الحلقة ـ89 ـ |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
علقمة: يا لها قصة محزنة |
زيد: بل قل يا علقمة يا لها نهاية وخاتمة سعيدة.. من منا لا يتمنى الاستشهاد في سبيل الله ورسوله.. اللهم اكتب لنا ذلك.. |
الجميع: اللهم آمين.. اللهم آمين.. |
(نسمع صوت المنادي يقول): |
المنادي: يا معشر المسلمين.. يا معشر المسلمين.. رسول الله يأمركم بالتجهز لدخول المدينة.. هيا يرحمكم الله.. هيا أثابكم الله.. |
جابر: هيا بنا أيها الإخوان.. |
زيد وعلقمة: هيا بنا.. هيا بنا.. |
(ضجج ووقع حوافر خيل وقعقعة اسلحة وصوت تحركات راحلين). |
زيد: لقد بدأت وعثاء السفر تظهر عليّ يا علقمة. حقيقة إننا أخذنا قسطا من الراحة بمبيتنا في (ذي الحليفة).. ولكني أشعر بتعب وخوار في قواي. |
علقمة: الحج يا أخي فيه مشقة ولذلك قيل: والحج لمن استطاع إليه سبيلاً وهذا يدل على ما يتعرض له الراغب في الحج من جهد ومشقة لا يمكن تحملها إذا لم يكن صحيح البدن قوي البنية. |
زيد: صحيح يا علقمة... والأجر على قدر المشقة... هيا بنا نقترب من ركب الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي حين أرى طلعته البهية أستمد نشاطا من نشاطه وعزما من عزماته.. هيا. |
علقمة: هيا يا زيد.. هيا.. |
زيد: ها هو (جابر) يسير قريبا من راحلة النبي. |
علقمة: إنه يريد أن يتزود بزاد من العلم والمعرفة حين ينال شرف المسير في ركاب النبي صلى الله عليه وسلم |
زيد: هيا بنا نشاركه في هذا الزاد فإنه والله خير زاد. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
أم ياسر: كيف أنت يا أم سالم وهذه الحجة..؟ |
أم سالم: لا يستطيع لساني يا أختاه أن يحصي ما أنعم الله به علينا في هذه الحجة. |
أم ياسر: لقد كانت حجة مشرقة بنور المعرفة.. لقد علمنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مناسك الحج صغيرها وكبيرها، دقيقها وعظيمها.. |
أم ياسر: بلى يا أختاه بلى.. لقد أجهد الرسول نفسه وهو يعلمنا مناسك في هذه الحجة فما ترك شاردة ولا واردة منها إلا أحصاها وأبانها لنا. |
أم سالم: إنني أخشى على الرسول من هذا الجهد والمشقة. |
أم ياسر: إنها الرسالة.. إنها النبوة يا أختاه.. لقد حملها الرسول وأحسن أداءها فأشرقت جزيرتنا بنورها وأخرجنا الله بها من ظلمات الكفر والشرك إلى مصابيح الهدى ودين الحق تتلألأ في القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. |
(نسمع أصوات تكبير: الله اكبر.. الله أكبر.. الله أكبر ثم صوت زيد يقول): |
زيد: لم هذا التكبير يا علقمة؟ |
علقمة: لا أدري يا زيد ولكني كبرت مع المكبرين. |
زيد: إننا لم نستطع الاقتراب من النبي صلى الله عليه وسلم بسبب الزحام وتسابق الناس إلى اجتلاء طلعته البهية. |
علقمة: المورد العذب كثير الزحام.. سأمشي طريقي إلى (جابر) فإنه قريب من الرسول وسأسأله عن أسباب هذا التكبير.. |
زيد: أفعل يرحمك الله. |
(نسمع وقع حوافر الخيل.. ومسيرة المشائين وغمغمة وهمهمة من المستقبلين ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: لقد كفاني (جابر) مؤونة الذهاب إليه.. انظره يشق طريقه إلينا على عجل كعادته عندما يكون موسوقاً بالأخبار. |
زيد: مرحبا بك يا جابر.. لقد سعى علقمة إليك فاذا بك تسبقه إلينا فأنت لعمري سباق دائما إلى كل مكرمة. |
علقمة: هات ما عندك.. لقد كبّر الناس ثلاثا وكبرنا معهم فما سبب ذلك؟ |
جابر: كنت أسير بجوار الرسول صلى الله عليه وسلم.. وعندما تراءت له المدينة كبرّ ثلاث مرات فكبرنا معه ثم قال: |
زيد: وماذا قال؟. |
جابر: قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.. آيبون. تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده..
