الحلقة ـ 103 ـ |
سالم: سر يا أخي والله يكلأك بعين عنايته.. |
الحارث: أستودع الله واستودعك أختي، فليس لها أحد بعد الله سواي. |
سالم: كلنا وديعة الله في أرضه كن مطمئنا.. سأرعاها وأعتني بها مثل أختي.. ولكنا ندعو لك الله بالتوفيق والسلامة.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع صوت همهمة وغمغمة مما يدل على اجتماع هام.. وأخيراً نسمع صوت قائد دمشق يقول): |
قائد دمشق: جمعتكم أيها القواد للتشاور فيما ينبغي أن نفعله بعد أن حاصر المسلمون دمشق من جهاتها الأربع.. |
كيفار: سيدي القائد.. أرى أن الحصار كلما طال كان في صالحنا.. |
قائد دمشق: كيف يا كيفار.. كيف؟ |
كيفار: إن جيوش المسلمين سيتسرب إليها الطل مع امتداد الحصار والعربي من عادته عدم الاستقرار في المكان.. |
قائد دمشق: بلى يا كيفار بلى.. إن العربي مفطور بسجيته على الرحيل من مكان إلى آخر انتجاعا للكلأ والماء.. |
كيفار: وفي نفس الوقت أرى أن نكاتب الامبراطور ليتسنفر جنوده من هنا وهناك ويجمعهم من ثم يهاجم المسلمين من خلفهم.. ونحن من أمامهم فيصبحوا بين شقي الرحى.. |
قائد دمشق: هذا إذا لم يعودوا إلى جزيرتهم.. |
كيفار: كيف يعودون إلى جزيرتهم بعد أن خرجوا عنها مبشرين داعين الأمة إلى دين جديد وحياة جديدة.. |
قائد دمشق: هل نناجزهم القتال كأن نضربهم بالمجانيق والسهام النارية أو نتركهم وادعين مطمئنين حتى يخلدوا للراحة، ومع طول الوقت سيفتك بهم الطل هذا إذا لم تفتك بهم قبله جيوش الامبراطورية.. |
كيفار: إن المناجزة والمناوشة ستجعل المسلمين في حالة تعبئة دائمة ونشاط مستمر، وهذا في غير صالحنا يا سيدي القائد.. |
أحدهم: ولكن جنودنا المرابطين على أسوار وعلى أبوابها سيطون هم أيضا.. أما المناجزة والمناوشة ففيها حركة مستمرة ونشاط دائم.. وجيوش المسلمين مكشوفة أمام مجانيقنا وسهامنا النارية وستكون الإصابات فيهم فادحة.. وذلك مما يعجل في رحيلهم عنا.. |
أصوات: رأي سديد أيها القائد.. |
قائد دمشق: هل توافقون عليه؟ |
أصوات: موافقون.. موافقون.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت علقمة يقول): |
علقمة: إن الليل هنا قارس والهواء بارد يا زيد، وقد تدثرت بثياب الشتاء ومع ذلك فإني أشعر بالبرد ينخر عظامي.. |
زيد: إني أحسه كما تحس والدفء خير دواء له.. |
علقمة: لقد كنا بالعراق فلم نشعر بالبرد الذي نشعر به هنا.. |
زيد: إن المكانين يختلفان ـ فالعراق شرق والشام شمال ونسيم الشمال دائما قارس وشديد على عكس ريح الصبا. |
علقمة: لا تذكرني يا زيد بريح الصبا.. فانك تثير في حنيني إلى الأهل والولد.. |
زيد: الشعور متبادل ولكن الواجب فوق كل إعتبار.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى خفيفة نسمع بعدها همسات مبهمة وأخيراً تبين صوت الحارث يقول): |
الحارث: يا أبي.... اعترفت بكل ما اقترفت من خطايا وآثام.. وقد غفرتها لي.. ولكن علي نذراً بأن أوقد شمعة في كنيسة القديس يوحنا بدمشق، وأدق أجراس الكنيسة أيام الآحاد والأعياد. ساعدني يا سيد الأسقف على الوفاء بهذا النذر.. |
الأسقف: بني.. طلبك يكاد في حكم المستحيل.. أن جيوش المسلمين تطوق دمشق من جميع جنباتها.. |
الحارث: ولكن دمشق كسائر مدن الامبراطورية لها مداخل وانفاق سرية يعرفها بعض المقربين إلى قائد دمشق. |
