الحلقة ـ 86 ـ |
علقمة: اسمع يا زيد فقد تلا علي بن أبي طالب ما كان يجيش بنفسك.. |
زيد: وما هو؟ |
علقمة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة: 28 ـ 29).. |
زيد: الحمد لله.. الحمد لله.. صدق الله العظيم.. صدق الله العظيم.. |
علقمة: ها هو علي بن أبي طالب ينتهي من كلامه بهذه الآية.. |
زيد: ما هي يا علقمة؟ |
علقمة: وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين. |
زيد: ما أعظم ما جاء في هذه الآيات من حكم وبينات.. |
علقمة: صه يا زيد علي بن أبي طالب يعود إلى الكلام.. |
زيد: أنقل لي بالله عليك ما يقول؟ |
علقمة: إنه يقول: أيها الناس إنه لا يدخل الجنة كافر، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته وإني أؤجلكم أربعة أشهر بعد هذا اليوم ليرجع كل قوم إلى مأمنهم وبلادهم.. |
زيد: الحمد لله على نعمة الإسلام لن يحج بعد اليوم مشرك ولن يطوف بالبيت عريان.. أما قلت لك يا علقمة إني موقن أن الله سبحانه وتعالى سينزل على نبيه أمراً يحال بين المشركين وبين الاقتراب من البيت الذي طهر من الشرك ومحيت منه كل معالم الوثنية. |
علقمة: صه يا زيد.. إني أسمع همسا بين الناس فتعال نسترق ما يهمسون.. |
زيد: هيا ولو أن سمعي لا يساعدني على السرقة فكن أنت السارق يا علقمة. |
((يضحكان))
|
علقمة: إن الناس يهمسون أن علي بن أبي طالب لم يكتف بقراءة هذه الآيات بل أمر الناس بقراءتها من بعد ذلك في منازلهم.. |
زيد: عظيم جداً ما يفعله علي بن أبي طالب إنه يريد أن يجعل كل فرد يلم بما في تلكم الآيات من أحكام وتشريع ونظام.. |
(نقلة صوتية مسبوقة بموسيقى ثم صوت أم مالك تقول): |
أم مالك: الحمد لله يا أم سالم.. لقد طهر الله بيته من المشركين فلن يحج بهذا البيت مشرك ولن يطوف به عريان بعد اليوم وإلى الأبد... |
أم سالم: إن شاء الله... إن شاء الله.. |
أم مالك: ما رأيك في الطواف والصلاة شكراً وحمداً على نعمه التي لا تحصى.. |
أم سالم: إنني على أتم الاستعداد هيا بنا يا أختاه.. |
أم مالك: هيا... هيا.. |
(نقلة صوتية نسمع فيها صوت علقمة يقول): |
علقمة: لقد أثمر الذي تلاه علي بن أبي طالب من (براءة) وما نادى في الناس بألا يدخل الجنة كافر وألا يحج بعد العام مشرك وبألا يطوف بالبيت عريان، خير الثمرات، حتى أزال كل تردد من نفوس القبائل التي كانت متباطنة في تلبية دعوة الإسلام.. |
زيد: صحيح ما قلت يا علقمة فالمدينة قد أصبحت ساحة حجيج من كثرة الوفود القادمين والعائدين بعد أن أسلموا. |
(نسمع أصواتاً تعلو وتنخفض وهمسات وهمهمة وغمغمة ثم صوت عامر بن الطفيل يقول): |
عامر: إني أرى القبائل يدخلون في دين الفتى القرشي أفواجاً أفواجاً.. |
حصيني: إن الناس قد أسلموا يا عامر فهلا أسلمت قبلهم.. |
عامر: لقد كنت آليت أن لا أنتهى حتى تتبع العرب عقبي أأتبع أنا هذا الفتى من قريش أغرب عن وجهي لا أبالك.. |
أريد: ماذا أنت صانع إذن يا عامر وقد بلغ سيل الإسلام بطن وادينا.. |
عامر: أتسمعني يا أريد؟ |
أريد: قل فكلي آذان وأسماع وأبصار.. |
عامر: سنتظاهر باننا ذاهبون إلى محمد للدخول في دينه فإذا قدمنا عليه فاني شاغل عنك وجهه فإذا فعلت فاعجله بالسيف |
أريد: وكيف تنجو من أصحابه. |
عامر: أراك جنيت يا أريد.. أتخشى أحدا وأنا بجانبك. |
أريد: لا... لا.. هيا سر بنا. |
(نسمع وقع حوافر الخيل وقعقعة السلاح ثم صوت علقمة يقول): |