|
علقمة: ما أجمل ما سمعت.. |
زيد: لقد زال عني ما كنت أشكو من تعب وإرهاق.. فالحمد لله على سلامة الاياب.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى صاخبة وعندما نتوقف نسمع أصواتاً مبهمة تعلو وتنخفض مما يدل على أن هنالك اجتماع هام ثم صوت جورجيوس قائد الحدود الجنوبية لإمبراطورية الروم يقول): |
جورجيوس: تواترت الأنباء أن مدعي النبوة من الجزيرة حج هذا العام كان معه أكثر من مئة ألف رجل.. إن نجم هذا الرجل في صعود مستمر.. إن الناس يدخلون في دينه أفواجاً أفواجاً إن من امتشقوا في وجهه الحسام بالأمس أصبحوا يدافعون عنه اليوم ويفدونه بأرواحهم وأموالهم.. يجب أن نستعد لليوم الذي يوجه فيها مدعي النبوة هذه الحشود الغفيرة نحو إمبراطوريتنا.. |
أرطبون: الويل لهم إن حدثتهم أنفسهم بالاقتراب من حدودنا فأنت ستستحقهم ولأبيهم. |
جورجيوس: (يضحك ساخرا): ربما لا أدرك يا أرطبون اليوم الذي يغزو فيه أتباع محمد إمبراطوريتنا.. ولكن الشباب أمثالك لا شك سيدركونه وعندها تعرف صدق ما أقول.. |
أرطبون: سيدي الحاكم أرجو لك العمر المديد والصحة والعافية والتوفيق في خدمة إمبراطوريتنا العظيمة. |
جورجيوس: شكراً... شكراً.. والآن دعونا ندخل في الموضوع الذي دعوتكم من أجله.. |
أرطبون: تفضل يا سيدي الحاكم فكلنا آذان مصغية.. |
جورجيوس: لقد ألقت الحركة الدينية التي قام بها مدعي النبوة عبئاً ثقيلاً على كاهل الامبراطورية واضطرتها إلى أن تحتفظ بعدد غير قليل من الجنود تحت السلاح.. |
أصوات: كلنا فداء للامبراطورية.. كلنا فداء للامبراطور.. |
جورجيوس: بورك فيكم.. بورك فيكم.. |
أرطبون: سيدي الحاكم.. هل أفهم مما تقول أن هنالك أنباء متواترة عن تحركات مريبة في الجزيرة العربية.. |
جورجيوس: لقد سمعت من الوافدين من الجزيرة أن محمداً هذا يدعي أنه رسول للعالمين.. يعني أنه مرسل لكل العالم.. |
أرطبون: كم هي غريبة دعوى محمد هذا.. ألا يكفيه أنه لعب بعقول القبائل العربية في الجزيرة.. أيظن أن الناس في الامبراطورية من السخف بحيث تنطلى عليهم أباطيله.. |
جورجيوس: لا نلق الكلام على عواهنه ولا تدع عواطف الشباب تتغلب على حكمة عقلك.. لقد تقصيت أخبار محمد هذا وتتبعت مسيرة دعوته فعرفت من المعجزات والخوارق ما أكدّ لديّ أنه صاحب رسالة. |
أرطبون: سيدي الحاكم... أتعني أنه في مصاف الأنبياء.. |
جورجيوس: هذا ما لا شك فيه عندي.. ولقد أخبرني بعض رهباننا أنهم يجدون صفة محمد هذا فيما يستشفونه بين سطور التوراة والإنجيل.. |
أرطبون: بماذا تشير علينا أيها الحاكم المبجّل.. |
جورجيوس: يجب أن نحتاط ونحذر العرب المقيمين بيننا فكلهم عيون لمحمد وكلهم جواسيس له.. إنهم يزودونه بأنبائنا الفينة بعد الفينة إنهم ينظرون إليه مخلصا لهم من حكمنا ومحررا لهم من قبضة هذه الامبراطورية. |
