو بعد أن قضى المسلم نحبه تحت سياط التعذيب وهو يردد الشهادتين. |
الحارث: إنني يا أبتاه مخلص لديني... فهل تتمنى لي مصير المسلم يا أبتاه؟ |
الأسقف: لا يا بني.. ولكن ضربته مثلا لك كمقارنة بين إخلاصك أنت لدينك وإخلاص ذلك المسلم لدينه.. |
الحارث: أبتاه... هل ستبقى عندنا بضعة أيام أو تعود اليوم.. |
الأسقف: لا يا بني.. سأبقى بضعة أيام لحضور حفل اكليل (جورجي) ابن (كيفار) مساعد قائد دمشق.. |
الحارث: وهل سيكون حفلا كبيراً؟؟ |
الأسقف: سيكون أفخم حفل تشهده دمشق، وسأنقطع عن زيارتك إلى ما بعد انتهاء مراسم الاحتفال. |
الحارث: كم أحب أن أشهد هذا الاحتفال.. فهل تساعدني على ذلك.. |
الاسقف: سأكلم زميلي الأسقف.. اعتبر نفسك مجازاً منذ الغد.. |
الحارث: بارك الرب فيك يا أبتاه.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: تعال يا زيد.. تعال.. |
زيد: ما وراءك؟ |
علقمة: شوهد خالد بن الوليد يختلى ببعض العرب السوريين وبعد خروجهم اجتمع خالد بخاصته ومستشاريه.. |
زيد: لعل ذلك إيذان بالفرج يا علقمة.. |
علقمة: أرجو من الله.. أرجو من الله. |
زيد: وماذا لاحظت أيضا يا علقمة؟ |
علقمة: كلف خالد بن الوليد هؤلاء العرب بإعداد بعض الأشياء.. |
زيد: وما هي هذه الأشياء يا علقمة.. |
علقمة: لو علمتها لقلتها لك.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى مبهجة نسمع بعدها صوت لمياء تقول): |
لمياء: أخي الحارث... حمداً لك يا إلهي.. لقد ظننتك في عداد الأموات... |
الحارث: كدت أن أكون منهم يا أختاه ولكن الله سلم.. |
وطفاء: كيف حالك يا حارث.. قص علينا... |
الحارث: وقتي ضيق يا وطفاء.. سأقص عليكما بعد أن يفتح الله لنا دمشق.. |
لمياء: لقد طال انتظارنا حتى كدنا نيأس.. |
الحارث: لا وقت لليأس يا لمياء... وأنت يا وطفاء.. فقد دنت ساعة الفرج. |
لمياء: إنك تتكلم أحاجي وألغاز يا أخي.. |
الحارث: ولتعلمن نبأه بعد حين.. استودعكما الله.. |
لمياء: إلى أين يا أخي ونحن لم نستمتع بك بيننا.. |
الحارث: إننا في ميدان القتال ولا مجال للترفيه إلا بعد انتهاء المعركة.. |
لمياء: رافقتك السلامة.. |
وطفاء: في أمان الله.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: صدرت الأوامر إلينا بالتأهب للقتال يا زيد.. |
زيد: إننا نمارس قتالاً جديداً يا علقمة.. |
علقمة: سنتسلق أسوار دمشق على الحبال.. |
زيد: تجربة جديدة... ولكل جديد طلاوة يا علقمة.. |
علقمة: صه.. يا زيد.. ودعنا ننتظر إشارة التسلق.. |
زيد: بسم الله... توكلنا على الله.. اللهم آتنا النصر الذي وعدتنا.. إنك لا تخلف الميعاد.. |
(تسمع حركات وضوضاء مع موسيقى تدل على أن أناساً يقومون بعمل تسلق أو صعود على شيء وأخير نسمع صوت علقمة يقول): |
علقمة: انظر يا زيد... إن خالد بن الوليد في مقدمة المتسلقين.. انظر... إنه يتبع تعاليم أحد العرب السوريين بجانبه.. |
زيد: ها نحن نرتقي السور بسرعة مذهلة.. |
علقمة: صه يا زيد... صه واستمع إلى إعلان خالد بن الوليد للقتال.. |
(تسمع صوت خالد بن الوليد يقول): |
خالد: بسم الله.. إلى الأمام.. إلى الجهاد.. يا معشر المسلمين.. الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر.. |
(نسمع أصوات التهليل والتكبير). |
الأصوات: الله أكبر.. الله أكبر... الله أكبر.. |
(سقوط قتلى وأنين جرحى وأصوات تقول): |
الأصوات: اقتحم المسلمون أسوار الباب الشرقي وقتلوا حراسه.. |
(نسمع سقوط القتلى... وانات الجرحى مختلطة بالتهليل والتكبير ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: فتح الباب الشرقي ودخل جنود المسلمين.. لله درك يا خالد.. لله درك يا خالد.. |
زيد: أتدري من هو العربي السوري الذي كان يتسلق بجوار خالد.. |
علقمة: لقد سمعت خالد بن الوليد يناديه: يا حارث.. ارفق بنفسك.. فأنت دليلنا في هذه المعركة.. |
زيد: لعله من السوريين الذين دخلوا حديثاً في الإسلام.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى حربية نسمع بعدها صوت (كيفار) يقول): |
كيفار: سيدي القائد.. انج بنفسك قبل أن يأسرك المسلمون أو يقتلوك... |
قائد دمشق: يجب أن أقتلك يا (كيفار) قبل أن أؤسر أو أقتل.. |
كيفار: ولم يا سيدي القائد؟ |
قائد دمشق: لقد شغل جنودنا بعرس ابنك عن الحراسة.. وكانت عينا خالد بن الوليد ساهرة لا تنام.. فكان النصر له.. خذ أيها الخائن.. خذ.. (يضربه فيسقط أرضا ونسمع صوت سقوطه وانينه). |
|