علقمة: انظر يا زيد.. ها هو وفد بني عامر برئاسة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس وجبار بن سلمى يفدون للدخول في الإسلام. |
زيد: عدو الله عامر بن الطفيل يريد الدخول في الإسلام أكاد لا أصدق عيني.. |
علقمة: أتكره له الهداية يا زيد؟ |
زيد: لا يا علقمة ولكنه عدو لدود للاسلام.. مغتر بقومه وبزعامته غدار.. مكار لا يؤمن جانبه أتذكر فتكه بإخواننا في سرية بئر معونة.. |
علقمة: أذكر ذلك ولا أنساه ولكن من يدري ربما يكون الله قد شرح صدره للاسلام. |
زيد: إن الله لا يهدي أمثال هذا الغادر بل يمد لهم في طغيانهم حتى يأخذهم أخذ عزيز مقتدر. |
علقمة: هيا بنا نشهد دخول وفد بني عامر على النبي صلى الله عليه وسلم.. |
زيد: هيا بنا.. هيا بنا.. |
(نقلة صوتية وأصوات تدل على اجتماع هام). |
علقمة: ها هو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفى بعامر بن الطفيل فيلقى له وسادة ليجلس عليها ثم يقول له أسلم يا عامر. |
عامر: أتجعل لي الأمر بعدك إن أسلمت.. |
(همهمة وغمغمة تدل على اشمئزاز الحاضرين من جواب عامر وها هو زيد يعبر عن ذلك بقول): |
زيد: أما قلت لك إن عدو الله ليس عنده الاستعداد للإسلام |
علقمة: يا زيد.. اسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعامر: ليس ذلك لك ولا لقومك إنما هو لله يجعله حيث يشاء. |
عامر: يا محمد إني أسلم على أن لي الوبر ولك المدر.. |
((همسة سخط من الحاضرين.. ثم صوت زيد...))
|
زيد: إن عدو الله يداور ويحاور إنه مخادع ماكر.. |
علقمة: لقد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب عامر.. |
عامر: ما لي إن أسلمت يا محمد. |
علقمة: وها هو صلى الله عليه وسلم يلقم عامر بن الطفيل حجراً فيقول له جواباً على طلبه لك يا عامر ما للمسلمين وعليك ما عليهم. |
عامر: أما ولله لأملانها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً ولأربطن بكل نخلة فرساً. |
(ضجيج من الحاضرين ثم صوت زيد يقول): |
زيد: يا له من وقح.. إنه يتهدد ويتوعد ولا يخشى سيوفنا والله لولا خشية غضب الرسول لانتزعت سيفي وسددته إلى نحر عدو الله. |
علقمة: لقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم منتهى حدود سعة الصبر وسعة الحلم والكرم حين أجاب عامر: يمنعك الله عز وجل. |
زيد: ها هم يخرجون.. اني أنظر إلى عيون المسلمين والشرر يكاد يتطاير منها وتكاد تفتك بعدو الله عامر بن الطفيل ومن معه لولا خوفها من الرسول.. |
علقمة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعطيها درساً في ضبط النفس ويعلمنا كيف نكظم الغيظ وكيف نعفو عن الناس. |
(نقلة صوتية يسمع فيها وقع حوافر الخيل وهمسات ثم صوت عامر يقول في غضب): |
عامر: ويلك يا أربد إني ما كنت أمرتك به والله ما كان على وجه الأرض من رجل أخافه على نفسي منك أبداً وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً.. |
أربد: لا يا عامر لا أبالك لا تعجل عليّ والله ما هممت بالذي أمرتني به إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك.. أفأضربك بالسيف |
عامر: إني لا أصدق ما تقول: بل قل رأيت وجوه المهاجرين والأنصار تحف بمحمد فخشيت أن تحسك سيوفهم فجننت.. |
أربد: والله لولا عهد قديم وود موصول لفارقتك يا عامر إلى الأبد أتصمني بالجبن وأنا من تعرف. |