أرطبون: صدقت أيها الحاكم الحكيم.. لقد تلمست الشعور باقتراب يوم الخلاص والتحرر من الحكم الروماني بين العرب هنا في بلاد الشام.. إن هذا الشعور يزداد انتشارا وتمكنا كلما وردت أنباء عن انتصارات لمدعي النبوة على القبائل العربية في الجزيرة.. |
جورجيوس: أراك عدت إلى جادة الصواب يا أرطبون.. |
أرطبون: الفضل منك وإليك يا سيدي الحاكم.. |
الحاجب: (يدخل) سيدي الحاكم.. |
جورجيوس: ما وراءك أيها الحاجب؟ |
الحاجب: لقد قبضت دوريات الحدود على بعض العرب القادمين من الحجاز وبعد استنطاقهم واستجوابهم أفادوا. |
جورجيوس: (مقاطعاً) أفادوا بماذا؟ قل.. |
الحاجب: قالوا إن مدعي النبوة يجهز حملة كبيرة لغزو حدودنا للثأر لقتلاه في وقعة مؤتة. |
جورجيوس: أصدقت الآن يا أرطبون مخاوفي. |
أرطبون: بلى يا مولاي.. بلى. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى).. |
علقمة: أسمعت يا زيد بالشائعات التي تدور في المدينة؟ |
زيد: سمعت ولكني لم اتبين كنهها.. هل لديك تفاصيل عنها علقمة؟. |
علقمة: لا يا أخي. |
زيد: سيأتينا (جابر) بقضها وقضيضها. |
علقمة: صدقت يا زيد فهو خير من تنسم الأخبار. |
زيد: علقمة.. علقمة.. |
علقمة: ماذا يا زيد.. ماذا؟ |
زيد: انظر هنالك.. |
علقمة: أين يا زيد.. أين؟ |
زيد: عند شجيرات النخيل.. أبصر رجلاً يسعى.. |
علقمة: إني والله إنه... إنه.. جابر.. جابر يا زيد.. |
زيد: سيأتيك (جابر) بالخبر اليقين.. |
علقمة: أراه يعرج صوب داره.. انظر إنه يدخلها.. |
زيد: هلم بنا إليه. |
علقمة: هيا.. هيا.. |
(موسيقى).. |
جابر: (وقد سمع طرقاً على الباب) من الطارق؟ من الطارق؟ |
علقمة: زيد وعلقمة يا جابر.. |
جابر: يا مرحبا.. يا مرحبا.. ادخلا على الرحب والسعة. |
زيد وعلقمة: السلام عليك.. |
جابر: وعليكما السلام.. تفضلا واجلسا.. يا مرحبا.. يا مرحبا.. |
زيد: حياك الله يا جابر.. ما أجمل لقاءك.. |
جابر: كنت في طريقي إليكما.. غير أني تذكرت بعض حاجات لي في منزلي فعرجت لقضائها. |
علقمة: لعل مجيئنا لا يعوقك عن قضائها. |
جابر: أبداً... أبداً.. لقد قضيتها. |
زيد: جابر،.. تروج إشاعات كثيرة في المدينة حول تجهز لغزو ولكننا لا ندري إلى أين؟ ومبلغ ذلك من الصحة؟ |
جابر: ذلك ما كنت أوشك أن أخبركما به.. |
علقمة: قل بربك.. قل.. |
جابر: لقد أقرّ النبي صلى الله عليه وسلم بتجهيز حملة إلى الشام بقيادة أسامة بن زيد. وأمره أن يوطئي الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين. |
زيد: وماذا من أخبار غير هذه الحملة. |
جابر: خبر لا يسر.. إي والله لا يسر.. |
علقمة وزيد: (بتلهف) ما هو قل بربك.. عجل.. |
|