الأسقف: ولكنني لست أحد المقربين إليه يا بني ـ ثم هب انني مقرب منه، فأننا نحن الآن تحت حكم المسلمين.. |
الحارث: ولكن المسلمين سمحوا للنصارى بحرية العبادة والتنقل ـ أرجوك يا سيدي الأسقف أرجوك ساعدني فاني أخشى أن اعود إلى سيرتي الأولى.. |
الأسقف: إنك تحرجني يا بني.. تحرجني.. |
الحارث: ولكنك تستطيع مساعدتي إذا شئت.. خذ بيدي ولا تتركني أضل بعد ما هديتني. |
الأسقف: دعني أفكر وارجع لي صباح الغد، فلعلي اهتديت إلى حل يرضيك.. |
الحارث: بورك فيك يا أبتاه... بارك الرب فيك. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت لمياء تقول): |
لمياء: إنها مغامرة خطيرة يقوم بها الحارث يا أختاه.. |
وطفاء: إنه متحمس وأخشى أن يودي به حماسه.. |
لمياء: ولكن أخاك الحارث يعرف أين يضع قدميه هذه المرة يا لمياء.. |
لمياء: كوني متفائلة دائما يا وطفاء.. انه يستهدف مقصداً شريفاً.. فدعينا نبتهل إلى الله عز وجل أن يكلأه بعين عنايته.. |
وطفاء: يا رب.. يا رب.. |
(نمسع موسيقى حربية ثم نسمع أصوات المجانيق والسهام النارية وأخيراً صوت علقمة يقول): |
علقمة: بدأ الروم ضرب المجانيق والسهام النارية كعادتهم كل يوم.. |
زيد: ولكنهم في هذا اليوم أحدثوا بعض الإصابات في صفوفنا.. |
علقمة: لعلهم يعدون لهجوم كاسح.. |
زيد: يا ليتهم يفعلون.. هذا هو الشر يكاد ينصرم على حصارنا لدمشق وقد بدأت أسأم هذه الحال.. |
علقمة: الصبر مفتاح الفرج يا أخي.. من يدري يا أخي ربما يكون قذف الروم الشديد في هذا اليوم مقدمة لهجوم علينا.. |
زيد: يا ليت.. يا ليت.. |
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. مدد من قيصر الروم إلى جنوده المحصورين بدمشق في طريقه.. هاجموه.. أبيدوه قبل أن يبلغ محله بادروا أثابكم الله... |
(أصوات تهليل وتكبير وكر وفر وسقوط قتلى وأنين جرحى ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: لقد أدركنا سر الضرب الشديد الذي قام به مدافعو الروم هذا الصباح.. إنهم كانوا يقصدون إشغالنا بهم ليمكنوا للجيش الذي أمدهم به قيصرهم من مباغتتنا من خلفنا بينما نحن مشغولون بمن في دمشق.. |
زيد: خطة رهيبة... ولكن أبا عبيدة ومن معه من الأمراء استطاعوا إحباط هذه الخطة الجهنمية وتمزيق المدد شر ممزق. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت الأسقف يقول): |
الأسقف: ستدخل غداً إلى دمشق من أحد الأنفاق السرية مع قافلة المؤن التي نزود بها جنود الروم المحاصرين.. |
الحارث: دعني أقبل يدك يا أبي. لقد طوقت عنقي بجميل لا أنساه.. |
الاسقف: كن يقظا حذراً يا بني.. |
الحارث: ومن مرسل هذه المؤن؟ |
الأسقف: نحن أهالي الغوطة ما زلنا على ولائنا للامبراطورية.. |
الحارث: بارك الرب فيك.. عاشت الامبراطورية. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها صوت قائد دمشق يقول باضطراب). |
قائد دمشق: كيفار.. إليّ.. يا كيفار.. |
كيفار: أمرك سيدي القائد.. |
قائد دمشق: قضت جيوش المسلمين على المدد الذي أرسله القيصر.. إني ما كنت أظنهم بهذه القوة والحيطة |
كيفار: سيدي القائد.. إن قواد المسلمين المحاصرين لدمشق هم صفوة القواد لديهم.. ثم إن سوريا من البلاد العربية... وكل ما فيها من عرب هم عيون وارصاد للمسلمين علينا.. |