عامر: لقد ضربت على الوتر، وعرفت كيف تكبح جماح غضبي وتنتزع شغاف قلبي. فأنت والله صديق العمر ورفيق السلاح في السهل والحزن في العسر واليسر في الغنى والفقر.. |
أربد: إنك والله عند حسن ظنك بي. |
عامر: يا أربد.. منذ خرجت من عند محمد وأنا أشعر بحال غير الحال التي دخلت بها عليه. |
أربد: وماذا تحس يا عامر؟ |
عامر: أحس بدبيب آلام تسري في عروقي ويزداد ألمها حول عنقي وحلقي حتى يكاد صوتي ينحبس وكأني أختنق وكأن كي نار في عنقي.. تعال يا أربد انظر هل ترى أثر النار في هذه الناحية من عنقي. |
أربد: إني أرى آثار ورم وكأنه بعد لسعة نحلة. |
عامر: إن الألم يزداد يا أربد. |
أربد: هون عليك يا عامر.. عهدي بك لا تخاف جراحات السنان فهل أصبحت تخشى لسع النحل. |
عامر: ولكنه ألم أشد من جراحات السنان وفتكات السيوف إني أحس وكأن في عنقي غدة كغدة البعير يا بني عامر.. يا بني عامر.. ادركوني.. ادركوني.. |
أربد: لبيك يا عامر.. لبيك.. هون عليك.. إنه عادي وستشفى منه قريباً.. |
عامر: إنه الموت يا أربد.. إنه الألم الموجع.. إنه يزداد ساعة بعد ساعة.. أليس من مكان نأوي إليه.. |
أربد: بلى.. إني أبصر بيتا على حزن ذلك الجبل. |
عامر: هلموا بنا إليه.. هلموا.. اسرعوا.. |
(نسمع عدو خيلهم). |
أربد: إنه بيت امرأة من بني سلول وأنت تعرف لؤم بني سلول.. |
عامر: يا بني عامر أغدة كغدة البعير وموت في بيت امرأة سلولية.. |
المرأة: أتبرأ منا يا عامر ونحن من بني عمك إنني بنية سلول بن صعصعة وأنت من بني عامر بن صعصعة استكبرت علينا يا ابن العم. |
أربد: لا يا أمة الله.. ولكن عامر يشكو من ألم مبرح في عنقه.. |
المرأة: أرني عنقك يا عامر.. أرني.. ويحكم يا بني عامر.. إنه الطاعون إنه الداء الذي لا دواء له.. |
عامر: يا بني عامر.. يا بني عامر.. اغدة كغدة البعير وموت في بيت امرأة من بني سلول... ائتوني بفرسي ورمحي.. ائتوني بفرسي ورمحي.. |
المرأة: اسرجوا له فرسه واعطوه رمحه وخلوه يودع رمحه وفرسه.. |
(نقلة صوتية). |
علقمة: لم أر في حياتي وفدا أوقح من وفد بني عامر يا زيد. |
زيد: لقد قلت لك أن عامر عدو لدود للاسلام وأنه غدار مكار.. |
علقمة: صدقت يا زيد... لقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم أياماً يدعو على عامر بن الطفيل ومن معه. |
زيد: وها هي دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم تستجاب فيصاب عامر بالطاعون وبالجنون فقد علمت أنه ظل راكباً فرسه شارعاً رمحه يجول بين الوديان بشك رمحه في أية شجرة يصادفها أو أي كثيب رمل يواجهه حتى مات وهو على ظهر فرسه.. |
علقمة: إلى جهنم وبئس القرار.. ولكن قل لي يا زيد ماذا جرى لرفيقه أربد بن قيس الذي كان يسير عامر في الشجاعة وقراع الابطال.. |
زيد: علمت أن أربد بن قيس حينما عاد إلى قومه سألوه ما وراءه؟ فقال شيء والله لقد دعانا محمد إلى عبادة شيء لوددت أني عنده الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله.. |
علقمة: ويحه قاتله الله.. ما أكفره.. |
زيد: اصغ يا علقم إلى بقية القصة.. |
علقمة: قل بالله عليك واشف غليلي من هذا الكافر.. |
زيد: لقد خرج أربد بعد مقالته هذه بيوم أو يومين ومعه جمله يتبعه فأرسل الله عليه وعلى جمله صاعقة أحرقتهما.. |
علقمة: وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ (الرعد: 13). |
زيد: صدق الله العظيم. |
|