قائد دمشق: لئن مكنني الرب من المسلمين.. سوف انتقم من العرب في سوريا شر انتقام.. |
كيفار: إنهم يستأهلون.. يستأهلون يا سيدي القائد.. |
قائد دمشق: والآن.. ما الرأي عندك يا كيفار.. |
كيفار: المطاولة سيدي القائد وتخفيف ضرب المسلمين بالمجانيق والسهام النارية وغير ذلك.. |
قائد دمشق: ولا تنسى أن تحتاط للتموين - فهو سلاحنا الوحيد للتغلب به على المسلمين.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى نسمع بعدها دق أجراس كنيسة وأخيراً نسمع صوت الحارث يقول): |
الحارث: اللهم اغفر لي يا رب.. وسامحني واعف عني.. |
أحدهم: يا أخا العرب أراك حديث العمل في هذه الكنيسة فمن أي بلد أتيت؟ |
الحارث: إنني لاجيء شريد من بصرى هربت منها حين دخلها المسلمون وقتلوا على مرأى مني زوجتي وأطفالي الثلاثة.. |
أحدهم: يا للفظاعة.. يا لهول ما تقول.. إن الناس يتحدثون عن المسلمين غير ذلك.. |
الحارث: إنهم يكذبون.. يكذبون يا أخا العرب.. ماذا تفعل أنت هنا؟ |
أحدهم: جئت أسأل عن صديق لي يتردد على هذا المكان فلم أجده وسأعود إلى عملي. |
الحارث: لعلي لا أكون متطفلا إذا سألتك عن عملك. |
أحدهم: إني أشتغل في ديوان حاكم دمشق.. |
الحارث: وهل الحاكم رومي..؟ |
أحدهم: ومتى أمن الروم العرب حتى يجعلوهم حكاما.. |
الحارث: معذرة سيدي إن كنت أحرجتك بسؤالي هذا.. |
أحدهم: لا عليك.. لا عليك.. إنك لم تحرجني بسؤالك ولكنك آلمتني حين شوهت الصورة الجميلة التي رسمتها مخيلتي للاسلام والمسلمين. |
الحارث: أدرست يا سيدي دين هؤلاء المسلمين..؟ |
أحدهم: نعم. نعم.. وكنت أوشك الدخول في دينهم.. ولكن الحادثة التي تعرضت لها أنت تجعلني أقدم رجلا وأؤخر أخرى.. |
الحارث: هل في دمشق مسلمون؟ |
أحدهم: لا أدري يا هذا.. لا أدري.. يلوح لي أنك من جواسيس الروم الذين تعج بهم مدينة دمشق. |
(ويحاول أن ينصرف فيقول له الحارث): |
الحارث: سامحك الله.. سامحك الله يا هذا.. |
أحدهم: كنت أظنك يا هذا.. |
الحارث: إن بعض الظن إثم.. سألتك يا هذا هل يوجد مسلمون في دمشق، فأسرعت في إتهامي والحكم عليّ. |
أحدهم: قاتل الله الجبن والفزع.. |
الحارث: وتفزع ممن.. وتخشى من؟ |
أحدهم: الروم يا هذا.. إنهم ينتقمون بفظاعة عند أقل اشتباه ولا سيما ممن يكون في مركزي.. |
الحارث: أما أنا فلا أخشى أحداً إلا الله وما قدر كائن ولا راد لقضاء الله وقدره. |
أحدهم: أراك مسلما بدين المسلمين.. أمسلم أنت؟؟ |
الحارث: وأنت |
أحدهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. |
الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. |
أحدهم: الحمد لله الذي جمعنا على غير ميعاد.. ما اسمك يا أخي.. |
الحارث: الحارث بن هلال.. وأنت؟ |
أحدهم: كان اسمي قبل أن أسلم يوحنا بن مرقص، أما بعد نعمة الإسلام. فاسمي ياسر ولكني أكتمه خشية التعذيب والقتل.. |
الحارث: كم عدد المسلمين في دمشق؟ |
ياسر: بحسب علمي ومعرفتي يزيدون عن المائة وهم متفرقون في أنحاء عديدة من المدينة وبالاستطاعة تجميعهم إذا اقتضى الأمر.. |
الحارث: حسنا يا ياسر.. إني أبصر أسقف الغوطة قادماً، فهلا انصرفت في أمان الله.. |
ياسر: في أمان الله والى لقاء قريب.. |
الحارث: إن شاء الله... إن شاء الله.. |
|